الجزء السابع
__________________________________
بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد فهذاالجزءالسابع من صفة الصلاة …فنقول وبالله التوفيق
20 – ثُم يقوم للثانية، ويصلِّي الركعة الثانية كالأولى:
ولكن يلاحظ أن بقيَّة الركعات تختلف عن الأولى بأنه فليس فيها تكبيرةُ الإحرام ولا دعاءُ استفتاح، واختلفوا في الاستعاذة على ما تقدَّم، ويلاحظ أيضا أنَّه مِن السُّنَّة أن تكون الركعة الثانية أقصر من الأولى كما تقدَّم.
• • • •
(فـصل) فيما كان يقرؤه النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الصلوات
أَذكُر في هذا الفصل ما ثبت من قراءته – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الصلواتِ مَجْموعةً، يعني دون ذِكْر لفظ الروايات، ولا أذكر إلاَّ ما صح عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم -.
أوَّلاً -صلاة الفجر:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقرأ في الفجر من الستِّين إلى مائة آيةالبخاري (541)، ومسلم (461)
، وثبَتَ عنه أنه كان يقرأ بطوال المفصَّل(يعني السور الطويلة في المفصل، والمفصل يبدأ من سورة (الحجرات) وينتهي بسورة (الناس) على الصحيح) { صحيح}، وصلاها بالواقعة{ صحيح }
وصلاَّها بسورة (ق)[مسلم] ، وقرأ من سورة الطور في حجَّة الوداع[البخاري (1619)، ومسلم]،
وصلاها بالرُّوم[النَّسائي]، وصلاها بـ (يس)[صحيح]، وصلاها بـ (الصَّافات)[حسن] ، وصلَّى مرَّة
فاستفتح سورة (المؤمنون) حتَّى إذا جاء ذِكْر موسى وهارون أخذَتْه سعلةٌ، فركع[مسلم]، وصلاَّها
بقصار المفصَّل بسورة (التكوير)[مسلم]، وصلاَّها مرة في السفر فقرأ (المعوِّذتَيْن[حسن](، وصلاَّها
مرة بسورة (الزلزلة) في الركعتَيْن[حسن]، وكان يصلِّي يوم الجمعة بسورة السجدة في الركعة الأولى، و سورة الإنسان في الركعة الثانية[البخاري (891)، ومسلم].
ثانيًا – صلاة الظهر:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُطيل الرَّكعة الأولى من الظهر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نَحْزِر – (يعني نقدر) – قيامَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الظهر والعصر، فحزَرْنا- (يعني قدرنا) – قيامه في الركعتين الأوليَيْن من الظُّهر قدْرَ قراءة ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ السجدة، وحزَرْنا قيامه في الأُخْريَيْن قدْرَ نصف ذلك، وحزَرْنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظُّهر، وفي الأُخْريين من العصر على النصف من ذلك"[مسلم]، وفي رواية: "ثلاثين آية" بدلاً من قوله: ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾، وكانوا يقدرون قراءته في الأولى والثانية قدر ثلاثين آية.
وكان يقرأ بـ ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ ، و﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ ، ونحوها[صحيح]، وقرأ: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ ، ونَحْوها[صحيح]، وكان أحيانًا يقرأ في الأُخْريَيْن على النِّصف من الأوليين قدر خَمْس عشرة آيةً أحيانًا، وأحيانًا يقتصر على قراءة الفاتحة.
ثالثًا – صلاة العصر:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يُطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكان يقرأ في كلٍّ منهما قدْرَ خمس عشرة آية، وكان يجعل الأخيرتَيْن على النصف من ذلك، وقرأ فيهما بالسُّوَر التي قرأ بها في الظهر.
رابعًا -صلاة المغرب:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقرأ في المغرب بقصار المفصَّل[البخاري]، وقرأ فيها بـ (الطُّورِ)[البخاري (765)، ومسلم (463)] ،
_وقرأ بـ (المرسلات)[البخاري (763)، ومسلم (462)]
، قرأ بها في آخر صلاة صلاَّها، وقرأ فيها (بالأعراف) فرَّقَها في الركعتين[البخاري مختصرًا]، وقرأ بـ (الأنفال) في الركعتين[قال الألبانِيُّ رحمه الله: رواه الطبراني بسند صحيح]، وقرأ بـ ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾[صحيح].
خامسًا -صلاة العشاء:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقرأ في الأوليَيْن من وسط المفصَّل[صحيح]، وقرأ بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ ، وأشباهها من السُّور[صحيح]، وقرأ بـ ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾[البخاري (766)، ومسلم (465)]، وقرأ في سفَر بـ ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾[البخاري (767)، ومسلم (464)]، وقال لمعاذ: ((إذا أمَمْت الناس فاقْرَأ بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ و﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ ، و﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾[البخاري (705)، ومسلم (465)].
سادسًا – صلاة الجمعة:
كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقرأ في صلاة الجمعة بسورتَي (الجُمُعَةِ) (والمُنَافِقُونَ) [مسلم (877)]، وتارة يقرأ بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، و﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾[مسلم].
سابعًا -صلاة العيدَيْن:
قرأ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيهما بسورة ﴿ الْأَعْلَى ﴾ في الأولى، وسورة ﴿الغاشية﴾ في الثانية، وأحيانًا كان يقرأ بسورة: ﴿ ق ) في الأولى، وسورة ﴿ القمر ﴾ في الثانية[مسلم]
_________________________
21 – فإذا صلَّى ركعتَيْن جلس للتشهد الأول:
وحكم هذا الجلوس: أنه واجب على مذهب الإمام أحمد – وهو الراجح -، وذهب بقيَّةُ المذاهب إلى أنه سُنَّة.
وصفة هذا الجلوس:
(الافتِراش) كما تقدَّم في صفة الجلوس بين السجدتَيْن (وذلك بأن يفترش قدمَه اليُسْرى جالسًا عليها، وينصب قدمه اليُمْنى موجِّهًا أصابعَها إلى القبلة (يعني يثني أصابع رجله اليمنى أثناء جلوسه قدر ما يستطيع، وإن لم يستطع أن يثنيها فلا شيئ عليه)، ويكون الجلوس بهذه الهيئة عندما يتشهد في الركعة الثانية للصَّلاة الثُّنائية (يعني إذا كانت الصَّلاة ركعتَيْن (كالصُّبْح وصلاة النَّفل)، وكذلك في التشهُّد الأول في الصلاة الثُّلاثية والرباعية.
وأما وضْع اليدين في هذا الجلوس، فهو كالتالي:
(أ) بالنسبة لأصابع اليد اليسرى: تكون مبسوطة على الفخذ (إذا كانت أصابع اليد اليمنى على الفخذ)، أو تكون على الرُّكبة (إذا كانت أصابع اليد اليمنى على الركبة).
(ب) بالنسبة لأصابع اليد اليمنى: تكون بأحد الأوضاع التالية:
الوضع الأول: أن يَقْبض الأصابع كلها ويشير بالسبابة.
الوضع الثاني: أن يقبض الخنصر والبنصر، ويمسك الوسطى بالإبهام (كأنها حلقة)، ويشير بالمسبِّحة (السبابة).
الوضع الثالث: أن يَعْقد ثلاثةً وخمسين؛ وذلك بأنْ يَضُمَّ ثلاثة أصابع (الخِنْصر والبنصر والوُسطى)، ويشير بالمُسَبِّحة (وهي السبابة)، ويَجْعل الإبهام أسفل السبابة على حرف راحة اليَد (يعني تكون فوق الوسطى وملاصقة للسبابة، كأنها تشير معها)، ويُلاحظ في وضع اليد اليمنى أن عظمة المرفق الأيمن تكون على فخذه اليمنى
ملاحظات وتنبيهات:
(1) يجوز تَحْريك الأصبع في التشهد، كما يجوز تثبيته؛ والأفضل التحريك، لما ثبت في حديث وائل بن حُجر: "ثم رفع أصبعه، فرأيتُه يُحرِّكها؛ يدعو بها"[صحيح،]،
_(ولكن لا ننكر على من يقول بتثبيت الإصبع) .
_ واعلم أن التحريك – أو التثبيت – يكون من بداية الشُّروع في التشُّهد (يعني من أول ما يقول: التحيات لله) حتَّى السلام.
(2) تكون الإشارة بالأصبع في اتجاه القِبْلة، ويرمي بِبَصره إليها.
(3) الحكمة من الإشارة بالأصبع ما ورد في الحديث من قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَهِيَ – (أي:السبَّابة) – أشَدُّ على الشيطان من الحديد))[حسَّنه الشيخ الألباني].
