تخطى إلى المحتوى

صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في لبنان 2024.

صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في لبنان
للمؤرّخ الدكتور عمر عبد السلام تدمري
ملخّص محاضرة
عنوان مستغرَب للكثيرين من الناس، وخاصّة للذين انطبع في أذهانهم ووعيهم صورةٌ مُغايرةٌ عن لبنان، ومن يرونه بلد الملاهي وعُلَبُ الليل، وكأنه جزء منسلخ عن أمّته وعن محيطه العربي والإسلامي. بل يكاد الكثيرون من أبناء لبنان نفسه ينسون أنه جزء لا يتجزّأ من بلاد الشام عموماً، ومن ساحل الشام، وأنه يدخل في نطاق الأرض المباركة من حول بيت المقدس والمسجد الأقصى، مصداقاً لقوله تعالى: «سُبحانَ الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله»، وأنّ هذا البلد المسمَّى «لبنان» كان في صدر الإسلام رباطاً للصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأخبارهم تملأ كتب التاريخ والأدب والحديث والتراجم، ومن المؤسف أن مناهجنا التربوية تغيّب هذا الموضوع.
من خلال التعامل مع المصادر الأساسية من كتب الفتوح وكتب الطبقات وتراجم الصحابة، استطعنا أن نتأكد من دخول نحو سبعين صحابياً إلى أرض لبنان ممّن عرفنا أسماءَهم يقيناً، وهناك العشرات، وربّما المئات ممّن شاركوا في فتوحات المدن (اللبنانية)، ولم تصرّح المصادر بأسمائهم، واكتفتْ بذِكر أسماء قادة الجيوش والمشاهير منهم.
والفاتحون من الصحابة ممّن قادوا الجيوش في لبنان:
أبو عُبَيدة بن الجرّاح، خالد بن الوليد (وهما فتحا بعلبك والبقاع)، ويزيد بن أبي سفيان وأخوه معاوية بن أبي سفيان (وهما فتحا صيدا وبيروت وجبيل وعِرقة)، وشُرَحْبيل بن حَسَنة (فتح صور)، وسُفيان بن مجيب الأزدي (فتح طرابلس).
والغُزاة من الصحابة الذين غزوا الروم (البيزنطيين) في البرّ والبحر انطلاقاً من ثغور لبنان:
معاوية بن أبي سفيان، بُسْر بن أبي أرطأة، عُبادة بن الصامت، أبو الدرداء، عُوَيمر الأنصاري، فضالة بن عُبَيد الأنصاري، يزيد بن شجرة الرهاوي، أبو ذَرّ جُندُب الغِفاري، أمّ حَرام بنت ملحان الأنصارية، أم الحَكَم بنت أبي سُفيان، وفاختة بنت قَرَظة.
ومن الصحابة الذين رابطوا في سواحل لبنان:
أنس بن مالك، عبد اللّه بن مسعود، سلمان الفارسي، أبو الدرداء الأنصاري، عبد الملك بن أبي ذرّ الغِفاري، وأبو هُريرة الدّوسي.
وكان لهؤلاء وغيرهم من الصحابة الكرام الفضل في فتح سواحل الشام، بما فيها لبنان، وتحريره من احتلال الروم البيزنطيّين الذين أخضعوه لحكمهم واحتلالهم أكثر من ثلاث مئة عام، فنشر الصحابةُ الإسلامَ في ربوعه، وارتفعت فوق حصونه رايات «اللّه أكبر» خفاقةً، وبنيت المساجد والجوامع، ورُفع فيها اسم اللّه، وتزيّن لبنان منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالتقاليد الإسلامية وحضارة الإسلام، وسيبقى كذلك بإذن اللّه تعالى إلى أن يرث اللّه الأرضَ ومن عليها. فلا غرابَةَ أن يُعرف جامعُ بيروت الكبير بالجامع العُمري، وكذلك جامع صيدا الكبير، ومثله جامع طرابلس القديم حيث مدينة الميناء الآن.
