(( كشف شركيات الجفري )) الجزء الرابع .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد .
و بعد عرض المقاطع الصوتية للجفري في الجزء الأول .
سوف أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على أقواله المخالفة لما جاء في النصوص الشرعية كما في الجزء الثاني و الثالث و هي كما يلي :
خامسا : ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة :
من الأدلة على ذلك أن أموراً عظيمة وقعت لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم أجمعين وهم أفضل الأمة بعد نبيها كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم ولم يظهر لهم، نذكر منها :
1 ) انه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الخلافة ، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم .
2 ) اختلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع فاطمة رضي الله عنها على ميراث أبيها فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها .
فأجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة )) رواه البخاري وغيره .
3 ) الخلاف الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم اجمعين من جهة أخرى ، و الذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين ، فلماذا لم يظهر لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يحقن هذه الدماء .؟
4 ) الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج ، وقد سفكت فيه دماء كثيرة ، ولو ظهر لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقن تلك الدماء .
5 ) النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جداً منهم عمار بن ياسر . فلماذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم .
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جلالة قدره وعظمة شأنه كان يظهر الحزن على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول : ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه : الجد ، و الكلالة ، و أبواب من أبواب الربا ) متفق عليه .
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له : لا تحزن حكمها كذا وكذا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بالنسبة لاستدل الصوفية بالحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )) .
على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، فالجواب :
أما رواية: (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )) " لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية النبي في اليقظة :
1 ) أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عيه و سلم و رضوان الله عليهم أجمعين أو يزيد ، مما يدل على شيوعه واستفاضته و رغم ذلك لم ينقل عن أحد منهم رضوان الله عليهم أجمعين إمكانية رؤيته صلى الله عليه و سلم في اليقظة .
2 ) أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله . ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً : باب في إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل ؛ لأنه أعظم من كل ما ترجموا به تلك الأبواب .
3 ) أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ ( 44 ) موضعاً تقريبا، و مع كثرة هذه المواضع لم يرد في أي موضع لفظ (( فسيراني في اليقظة )) بالجزم إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة .
أما بقية الروايات فألفاظها : (( فقد رآني )) أو (( فقد رأى الحق )) أو (( فكأنما رآني في اليقظة )) أو (( فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة )) بالشك .
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته نجد ملاحظات على لفظ (( فسيراني في اليقظة )) لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها و هذه الملاحظات هي :
أولاً : أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه : ثلاثة منها من حديث أبي هريرة ، و ليس فيها لفظ : (( فسيراني في اليقظة )) إلا في موضع واحد .
ثانياً : أن كلا من مسلم حديث رقم 2266 ، و أبي داود حديث رقم 5023 ، و أحمد 5/306 ، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ (( فسيراني في اليقظة . أو لكأنما رآني في اليقظة )) و هذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ (( فكأنما رآني )) أو (( فقد رآني )) لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم و ليس فيها شيء شك فيه الراوي .
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك .
ثالثاً : إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس من يقول : تمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك : أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي )) فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم ، و أغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ .
رابعاً : ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الفتح 12/400 أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة (( فقد رآني في اليقظة )) بدل قوله : ((فسيراني )) .
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ ، و لعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال : وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع – يعني الرؤية – بعيني الرأس حقيقة .
ونقل عن المازري قوله : إن كان المحفوظ (( فكأنما رآني في اليقظة )) فمعناه ظاهر .
هذا ما يتعلق بالحديث رواية ، و إن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على : أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة .
أما ما يتعلق به دراية يقول أهل العلم : لو فرضنا أن هذا اللفظ (( فسيراني )) هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية ، و هذا نقل لبعض أقوالهم رحمهم الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( احذروا القصاصين فهم كثر بيننا و هم ليسوا من أهل العلم في شيء )
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الخامس إن شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته