تخطى إلى المحتوى

رسالة إلى المعلم المسلم 2024.

رسالة إلى المعلم المسلم

* أيها المعلم المسلم .
* يا مربي الأجيال ، وصانع الرجال .
* يا من شرفك الله بمهنة الأنبياء و الرسل عليهم السلام .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:

فأكتب إليك هذه الرسالة من وراء اثنين وعشرين عاماَ قضيتها في مهنة التعليم ؛شاعرا َبكثير من الاعتزاز والفخر لانتمائي إلى مهنة هي أشرف المهن ، وصناعة هي أكرم الصناعات ، لاسيما وأنها رسالة الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أرسلهم الله تعالى إلى أقوامهم معلمين ومُبشرين ومُنذرين يدعونهم إلى الصراط المستقيم ، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور ، قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ( سورة الأنعام : الآية رقم 48 ) . فيا أخي المعلم في أي مرحلةٍ من المراحل ، وفي أي مادةٍ من المواد العلمية أو الأدبية أو غيرها ؛ أكتب لك هذه الرسالة مُذكراً وناصحاً ، ومؤملاً أن تنال رضاك ، وأن تحوز إعجابك ، وأن تكون عوناً لنا جميعاً على بذل المزيد من الجهد والسعي لما فيه الخير والصلاح . وفيها أقول :

* يا من أعَّـزهُ الله بالإسلام ، تَذَكَّر أن المعلم المسلم يحمل أشرف رسالة ، ويؤدي أعظم أمانة ، وأن جمال رسالته مستمد من شرفها وبخاصة أن قدوته في ذلك أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أجلُ وأشرفُ من المعلم في مهنته ؟ الموظف أم البائع ؟ المهندس أم الصانع ؟ الطبيب أم المزارع ؟
إن كل أولئك و غيرهم من أبناء المجتمع إنما هم صنائع المعلم ، به قاموا ، وبه كانوا ، لذا فهو يسعَدُ إذ يرى أبناءه وقد كانوا من أولئك المهندسين والأطباء والفنيين والخبراء …..الخ . الذين تنهض بهم الأمم ، وتقوم بهم المجتمعات ، وينتشر على أيديهم الخير ويعم الصلاح . وصدق الله جل في عُلاه وهو يقول : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } ( سورة إبراهيم : الآية رقم 24 ) .

* يا من تخاف الله تعالى وترجوا رحمته ، اتق الله في عملك وراقبه سبحانه ؛ فإنه يراك في كل وقتٍ وحين . واحرص على أدائه واجبك بالشكل الذي يرضاه جل في عُلاه ، وتذكر ما روي عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ( رواه أبو يعلى في مسنده برقم 4386 ، المجلد السابع ، ص 349 ) .
ولا تنس – بارك الله فيك – أن حُسن تعاملك وتجاوبك مع مُديريك وزملائك ، أو جلوسك في مكتبك ، أو فصلك ، أو معملك ، وقضاءَك لحاجة طلابك أو إجابتك عن استفساراتهم يُعد عبادةً تُثاب عليها متى صلُحت نيتك واحتسبتها عند الله سبحانه .

* يا من يتيه فخراً على أقرانه من العاملين في القطاعات و الميادين الأخرى ؛ يكفيك أن أسمى ما تعتز به تلك المودة والمحبة ، وذلك الاحترام والتقدير والوفاء الذي تحظى به أينما اتجهت ، وحيثما حللت من طلاب الأمس الذين أصبحوا رجال اليوم . وتذكر أن من يجلسون أمامك – الآن – على مقاعد الدراسة هم رجال الغد المشرق وبُناة المستقبل الزاهر – إن شاء الله – . واعلم أن هؤلاء الطلاب أوسمةً على صدرك ، ولئن كان البعض يعتزُ بوسامٍ واحدٍ يحمله بعد عملٍ جليلٍ طويل ؛ فإن المعلم يحمل كل يومٍ وساماً ، ولئن كانت أوسمة الآخرين تُعلقُ على صدورهم فإن أوسمة المعلم تعيش في قلبه ، ويجسدها وجدانه وهو يرى مكانته في نفوس الآخرين اعترافاً بفضله وإجلالاً لقدره ، كما قال الشاعر :

يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ

* يا من يعيش حياة التعليم ويستغرق فيها بعقله وقلبه ، ولا يرضى عنها بديلاً ، لا تكن شمعةً تُحرق نفسها لتضيء الدرب للآخرين ؛ بل كن سراجاً يُضيء الدروب للآخرين ولا ينسى نفسه من الخير والعطاء . وخيرُ سبيلٍ لتحقيق ذلك أن يكون شعارك في حياتك قوله تعالى : } وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ { ( سورة فُصلت : الآية رقم 33 ) . وأن تبذل كل ما في وسعِك لتكون قدوةً حسنةً لأبنائك الطلاب في التزامك ، وموضوعيتك ، وسمّتِك ، وعدلِك ، وإنصافِك ، وفي تعاملك مع من حولك على أُسسٍ قويمةٍ من التقوى والصلاح والأخلاق الفاضلة . ولله در الشاعر إذ يقول :

إني أرى التدريس أشرف مهنةٍ *** تبعـاته من أثقل التَبِعاتِ
فليتق الله الـمدرسُ دائـماً *** فيمن يُدَرِّسُه من الفلذات

* يا من تعلم أن الله يراك في كل وقتٍ وحين ، تَذَكَّر أن التربية فن وعلم ورسالة عظمى لمن وفقه الله لأدائها ، لا سيما وأنها تعتمد على رؤية المعلم لطلابه وتحسسه لمشكلاتهم ، وحسن تقديره لظروفهم ومراعاته لأحوالهم . وحافظ على مواعيد الحضور والانصراف ، وإياك أن تتأخر أو تتغيب عن طلابك بغير عذر يجبرك على ذلك فكل راع ٍ مسؤول عن رعيته ، وكل معلمٍ مسؤول عن مهامه وواجباته ؛ التي إن أحسن أداءها جوزي خيراً إن شاء الله تعالى ، وإن قصَّر حوسب وعوقب – والعياذ بالله من ذلك – . وعليك أن تضع نصب عينيك تقوى الله جل جلاله في كل وقتٍ وحين ، والشعور بمراقبته سبحانه وتعالى . وما أجمل قول الشاعر :

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحـسـبن الله يَغفـلُ سـاعة *** ولا أن ما تُخفي عليه يغـيب

* يا من ترجوا رحمة الله تعالى وتخشى عقابه ، الحذر من الانشغال بأي عملٍ مهما كان مهماً متى حان وقت الصلاة ، وعليك – بارك الله فيك – أن تُعوِّد نفسك على إجابة النداء مبكراً ، وأداء الفريضة في وقتها حتى يكون عملك – بإذن الله تعالى – عوناً لك على الطاعة . وتذكَّر أنه لا خير في عملٍ يؤخر المسلم عن أداء الفريضة ، أو يمنعه من إجابة داعي الله جل في عُلاه . فإذا ما فرغت من ذلك فإياك وإضاعة الوقت فيما لا فائدة منه ولا نفع فيه ، و عُد مباشرةً إلى فصلك أو مكتبك أو معملك حتى لا يتعطل سير العمل أو يضيع وقته .

* يا من تقتدي بمعلم البشرية وأُستاذ الإنسانية ، كُن سهلاً لـيناً ، حبيباً لطيفاً في تعـاملك مع من حولك من المديرين والموجهين والمرشدين والوكلاء وأولياء الأمور والمستخدمين والعمال والطلاب ، وعليك بمساعدة من تستطيع منهم ومد يد العون له في حدود ما تسمح به الأنظمة والتعليمات ، ودونما ضررٍ أو ضِرار ، وتذكّر أن من يَسَّر على مسلم ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة ، وأن من رفق بمسلم رفق الله به في الدنيا والآخرة ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا :
" اللهم ! من وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فشقَّ عليهم ، فاشقق عليه . ومن وَلِيَ من أمر أُمتي شيئًا فرَفَق بهم ، فارفق به " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 4722 ، ص 819 – 820 ) .

* يا من تفتخر بدينك الإسلامي الحنيف ، وتعتز بانتمائك لأمة الإسلام ، حافظ على هويتك المُتميزة وشخصيتك المُستقلة ، التي لا ترضى معها أن تتخلى أو تتنازل عن شيءٍ من المظاهر مهما كان ذلك يسيراً في نظرك ؛ كأن تُحافظ على تحية الإسلام عند الالتقاء بالزملاء والطلاب ، وأن تبدأ الدرس بحمد الله تعالى والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، والمحافظة على كتابة البسملة في أعلى السبورة ، وترديد دعاء ختام المجلس عند نهاية الدرس ، والمحافظة على المظهر الجميل والسمت الحسن ، ومراعاة سنن الفطرة ، ونحو ذلك من الآداب النبوية والأخلاق الإسلامية التي تُميز شخصية المعلم المسلم ، وتحفظ هويته ، وتُعلي منـزلته في أي زمانٍ ومكان .

* يا من تبتغي بقولك وعملك ما عند الله تعالى من الخير العميم والثواب العظيم ، لا تتردد في استخدام أُسلوب الثواب والمكافأة ، واحرص على توظيف أسلوب الثناء المُباشر على طلابك إذا رأيت فيهم أو لمست منهم بادرةً حسنةً ، أو سلوكاً طيباً . وما أحسن أن تُشجعهم على ذلك ببعض الهدايا المناسبة والجوائز الملائمة التي تعود عليهم بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة كأن تقوم بتوزيع بعض الأشرطة الإسلامية المختارة ، أو الكُتيبات ذات الموضوعات النافعة ، أو المطويات المُختصرة ، أو نحو ذلك من الهدايا والمكافآت التي تُسهم في حثهم على الجد والاجتهاد ومضاعفة الجهد في الدرس والتحصيل ، وتدفعهم إلى تحقيق الأهداف النبيلة والغايات السامية ، وتغرس في أنفسهم المحبة والمودة لكلٍ من حولهم من الكائنات والمكونات .

* يا من تقوم بإعداد أجيال الأُمة ، وتربية رجال المستقبل ليقوموا بوظائف البلاد وينهضوا بحضارة الأمة ، ويحملوا رسالتها ، تَذَكَّر أنك الأساس والمرتكز وحجر الزاوية في بناء الأمة الحضاري ؛ فتحمل المسؤولية كاملة ، وكن أهلاً لأداء هذه الرسالة العظيمة التي جسد أبعادها قول الشاعر :

أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشىءُ أنفساَ وعقولاَ

وقول الآخر :

إن المعلم في عينـي وفي نظـري *** نورٌ به يهتدي من كان حيـراناَ
لولا " المعلم " ما كانت حضارتنا *** تزداد شأواً وتسمو في الدُنا شانا

وهذا يفرض عليك أن تكون مُلماً بكل جديدٍ ومُفيدٍ في مجال تخصصك ، وأن تكون مُتمكناً من مادتك العلمية التي تقوم بتدريسها لطلابك ، وأن تكون حريصاً على الاطلاع والتجديد والتطوير المستمر لمعلوماتك ومهاراتك وقدراتك وخبراتك حتى تتمكن من مواكبة تطورات العصر وتغيراته المتلاحقة .

* يا من يُجهد نفسه ويُضحي بوقته ، ويبذُل الكثير لأداء رسالته ، ويجد في أثناء ذلك كثيراً من المتاعب والعقبات ، لا تنس أنك مأجورٌ ومشكورٌ ـ إن شاء الله ـ على ذلك كله متى أخلصت النية لله سبحانه ، وصبرت واحتسبت ذلك عند الله تعالى . فليس هناك عملٌ بلا تعب ، ولا نجاح بلا سهر ، وما أجمل قول الشاعر الذي صوُّر حال مهنة التدريس بقوله :

ما أحسن التدريس لـولا الابتلا *** بمُشاكسٍ أو أحمـقٍ أو عاتـي
أو ذي غبـاءٍ ليس يفهم درسـه *** ولديه نثر القـول كالأبيـات

* وختاماً ، أُهديك أخي المعلم عظيم شُكري ، ووافر تحيتي ، وخالص دعائي بالتوفيق والسداد ، والهداية والرشاد في مسيرتك المُباركة ، ومشوارك الطويل لأداء هذه الرسالة العظيمة التي جعلتك محط الأنظار ، ومحل العناية والاهتمام في هذا الزمان وكل زمان . وصلى الله على محمدٍ المختار وآله الأطهار ، وسلَّم تسليماً كثيراً .

***********

الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.