قال لنا الإعلام الأمريكي والغربي انه يملك التقنية والمهارة الإعلامية وقال لنا الساسة جنرالات الحرب ان حروبهم غير تقليدية وإعلامهم هو الآخر غير تقليدي لذا سينقلون الحرب على الهواء، وهذا ما حدث في حرب الخليج الثانية في عاصفة الصحراء وما أعقبها من ثعالب الصحراء وحرب البلقان عندما شاهدهم العالم وهم يضربون الصرب على الهواء.. وكانوا في مؤتمراتهم الصحفية يظهرون للعالم انهم انتقائيون في ضرباتهم يدمرون المنشآت والمطارات والجسور والمحطات ويتركون الإنسان وعندما انجلت حرب الخليج الثانية والبلقان اكتشفنا ان الإنسان مستهدف مثله مثل المنشآت وحيطان الأسمنت!!
لماذا تخلى الكابوي والهوليودي عن دراما الفلاش باك والبانوراما المجسِّدة للصاروخ الذكي والقنابل الموجهة والمزودة بكاميرا تصوير ترافق صاروخ (توماهوك) منذ انطلاقته في عمق المحيط حتى إصابة الهدف.. ولماذا الشبكات العالمية مثل الـ(سي.ان.ان" و"اي.بي.سي" ورويترز، و"أ.ف.ب" تستجدي محطة الجزيرة وبعض المراسلين العرب للحصول على صور حية وتغطيات مباشرة..
كان الإعلام الحربي والمخابراتي الغربي في حرب الخليج وحرب البلقان هو مصدر المعلومات يوزع الصور الجوية لقصف المنشآت والآن يحجم ويدعي عدم قدرته على ذلك!!
القادة السياسيون والاستخباراتيون والمحللون العسكريون الأمريكيون تعلموا من حرب الخليج الثانية وحرب البلقان الأخيرة ان الإعلام الحربي يقود إلى نتائج سلبية ويؤثر سلباً على الأهداف الاستراتيجية.. ويدركون جيداً انهم يقصفون بعنف ووحشية باستخدام أسلحة تدميرية وان هذه المشاهد والصور الفظيعة تحرك مشاعر الرأي العام في أمريكا وبلدان العالم الثالث وهذه الحرب التي أخذت حرب العقائد وارتبطت بحروب صليبية إي مواجهة بين جيوش مسلحة بتقنية عسكرية عالية وجيوش إسلامية فقيرة لا تملك السلاح ولا العتاد العسكري وان مشاهد القتل والتدمير ستؤجج مشاعر المسلمين في كل بلدان العالم وتجعل الشارع الإسلامي يتحرك باتجاه المقاومة والجهاد كما حدث إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان وتحولت المواجهة إلى حرب جهادية.. لذا تنازل الأمريكان عن تلك البطولة لتحقيق أهداف استراتيجية على الأرض.
فلو كان الإعلام الحربي يخدم أهدافهم في هذه المرحلة لما ترددوا في استثماره أما وأنه يتعارض مع الأهداف العامة ولا يخدم استراتيجية قريبة وبعيدة الأمد فقد تم تعطيله ومراقبة الجهات العربية والباكستانية التي سمح لها بتغطية احداث الحرب..
كما يقول الغرب ان التغطية الحالية مع الطرف المرشح للهزيمة أو الطرف الخاسر أي الأفغان وهذا لا يعدو كونه فقاعات صابون لأن المحطات العربية والباكستانية لا تغطي ما نسبته 10% من الأحداث وان 90% من التغطية يمتلكها صاحب الهيمنة والقوة وسوف نشاهدها يوماً من الأيام.. وحتى 10% من المسموح به مراقب ومسيّس فالأهداف التي طالتها الضربة الأولى هو المركز الإعلامي الأفغاني في كابول وقندهار ومواقع أخرى.. ضربت وهي تضم في جنباتها إعلاميين مدنيين يؤدون واجبهم الإعلامي وضربوا جواً رغم الشعار الذي يرفعه الغرب: "قف.. نحن صحافة لا تطلق الرصاص" فالغرب عندما يشعر بخطر الإعلام يجعل من المراكز الإعلامية أهدافاً مشروعة ولا يتردد في قصفها دون سابق انذار أو تحذير، وإسرائىل مارست هذا الأسلوب طويلاً في الأرض المحتلة، فالمراكز الإعلامية والإعلاميون أهداف مشروعة للطائرات الإسرائيلية والقناصة في الجيش الإسرائيلي..
الأمريكان والبريطانيون راضون عن تغطية محطة "الجزيرة" التي لا تُظهر سوى سماء كابول مظلمة وشوارعها الخاوية وأفغاني متجهم وقف أمام بيته المهدم يسف التراب على الإعلاميين وهي صورة لا تجسد واقع القصف والدمار الذي تعرضت له أفغانستان.. ومتى ما توسعت دائرة التغطية التلفزيونية وأظهرت أشلاء القتلى ودمار الأرض والناس فإن الطيران الجوي وفرق الكوماندوز الأرضية لا تتردد في قصف تلك المراكز وتصفيتها ثم لا نسمع: الجزيرة كابول تيسير علوني.. ولا يبقى لنا سوى: الجزيرة موسكو أكرم خزام!!
نقلا عن جريدة الرياض للكا تب عبدالعزيز الجارالله حفظه الله