تخطى إلى المحتوى

دورة: [كيفية الإيمان بالقدر] 2024.

لاكي
[دورة: كيفية الإيمان بالقدر]

الدرس: الثامن

س1: كيف يريد الله تعالى أمرًا وهو لا يحبه ؟

ج1: هذا سؤال مشهور تردده ألسنة الذين لا يعقلون عن الله حكمة ومصلحة ويجعلونه وسيلة للقدح في أفعال الله تعالى وسلب الحكم والمصالح عنها ، وهو مزلق خطير إذا لم يؤخذ جوابه من أهل السنة ، فلكم حصل في جوابه من التخبط لما أخذ عن غيرهم وضل به أقوام كثر..

جوابه وبالله التوفيق :

إنه لابد أولاً أن نفرق بين المرادات ، فإن المرادات قسمان : مرادات لذاتها ، ومرادات لغيرها .

فالمراد لذاته مطلوب محبوب لذاته ، وأما المراد لغيره فإنه قد لا يكون محبوبًا ومطلوبًا لذاته ، بل لما يترتب على وجوده من الحكم والمصالح .

فالمراد لغيره بالنظر إلى ذاته لا يكون محبوبًا ولا مطلوبًا ، وبالنظر إلى ما يترتب عليه يكون مرادًا ، فهو مراد لشيء آخر لا أنه مراد لنفسه ، وأضرب لك مثالين على المراد لغيره ليتضح لك الأمر :

الأول : قطع العضو المتآكل الذي يكون في بقائه تلف بقية الأعضاء ، فإن الإنسان يذهب بنفسه إلى الطبيب ويمد هذا العضو إليه وهو يعرف أن الطبيب سيقطع هذا العضو من جسده ، وهو يريد ذلك القطع لكن بالله عليك هل هذا المريض يريد هذا القطع لذات القطع أي لأنه يحب ذلك لنفسه ؟ بالطبع لا ، ولكنه أراده لعلمه بآثاره الطيبة ومصالحه المترتبة عليه ، فهو أراد القطع لا لذات القطع وإنما أراده لغيره أي أراده لما يترتب عليه من سلامة بقية الأعضاء ، فاجتمع في هذا القطع البغض والحب ، فبالنظر إلى ذاته مبغوض مكروه ، وبالنظر إلى آثاره محبوب مراد ، فهو – أي القطع – مراد لغيره لا مراد لذاته ، ومن ذلك أيضًا تناول الدواء الكريه .

الثاني : قطع المسافات والصحارى والقفار وتحمل الأخطار ومفارقة الأهل والبلد ، للوصول إلى محبوبه الذي ملك عليه قلبه واستحكم حبه في نفسه ، فإن أحدًا لا يريد تعذيب نفسه بذلك لكنه علم أنه لا سبيل للوصال إلا بهذا الشقاء ، فأراد الدخول فيه لا لأنه يريده لذاته وإنما لأنه يعلم بآثاره المترتبة عليه ، فقطع المسافات وتحمل المشاق ليس مرادًا لذاته ، وإنما المراد لغيره ، فهو محبوب من وجه ومبغوض من وجه .

ومن هنا يتبين لنا أن الشيء يجتمع فيه الأمران ، بغض من وجه وحب من وجهٍ آخر ، ومن هنا يعرف الجواب على هذا السؤال الذي طال حوله الجدل وهو أن يقال : إن الأشياء التي أراد الله تعالى وقوعها كونًا وهو لا يحبها ولا يرضاها هي من قبيل المراد لغيره ، لا من قبيل المراد لذاته حتى يرد الإشكال ، فإن الذي يرد هذا الإشكال في ذهنه إنما هو الذي يجعل الأشياء الواقعة كلها من قبيل المراد لذاته وهم الجبرية والقدرية كما ذكرت لك سابقًا أن القاعدة عندهم أن كل شيء يشاؤه فإنه يحبه وهذا مخالف للنقل والعقل والحس والفطرة ، وأما على قول أهل السنة فإن لا إشكال أبدًا ، فكل شيء وقع في الكون فإنه لم يقع إلا بإرادته جل وعلا إذ لا يكون في كونه إلا ما يريد ، وهذه الإرادة لا تخلو إما أن تكون لذاتها وإما لغيرها ، فالأشياء التي وقعت وهو لا يحبها هي من قبيل الإرادة الكونية أي من قبيل ما يراد لغيره لا ما يراد لذاته فإذا فمت ذلك وفرقت بين المرادين فقد أوتيت خيرًا كثيرًا وكفيت شرًا كثيرًا ، وهو من هداية الله لك صراطه المستقيم فاحمد الله على ذلك وأكثر من شكره ليزيدك توفيقًا وهداية ، قال تعالى : }والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم{ ، وقال تعالى : }وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم{ ، والله أعلم .

_______________________________
س2: هل ضربت لنا أمثلة على ذلك الأمر ليزداد الأمر وضوحًا ورسوخًا في القلوب ؟

ج2: خلق المصائب والآلام والحكمة من ذلك ، فإن هذه الأشياء ليست مرادة لذواتها وإنما مرادة لغيرها ، فلما يترتب عليها من المصالح والحكم والغايات المحمودة أرادها الله تعالى .