(4) لا يجوز الإشارة بالسبَّابتَيْن (اليمنى واليسرى معا)، وإنَّما الإشارة تكون بسبَّابةِ اليمنى فقط؛ فقد رأى النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -رجلاً يُشير بأصبعَيْه فقال له: ((أَحِّدْ، أَحِّد))، وأشار بالسبَّابة – (يعني أمره أن يشير بسبابة واحدة فقط وهي سبابة اليمنى) [صحيح].
وأيضًا فإنَّ السُّنة في اليد اليسرى أن تُبْسَط فيها الأصابع (بدون إشارة)، وعلى هذا فلو كانت اليمنى مقطوعةً سقطَتْ عنه سُنَّة الإشارة، فلا يُشِرْ بغيرها[انظر "المجموع" للنووي (3/ 455).].
22 – ويتشهد (يعني يقول التشهد بإحدى الصيغ الواردة والتي ستأتي بعد قليل):
وقد ورد الأمرُ بِهذا التشهُّد في إحدى روايات المسيء صلاته، ولفظه: ((إذا قُمْتَ في صلاتك فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، فإذا جلَسْت في وسط الصلاة، فاطمَئِنَّ وافترش فخذك اليسرى، وتشهَّد))[رواه أبو داود (860)، والبيهقي (2/ 133) بسند جيد.].
حكمه: في هذا الأمر الوارد في الحديث السابق دليلٌ لِمَن قال بوجوب هذه الجلسة والتشهُّدِ فيها، وهو مذهب أحمدَ، واللَّيثِ، وإسحاقَ، وداود، وأبي ثور، ورواه النَّوويُّ عن جمهور المُحَدِّثين.
صِيَغ التشهُّد: وردَتْ أكثر من صيغة للتشهد:
(1) تشهُّد ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا إذا جلَسْنا خلْفَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -في الصلاة نقول: السلام على الله، السَّلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السَّلام على فلان، السلام على فلان، فالتفَتَ إلينا النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((إنَّ الله هو السَّلام، فقولوا: التحيَّات لله، والصَّلَوات والطيِّبات، السَّلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله؛ فإنكم إذا فعَلْتُم ذلك فقد سلَّمْتُم على كلِّ عبدٍ صالحٍ في السموات والأرض))[البخاري ومسلم].
قال الترمذيُّ رحمه الله:"حديث ابن مسعود أصحُّ حديث في التشهُّد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم"[مسلم].
(2) تشهُّد ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -يعلِّمُنا التشهُّدَ كما يُعَلِّمنا السُّورةَ من القرآن، فكان يقول: ((التحيَّات المباركات الصَّلَوات الطيِّبات لله، السلام عليك أيها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله))؛ رواه أبو داود والترمذي وصحَّحه، ورواه ابن ماجه وفيه: ((وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)).
(3) تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان عمر يعلِّم الناس التشهُّد وهو على المنبر، يقول: قولوا: "التحيَّات لله، الزاكيات لله، الطيِّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبي…" بِمِثل حديث ابن مسعود[صحيح].
(4) تشهُّد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((.. إذا كان عند القعدة، فلْيَكن أوَّل قولِ أحَدِكم: التحيات الطيِّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله – وفي روايةٍ: وحْدَه لا شريك له – وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))[مسلم].
(5) تشهد ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -في التشهُّد: ((التحيات لله، الصلوات الطيِّبات، السلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته – قال: قال ابن عمر: زِدْت فيها: ((وبركاته)) – السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله – قال ابن عمر: زدت فيها: ((وحده لا شريك له)) – وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))[صحيح].
ملاحظات:
(1) اختلف العلماءُ في أفضل هذه الصِّيَغ، والأكثر على تفضيل صيغة ابن مسعود، واختار الشافعيُّ صيغة ابن عباس،
_ والأرجح في هذا أن لا يَكْتفي بصيغة واحدة؛ مُحافَظةً على السُّنة، وحضورًا للقلب.
(2) ورد في حديث ابن مسعود: "كُنَّا نقول ورسولُ الله حيٌّ: السَّلام عليك أيُّها النبِيُّ، فلما مات قلنا: السلام على النبِيِّ"[البخاري (6265].
قال الحافظ رحمه الله:"هذه الزيادة ظاهِرُها أنَّهم كانوا يقولون: ((السلام عليك أيُّها النبي)) بكاف الخطاب في حياة النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -فلما مات النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -تركوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغَيْبة، فصاروا يقولون: السَّلام على النبي"["فَتْح الباري" (11/ 56)].
_وقد ثبت عن ابن الزبير، وعن ابن عمر، وعن عائشة (رضي الله عنهم) أنَّهم كانوا يقولون: السَّلام على النبي.
قال الشيخ عادل العزازي:
(فعلى هذا تكون هذه الصيغة ((السلام على النبيِّ)) هي الأَوْلَى بالإتيان بها؛ لِفِعْل الصحابة رضي الله عنهم) –
* (مع عدم الإنكار على من يقول: (السلام عليك أيُّها النبي)).
(3) السُّنة إخفاء التشهُّد يعني لا نجهر به.
23 – ثم يصلي على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد أن يقول التشهد:
ذهب الشافعيُّ إلى مشروعية الصلاة على النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد التشهُّد الأول وأنه سُنَّة، والجمهور على أنه لا يشرع،
_وما ذهب إليه الشافعي أرْجَح، وسيأتي ذِكْر صِيَغ الصَّلاة على النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد ذِكْر التشهُّد الأخير.
___________________________________
24 – ثم يقوم إلى الركعة الثالثة مكبِّرًا رافعًا يديه:
فقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "كان إذا قام من الركعتين، كبَّر ورفع يدَيْه حتى يُحاذي بهما منكبيه، كما كبَّر عند افتتاح الصلاة".
*والظاهر أنه يجوز أن يكون التكبير (يعني قول كلمة: الله أكبر) قبل القيام من التشهد، كما يجوز أن يكون بعد القيام منه.
وإن كان الأَصْرَح في ذلك أن يكبِّر أوَّلاً قبل القيام؛ لأن قوله في الرِّواية السابقة: "وإذا قام" يحتمل: إذا أراد القيام؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ﴾؛ أي: إذا أردتم القيام، وكذلك لِمَا ثبت أن النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -"كان إذا أراد أن يسجد، كبَّر ثم يسجد، وإذا قام من القعدة، كبَّر ثم قام"[صحَّحه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (604)،].
وأما موضع رفع اليدَيْن في هذا الموطن، فظاهِرُ الأحاديث أنه يرفعهما بعد قيامه كما تقدَّم، وكذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا قام من الركعتين، كبَّر ورفع يديه"[صحيح.].
قال الشيخ عادل العزازي:
وقد رأيت شيخَنا الألباني رحمه الله يرفع يديه في هذا الموطن قبل القيام مع التكبير، ويبدو أنه حَمَل الحديث على معنى: (إذا أراد القيام)، فإنِّي لم أقف على توجيهه لِمَعنى الحديث، فإن كان كذلك، فهو توجيه قويٌّ، كتوجيه التكبير وأنه قبل القيام، وهذا الذي يترجَّح عندي الآن، والله أعلم،
* (إذن يجوز أن يكون رفع اليدَيْن قبل القيام من التشهد، كما يجوز أن يكون بعد القيام منه، فلا ينكر أحد على أحد)، واعلم أنه يكون قيامه معتمدًا على يديه كما تقدم في قيامه من جلسة الاستراحة.ولا ننكر على من لم يفعل هذا.
25 – فإذا صلى الثالثة (في المغرب) أو الرابعة (في الصلوات الرباعية) جلس متورِّكًا:
وهذا الجلوس ركنٌ من أركان الصلاة، وهذه الجلسة تكون إذا كانت الصلاة فيها أكثر من تشهُّد، فتكون جلسة التورُّك في التشهد الأخير، وأمَّا إذا كانت الصلاة ثنائيَّة، فيكون الجلوس بالافتراش كما تقدَّم، وأما هذه الجلسة فتُسمَّى: التورُّكَ، ولَها أكثر من صفة[الشرح الممتع]:
الصفة الأولى: أن يُخْرِج رجله اليسرى من الجانب الأيمن مفروشةً، ويَجْلس على مقعدته (يعني يلصق مقعدته بالأرض مباشرة دون أن يجلس على قدمه)، وتكون رجلُه اليمنى منصوبةً[صحيح.].
