"المال ذاهب، والحياة منقضية، والمرء مردود إلى الله"
هذه الحقائق لا يختلف فيها المسلمون، وهي أصل في اعتقادهم ودينهم، لكننا كثيراً ما نغرق في الأمل، حتى لكأن الخلود من لوازم الحياة، ونسترسل في الطمع حتى لكأن الدنيا قد كُتب لها البقاء.
وهكذا هي الحقائق في حياة الناس معروفة لا ينكرها أحد، غير أنهم يختلفون في الانتفاع بها، وأسعد الناس من عرف الحقيقة وعاش بها، وأشقاهم من عرفها وأدار لها ظهره يوشك أن يفجع بها حين لا ينفع الجزع.
وحينما تستقر الحقائق الإيمانية في النفوس السعيدة ويستلهمون منها مناكب سيرهم إلى الله، فلا تسل حينئذٍ عن سعادتهم وسعادة الناس بهم، فلا ضعيف يُظلم ولا فقير يُهان، ولا مال يُكتنز للدنيا، حتى يعيش المرء لأمته وينسى نفسه كما فعلت ذلك أمَّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ حينما تصدَّقت بمئة ألف درهم من عطاءٍ لها وكانت صائمة، فقالت خادمتها: لو أبقيتِ لنا ما نفطر عليه لكان خيراً، فقالت رضي الله عنها: لو ذكرتني لفعلت!!
إنَّ الحياة ـ على اتساعها ـ قصيرة الأمد، وما يفوتنا منها أكثر مما نال، مهما بذلنا لجمعها والظفر بها.. وإنَّ النفس السعيدة تعطي أكثر مما تأخذ، وتعذُر ولا تفجر، وتحفظ العهد ولا تغدر..!
وحينما تغيب الحقائق الإيمانية عن واقع المرء وسلوكه فلا تسل عن أثرةٍ وشح يركب طباعه، وظلم وسوء يلازمان فعاله، ولهذا يقتل القاتل، ويسرق السارق، ويزني الزاني، ويغدر التاجر.. لأنَّه نسي أو تناسى أنَّ الحياة منقضية وأنه مردود إلى الله.
إنَّ الحقائق الإيمانية هي صمّام الأمان للفرد والمجتمع.. للضعيف من القوي.. وللقوي من نفسه..
وإذا غابت شمس الحقيقة أظلمت النفوس وفسدت الضمائر، كما يظلم الكون وينزوي الضياء حينما تميل الشمس للغروب.. غير أنَّ هذه تسرع بالشروق، بينما تغيب شمس الحقيقة عن بعض النفوس حتى يواريها التراب..
إننا بحاجة إلى ما يكون لنا ذخراً عند الله وأجراً في الصحائف وذكراً حسناً تحت الثرى، فهل ستنقشع سحب الغفلة لتشرق شمس الحقيقة على نفوسنا من جديد؟!
عندها فقط سنكون من السعداء في الأرض وفي السماء.
منقول