الجزء الخامس
__________________________
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد فهذاالجزء الخامس من صفةصلاةالنبى صلى الله عليه وسلم …فنقول وبالله التوفيق
11- ثم يُكبِّر للركوع رافعًا يديه:
_________________________
_ويتعلق بذلك بعض المسائل:
(أ) ما المقصود بتكبيرات الانتقال؟
تكبيرات الانتقال: هي التكبيرات التي ننتقل بها من حركة إلى أخرى أثناء الصلاة مثل تكبيرة النزول للركوع وتكبيرة النزول للسجود وغير ذلك.
واعلم أن الثابت مِن فِعْله – صلَّى الله عليه وسلَّم – التكبيرُ (يعني قول كلمة: الله أكبر) في كلِّ خَفْض ورفْع، وهذا مُجْمَع عليه إلاَّ في الرفع من الرُّكوع، فيقول: سمع الله لمن حمده.
وحكم هذه التَّكبيرات عند الجمهور الاستحباب،
(ب)متى يبدأ التكبير – (يعني متى يبدأ في قول كلمة: الله أكبر)؟
_الرَّاجح أنه يبدأ التكبير قبل النزول إلى الرُّكن؛ والدليل على ذلك أنَّه ورَدَ في بعض روايات المسيء صلاتَه: ((ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع…)).
_ولذلك فالراجح أنه لا يمدُّ كلمة: (الله أكبر) حتَّى ينتهي إلى آخِر الرُّكن، بل يقول: (الله أكبر)، ثم ينزل إلى الركوع مسرعا، وكذلك عند النزول إلى السجود فإنه يقول: (الله أكبر)، ثم ينزل إلى السجود مسرعا، وذلك حتى لا يسبقه أحد من المأمومين، أما إذا كان الإمام بطيئ الحركة لِكِبَرٍ في السِن أو لِسِمنَةٍ أو غير ذلك فلهُ أنْ يأخذ بالرأي الآخر وهو أنْ يَمُدّ كلمة (الله أكبر) حتَّى ينتهي إلى آخِر الرُّكن حتى لا يسبقه أحد، ولكن الخطأ هو أنْ يصل إلى نهاية الركن أولا ثم يكبر، مثل مَن يُمكِّن جبهته للسُّجود أولاً ثم يكبِّر، وهذا خطأ، والأوْلَى أنْ يُعَلِّمَ الناسَ السُنّة حتى ينتظروا نزوله ولا يتعجلوا النزول قبله، ومع ذلك فالصَّلاة صحيحة، لكنه خالَف السُّنة.
______________________________________
ويُستَحَبّ للإمام الجَهْر بالتكبير؛ لِيُسمع المأمومين، فإن لم يَبْلُغْهم صوتُه استُحِبَّ لبعض المأمومين رَفْعُ صوته ليسمعهم، كفِعْل أبي بكر رضي الله عنه حين صلَّى النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بِهم في مرضه قاعدًا، وأبو بكر إلى جنبه يقتدي به، والناس يقتدون بأبي بَكْر . رواه مسلم
___________________________________________________ _____
_ ما هي ا لمواضع التي تُرْفَع فيها اليدان أثناء الصلاة؟
أ- عند تكبيرة الإحرام. ب- عند تكبيرة الرُّكوع.
جـ- عند القيام من الرُّكوع. د- عند القيام بعد التشهُّد الأول.
___________________________________________________ ______
12 – ثم يركع:
__________
والرُّكوع ركْن من أركان الصلاة، وهيئة الركوع الثَّابتة عن النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن ينحنِيَ ويضع يدَيْه على ركبتَيْه، ويفرِّج بين أصابعه كالقابض علَيْهما، وأن يقيم صلْبَه بحيث يكون مستويًا، حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستقَرَّ ، وكذلك لا يرفع رأسه وهو راكع، ولا يخفضها خفضا كبيرا، ولكن بين هذا وذاك.
_ملاحظات:
(1) إن لم يقدر على أقل الرُّكوع انْحنَى قدر ما يستطيع بجسده أو برأسه، فإنْ عجز عن الانْحِناء بجسده ورأسه أومأ بعينه وهو قائم.
(2) يشترط في الركوع النزول له بنيَّة الرُّكوع، فلو سقط على الأرض مثَلاً، أو سجد مُخْطئًا فتذكَّر، ثم قام إلى حدِّ الركوع لا يجزئه، بل عليه أن يقف تَمامًا ثم يركع"المَجْموع" (3/ 308)
(3) يُكْرَه التطبيق في الرُّكوع، وذلك بأن يضع يدَيْه بين فخذَيْه، وكذلك يراعي المصلي ألا يثني ركبتيه أثناء الركوع بل ينصبهما قدر المستطاع.
(4) يَحْرُم قراءة القرآن في الرُّكوع؛ لِما ثبت أنَّ رسول الله – – صلَّى الله عليه وسلَّم – – قال: (ألاَ إنِّي نُهِيتُ أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا، فأمَّا الرُّكوع فعَظِّموا فيه الربَّ عزَّ وجلَّ وأما السُّجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فَقَمِنٌ – (يعني: حريٌّ أو جدير) – أن يُستجاب لكم))مسلم
(5) إذا أدرك الإمامَ وهو راكعٌ، اعتدَّ بِهذه الركعة، وهو قول جُمهور العلماء، والأحوط أن يدرك معه تسبيحة واحدة على الأقل بتمهل على قول بعض العلماء حتى يطمئن في ركوعه، ويجب أن يكبِّر تكبيرة الإحرام وهو قائم كامل الاعتدال، ثم يركع مع الإمام، وأمَّا إن نزل للركوع مباشرة، ثم كبَّر تكبيرة الإحرام وهو راكع فإنَّ صلاته لا تنعقد (يعني تبطل صلاته)، وهذه من الأخطاء التي يقع فيه كثيرٌ من المصلِّين.
(6) يُستَحَبّ لِمن أدرك الإمامَ على حالة معينة أن يتابعه فيها، وإن لم يعتدَّ بالرَّكعة؛ كمَنْ يُدرِك الإمامَ وهو ساجد أو وهو قاعد (للتشهد أو بين السجدتين)؛ لِما ثبت في الحديث أن النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:
((إذا جِئْتُم إلى الصَّلاة ونحن سجود فاسْجُدوا، ولا تعدُّوها شيئًا، ومن أدرك الرَّكعة فقد أدرك الصلاة))أبو داود (893) بإسناد حسن
ويُلاحَظ أنَّ بعض المُصَلِّين إذا أدركوا الإمامَ وهو في التشهد الأخير وقفوا ولَم يدخلوا الصَّلاة مع الإمام؛ لكي يُصلُّوا جماعة أخرى، وهذا الصنيع مُخالف للحديث المذكور، بل الأَوْلَى بِهم متابعةُ الإمام وإدراك الجماعة الأولى.
13 – ويَطمئِنَّ في ركوعه:
والاطمئنان في الرُّكوع ركن عند جُمهور أهل العلم، وخالف في ذلك الحنفيَّةُ، واعلم أن أقلُّ الطمأنينة: أن يَمْكُث في هيئة الرُّكوع حتَّى تستقرَّ أعضاؤه، ويرى بعض العلماء أن أقل الطمأنينة أن يسبح تسبيحة واحدة بتمهل.
• وقد تقدم أمْر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – للمسيء صلاتَه بالاطمئنان في الأركان، وقد ورَدَ في بعض روايات الحديث:
((ثُمَّ يقول: الله أكبر، ثم يرفع حتَّى تطمئنَّ مفاصِلُه، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتَّى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد، حتى تطمئنَّ مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتَّى يستوي قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئنَّ مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبِّر، فإذا فعل ذلك، فقد تَمَّت صلاته البخاري ومسلم .
