مجاهدات هذا العصر
وهى عجيبه وعظيمه
وهى منقوله
ولمثل هذه القصص
فليكن النقل
بقلم : سوسن مصاروة
جلس الشيخ ، ورفع يديه الى السماء ، ودعا الله قائلاً « اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وبكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي ارسلت ، أن تجعلها للاسلام ، انك على كل شيء قدير ، أسألك بالقرآن ان تجعلها للإسلام ،وصلّ اللهم على سيدنا محمد .. » ثم دمعت عيناه .
وأنا أقرأ عن حياة الام الفاضلة زينب الغزالي ، تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خياركم في الجاهلية خياركم في الاسلام ) ، كانت فتاة ابيها المدللة المحبة للخير والفضيلة ، أدبها ورباها وأنشأ في ذاتها روح القيادة والجرأة في قول الحق والصدق في الكلام ومعارضة الباطل والتصدي له ، كنّاها نُسيبة بنت كعب ، تيمناً بالصحابية المجاهدة التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نمّى فيها حب الدفاع عن الاسلام ، وحفظه .. وكانت ما تزال في العاشرة ، وكان يأمل ان تكون داعية مدافعة عن الاسلام وأهله ، ولكن بعد موت والدها ، رفض اخوها الكبير محمد ان تكمل تعليمها .. وصار أخوها عليّ يحضر لها الكتب لتقرأ وتتثقف ، لكنها لم تكتف بذلك ، وذات يوم وبينما هي تتجول في الشارع دخلت الى مدرسة خاصة بالبنات ، وتوجهت الى المدير قائلة : انا السيدة زينب ولقبي نسيبة بنت كعب …
وقصت عليه قصتها وطلبت ان يقبلها طالبة في مدرسته .. وكان لها ما أرادت .
تخرجت من الثانوية ، والتحقت بالاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه آنذاك هدى شعراوي ، حيث طمعت ان تدرس في فرنسا ضمن بعثة الاتحاد الا ان والدها جاءها في رؤيا وأمرها ان لا تسافر ، وبقيت زينب في الاتحاد تعمل وتكافح وتدعو الى فكر هدى شعراوي وتستقطب الفتيات اليه ، حال هذا الاتحاد ، كحال الجمعيات النسائية في زماننا التي تدعو الى تحرر المرأة من عقيدتها وحجابها وأخلاقها ، بحجة الارتقاء بالمرأة المسلمة وتنمية عقلها وتوسيع أفق فهمها ، لتنال حقوقها .. هذه الشعارات التي نادت بها كل الاتحادات النسائية المزعومة .. وما زالت تفعل.
وكانت زينب مخلصة في عملها ، صادقة في عطائها ، مؤمنة بفكرتها ، تتصدى لعلماء الازهر وتنتصر لفكرة هدى ، الى ان شاء الله لها ان تتغير وتنقلب مائة وثمانين درجة ، حين التقت بالشيخ محمد النجار الذي دعا لها ذلك الدعاء ، ودعاها ان تكون مع الله ورسوله لا مع هدى شعراوي ، ان تكون مع الحق لا مع الباطل ، فقبلت دعوته ، وأوضح لها الكثير من امور الدين التي كانت تجهلها ، وفتح عينيها على قضايا لم تكن تعلمها .
وفي هذه الفترة أصيبت زينب بحروق في وجهها ، وجسدها بسبب انفجار الغاز فيها ، وكانت حالتها تسوء يوماً بعد يوم ، فما كان منها إلا ان رفعت يديها ، وتوجهت بقلبها الى الله تدعوه وتقول : « إن كان هذا عقابا منك لأنني كنت مع هدى شعراوي فإنني قررت الاستقامة ، وسأرتدي الحجاب بدل القبعة ، سأترك الاتحاد النسائي وسأعمل في خدمة الدعوة وعودة المرأة الى دينها » ، أخلصت في دعائها وصدقت في توبتها .. فاستجاب لها ربها وشفيت من حروقها وكأن شيئاً لم يكن ، استقالت من الاتحاد النسائي مباشرة ، وغيرت لباسها الى الجلباب والحجاب ، واتجهت بأفكارها لنصرة دين الله والعمل لدعوة الله .
على أثر هذا التغيير ، والذي بدأ عام 36، أسست جمعية السيدات المسلمات وكان عمر زينب عشرين سنة ، وأصبحت هذه الجمعية المحضن الخصب لنساء الدعوة المباركة .
