(كتاب رياض الصالحين – شرح الشيخ ابن العثيميين)
عن أبي هريرة – رضى الله عنه – عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب". متفق عليه.
الاستحداد: حلق العانة وهو حلق الشعر الذي حول الفرج.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء". قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، قال وكيع وهو أحد رواته: انتقاص الماء يعني: الاستنجاء. رواه مسلم.
"البراجم" بالباء الموحدة والجيم وهى "عقد الأصابع". و"إعفاء اللحية" معناه: لا يقص منها شيئاً.
وعن ابن عمر – رضى الله عنهما – عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "أخفوا الشوارب وأعفوا اللحى". متفق عليه.
الشرح:
ساق المؤلف رحمه الله أحاديث خصال الفطرة في: باب فضل السواك وخصال الفطرة.
والفطرة: يعني التي فطر الخلق على استحسانها وأنها من الخير، والمراد بذلك الفطر السليمة لأن الفطر المنحرفة لا عبرة بها لقول النبى (صلى الله عليه وسلم): "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
……..
أولاً: الختان: الذي يسمى عند الناس الطهارة وهو للرجال والنساء، أما الرجال فختانهم واجب، وأما النساء فختانهن سنة، وليس بواجب، وذلك أن الرجل إذا لم يختن وبقيت الجلدة التي فوق الحشة فإنه يحتقن بها البول وتكون سببا ً في النجاسة لأنه إذا احتقن بها البول ثم حصل ضغط عليها، خرج البول الذي صار بينها وبين الحشفة فتلوثت الثياب وتنجست، ثم هى أيضاً عند الكبر، وعندما يصل الإنسان إلى حد الزواج يكون هناك مشقة شديدة عند الجماع، فلذلك كان من الفطرة أن تقص هذه الجلدة، ولهذا كان كثير من الكفار الآن يختتنون لا لأجل الطهارة والنظافة لأنهم نجس، لكنهم يختتنون من أجل التلذذ عند الجماع وعدم المشقة، هذه واحدة.
ومتى يكون الختان؟ يكون الختان من اليوم السابع فما بعده وكلما كان من الصغر فهو أفضل لأن ختان الصغير لا يكون فيه إلا الألم الجسمي دون الألم القلبي، أما الكبير، لو ختنا من له عشر سنوات مثلاً، فإنه يكون فيه ألم قلبي وجسمي، ثم إن نمو اللحم ونبات اللحم وسرعة البرء في الصغار أكثر، لهذا قال العلماء: إن الختان في زمن الصغر أفضل، وهو كذلك.
الثاني: الاستحداد: يعني حلق العانة، والعانة هى الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل، وهو من علامات البلوغ، فمن الفطرة أن يحلق الإنسان هذا الشعر، لأنه إذا طال فربما يتلوث بالنجاسة من أسفل أو من القبل ويحصل في ذلك وسخ وقذر، ولأنه مضر وإن كان بعض الناس مثل البهائم يٌبقي العانة ويجعلها تزداد وتطول، نسأل الله السلامة.
الثالث: قص الشارب: وهو الشعر النابت فوق الشفة العليا، وحْدْه: الشفة، كل ما طال على الشفة العليا فهو شارب فهذا يحف لأن بقاءه يكون فيه تلويث بما يخرج من الأنف من الأذى، ثم عند الشرب أيضاً يباشر الشعر المتلوث الماء فيقذره، وربما يحمل ميكروبات مضرة، وعلى كل حال فهو من السنة، أهم شئ أنه من السنة والتقرب إلى الله عز وجل إذا حففته.
الرابع: قص الأظفار؛ يعني تقليمها، والمراد بذلك أظفار اليدين والرجلين ولا يبغي أن نقص حتى يصل إلى اللحم لأن هذا يضر الإنسان وربما يحصل فيه خرّاج أو ما أشبه ذلك، لكن نقصهما قصاً معتدلاً.