• وقد ثبت أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – رأى رجلاً لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلِّي، فقال: ((لو مات هذا على حاله هذه، مات على غَيْر ملَّة مُحمَّد، مَثَلُ الذي لا يُتِمُّ ركوعَه وينقر في سجوده مثَلُ الجائع الذي يأكل التَّمرة والتمرتَيْن، لا يُغْنيان عنه شيئًا))حسن
وقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُجْزِئ صلاة الرَّجل حتَّى يُقِيم ظهْرَه في الرُّكوع والسُّجود))حسن صحيح.
قال التِّرمذيُّ رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومن بعدهم، يرَوْن أن يقيم الرَّجل صلبه في الرُّكوع والسُّجود، وقال الشافعيُّ وأحمد وإسحاق: مَن لم يُقِم صلبه في الرُّكوع والسجود، فصلاته فاسدة"سنن الترمذي
تنبيه:
سيأتي ذِكْر أذكار الرُّكوع مع أذكار السجود في مَحلِّه.
__________________________________________________ _____
14- ثم يرفع رأسه من الركوع، قائلاً: سمع الله لِمَن حَمِده ويقول بعدما يرفع رأسه: (ربَّنا لك الحمد)، أو (ربَّنا ولك الحمد) أو (اللهم ربَّنا لك الحمد)، أو (اللهم ربَّنا ولك الحمد) (وقد وردت هذه الألفاظ كلها)، واعلم أن صفة الاعتدال: أن يقوم حتَّى يعود كلُّ عظْمٍ إلى موضعه ويستقرَّ.
والرَّاجح عموم التسميع (يعني قول: سمع الله لِمَن حَمِده)، والتحميد (يعني قول: ربَّنا ولك الحمد) لكلِّ مُصلٍّ؛ لا فرق بين الإمام والمأمومِ والمنفرد (بمعنى أن المأموم يقول مثل الإمام: سمع الله لِمَن حَمِده، ربَّنا ولك الحمد)، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وذهب آخرون إلى أن المأمومِ في حقِّه التحميد فقط دون التسميع (يعني لا يقول: سمع الله لمن حمده، ولكن يقول فقط: (ربنا ولك الحمد).
________________________________________________
الأذكار الواردة في الاعتدال:
(1) عن رفاعة بن رافع – رضي الله عنه – قال: كنا نصلِّي يومًا وراء رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فلمَّا رفع رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – رأسه من الرَّكعة وقال: ((سمع الله لمن حمده))، قال رجلٌ مِن ورائه: ربَّنا لك الحمد حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، فلمَّا انصرف رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((من المتكلِّم آنِفًا؟))، قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال(لقد رأيتُ بضعًا وثلاثين ملَكًا يبتدرونَها أيُّهم يكتبها أوَّلاً))البخاري
(2) كان النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا رفع رأسه من الركوع، قال:
((اللهم ربَّنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بَعْدُ، أهلَ الثَّناء والمَجْد، لا مانع لما أعطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لما منعتَ، ولا يَنفعُ ذا الجَدِّ منك الْجَدُّ) مسلم ومعنى ((ولا يَنفعُ ذا الجَدِّ منك الْجَدُّ)): يعني صاحب السُّلطان والغِنَى لا ينفعه سلطانه عندك شيئا.
(3) وثبت هذا الحديثُ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظُه: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السَّموات وملء الأرض، وملء ما شئْتَ من شيءٍ بعدُ، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عَبْد، لا مانع لِما أعطيْتَ، ولا معطي لِما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ)) مسلم
(4) وثبت أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يقول: ((لِرَبِّي الحمد، لربي الحمد))، يكرِّرها، حتَّى كان قيامُه نَحْوًا – (يعني قريبا) – من ركوعه صحيح،
_ملاحظات:
(1) الاعتدال الواجب أن يعود بعد الرُّكوع إلى الهيئة التي كان عليها قبل الرُّكوع، سواء كان قائمًا أو قاعدًا.