لقد كان أول دخول للصحابة إلى لبنان عند بداية حركة الفتوحات الإسلامية سنة 13 للهجرة (634 ميلادية) في عهد الخليفة الراشدي الأول أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللّه عنه، حيث أرسل يزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجرّاح، ومُعاذَ بنَ جبل، وشُرَحْبيلَ بنَ حَسَنة، رضي اللّه عنهم.
وحين خرج الناس مع يزيد بن أبي سفيان أوصاه أبو بكر فقال: «يا يزيد، إنّي أُوصيك بتقوى اللّه وطاعته والإيثارِ له، والخوفِ منه، وإذا لقيتَ العدوّ فأظْفَرَكُم اللّه بهم فلا تَغْلُلْ، ولا تمثّل، ولا تغدُر، ولا تَجْبُن، ولا تقتلوا وليداً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تحرّفوه (1)، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقُروا بهيمةً إلاّ لمأكَلَة، وستمرّون بقومٍ في الصوامع يزعمون أنهم حبسوا أنفسهم للّه، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له. وستجدون آخرين قد فحص الشيطانُ عنه أوساط رؤوسهم، حتى كأنّ أوساط رؤوسهم أفاحيص القطا (2)، فاضربوا ما فحصوا من رؤوسهم بالسيوف حتى يُنيبوا إلى الإسلام، أو يؤدّوا الجزية عند يدٍ وهم صاغرون. ولَيَنْصُرَنّ اللّهُ من يَنصُرُهُ ورُسُلَه بالغيب.. .
والمعروف أنّ أبا عُبيدة دخل البقاع وحاصر بعلبك، ثم أتاه خالد بن الوليد نجدةً ففُتِحت، وعبر المسلمون بقرية اللبْوة فأخذوها، وساروا مع ضفّة نهر العاصي باتجاه الرستَن وفتحوا حمص، ومن حمص أتى خالد إلى مرج السلسلة على ساحل البحر بسفح جبل تربل لمساعدة عبد اللّه بن جعفر الملقّب بالطيّار في قتاله مع الروم وحاكم طرابلس البيزنطي. ومن المرجّح أنّ خالد مرّ بوادي البُقيعة وهو منحدرٌ إلى طرابلس فنُسب إليه.
ومرج السلسلة كان يُطلق على السهل الساحلي الممتدّ شمالي طرابلس عند الفسح الغربي لجبل تربل، وكان فيه قديماً برج أو حصن العدس، وفيه رابَطَ أنس بن مالك وعبد اللّه بن مسعود وأبو الدرداء وأبو هريرة.
وفي رواية أن خالد بن الوليد دخل طرابلس عند فتحها الأول في خلافة عمر، وأن شُرَحبيل بن حَسَنة رآه عندها وهو يعتمر قَلَنْسُوَته وفيها شَعراتٌ من ناصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان أعطاه إياها بعد أن حلق رأسه الشريف.
وبعد فتح بيروت على يد يزيد وأخيه معاوية أضحت رباطاً لأهل دمشق وبعلبك فرابط فيها من الصحابة: أبو الدرداء الأنصاري، وسلمان الفارسي، وعبد الملك بن أبي ذرّ الغفاري. وكان سلمان أثناء رباطه يعقد مجلساً في جامع بيروت ويحدّث أهلها عن فضل الرباط.
وبعد فتح بعلبك تولّى القضاء فيها سفيان بن مجيب الثمالي الأزدي، وهو من قُدماء الصحابة، وقد زوّجه معاوية «حفصة بنت أميّة بن حرب»، وسفيان هو فاتح طرابلس الثاني في أوائل خلافة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، ومؤسِّس أول حصن حربيّ في تاريخ الفتوحات الإسلامية، المعروف بحصن سفيان، وهو مكان قلعة طرابلس الآن.
وفي المنطقة المعروفة بالحبابية في الجهة الشرقية الجنوبية المشرفة على مدينة صيدا، توفي شُرحبيل بن حَسَنَةَ وقبره معروف هناك إلى الآن، وهو فاتح صور.
واشترك عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق في موقعة اليرموك، وبعدها قصد بعلبك فنزلها، وطلب من الصحابيّ «قيس بن هُبَيرة» أن يبلّغ أخته السيدة عائشة أمّ المؤمنين أنه قد لَحِق ببعلبك.
