تخطى إلى المحتوى

صيد القلم 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما نحاول أن نتذكر أمهات الكتب ، يجب أن يخرج بينها كتاب من أبدع الكتب ، وهو صيد الخاطر لأبي الفرج بن الجوزي رحمة الله عليه ، حيث نرى من سمات هذا الكتاب الشيء اللافت للانتباه في أمور لعل من أبرزها :
• من إنتاجه العقلي والروحي وفكرة المستقل ولم يعتمد في كتابته على نقولات مقروءة أو مسموعة وكأن هذا الإمام العلم حوى كثيرا من العلوم بفنون عدة ثم اعتصر خلاصتها في هذا الكتاب مقتصرا فيما يكتب على تجارب الدهر وخلاصه العمر .
• يبهرك ابن الجوزي رحمه الله بانطلاق عقله من حدود التقليد المميت أو التقديس المذهبي أو السير الأعمى خلف الشيوخ والعلماء والمشاهير .
• يبتعد ابن الجوزي عن التزمت الغليظ الذي يحلو لمن لديه علم أن يمارسه فهو يغوص إلى أدق تفاصيل الحياة والتعاملات البشرية ببساطة وعفوية نجدها في ألسنة العوام ، يخلط كل ذلك بتربية وحسن تهذيب .
• هو إمام من أئمة الوعظ على مر التاريخ ، وقد منحه الله هبة الضرب بالسياط على القلوب بالوعيد والتأثير في مستمعيه بوصف الجنة والنار والتأله الرباني لم بيده ملكوت كل شيء ، فينقل قارئ الكتاب من فنن إلى فنن بتحريك مشاعره بشفافية إيمانية نديه تربي جوانب الروح على اللحظة الإيمانية المتلذذة بصفاء الروح ، كيف لا وهو من فرسان هذا الميدان .
• أسلوبه الأدبي الرائع واللغة العالية السبك والصياغة الراسخة هي لغة ابن الجوزي حيث لا يبدو تمكنه منها فقط ، بل يبدو رسوخه الضارب في جذورها ، حيث يتلاعب بالمفردات برشاقة الضليع في هذا الفن فكأنما استقلت له الكلمات بقواميسها مزدحمة إمام ناظريه ، يصطفي منها ما يشاء ويدع ما يشاء ، فصار كتابة قطعة أدب كأنما نحتها ماهر حاذق .
• لا يبدو الكتاب مرتبا في موضوعاته ولا تجتمع فيه الأبواب محتضنه فقراتها التابعة لها ، بل ظهر الكتاب مبعثر الفقرات لا يلم شتاته ويربط بين متناثره إلا أنه خرج من إبداع مؤلفه ، وهذا ربما يكون مأخذا لدى البعض ولكن الحق أن هذا الخطأ – على افتراض – جعل الروح لا تكل ولا يعتريها أي ملل بسبب تنوع المذاقات على روح القارئ ، فما إن تستلذ النفس بشاردة من شوارده إلا ويستلك المؤلف إلى لذة أخرى تنهيها بإشراق ثالثة تكون معك على موعد .
• ومن ما قرأته وأعجبني في هذا السفر العظيم هذه الفقرات
• (( يجب على كل من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا ولا يغتر بالشباب والصحة فإن أقل من يموت من الأشياخ وأكثر من يموت من الشباب ولهذا يندر من يكبر ، وقد أنشدوا :
يعمر واحد فيغر قوما 000 وينسى من يموت من الشباب
• ثم للنفس قوة بدنية عند وجود المال وهو معدود عند الأطباء من الأدوية .
• قال ابن عقيل رحمه الله : من قال إني لا أحب الدنيا فهو كذاب ، فإن يعقوب عليه السلام لما طلب منه ابنه يامين قال : (( هل أمنكم عليه 000)) فقالوا ونزداد كيل بعير ، فقال خذوه . وقال بعض السلف : من أدعى بغض الدنيا فهو عندي كذاب ، إلا أن يثبت صدقه ، فإذا ثبت صدقه فهو مجنون !
• قال السجان للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – : يا إمام هل أنا من أعوان الظلمة ؟؟ قال له الإمام أحمد : لا ، بل أنت من الظلمة ، إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر
•وفي قهر الهوى لذة ، تزيد على كل لذة ، ألا ترين إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلا لأنه قهر بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب لأنه قهر .
وفي الختام أقول بثقة جنان وهدوء بال ، بأن هذا السفر الثمين هو من الكنوز القيمة التي تستحق اعتبارها واجهة علمية وفكرية نفاخر بها الأمم والحضارات البشرية عبر أزمان الحياة ، وأن هذا القلم الذي سال يراعه بدرر لا يستطيع إلا جبابرة العقول لهو جدير الاهتمام والقراءة والتلخيص ، وقد سئل نيوتن عن اكتشافاته فقال : وقفت على أكتاف العمالقة قبلي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.