فخرجت منها الواعظات، وأقامت المساجد ، وعقدت الاجتماعات ، وأصدرت مجلة للجمعية ، ونجحت نجاحاً باهرا في هذا المجال ، وعملت جاهدة تحذر من انخداع الفتيات بالكلام والشعارات البراقة ، وفضحت كل الدعاوى الباطلة التي نادى بها الاتحاد النسائي .
وكان لها وللجمعية الشرف الكبير اذ التحقت بدعوة الاخوان بقيادة الامام حسن البنا ، عندما دعاها للقّاء وتوحد نشاطها في إطار الدعوة وبايعت الامام على العمل لقيام دولة الاسلام .
ومرت الايام على زينب الغزالي تدعو الى الله على بصيرة وتدافع عنه ، وترد كيد المتآمرين على المرأة المسلمة ، والاسلام بشكل عام .
واستشهد البنا ، وبدأت المحنة الصعبة على هذه الفئة المؤمنة ، وشعرت زينب كغيرها من الاخوات المسلمات عظيم دورهن في إسكات صرخات اليتامى الذين فقدوا اباءهم في السجون ، وتهدئة النساء الثكالى ، وتجفيف الدمع بالكلمة الطيبة والتصبير والإطعام .
وصار بيتها خلية يأوي اليها شباب الدعوة بعد ان ذكّرت زوجها الشيخ محمد سالم سالم بالعهد الذي قطعه لها عندما تزوجا بأن لا يمنعها من الجهاد والعمل في دعوة الله حتى تقوم دولة الاسلام ، وإلا فإن الدعوة الى الله أهم من الزواج .
تعرضت زينب الغزالي لمحاولة اغتيال من قبل حكومة عبد الناصر ، حاولوا معها لتنضم للاتحاد الاشتراكي ورفضت قائلة « لا والله، شلت يدي اذا وقعت يوما على ما يدينني أمام الله بأنني اعترفت بحكم طاغية .. » وحُلت جماعة « السيدات المسلمات » . بأمر من عبد الناصر وتشرد من كان في دار الجماعة ، فأرسلت له رسالة طويلة تقول فيها «… فلتصادر الاموال والحطام ولكنك لا تستطيع ان تصادر عقيدتنا .. ان رسالتنا رسالة دعوة ودعاة ، اننا نقف تحت مظلة لا اله الا الله ، وهذا الاعتقاد يلزمنا بالعمل المتواصل حتى يشاء الله … » .
وبدأت عروض المساومة مع زينب الغزالي لشراء ذمتها بثمن بخس ، فعرضوا على سبيل المثال عليها ان تعيد الجماعة الى ما كانت عليه وتصدر مجلة السيدات المسلمات لنشر الفكر العلماني عن طريق المخابرات وأن تكون هذه الجماعة من السيدات إحدى مؤسسات الاتحاد الاشتراكي مقابل عشرين الف جنيه سنوياً ، وكان جوابها واضحاً صريحاً ( لن يكون عملنا إلا للإسلام ولن نمّوه ولن نضلل ) .
وبدأت حلقات التربية تنتشر بين الاخوة والاخوات ، فترة التكوين والاعداد والغرس لعقيدة التوحيد في النفوس ، وقام على هذا النشاط السيدة زينب بالتشاور مع الهضيبي وسيد قطب في سجنه ، وتقرر ان يستمر هذا النشاط لثلاثةعشر سنة .
وبدأت المحنة عام 1965 عندما اعتقلت قيادات الدعوة ، حتى وصل الامر لاعتقال السيدات ، فكانت الاولى سيدة جليلة اسمها ام احمد بلغت الخامسة والثمانين ، عملت في دعوة الله ومساعدة الأُسر المحتاجة ، ولما سمعت زينب بهذا الخبر قالت : « انه شيء جميل ، ما دام في الارض التي ضاعت معالمها ، امرأة مؤمنة تعتقل في سبيل الله وفي سبيل دولة القرآن .. فمرحى يا جنود الله » .
وكان بحوزتها امانات مالية اعطتها لإحدى بناتها في الله ، لأنها كانت متأكدة ان الاعتقال سيطالها ، وفعلا اعتُقلت في فجر اليوم التالي وكان عمرها ثماني واربعين سنة .
جُلدت بالسياط .. ومع ذلك كانت تنظر الى الشباب في ساحة السجن غطت الدماء اجسادهم وتقول لهم : صبراً يا أبنائي ، ان موعدكم الجنة ،صبراً يا ابنائي انها بيعة مع الله ، وعندما ترى الاشلاء المتناثرة تملأ المكان كانت تقول : في سبيل الله .. لولا ربي ما اهتدينا ، ولا تصدقنا ولا صلينا ، فثبِّت الاقدام إن لاقينا.
بدأ مسلسل التعذيب مع هذه الاخت الكريمة بالسوط الذي ألهب ظهرها ، ثم تلاه نهش الكلاب بجسدها ، وهي مغمضة العينين تتلو أسماء الله الحسنى ، وتدعو الله وتقول : اللهم اشغلني بك عمن سواك .. ارزقني الشهادة فيك .. وثبت الاقدام ، وانتقلت من زنزانة الكلاب الى زنزانة رقم 3 ، حيث الظلام الدامس ، ثم الى غرف التحقيق والضرب بين السؤال والآخر ، حيث عرض العضلات والمساومة على قول ما يريدون ، تورمت ساقاها وانتفخت قدماها ، وتلوثت ملابسها البيضاء بالدم المتجمد من أثر التعذيب ، وتشقق اللحم من اثر السياط ، ومن زنزانة رقم 3 الى زنزانة رقم 42 حيث في وسطها النار وفي كل زاوية شرطي بيده سوط ، فكانت فيها بين نار مشتعلة ونار السوط ، ومن هذه الزنزانة الى زنزانة 23 حيث يعلقونها بحلقتين في عامود وعندما تسقط يضربونها بالسياط .. حتى يغمى عليها .
وكان التعذيب في زنزانة مليئة بالماء ،ممنوع التحرك فيها ، فإذا تحركت ضربت وكانت محاولة لاغتصابها ، ولكن الله أمكنها منه فصرعته تلك التي تربعت على قمة الألم ومزقتها الجراح ، التي أرادوا إرغامها على الاعتراف بأنها وجماعتها قد اتفقوا على قتل جمال عبد الناصر ، وهي ثابتة على موقفها .
وانتقلت زينب بين مكاتب التحقيق والنيابة ، حتى جاء موعد المحاكمة في 17/5/1966، ومن ثم حكم على زينب الغزالي بالاشغال الشاقة المؤبدة 52 سنة ، حينها قالت صابرة صادقة : الله اكبر ولله الحمد ، في سبيل الله وفي سبيل دعوة الحق ، دعوة الاسلام ، { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } .
ومات زوجها ، وهي في السجن ، وقد أرغمه الطغاه على طلاقها وسلبوا منه امواله وشركاته وبيته .
وتمر ايام السجن على زينب الغزالي ، ويموت رأس الطغاة ، وفي سنة 1971 يأمر مسئول السجن بالإفراج عن زينب الغزالي ، ضمن شروط : لا تمارس العمل الاسلامي ،لا تزاور بينها وبين الاخوان والمعارف ، التردد على مكتب المباحث العامة بين الفينة والأخرى .
وعندما خرجت من عنده قالت بثقة المؤمنة : إن قيام الدولة الاسلامية واجب على المسلمين وعدتهم في ذلك الدعوة الى الله وهذه رسالة كل مسلم .
وانصرفت زينب ، ومنذ ذلك الحين اوقفت نفسها للعمل في سبيل الله لنشر دعوة الله ، اربعة وثلاثون سنة قضتها زينب الغزالي الجبيلي في نشر الدعوة وتأليف الكتب وإلقاء المحاضرات واللقاءات الايمانية .
شاركت في المؤتمرات الاسلامية والمنتديات ، عاشت لفكرة اسلامية صادقة وماتت عليها .
هذه هي زينب ، فهل فينا زينب ؟
هذه المجاهدة الصابرة ، فهل فينا المجاهدة ولو بكلمة حق والصبر على الاذى ؟
انها الام التي أرسلت لنا وصاياها وكلماتها فكانت نعم الكلمات ونعم التوصيات ، فبورك فيك أُمّنا الفاضلة ، .. رحمك الله وغفر الله لك وأدخلك فسيح جنانه ، في الفردوس الأعلى مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والبنا وسيّد قطب ، وجمعنا بك في عليائه انه مجيب الدعاء
من قال لك إن البنا وسيد قطب في الجنة
الله يعلم
سيد قطب الدي يسب الصحابة
ويقول إن الله على العرش أستولى
كل هد موجود في كتبه
وقد حدر الشيخ وبيع من قراءة كتبه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته