وقفة وداع شعري للشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله
لحــــقَ الشيــخُ بـركبِ الصـالحين
فلمـــاذا يــا جراحـــي تنزفـن؟
ولمــاذا يـا فــؤادي تشتكـــــي
ولمــاذا يا دمــوعي تَذرفيــــن؟
رحــل الشيخ عـــن الدنيــا التي
كــلُّ ما فيها سوى الذِّكــــر لَعين
فارقَ الـدنيـا، ومـا الدنيا سـوى
خيمــــةٍ مَنصـــوبةٍ للعــــابرين
فـارقَ الدنيــا التـي تَفَنَـى إلـى
منـــزلٍ رَحـبٍ وجنـــاتٍ، وَعِيــــن
ذاكَ مـا نــرجو، وهـــذا ظنـُّنــا
بالــذي يغفـــــر للمستغفـــرين
رحــل الشيـخُ علـى مِثــلِ الضُّـحـَى
مـــن صـلاحٍ وثبــــاتٍ ويقيـــــن
فـلمـاذا أيُّهــا القـلـــــبُ أرى
هـــــذه اللَّوعَةَ تسري في الوَتين؟
ولماذا يـا حـــروفَ الشعـر عـــن
ســـــــرِّ آلام فؤادي تكشفيـــــن
أتركي الحســرةَ فـــي مــوقعهــا
تتغذَّى مــن أســـى قلبي الحــزين
وارحـي بــي رحـلــةً مــُوغـلـــة
في حــياةِ العُلماءِ الأكرميــــــن
واسلـُكــي بي ذلكَ الــــدَّربَ الذي
ظِلُّه يحمي وجـــــــوهَ السالكيــن
يــا حــروفَ الشعــر لا تَصـطحبــي
لغـــةَ الشعـــر الى جُرحي الدَّفين
ربماأحــرقهـــا الجـــرحُ، فمــا
صــار للشعـر فَمٌ يَروي الحنيــــن
واتــركـــي لــــوعةَ قلبي، إنَّها
تـارةً تقســـو، وتــاراتٍ تَليـــن
وادخلـي بي واحــةَ العلـم التــي
فُتحت أبوابُهـا للوافـــديــــــن
عنـدها ســوف نــرى النَّبـعَ الـذي
لــم يـزل يَشـفي غـَليلَ الظـامئين
شيخــُنـا مــا كــانَ إلاَّ عَـلَـمــا
يتســــــامى بخشوع العابــــدين
عـالـمُ السنَّــةِ والفقــهِ الـــذي
هــــزم اللهُ بـــه المبتـــــدعين
لا نـزكّيـــه، ولكنــــا نـــــرى
صُوراً تُلحِقـــُه بالصادقيــــــــن
فـي خيـــوط الشـمس ما يُغني، وإن
انكـــرتها نظــــراتُ الغافليــن
راحــلٌ مـــا غــاب إلا جسمُـــــه
ولنــا من علمه كنزٌ ثميــــــــن
مــا لقينـاه عـلــى دَربِ الهــوى
بــل على دَربِ الهـُداةِ المهتديــن
لـَكـأني أُبصـر الدنيــا التــــي
بــــذلت إغـــراءَها للناظريـــن
أقبـلـت تَعـــرض مــن فتـنـتهــا
صــــوراً تَسـبي عـقول الغافليــن
رقصَــت مــــن حــولــه، لكنَّهــا
لــــم تجـد إلا سُموَّ الزَّاهديــــن
أرســل الشيــخُ إليهـــا نَظـــرة
مـن عـُزوف الراكعـين الســـاجدين
فمضــــــت خـــائبـــةً خاســـرةً
تتحـــاشى نظــــراتِ الشَّامتيـــن
أخــرجَ الـدنيـا من القــلبِ، وفي
كفِّه منها بلاغُ الراحــــليــــــن
لـم يكــن في عُـزلـةٍ عنها، ولــم
يـُغـلقِ الـبابَ عـن المسترشديـــن
غيـرَ أنَّ القـلبَ لـم يُشغــل بهــا
كـــان مشغـــولاً بــربِّ العـالمين
