تخطى إلى المحتوى

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة من أهل النار 2024.

عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ (( هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا )) .
قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : (( إِنَّهُ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى وَإِنَّهُمَا قَالَا لِى انْطَلِقْ وَإِنِّى انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا
وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ وَإِذَا هُوَ يَهْوِى بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ وَإِذَا هُوَ يَأْتِى أَحَدَ شِقَّى وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ فَيَشُقُّ قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ وَإِذَا فِى النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِى ذَلِكَ الَّذِى قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا
فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَى الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِى السَّمَاءِ وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ قَالَا لِى انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ فَانْطَلَقْنَا
فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ قَالَ قَالَا لِى ارْقَ فِيهَا قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَ قَالَا لَهُمْ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِى ذَلِكَ النَّهَرِ قَالَ وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِى كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِى الْبَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ
قَالَ قَالَا لِى هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ فَسَمَا بَصَرِى صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ قَالَ قَالَا لِى هَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِى فَأَدْخُلَهُ قَالَا أَمَّا الْآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلَهُ قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِى رَأَيْتُ ؟
قَالَ قَالَا لِى أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ
أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ
وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِى
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِى النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِى عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِى فِى الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ
وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ . رواه البخاري

الشرح:
وقع فى رواية جرير بن حازم"فسأل يوما فقال: هل رأى أحد رؤيا؟ قلنا: لا قال: لكن رأيت الليلة" قال الطيبى: وجه الاستدراك أنه يحب أن يعبر لهم الرؤيا، فلما قالوا ما رأينا شيئا كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئا لكنى رأيت .
وفى رواية أبى خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام واسمه خالد بن دينار عن أبى رجاه عن سمرة"أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوما فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا فليحدث بها، فلم يحدث أحد بشيء فقال: إنى رأيت رؤيا فاسمعوا منى"أخرجه أبو عوانة .

قوله (إنه أتانى الليلة) وفى حديث "رأيت ملكين"وسيأتى فى آخر الحديث أنهما"جبريل وميكائيل".
قوله (وإنهما ابتعثانى) ابتعثانى أرسلانى، يقال ابتعثه إذا أثاره وأذهبه.
قوله (وإنى انطلقت معهما) فى روايته"إلى الأرض المقدسة" وعند أحمد إلى أرض فضاء أو أرض مستوية، وفى حديث على"فانطلقا بى إلى السماء".
قوله (وإنا أتينا على رجل مضطجع) فى رواية "مستلق على قفاه".
قوله (وإذا آخر قائم عليه بصخرة) فى رواية "بفهر أو صخرة"
قوله (يهوى) بفتح أوله وكسر الواو أى يسقط
قوله (بالصخرة لرأسه فيثلغ) أى يشدخه، و فى رواية " فيشدخ"والشدخ كسر الشيء الأجوف.
قوله (فيتدهده الحجر) بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة. والمراد أنه دفعه من علو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط،
قوله (هاهنا) أى إلى جهة الضارب.
قوله (فيتبع الحجر) أى الذى رمى به (فيأخذه) فى رواية "فإذا ذهب ليأخذه".
قوله (فلا يرجع إليه) أى إلى الذى شدخ رأسه.
قوله (حتى يصح رأسه) فى رواية "حتى يلتئم"وعند أحمد"عاد رأسه كما كان " وفى حديث فيقع دماغه جانبا وتقع الصخرة جانبا.
قوله (ثم يعود عليه) فى رواية " فيعود إليه".
قوله (مثل ما فعل به مرة الأولى) وفى رواية "فيصنع مثل ذلك"قال ابن العربى: جعلت العقوبة فى رأس هذه النومة عن الصلاة والنوم موضعه الرأس.
قوله (فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد) كلوب، وهى حديدة معطوفة الرأس، يعلق فيها اللحم، وترسل فيها التنور.
قوله (فيشرشر شدقه إلى قفاه) أى يقطعه شقا، والشدق جانب الفم. وفى رواية "فيدخله فى شقه فيشقه حتى يبلغ قفاه".

قوله (ومنخره) كذا بالإفراد وهو المناسب. وفى رواية "ومنخريه"بالتثنية.
قوله (قال وربما قال فيشق) أى بدل فيشرشر،
قال ابن العربى: شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وعلى هذا تجرى العقوبة فى الآخرة بخلاف الدنيا.
قال الكرمانى: الواو لا ترتب، والاختلاف فى كونه مستلقيا وفى الأخرى مضطجعا والآخر كان جالسا وفى الأخرى قائما يحمل على اختلاف حال كل منهما.
قوله (فأتينا على مثل التنور) فى رواية "مثل بناء التنور"
زاد جرير"أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نارا"
التنور: ما توقد فيه النار للخبز وغيره، وهو فى الأكثر يكون حفيرة فى الأرض، وربما كان على وجه الأرض .
قوله (وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات) فى رواية "ثقب قد بنى بناء التنور وفيه رجال ونساء".
قوله (وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) الضوضاة أصوات الناس ولغطهم
وفى روية "فإذا اقتربت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا .
قوله (فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم) فى رواية " على نهر من دم"ولم يقل حسبت.
قوله (سابح يسبح) أى يعوم.
قوله (فيفغر) بفتح أوله وسكون الفاء وفتح الغين المعجمة بعدها راء أى يفتحه وزنه ومعناه.
قوله (كلما رجع إليه) فى رواية " كما رجع إليه ففغر له فاه"ووقع فى رواية جرير بن حازم"فأقبل الرجل الذى فى النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر فى فيه ورده حيث كان"
ويجمع بين الروايتين أنه إذا أراد أن يخرج فغر فاه وأنه يلقمه الحجر يرميه إياه.
قوله (كريه المرآة) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث، قال ابن التين: أصله المرأية تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وزنه مفعلة.
قوله (كأكره ما أنت راء رجلا مرآة) أى قبيح المنظر.
قوله (يحشها) وفى رواية "يحششها" بسكون الحاء وضم الشين المعجمة المكررة. قوله (ويسعى حولها) فى رواية " ويوقدها"وهو تفسير يحشها
قال الجوهرى: حششت النار أحشها حشا أو قدتها.
وقال فى التهذيب: حششت النار بالحطب ضممت ما تفرق من الحطب إلى النار. وقال ابن العربى: حش ناره حركها.
قوله (فأتينا على روضة معتمة) بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث، ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم يقال أعتم البيت إذا اكتهل ونخلة عتيمة طويلة.
وقال الداودى أعتمت الروضة غطاها الخصب، وهذا كله على الرواية بتشديد الميم،
قال ابن التين: ولا يظهر: للتخفيف وجه
قلت: الذى يظهر أنه من العتمة وهو شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى (مدهامتان)
قوله (وإذا بين ظهرى الروضة) بفتح الراء وكسر الياء التحتانية تثنية ظهر.
بمعنى وسطها.
قوله (رجل طويل) فى رواية "قائم".
قوله (وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط) بمعنى ما رأيتهم أكثر من ذلك .
قوله (فقلت لهما ما هؤلاء) فى بعض الطرق " ما هذا"
قوله (فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال قالا لى: ارق فارتقيت فيها)
فى رواية أحمد والنسائى وأبى عوانة والإسماعيلى"إلى دوحة"بدل"روضة"والدوحة الشجرة الكبيرة، وفيه"فصعدا بى فى الشجرة" وهى التى تناسب الرقى والصعود.
قوله (فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) اللبن بفتح، اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين وفى رواية "فأدخلانى دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وفتيان. ثم أخرجانى منها فأدخلانى دارا. هى أحسن منها".
قوله (فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم) بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف أى هيئتهم، هذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله ونصفهم قبيح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح، والثانى هو المراد، ويؤيده قولهم فى صفته " هؤلاء قوم خلطوا"أى عمل كل منهم عملا صالحا وخلطه. بعمل سيء.
قوله (فقعوا فى ذلك النهر) بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص.
قوله (نهر معترض) أى يجرى عرضا.
قوله (كأن ماءه المحض) بفتح الميم وسكون المهملة بعدها ضاد معجمة هو اللبن الخالص عن الماء حلوا كان أو حامضا، وقد بين جهة التشبيه بقوله"من البياض"وفى رواية "فى البياض"
قال الطيبى كأنهم سموا اللبن بالصفة ثم استعمل فى كل صاف
قال: ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله عنهم أو التوبة منهم كما فى الحديث"اغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد".
قوله (ذهب ذلك السوء عنهم) أى صار القبيح كالشطر الحسن، فذلك قال: وصاروا فى أحسن صورة.
قوله (قالا لى هذه جنة عدن) يعنى المدينة.
قوله (فسما) بفتح السين المهملة وتخفيف الميم أى نظر إلى فوق،
قوله (صعدا) بضم المهملتين أى ارتفع كثرا"
قوله (مثل الربابة) بفتح الراء وتخفيف الموحدتين المفتوحتين وهى السحابة البيضاء، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب ولو لم تكن بيضاء.
وقال الخطابى: الربابة السحابة التى ركب بعضها على بعض.
وفى رواية " فرفعت رأسى فإذا هو فى السحاب".
قوله (ذرانى فأدخله، قالا: أما الآن فلا وأنت داخله) فى رواية " فقلت دعانى أدخل منزلى، قالا: أنه بقى لك عمر لم تستكمله، ولو استكملته أتيت منزلك".
قوله (فإنى قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذى رأيت، قال قالا أما) بتخفيف الميم (إنا سنخبرك) فى رواية جرير، فقلت طوفتما بى الليلة"وهى بموحدة ولبعضهم بنون"فأخبرانى عما رأيت، قال نعم".
قوله (فيرفضه) قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية. عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب فى أشرف أعضائه وهو الرأس.
قوله (وينام عن الصلاة المكتوبة) هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ" علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار"فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل .
ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين ترك القراءة وترك العمل.
قوله (يغدو من بيته) أى يخرج منه مبكرا.
قوله (فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق) فى رواية "فكذوب يحدث بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة"
قال ابن هبيرة: لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم فى العقوبة.
قوله (فى مثل بناء التنور) فى رواية " والذى رأيته فى النقب".
قوله (فهم الزناة) مناسبة العرى لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا فى الخلوة فعوقبوا بالهتك، والحكمة فى إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.
قوله (فإنه آكل الربا) قال ابن هبيرة إنما عوقب آكل الربا بسباحته فى النهر الأحمر وإلقامه الحجارة لأن أصل الربا يجرى فى الذهب والذهب أحمر، وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغنى عنه شيئا وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه محقه.
قوله (الذى عند النار) فى رواية "عنده النار".
قوله (خازن جهنم) إنما كان كريه الرؤية لأن فى ذلك زيادة فى عذاب أهل النار. قوله (وأما الرجل الطويل الذى فى الروضة فإنه إبراهيم) فى رواية "والشيخ فى أصل الشجرة إبراهيم"وإنما اختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين، قال تعالى (ملة أبيكم إبراهيم) وقال تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) الآية (وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) فى رواية " ولد على الفطرة"
قوله (وأولاد المشركين) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم ألحقهم بأولاد المسلمين فى حكم الآخرة ولا يعارض قوله: هم من آبائهم لأن ذلك حكم الدنيا.
قوله (وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح) وزاد جرير بن حازم فى روايته" والدار الأولى التى دخلت دار عامة المؤمنين وهذه الدار دار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل"
وفى حديث أبى أمامة"ثم انطلقنا فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء منظرا وأنتنه ريحا كأنما ريحهم المراحيض، قلت ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزوانى الزوانى والزناة. ثم انطلقنا فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا، قلت: ما هؤلاء قال: هؤلاء موتى الكفار. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال نيام تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين. ثم انطلقنا فإذا نحن برجال أحسن شيء وجها وأطيبه ريحا، قلت: ما هؤلاء؟ قال، هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون"الحديث.
وفى هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارا يقظة ومناما على أنحاء شتى. وفيه أن بعض العصاة يعذبون فى البرزخ.
وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها فى الذهن، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن لمن يحفظه، وعن الزنا وأكل الربا وتعمد الكذب، وأن الذى له قصر فى الجنة لا يقيم فيه وهو فى الدنيا بل إذا مات، حتى النبى والشهيد.
وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك.
وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم فى الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام لاحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو فى المنزلة التى هى أعلى من منازل الشهداء كما تقدم فى الإسراء أنه رأى آدم فى السماء الدنيا، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر فيضحك ويبكى مع أن منزلته هو فى عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم فى منزلته.
وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم، اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذى يكون فيه البال مجتمعا.
وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم.
وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب.
قال الكرمانى: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة إلا الزناة ففيها خفاء، وبيانه أن العرى فضيحة كالزنا، والزانى من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور، ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار.
وقال أيضا: الحكمة فى الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول على وجود ما لا ينبغى منه أن يقال، والثانى إما بدنى وإما مالى فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب وأنهم أربع درجات. درجات النبى، ودرجات الأمة أعلاها الشهداء، وثانيها من بلغ، وثالثها من كان دون البلوغ انتهى ملخصا
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.