=====================
كنت دائماً أحاول التعرّف على ما يدور بنفسها.. غير أنّ هناك باباً ظلّ مغلقاً في وجهي دائما … لم أجد لهذا الباب مفتاحا..
حاولت الغوص في الأعماق أكاد أختنق .. ما السر الذي لم تبح به أفنان ؟؟ كلما أفاتحها بهذا الموضوع ترد عليّ بكلمات غريبة لا أفهم معناها .. السفر طويل،، والزاد قليل،، ولا وقت للمقيل،، رحل الصّالحون وبقي المذنبون البائسون..
تغيبت أفنان عن المدرسة لا أعرف ما السبب ظلّ ذلك اليوم كئيباً وظللت أنتظر أفنان بفارغ الصّبر ،، ظلّ المقعد فارغاً .. كانت تجلس بجانبي . أفنان أختي يا ترى ماذا منعك اليوم عن الحضور ،، كنت أتمنّى وأنا معها أن لا ينقضي اليوم الدراسيّ أبداً .. ولكن اليوم أراه قد طال جداًّ .. لقد انتهى ذلك اليوم .. نعم لقد انتهى ولكن بماذا انتهى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدت للمنزل متلهّفة لسماع صوت أختي أفنان .. ولكن شيئاً يمنعني من أن أتّصل بها .. مضت تلك السّاعات بصورة عجيبة .. كيف مضت يا ترى ؟؟
وعند المساء جاءني إحساس غريب ورغبة عارمة في أن أتصل بها .. أفنان .. أفنان .. رفعت سماعة الهاتف وللمرة الأولى أحسّ بالخوف،، لماذا هذا الخوف الذي يتملّكني ؟؟ لماذا؟؟؟
يدي تحسّ بثقلٍ شديد في الضّغط على الأزرار .. جسدي بدى يرتعش كأنّي أحسّ بالموت يقترب منّي .. الموت .. الدّار الآخرة .. هذه الكلمات الأخيرة التي علقتها من تلك المكالمة .. يبس منّي اللسان .. واضطربت الجوارح والأركان .. وماتت الكلمات .. ما بقيت إلاّ كلمة واحدة ،، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله …. اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها ..
رحلت أفنان إلى الله قبلي .. رحلت وتركت وراءها حزناً لا يعلمه إلاّ الله ،، ظلّت هذه الكلمات الطّاهرات تلازمني مدة حزني وألمي .. لن أرى أفنان بعد اليوم ، لن أسمع صوتها وهي تتلو القرآن بعد اليوم .. لن أرى عيناها الصّامدتان..
لن أرى..لن أرى.. لقد جاورت الحزن بعد رحيلها أيّاماً عديدة ،، ولكنّ الله أسكن الصبر بقلبي .. وراودني أملٌ بلقائها .. نعم سأرى أفنان .. شهيدة الألم والمرض .. لم تمت: (( بل أحياء عند ربّهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) …. لقد صادقت هذه الآية حتى سرت في روحي ورحلت في دمي وعروقي .. وعرفت بعد ذلك أنّ لقائي بأفنان كان قدراً وكذلك رحيلها كان قدراً مقدوراً .. فلا اعتراض على قدر الله ،، وستبقى معي أفنان بروحها لنكمل الطّريق معاً ..
نعم رحلت أفنان ولكن تركت لي رسالة حزينة ملفوفة بدموع الأسى والألم .. مسطّرة بالنصيحة .. ومكتوبة بالثقة بالله .. لم أحب أن يطلع أحد على فحوى تلك الرّسالة .. ولكن ما فيها دعاني إلى نشرها .. لتظل حياة أفنان عبرة لكل ّفتاة غارقة في تلك البحور العميقة .. وتلك الفجاج السّحيقة … رجوت قلمي أن يخطّ كلماتها ،،، فأبى إلاّ بدموع الحزن والرّجاء .. ورجوت أوراقي أن تحمل مضمونها ،، فأبت إلاّ بدموع الفراق والألم ….
فما أثقل الحامل والمحمول!!!!!
وما أطهر الكلمات والنّبرات!!!
وما أصدق الكاتب والمؤلف!!!
تناثرت الكلمات على تلك الأوراق البائسة تنشر شذى عطرها على كل قلب أحسّ بالألم يوماً .. أفنان كان عنوانها .. والموت كان أكفانها .. والرّحيل إلى الله كان طريقها ..
تعثّرت تلك الكلمات طويلاً على لسان ذلك القلم فكم أحبّ قلمي أفنان !! وكم أشتاق إلى لقائها!!
تقول أفنان في رسالتها .. هذه الكلمات ليست لأختي علياء فقط ولكنّها لكلّ أخت قرأت قصّتي وعرفت اسمي .. لقد عاشت أفنان في مستنقعات المعاصي والذنوب طويلاً .. كل شيء كان يدعوني إلى المعصية .. البيت .. التلفاز .. أصدقاء السوء .. الأهل .. والأسواق .. والموضات الغربية .. الأغاني العربية والأجنبية .. كلها كانت لافتات للطريق إلى جهنم وبئس المصير .. كنت تائهة في هذه الأوحال .. أفنان كانت كلمة جميلة على ألسنة الكثير من المعجبات .. أنت جميلة .. ما أجمل ثوبك!! بكم شريتيه؟؟ ما أجمل هذا الشّعر المتألّق !!!
كنت أخادع الجميع وكذلك نفسي ،، كنت أظهر لهم الابتسامة وأنا أتمزق من الألم .. كلماتهم كانت تشجّعني على الاستمرار.. ولكن إلى متى ؟؟ كانت كلمات جوفاء .. كاذبة مزيّفة ..
كلّما خلوت بنفسي تتساقط الدّموع من عيني .. ويزداد خفقان قلبي .. نسيت ربّي .. كيف سأقابله؟؟ كيف سأواصل حياتي بهذا الألم النّفسيّ القاسي ؟؟ كيف الطّريق إلى النّجاة ؟؟؟؟؟؟
كلمات تدور بخاطري ولكن سرعان ما أتخلّص منها بالأمل الشيطاني في طول الحياة .. وبالرّغم من ذلك كلّه لم أرى للحياة من لذّة ،، هذا هو شعوري وشعور كل من هو في حالي ما دام بعيداً عن الله والدّار الآخرة …
حاولت الانتحار أكثر من مرّة ،، لم أجد من يحن عليّ في مصيبتي ومحنتي ،، الجميع يضحك في وجهي ولا يدرون ما بداخلي .. الألم والحزن سكنت روحي ونفسي .. متى أتخلّص من هذا الكابوس ؟؟ متى ؟؟
كان لا بد لهذه الغفلة من صفعة قوية تعيدني إلى رشدي .. وتفيقني من ذلك السّبات العميق .. صفعة هزّت كياني وأحيتني من جديد .. صفعة لم أتصوّرها في حياتي ،، تغلغل ذلك الألم النّفسي إلى ألم جسدي يسري في كل أطرافي .. ألم لا أستطيع تحمّله ،، كأنيّ أنشر بالمناشير .. تغير ذلك الوجه الجميل وذلك القوام الرائع فهو ينتظر في أي لحظة نوبة جديدة لعلّها هي النوبة القاتلة .. لم يكن أحد يحس بي ،،، أبقيت ذلك سرّا بيني وبين نفسي ،، ولكن شرار المرض ظهر على جسدي .. أمّي .. أمّي .. الألم يكاد يقتلني .. أمّي .. أمّي .. جسدي يتقطّع من الألم .. لم أرى نفسي إلاّ وأنا تحت أجهزة المستشفى والكلّ محيط بي .. أفنان أنت بخير الآن .. هذه الكلمات التيّ سمعتها في اللّحظات الأخيرة ثم أغمضت عيناي لتتولاني الرّحمة الإلهيّة .. لازمني المرض الخبيث .. واتّخذ من جسدي مسكناً ..
تغيّرت حياتي بعد ذلك كلّيّاً ،، أصبحت أفنان التي تحب قيام الليل والمناجاة وقت السّحر بعد أن كانت لا تترك هذه اللّحظات الثمينة إلاّ وتعصي الله بها .. تلفاز .. أفلام خليعة .. وأغاني ماجنة .. أصبح القرآن دوائي ومناجاة ربّي شفائي .. وهبت حياتي لله – تعالى – فقد كانت كلماته تسري في روحي وكم رددت هذه الآية ودموعي تنسكب من عيني .. لتغسل ذنوب قلبي .. أردّدها وأحسّ بأنّ الدّنيا تردّدها معي .. (( أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس )) هذا من فضل ربّي .. كم أحببت هذه الآية .. نعم الآن أحسّ بالسّعادة الحقيقيّة .. يا ليت كل فتاة تحسّ بهذه السّعادة مثلي .. توهّج قلبي بها فأحسست بلذّة الحياة مع الله .. نورٌيخرج من روحي فينير كل ما حولي .. تمنّيت والله لو كان هذا المرض قصدني منذ زمن بعيد ،،، يا لها من سعادة ويا لها من فرصة للاعتذار إلى الله … كانت سعادتي بالله تطغي على ألم جسدي .. فأحسّ بالارتياح ..
هذه الكلمات يا قارئ خطّي ليست من نسج الخيال .. ولكن هذه حلاوة الطّريق إلى الله رغم الآلام والأحزان ..
أختي في الله .. علياء وجدت معك الأخوّة الحقيقية .. فأسأل الله أن يجمعنا في الجنّة معاً كما جمعنا في الدنيا ..
أفنــان .. لقد نجّاك الله من مستنقع الذّنوب والمعاصي ..
أفنــان .. لعل الله يختارك هذه السّنة لتكوني في جواره ..
أفنــان .. رحيل بلا قائد ..
أفنــان .. رحلة السّعادة الحقيقيّة ..
أفنــان .. قارب الرّجاء في بحر الرّحمة الإلهيّة ..
أفنــان .. وداعٌ يعقبه لقاء ..
(( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون ))
هذه عبرة لمن أراد أن يعتبر قبل فوات الأوان …..
تمت،،،،،
1421
الأعمال بخواتيمها ..
جزاكم الله كل خير وأحسن إليكم.