الخامس: نتف الإبط، إذا كان فيه شعر فإنها تنتف ولا تقص ولا تحلق، بل نتفها إولى لأن النتف يزيلها بالكلية ويضعف أصولها حتى لا تنبت فيما بعد، وهذا أمر مطلوب شرعاً.
هذه خمسة أشياء: الختان، الاستحداد، قص الشارب، تقليم الأظفار، نتف الإبط. أما الختان فيفعل مرة واحدة وينتهي أمره، وهنا أنبه على مسألة، وهى أن بعض الناس قد يولد مختوناً، ليس له قلفة، تجد الحشفة بارزة ظاهرة من حين أن يولد، وشهدنا ذلك بأعيننا، فهذا لا يختن، ما بقى شئ يختن من أجله. أما الأربع الباقية: الاستحداد، قص الشارب، تقليم الأظفار، نتف الإبط، فإنها لا تترك فوق أربعين يوماً؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) وقّت لأمته بأن لا تترك هذه الأشياء فوق أربعين يوماً، فلها مدة محدودة لا تتجاوزها. وأحسن ما يكون في ضبط الأربعين أن تجعل وقتاً معيناً، مثلاً تقول أول جمعة من كل شهر أقوم بعملي هذا، حتى لا تنسى؛ لأنه أحياناً ينسى الإنسان وربما يمضي أربعون يوماً، وخمسون يوماً وما يذكر، فإذا جعلت شيئاً معيناً بأن تقول مثلاً: أول جمعة من كل شهر أزيل هذه الأشياء الأربعة، علمت الوقت، ولكن هذا ليس بسنة، إنما هو من أجل ضبط اوقت لفعل السنة وهو أن لا تتركها فوق الأربعين يوماً.
لا يحلق الشارب بالموسى، حتى إن الإمام مالك رحمه الله، قال: أرى أن يٌؤدّب من حلق شاربه. لأنه يشوه الخلقة ولأنه خلاف السنة، السنة حفه أو تقصيره.
وفي الإبط الأصل النتف، إلا أن بعض الناس يشق عليه النتف جداً فلا بأس من استخدام الأدهان وشبيهها.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء". قال الراوي: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، قال وكيع وهو أحد رواته: انتقاص الماء يعني: الاستنجاء. رواه مسلم.
"البراجم" بالباء الموحدة والجيم وهى "عقد الأصابع". و"إعفاء اللحية" معناه: لا يقص منها شيئاً.
الشرح:
هذه بقية خصال الفطرة، وقد سبق حديث أبي هريرة – رضى الله عنه – أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب" وذكرنا أن الأربعة التي سوى الختان لا تترك فوق أربعين يوماً، لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) وقّت ذلك.
أما حديث عائشة ففيه أن الفطرة عشر خصال؛ منها ما سبق في حديث أبي هريرة، ومنها ما ذكر في حديث عائشة دون حديث أبي هريرة. فمن ذلك: إعفاء اللحية، فإنه من الفطرة، وفي حديث ابن عمر، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) أمر بإعفاء اللحى.
واللحية، قال أهل اللغة: إنها شعر الوجه واللحيين يعني: العوارض وشعر الخدين، فهذه كلها من اللحية، وأما الشارب فقد سبق الكلام عليه، وإعفاء اللحية يعني إرخاءها وإطلاقها وتركها على ما هى عليه، هذا من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وعلى استحسانها، وعلى أنها من علامة الرجولة بل ومن جمال الرجولة، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته، فإن فعل فقد خالف طريق النبى (صلى الله عليه وسلم) وعصى أمره، ووقع في مشابهة المشركين والمجوس، لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: "خالفوا المجوس أو المشركين وَفَّروا اللحى وحفوا الشوارب" ولم يكن الناس يعرفون هذا، يعني: لم يكن المسلمون يعرفون حلق اللحية بل كان بعض الغلاة الظلمة إذا أرادوا أن يٌعزَّروا شخصاً حلقوا لحيته، وهذا حرام عليهم لأنه لا يجوز التعزير بمحرم، لكن يقاس به أنهم كانوا يعدون حلق اللحية مْثْلَةً وتعزيراً وعذاباً. أما بعد أن استعمر الكفار ديار المسلمين في مصر والشام والعراق وغيرها وأدخلوا على المسلمين هذه العادة السيئة؛ وهى حلق اللحية، صار الناس لا يبالون بحلقها، بل كان الذي يعفي لحيته مستنكراً من بعض البلاد الإسلامية، وهذه لا شك أنها معصية للرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن يعص الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد عصى اله ومن يطع الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد أطاع الله، وإذا ابتلى الإنسان بأحد من أقاربه يحلق لحيته، فالواجب عليه أن ينصحه ويبين له الحق، أما هجره فهذا حسب المصلحة؛ إذا كان هجره يفيد في ترك المعصية، فليهجره، وإن كان لا يفيد أو لا يزيد الأمر إلا شدة فلا يستعمل حيث ينفع، وإذا لم ينفع، فإن الأصل تحريم هجر المؤمن؛ لقول النبى (صلى الله عليه وسلم): " لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". رواه مسلم.
ومما زيد في هذا الحديث: الاستنشاق، الاستنشاق من الفطرة لأنه تنظيف وإزالة لما في الأنف، فهو طهارة، والاستنشاق يكون في الوضوء ويكون في غير الوضوء، كلما احتجت إلى تنظيف الأنف فاستنشق الماء ونف أنفك، وهذا يختلف باختلاف الناس، من الناس من لا يحتاج إلى هذا إلا في الوضوء، ومن الناس من يحتاج إليه كثيراً. ومن ذلك أيضاً – أى من سنن الفطرة – المضمضة فإنها من الفطرة، لأن فيها تنظيف الفم، والفم يحتاج إلى تنظيف؛ لأنه يمر به الأكل والدهن وما أشبه ذلك، فيحتاج إلى تنظيف، فكانت المضمضة من خصال الفطرة.
ومن ذلك أيضاً الاستنجاء، وقد فسر وكيع انتقاص الماء بأنه الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء تنظيف وتطهير وإزالة أذى.
ومن ذلك أيضاً غسل البراجم، والبراجم قال العلماء: أنها مسقط الأصابع، فإن مسقط الأصابع من الباطن يحتاج إلى تنظيف أكثر من ظاهرها؛ لأن ظاهرها ممسوح ما فيه شئ يحتاج إلى تنظيف أكثر.
وفي هذا الحديث دليل على أن إعفاء اللحية – مع كونه مخالفة للمشركين – من خصال الفطرة، فيندفع بذلك شبهة من شبَّه وقال: إن من الكفار اليوم من يعفي لحيته أفلا يليق بنا أن نخالفهم ونحلق اللحى؟ انظر والعياذ بالله من الشيطان. فنقول: إن إعفاءهم اللحى تبع للفطرة، ونحن مأمورون بالفطرة، وإذا شابهونا هم بالفطرة، فإنا لا نمنعهم ولا ينفع أن نعدل عن الفطرة من أجل أنهم وافقونا فيها، كما أنهم إذا وافقونا في تقليم الأظفار فإننا لا نقول نترك تقليم الأظفار بل نقلمها، وهكذا بقية الفطرة إذا وافقنا فيها الكفار فإننا لا نعدل عنها، والله الموفق.
ولنعلم أن الإكثار من استخدام الماء في الوضوء أو الغسل داخل في قول الله تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأعراف: 31) ولهذا قال الفقهاء – رحمهم الله يكره الإسراف ولو كان على نهر جار فكيف إذا كان على مكائن تستخرج الماء، فالحاصل أن الإسراف في الوضوء وغير الوضوء من الأمور المذمومة.
اللهم استعملنا يارب ولا تستبدلنا
أختي الكريمة..
بارك الله فيكِ أختى العزيزة