فمن ذلك : تذكير العباد الذين تنكبوا عن الصراط بقدرته جل وعلا ويملهم عسى أن يحدث ذلك في قلوبهم رجوعًا وتوبة ، وكم حصل من الخير بسبب هذه الحوادث والآلام من توبة المذنبين وتيقظ الغافلين ، وإقبال المعرضين ورجوع الكثير إلى الله تعالى ، قال تعالى : } ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون{ .

ومنها : استخراج عبودية الضراء وهي الصبر ، قال تعالى : }وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون { ، وقال تعالى : }إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب { ، وقال تعالى : } إن الله يحب الصابرين{ ، وهذا لا يتم إلا بأن يقلب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله جل وعلا .

ومنها : تكفير السيئات ، فإن العباد كسابون للذنوب كثيرًا وهم خطاءون ، ولربما يغفل العبد عن التوبة عن كثير منها فيجري الله تعالى هذه المصائب والآلام على العبد فيصبر فيكون ذلك سببًا لتكفير السيئات عنه ، وفي الحديث : ((لا بأس عليك كفارة وطهور إن شاء الله)) ، وفي الحديث أيضًا : ((ما يصيب العبد من هم ولا غم ولا وجع ولا نصب إلا كفر الله عنه من خطاياه حتى الشوكة يشاكها)) ، والأحاديث في ذلك كثيرة .

ومنها : حث النفوس وحفز أشواقها إلى الجنة ، فإن العبد مع مرور هذه الآلام والمصائب التي تكدر عيشه وتنغص عليه حياته يعلم علم اليقين أن هذه الدار دار تعب ومكابدة ونصب ، وأما الجنة فإنها دار الراحة المطلقة فلا تعب فيها ولا نصب ، فيشمر العبد بالاجتهاد في العمل الصالح لنيل هذه الدار الكريمة الغالية ، ولو أن الدنيا لم يكن فيها ذلك لما كان هناك كبير فرق ولنسي العبد الجنة ، فانظر إلى الحكمة العظيمة والغاية النبيلة .

ومنها : تقوية الرابطة بين العبد وربه جل وعلا وعلمه بضعفه ، فإن هذه المصائب والآلام يعلم العبد أنه لا خلاص له منها ولا مخرج له عنها إلا بصدق الالتجاء إلى ربه جل وعلا ، فيكون العبد دائم الذكر ودائم الدعاء والتضرع إلى الله ، وهذا أمر يحبه الله من العبد ، بل هو حقيقة العبادة ، فالعبد مفتقر إلى الله تعالى الافتقار الذاتي ، كما أنه جل وعلا هو الغني الغنى الذاتي ، فلا يمكن في حال من الأحوال أن يزول وصف الافتقار إلى الله تعالى من العبد ، كما أنه لا يمكن ولا يتصور ويستحيل الاستحالة المطلقة أن يزول وصف الغنى عن الله جل وعلا .

ومنها : الدخول في زمرة المحبوبين لله جل وعلا ، فالمبتلون يدخلون في زمرة المحبوبين المشرفين بمحبة الله جل وعلا ، فإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم ، وقد جاء ذلك في السنة كما في قوله e : ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)) حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه .

وغير ذلك من الحكم والمصالح التي لا يحيط بها على التفصيل إلا الله جل وعلا ، فهذا المثل يوضح إن شاء الله تعالى شيئًا من الحكم والمصالح في المرادات لغيرها ، والله أعلم .

"منقول بتصرف"

***

الأسئلة التطبيقية:

لاتوجد أسئلة لذلك الدرس.. إنما كان –زيادة للأمثلة لمن لم يفهم الدرس السابق جيدا-

باقي لنا في هذه الدورة..درسين فقط..وبذلك تكون عشرة كاملة
بارك الله فيك
ونفع بك
وسدد على الحق خطاك

بإنتظار الدرسين أخيتي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لاكي

بورك فيك غاليتي * سنا *
جعله الله في موازين حسناتك

بأنتظار الدرسين بأذن الله تعالى

ربي زدني علما

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أستاذتنا الغالية سناالمتفائلة جازاك الله كل خير على مزيد التوضيح
استوعبت الدرس جيدا و لله الحمد
ننتظر المزيد من الدروس المفيدة
جعلها الله في ميزان حسناتك .

لاكي كتبت بواسطة هاجس الذكريات @ لاكي
بارك الله فيك
ونفع بك
وسدد على الحق خطاك

بإنتظار الدرسين أخيتي

لاكي كتبت بواسطة فيردوسمحمد لاكي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لاكي

بورك فيك غاليتي * سنا *
جعله الله في موازين حسناتك

بأنتظار الدرسين بأذن الله تعالى

ربي زدني علما

لاكي كتبت بواسطة om salsabil لاكي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أستاذتنا الغالية سناالمتفائلة جازاك الله كل خير على مزيد التوضيح
استوعبت الدرس جيدا و لله الحمد
ننتظر المزيد من الدروس المفيدة
جعلها الله في ميزان حسناتك .

بارك الله فيكم غالياتي..
كل الشكر لكم على تواجدكم الدائم..
وفقكم الله ورعاكم..

ودي لكم..
*

في الحقيقة.. نفتقد أختنا الغالية "أم رغودة"
الله ييسر لها أمرها، ويجعل المانع خيير..

ننتظرك بشوووق..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.