(2) لو رفع رأسه ثُمَّ سجد وشكَّ هل تمَّ اعتدالُه أم لا؟ لزمه أن يعود إلى الاعتدال، ثم يسجد؛ لأنَّ الأصل عدَمُ الاعتدال.
(3) يَجِب أن لا يقصد بِرَفْعه من الرُّكوع شيئًا غير الاعتدال، فلو رأى في ركوعه شيئًا فرفع فزعًا منه، لم يعتدَّ به، ووجب عليه أن يرجع إلى الرُّكوع، ثم يرفع.
(4) لو أتى بالركوع الواجب فعرَضَتْ له علَّةٌ منعَتْه من القيام، سقط عنه الاعتدال؛ لتعذُّره، ونواه بقلبه.
(5) إذا نَسِي التَّسبيح في الرُّكوع، ثم اعتدل فإنه لا يعود إلى الركوع مرة أخرى؛ لأنَّ التسبيح سقط برفْعه، وقد قال ابن قُدامة رحمه الله: "فإنْ فعَلَه – أيْ: إنْ عاد إلى الرُّكوع عمدًا – بطلَتْ صلاته… وإن فعله جاهلاً أو ناسًيا، لم تبطل".
15 – ثم يطمئن في اعتداله:
ففي الحديث: ((لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى صلاة عبدٍ لا يُقيم صلبه بين ركوعِها وسجودها))صحيح.]، وفي حديث المسيء صلاته: ((وإذا رفَعْتَ فأَقِم صلْبَك، وارفع رأسك حتَّى ترجع العظامُ إلى مفاصلها)).
قال الشوكانِيُّ رحمه الله: "والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على وجوب الطُّمأنينة في الاعتدال من الرُّكوع" "نَيل الأوطار" (2/ 280).
_________________________________________________
_أما عن طريقة وضع اليدين أثناء الاعتدال (بمعنى هل يضع اليمنى على اليسرى أم يرسلهما؟) لَم يثبت في ذلك سُنَّة صريحة، ولو كان لِوَضْع اليدَيْن في هذا الرُّكن هيئةٌ خاصَّة لَنُقل إلينا في الأحاديث؛ ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله:
"هو مُخيَّر بين إرسالِهما وبين وَضْع اليُمنى على اليسرى"، فالأمر في ذلك واسعٌ، والله أعلم (يعني لا ينكر أحد على أحد).
_______________________________________
16 – ثم يُكبِّر (تكبيرة النزول للسجود)، ثم يَهْوي إلى السجود ويسجد، ويلاحظ الآتي:
(أ) تقدَّم أن الصحيح أنه يكبِّر أولاً ثم يهوي للسُّجود (يعني ينزل إليه مسرعا).
(ب) بالنسبة لرفع اليدينى عند تكبيرة النزول إلى السجود:فقد أشار الشيخ الألبانِيُّ إلى أنه ثابتٌ أحيانًا في هذا الرُّكن، وكان يفعله عشرةٌ من أصحاب النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -، والظَّاهر أن هذا لم يكن مشهورًا مثل الرفع في المواضع السابقة، بل كان يفعل ذلك أحيانًا (ولذلك فينبغي ألا ننكر على من يفعل ذلك).
(ج) وأما بالنسبة لطريقة النزول للسجود: فالراجح أنه يضع يديه قبل ركبتَيْه؛ لِما ثبت في الحديث: ((إذا سجد أحدُكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، ولْيَضع يدَيْه قبل ركبتَيْه))صحيح:
، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يضع يدَيْه قبل ركبتيه، وقال: كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يفعل ذلك صحيح
*وسواء نزل على قبضته أو نزل على كفيه، ولكن لا ننكر على من ينزل بركبتيه أولا، لأن الأمر محل خلاف بين العلماء.
__________________________________________________ __
(د) وأما عن حكم السُّجود….نتوقف هنا حتى لا نطيل ونكمل فى جزء آخر هدانا الله لما يُحِب ويرضى وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
ملخص صفة الصلاة (الجزء الثانى)
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي