أولاً- الشكر هو تصور النعمة وإظهارها ، ولا يكون إلا على النعمة خاصة . وقيل : هو مقلوب عن الكَشْر . أي : الكشف . ويضاده الكفران ، وهو نسيان النعمة وسترها . ومنه : دابة شكور ، إذا ظهر فيها السِّمن مع قلة العلف . ويقال : ناقة شكرة . أي : ممتلئة الضرع من اللبن . وقيل : هو أشكر من بروق ، وهو نبت يخضر ، ويتربَّى بأدنى مطر . وأشكرت السحابة : امتلأت ماء . والشكر على هذا الأصل : إظهار حق النعمة لقضاء حق المنعم ؛ كما أن الكفر تَغطيةُ النعمة لإبطال حق المنعم . وقيل : أصله من عين شَكْرَى . أي : ممتلئة . فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه .
والشكر ثلاثة أضرب : شكر القلب ، وهو تصور النعمة . وشكر اللسان ، وهو الثناء على المنعم . وشكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه . وقوله تعالى :﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراًوَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾(سبأ: 13) فقد قيل : انتصب ﴿ شُكْراً﴾ على التمييز ، ومعناه : اعملوا ما تعملونه شكرًا لله . وقيل :﴿ شُكْراً﴾ مفعول لقوله تعالى :﴿اعْمَلُوا﴾ . وقال :﴿اعْمَلُوا﴾ ، ولم يقل : اشكروا ؛ لينبِّهَ على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح . وقوله تعالى :﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ فيه تنبيه على أن توفية شكر الله صعبة ؛ ولذلك لم يُثْنِ الله تعالى بالشكر من أوليائه إلا على اثنين منهم : إبراهيم ، ونوح عليهما السلام . أما إبراهيم فقال الله تعالى في حقِّه :﴿شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ﴾(النحل: 121) . وأما نوح فقال الله تعالى في حقِّه :﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾(الإسراء: 3) . وإذا وصف الله تعالى نفسه بالشكر في قوله :﴿وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾(التغابن:17) ، فإنما يعنى به إنعامه على عباده ، وجزاءه لهم بما أقاموه من العبادة .
ثانيًا- أمّا الحمد فهو الثناء على الجميل من جهة التعظيم ، ويكون على النعمة ، وغير النعمة . تقول : حمدت الرجل على إنعامه ، وحمدته على حسبهوشجاعته .ونقيضه : الذَّمُّ إلا على إساءة ، ويقال :﴿الْحَمْدُ للّهِ﴾ على الإطلاق ، ولا يجوز أن يطلق إلا لله تعالى ؛ لأن كل إحسان فهو من الله تعالى في الفعل ، أو التسبيب . والحمد يكون باللسان وحده ، فهو إحدى شعب الشكر ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :« الحمد رأس الشكر ، ما شكر اللهَ عبدٌ ، لم يحمده» . وعن ابن عباس رضي الله عنهما :«من قال : لا إله إلاّ الله ، فليقل على أثرها : الحمد لله رب العالمين » .
ثالثًا- ومن الفروق بين الحمد والشكر : أنه يجوز أن يحمد الإنسان نفسه في أمور جميلة يأتيها ، ولا يجوز أن يشكرها ؛ لأن الشكر يجري مجرى قضاء الدين ، ولا يجوز أن يكون للإنسان على نفسه دين . فالاعتماد في الشكر على ما توجبه النعمة ،والاعتماد في الحمد على ما توجبه الحكمة . والله تعالى حامد لنفسه على إحسانه إلى خلقه ،﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾(الروم: 18) . وعليه فالحمد أعمُّ من الشكر مطلقًا ؛ لأنه يعمُّ النعمة وغيرها ، وأخصُّ موْردًا ؛ إذ هو باللسان فقط ، والشكر بالعكس ؛ إذ متعلقه النعمة فقط ، ومورده اللسان والجنان وغيرهما .
بورك فيك ونفع بك
شكرا من القلب