أوَ مــا أعـــرض عنهـــا قَبـلــَه
سيِّدُ الخلــــقِ، إمامُ المرسليـــن
أيُّهـا الشيـــخُ، لقــد علَّمتنـــا
كـيف نرعـــى حـُرمـَةَ المسـتضعفين
كـيـف نَستـَشعـِرُ مـــن أمَّتنـــــا
صــرخـة الثَّكـلَى ودَمـعَ الَّلاجئيــن
كيــف نبنـــي هِمَّــةَ الجيــل على
منهــج التقــوى، ووعي الراشديـن
كـنـتَ يـا شيـخ عـلـى علــمٍ بمـا
نـالنــا مـــن غَفلةِ المنهزميـن
قومـُنـا سـاروا عـلـى درب الرَّدَى
فغـــدوا ألعوبةَ المستعمــريــن
شــرَّقـوا حـينـاً وحـيناً غــرَّبوا
واسـتُبيحت أرضـــهـم للغاصبيــن
هـجــروا الصَّـالـحَ مــن أفكارهم
فتلقَّتهم يـــدُ المستشـــرقيـــن
وارتمـوا فـــي حضن أرباب الهوى
مــن ذيـول الغاصب المستعربيــن
ضيَّعـوا الأقصــى وظنــوا أنّـــهم
ســـوف يحــظون بِسِلمِ المعتــدين
فـإذا بـالفـارس الطفــل عـلــى
هـامـــة المجد ينادي الواهميـن
صــاغهـــا ملحمـــةً قــُدسيّـــةً
ذكَّرتنــا بشمـــوخ الفاتحيــــن
قالهـا الطفــلُ، وقُـلنـا مـعــه
إنَّ بيــعَ القـدس بَيعُ الخاســرين
أيُّهـــا الشيـخُ الــذي أهدى لنا
صــُوَراً بيضــاءَ مـن علــمٍ وديـن
لـم تـكن تـغـفــل عـن أمـَّتـنـا
وضــــلالاتِ بَنيهــــا العابثيــن
كـنــتَ تـدعـوها إلـى درب الهُدَى
وتناديهــــا نـداءَ المصلحيـــن
قلــتَ للأمــةِ، والبـؤسُ عــلـــى
وجهـهـا الباكي غبــــارٌ للأـين:
إنـمـا تغســل هـــذا البوسَ عن
وجهكِ الباكي ، دمــوع التائبين
أيهـا الشيـخُ الــذي ودَّعـَنـــا
عالــيَ الهمَّةِ وضـــــَّاح الجبين
نحن نلقـاك وإن فـارقـتَـنــــا
في علــــــومٍ بقـيت للرَّاغبيـن
أنـتَ كـالشــمسِ إذا مـا غـَربَت
أهــدتِ الــبَدرَ ضياءَ المُدلجين
أنـــتَ مـا ودَّعـتَـنـا إلاَّ إلـى
حـيــث تُؤويكَ قـلـوبُ المسلمين
إن بكينـاكَ فإنا لـم نـــــزل
بقضـــاء الله فينــا مُوقنيـــن
في وفاةِ المصـطفى سـلـوَى لـنا
وعــزاءٌ عــن وفــاةِ الصالحين
ذلـك الرُّزءُ الذي اهتزَّ لـــــه
عـُمَرُ الفاروقُ ذو العقل الرزين
مـاتَ خيـرُ النــــاس، هذا خَبَرٌ
تــــرك الناسَ حيارى تائهيــن
طاشــت الألبــابُ حتـــى سمعوا
مـا تـلا الصــدِّيقُ من قولٍ مُبين
لا يعزِّينا عـن الأحبـــابِ فـــي
شــدَّةِ الهــول سوى مـَوتِ الأمين
إنهـا الـرُّوح التـي تسمـو بنا
ويظــلُّ الجسم مــــن ماءٍ وطين
يحـزن القـلب ولـكنــا عـلــى
حــُزنـه نـَـبني شموخ الصابرين
شعر / د . عبد الرحمن العشماوي
<FONT COLOR="#800080" SIZE="2" FACE="Simplified Arabic,Verdana">تم تحرير الموضوع بواسطة فتى نجد بتاريخ 02-04-2017 الساعة 03:38 AM</font>
——————
قال تعالى
قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني