قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حبب إلى من دنياكم النساء و الطيب , وجعلت قرة عينى فى الصلاة " (أخرجة النسائى ).
و المقصود أن ما تقر به العين أعلى من مجرد ما يحبه , فالصلاة قرة عين المحبين لما فيها من مناجاة من لا تقر العيون إلا به ولا تطمئن ولا تسكن النفس إلا اليه و التنعيم بذكرة و التلذذ بالخضوع له و تلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه .
ومن هنا قول النبى صلى الله عليه وسلم : " يا بلال ارحنا بالصلاة"
عندما قرأت هذا تعجبت كيف تصبح الصلاة قرة أعيننا وراحتنا حتى تذكرت قول الله تعالى : {و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين}
إذا هذا الشعور يتطلب الخشوع …. و لكن كيف الوصول إليها ؟؟؟
يقول ابن القيم : فى القلب شعث" تفرق " لا يلمه إلا الإقبال على الله …….. و فى القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله…….. وفى القلب خوف و قلق لا يذهبه إلا الفرار إلى الله ……. و فى القلب حسرة لا يطفئها إلا الرضى بالله عز وجل .
ويقول : لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت .. ولا تقطع الاعتذار ولو رددت …. فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين …… وأبسط يدك على بابه وقل ……. مسكين فتصدق علىّ .
و لقد تناول الإمام ابن القيم الجوزية فى وصف كيف تكون الصلاة قرة أعيننا متناولاً فية ستة مشاهد :
· المشهد الأول : الإخلاص :
و هو أن يكون الحامل عليها و الداعى إليها : رغبة العبد فى الله ….. و محبته له …… و طلبه لمرضاته ……. والقرب منه…… والتودد له .
· المشهد الثانى : الصدق والنصح :
وهو أن يفرغ قلبه لله فيها و يستفرغ جهدة فى إقباله فيها على الله وجمع قلبه عليها و إيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهراً و باطنا ……. فظاهرها الأفعال المشاهدة و الأقوال المسموعة وباطنها الخشوع والمراقبة …. فهذا بمنزلة الروح لها والأفعال بمنزلة البدن …… فإذا خلت من الروح كانت كبدن بلا روح .
أفلا يستحى العبد ان يواجة سيده بمثل ذلك ؟؟؟؟؟؟؟
ولهذا تلف كما يلف الثوب الخلق …. ويضرب بها وجة صاحبها و تقول : "ضيعك الله كما ضيعتنى" ….. أما إذا كمل ظاهرها و باطنها تصعد ولها نور وبرهان كنور الشمس حتى تعرض على الله فيرضى بها ويقبلها وتقول : " حفظك الله كما حفظتنى "
· المشهد الثالث : المتابعة و الإقتداء :
وهو أن يحرص كل الحرص على الإقتداء فى صلاته بالنبى صلى الله عليه وسلم كما كان يصلى .
· المشهد الرابع : مشهد الإحسان :
وهو مشهد المراقبة وهو أن تعبد الله كإنك تراه وهذا المشهد انما ينشأ من كمال الإيمان بالله و أسمائه و صفاته حتى كأنه يرى الله سبحانه و تعالى فوق سمواته ومستويا على عرشه ويتكلم بأمرة و نهيه ويدبر أمر الخليقة فينزل الأمر من عندة و يصعد إليه و تعرض أعمال العباد و أرواحهم عليه .
وشهد الإحسان أصل أعمال القلوب كلها فإنه يوجب الإجلال و التعظيم و الخشية و المحبة و الخضوع لله و الذل له .
· المشهد الخامس : شهود المنة :
أن تشهد أن المنة لله فى كونه أقامه فى هذا المقام و أهله ووفقة لقيام قلبه وبدنه فى خدمته فلولا الله سبحانه لم يكن شىء من ذلك
قال الله تعالى : {يمنون عليك أن اسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ان كنت صادقين} (الحجرات : 17 ) .
· المشهد السادس : رؤية التقصير :
و هو أن العبد فى القيام بالأمر غاية الإجتهاد و بذل و سعة فهو مقصر وحق الله أعظم و الذى ينبغى ان يقابله
به من الطاعة و العبودية فوق ذلك بكثير و أن عظمته وجلاله سبحانه يقتضى من العبودية ما يليق بهما .
و من هنا كان قول الرسول صلى الله علية وسلم : " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله . قيل : ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا حتى يتغمدنى الله برحمته " (رواة البخارى ).
قال أنس بن مالك : " يخرج للعبد يوم القيامة ثلاثة دواوين .. ديوان حسناته .. ديوان سيئاته .. وديوان النعم التى أنعم الله علية بها . فيقول الله تعالى لنعمه : خذى حقك من حسنات عبدى … فيقوم أصغرها .. فيستنفد حسناته ثم تقول : وعزتك ما أستوفيت حقى بعد … فإذا اراد الله أن يرحم عبدة وهبه نعمه وغفر سيئاته وضاعف حسناته .
نماذج لصلاة المحبين :
* عروة بن الزبير أصاب قدمة السرطان فقالوا له : لابد ان تقطع قدمك … نسقيك المسكر فقال : لاأستعين بمعصية الله على طاعة الله … فقالوا : نسقيك المرقد … فقال : لا أحب أن يسلب جزء من أعضائى وأنا نائم…. فقالوا : نأتى بالرجال لنمسكك … قال : أنا أعينكم على نفسى…. قالوا كيف ؟ …. قال : دعونى اصلى فإذا وجدتمونى لا أتحرك و قد سكنت جوارحى واستقرت فإنذرونى حتى أسجد فإذا سجدت فما عدت فى الدنيا فإفعلوا بى ما شئتم … ففعلوا ذلك حتى سجد و أتى الطبيب بمنشار ليقطع القدم … و يتعرق عروة ولا يصرخ … يقولوا: نسمعه يقول : لا إله إلا الله رضيت بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد رسولاً ونبياً حتى أغشى عليه .
* و قف طلحة الأنصارى رضى الله عنه فى بستانه يصلى و أثناء الصلاة شاهد طيراً فتعلق نظرة به حتى إنتهى من صلاته و لا يعلم كم صلى فذهب إلى النبى يبكى يقول : يا رسول إنشغلت بالطائر فى البستان حتى نسيت كم صليت ……. يا رسول الله البستان صدقة فى سبيل الله لعل الله يغفر لى .
* سئل حاتم الأصم كيف تخشع فى صلاتك : يقول : أخشع فى صلاتى بأن أقوم فأكبر و اتخيل أن الكعبة بين عيني … وأن الصراط تحت قدمى … و أن الجنة عن يمينى … و أن النار عن شمالى … و أن ملك الموت من ورائى…. و أن رسول الله يتأمل صلاتى…. و أظنها آخر صلاة لى فأكبر لله تعظيماً … و أقرأ بتدبر… وأركع بخضوع … وأسجد بخشوع …و أجعل فى صلاتى الخوف من الله والرجاء فى رحمتة ثم أسلم و أقول أتراها قبلت أم لا ؟؟؟؟؟؟؟؟
حقاً ان بيننا و بين الخشوع لطريق طويل
فى الحقيقة لم أجد أجمل ولا أعظم من نموذج لرسولنا و قائد دعوتنا كى أختم بة حديثى عن صلاة المحبين ……..
يقول أنس بن مالك : دخلت ليلاً المسجد والمسجد خالى فوجدت جزع نخلة فعجبت .. هذا المكان لم يكن فية جزع نخلة .. فأخذت أقترب فإذا به رسول الله فإقتربت منه وقلت لنفسى : هذة فرصتى كى أصلى مع النبى وحدى … فوقفت بجواره فإفتتح بسورة البقرة .. قلت : يسجد عند االمائة … فأتمها… فقلت : يختمها ويركع … فإفتتح سورة آل عمران قلت : يسجد عند االمائة … فأتمها.. فقلت يختمها ويركع … فأفتتح سورة النساء …. قلت : يسجد عند االمائة … فأتمها … فقلت: يختمها ويركع … يقول أنس حتى هممت بأمر سوء .. فقيل له : وماهذا ؟ قال : هممت أن أجلس وأدع النبى واقفاً … ثم قال : ثم ركع النبى فكان ركوعة قريباً من وقوفه … ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه .
فأين نحن من هذة النماذج ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كفى بك عزاً أن يكون لك رباً
و كفى بك فخراً أن تكون له عبداً
و عجلت إليك ربى لترضى
بارك الله في الجميع
شموخ المجد
بارك الله بكما
أشكركما على المرور والرد