وفي بعلبك سُجن «عبد الرحمن بن عُدَيس» قاتل عثمان بن عفان، وهو من الصحابة المبايعين تحت الشجرة، وقد فرّ من سجنه إلى جبل لبنان، فأرسل سفيان الأزديّ جنداً فتعقّبوه وقتلوه، فهو مدفون في مكانٍ ما من جبل لبنان.
وكان على حصار بعلبك عشرات من الصحابة المشاهير، ومن بينهم «مُعاذ بن جبل»، كان خالد بن الوليد أرسله إليها، فأتاها ومعه أخته «الصّعبة بنت جبل» فتُوفيت ودفنت هناك.
ومن صيدا ركب معاوية البحر ومعه زوجه «فاختة بنت قَرَظة» وبنته هند، وعشرات الصحابة ومئات التابعين، وخرجوا لغزو رودس.
وفي مدافن سطحا ببعلبك عُثر على قبر الصحابية «فاطمة بنت غَشْم» وهي من أسرةٍ تعاقب أبناؤها في المدينة عدّة قرون، وكتب على شاهد قبرها: «الحاجّة فاطمة ابنة غَشم زارت النبي في حياته وزارت قبره بعد مماته».
وأقام عبد اللّه بن مسعود مرابطاً في مرج السلسلة القريب من طرابلس ثلاثة أيام، فكان يقصر في صلاته، وهي صلاة المسافر، ورُوي عنه أنه قال: أقمت فيها ثلاثاً اقتصرت الصلاة، والقصر فيها كمن أتمّ الصلاة سبعين سنة. وذكر أن في المرج حصناً فيه منبر، وهذا يعني أن الحصن أو المرج فيه جامع تُقام فيه صلاة الجمعة.
وفي ميناء طرابلس صنع معاوية الأسطول الذي انتصر على أسطول الإمبراطورية البيزنطية في الموقعة المعروفة بذات الصواري، وكان معاوية في مركبٍ مع أهله، وكان على الغُزاة الذين خرجوا من طرابلس وغيرها من سواحل الشامن الصحابيّ بُسْر بن أرطأة.
ومن سواحل لبنان خرج معاوية وفتح جزيرة قبرص سنة 28هـ، وكان في هذه الغزوة جماعة كبيرة من الصحابة نذكر منهم: أبا ذَرّ الغفاري، وعُبادة بن الصامت، وفَضَالة بن عُبيد، وأمّ الحَكَم بنت أبي سفيان أخت معاوية، وأمّ حَرام بنت ملحان زوجة عبادة بن الصامت وخالة أنس بن مالك، وهي التي وَقَصَتْ بها دابّتها بعد فتح الجزيرة فوقعت عنها واندّق عُنُقها فماتت قبل أن تدرك أهلها، وقبرها هناك مشهور يُزار إلى الآن، وقد بُني عنده جامع قرب مدينة لارنكا.
هذا، وقد جمعنا أخبار الصحابة الذين دخلوا لبنان، وفتوحاتهم، وغزواتهم، ورباطهم، وروايتهم للحديث، في كتابٍ خاص بهم يصدر قريباً، هو الأول في سلسلة «موسوعة العلماء الأعلام في تاريخ لبنان وسواحل الشام»، وفيه مصادر الدراسة.}

(1) تحرّفوه: تزيلوا عنه قشره.
(2) أفاحيص القطا: جمع أفحوص، وهو التراب تتّخذ فيه طيور القطا مساكن لها، والمعنى أن الشيطان اتخذ في رؤوس هؤلاء القوم سَكَناً له.

موضوع قيم ورائع لاكي
جزاكى الله خيرا عليه
وفقك الله فى دعوتك اختى الداعيه الى الله عز وجل لاكي

وخاصّة للذين انطبع في أذهانهم ووعيهم صورةٌ مُغايرةٌ عن لبنان، ومن يرونه بلد الملاهي وعُلَبُ الليل، وكأنه جزء منسلخ عن أمّته وعن محيطه العربي والإسلامي

لبنان كغيره من البلاد، فيه الفساد، و فيه الجهاد …
أنا مسلمة سنية لبنانية نشأت في هذا البلد الطيب لبنان على حب الدين و الدعوة و لله الحمد..
الخير موجود في كل مكان.. و لبنان جزء لا يتجزأ من أمته الإسلامية..

جزاكِ الله خيراً.. استمتعت بقراءة الموضوع .. و أشعل في قلبي حنيناً لاكي

جزاك الله الفردوس الأعلى من الجنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.