الصفة الثانية: أن يَفْرِش القدمَيْن جميعًا، ويُخْرِجهما من الجانب الأيمن، ويَجْلس على مقعدته.
الصفة الثالثة: أن يفرش قدمَه اليمنى، ويَجْعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، ويَجْلس على مقعدته[مسلم (579)، من حديث عبدالله بن الزُّبَيْر]
وأما موضع اليدين أثناء التشهد الأخير فهو على النحو السابق ذِكْرُه في التشهُّد الأول.
ملحوظة:
يرى الإمام أحمد أنَّ المسبوق (أي الذي فاتته ركعة مع إمامه على الأقل) إن شاء تورَّك في الجلسة الأخيرة مع الإمام، وإن شاء افترش، ثُم يتورَّك في تشهُّده بعدما يقضي ما عليه، ولكنه صرَّح فيمن أدرك من صلاة الظهر ركعتَيْن: لا يتورَّك إلا في الأخيرتَيْن[انظر "المُغْني" (1/ 451).]،
_قال الشيخ عادل العزازي: (وهذا الأرجح عندي والله أعلم – (يعني أن الراجح أنه لا يتورك إلا بعد أن يقضي ما عليه من ركعات) – لِعُموم حديث ابن عمر المتقدِّم، فالأصل في الجلوس الافتراش، وإنَّما التورُّك يكون في التشهُّد الأخير الذي يعقبه السَّلام في صلاة بِها أكثر من تشهُّد، والله أعلم).
26- ثم يتشهد (يعني يقول التشهد بإحدى الصيغ السابقة).
_______________________________
27- ويصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
(والتشهد الأخير، والصلاة على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -فيه) واجبان في هذا الجلوس، وقد تقدَّم في التشهُّد الأول دليلُ وصِيَغُ التشهد، وأما الصلاة على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -فقد تقدَّم أن ذكرها في التشهُّد الأول سُنَّة، ولكن ذكرها في الجلوس الأخير واجب، وهذا مذهب الشافعيِّ وإسحاقَ، وظاهرُ مذهبِ أحمد،
_ وذهب مالكٌ والثوريُّ إلى أنه ليس بواجب.
والدليل على وجوبه ما ثبت أنَّ النبِيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يُمَجِّد ربَّه، ولم يُصَلِّ على النبِيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((عَجِلَ هذا))، ثم دعاه النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((إذا صلَّى أحدُكم، فليبدأ بتمجيد ربِّه والثناء عليه، ثم ليُصلِّ على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -ثم ليَدْع بعْدُ بِما شاء))[صحيح]، والظاهر أن ذلك في الجلسة الأخيرة.
________________________________________
صِيَغ الصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
(1) عن أبي مسعود البدريِّ رضي الله عنه: قال: قال بشير بن سعد: أمَرَنا اللهُ أن نصلِّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلِّي عليك؟ فسكَتَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -حتَّى تَمنَّيْنا أنه لَم يسأله، ثم قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على مُحمَّد وعلى آل محمَّد، كما صلَّيْتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمَّد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالَمِين إنك حميد مَجِيد، والسلام كما قد علمْتُم))[مسلم].
(2) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قد عَلِمْنا كيف نسلِّم عليك – (يقصد قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مَجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمدٍ، كما بارَكْتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[البخاري].
وفي لفظٍ للبخاري وأبي داود: ((كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مكان (كما صليت على آل إبراهيم)، وكما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مكان (كما باركت على آل إبراهيم))، ورواه ابن حبَّان بهذا اللفظ (912).
(3) عن أبي حُمَيد الساعديِّ رضي الله عنه أنَّهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صلَّيْتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[البخاري (6360)، ومسلم (407).].
(4) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم))[البخاري].
______________________________________
28 – ثم يتعوَّذ بالله من أربع:
فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فلْيَتعوَّذ بالله من أربع: من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القَبْر، ومن فِتْنة المَحيا والممات، ومن شرِّ المسيح الدجَّال))[مسلم].
وقد استَدلَّ بهذا الحديث مَن يقول بوجوب الاستعاذة من هذه الأربع بعد التشهُّد الأخير، وهو الراجح.
فصلٌ: في أدعية الصَّلاة:
ونتوقف هنا على ان نكمل فى الجزء القادم باذن الله وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
Sent from my GT-I9505 using منتديات لكي mobile app