تخطى إلى المحتوى

كيف نصنع القضاء والقدر بمشيئة الله تعالى ؟ 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم.
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
كيف نصنع القضاء والقدر بمشيئة الله تعالى؟

قال تعالى: { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الرعد39، وقال تعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29، وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فاطر 11.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمّ أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يُعطوك شيئا لم يُرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا أن يصرفوا عنك شيئا أراد الله أن يُصيبك به لم يقدروا على ذلك، فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واعلم أن القلم قد جرى بما هو كائن …الخ،
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال رب وماذا اكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: … إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.
وأخرج ابن حيان وأبو النعيم في الحلية وابن مردوي والدليمي والخطيب في تاريخه عن أنس رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث هن رواجع على أهلها المكر والنكث والبغي، ثم تلا قوله تعالى: (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ)، ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)، ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ )).
وأخرج ابن بردوي عن عبد الله ابن نفيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قد فرغ الله من القضاء فيهن، لا يبغي أحدٌ فإن الله تعالى يقول: ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ )، ولا يمكر أحدٌ فإن الله تعالى يقول: (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ)، ولا ينكث أحدٌ فإن الله تعالى يقول: ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).
حقيقة الإيمان بالله – تعالى – هي الشهادة بأن كل شيءٍ هو من أمر الله –تعالى- وبيده وحده لا شريك له، ثم العمل بمقتضى هذه الشهادة، فنحن لا نملك التحكم ولا حتى في جوارحنا فضلاً عن التحكم في غيرنا من الناس أو مُجريات الأحداث قال تعالى: ( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ) الإنسان 28، وهذا ما وصفه الرسول صلوات الله عليه بقوله: ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
كل الأحداث التي تجري من حولنا هي قضاء الله تعالى وقدره، وعلينا التسليم والاستسلام لها، والإيمان أنها مشيئة الله – تعالى- وكل الأحداث تحمل كل صفات الله –تعالى- من حكمته ورحمته وعلمه وخبرته وقهره وانتقامه وجبروته إلى أخر صفات الله تعالى.
فالصاروخ الذي انطلق من الطائرة لقصف موقع مُعين هو مُحدد المسار والزمان إلى الموقع المُحدد بأمر الله وحده لا شريك له، ولا يستطيع لا الذي أطلق الصاروخ ولا الذي أُطلق عليه أن يُغير من الأمر شيء، هذا هو قضاء الله وقدره.
والله حكيم لا يقع في مُلكه إلا ما أرادت حكمته وإذا أرادت حكمته شيء وقع، وهو رحيم لا يقع في ملكه إلا ما أرادت رحمته وإذا أرادت رحمته شيء وقع، وهو عدل لا يقع في ملكه إلا ما أراد عدله وإذا أراد عدله شيء وقع، وهو خبير لا يقع في ملكه إلا ما أرادت خبرته وإذا أرادت خبرته شيء وقع، وهو بديع لا يقع في ملكه إلا ما أراد إبداعه، وإذا أراد إبداعه شيء وقع، وهو مُنتقم لا يقع في ملكه إلا ما أراد انتقامه وإذا أراد انتقامه شيء وقع، وهو ضار لا يقع في ملكه إلا ما أراد ضره وإذا أراد ضره شيء وقع، سبحانه وحده لا شريك له.
ويجري على كل حدث مهما صغُر أو كبُر كل صفات الله – تعالى- مجتمعة، لذلك لا راد لحكمه ولا مُعقب لقضائه، قهر الخلق بعظمته، له السلطان وحده لا شريك له على كل ذرات الكون، يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان، ولا يكون إلا ما أراد.
والسؤال الذي يتبادر فوراً، إذا كان الله وحده لا شريك له المُتحكم بكل مُجريات القضاء والقدر، ولا تسقط من ورقة شجر إلا بعلمه وأمره وحده لا شريك له، ولا يتنفس مُتنفس ولا يرى رائي ولا يسمع سامع ولا يُحدث أحد حدث إلا بعلمه وأمره، إذا كان ذلك فأين هو التخيّر الذي يُحاسبنا الله – تعالى- عليه وهو العدل الذي لا يجوز بحقه أن يُجبرنا ثم يُحاسبنا على ما أجبرنا عليه؟
القدر كتبه الله – تعالى- منه الثابت ومنه المُتغير المكتوب بلغة الاحتمالات، والذي يتغير بناء على أمور أولها هو نيتنا، قال تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال 53، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد11.
وبناء على النية يقضي الله – تعالى- مسيراً ومسخراً القدر الذي سبق وأن كتبه – سبحانه وتعالى- بلغة الاحتمالات، فلا يخرج خيارنا عن شيء لا يعلمه الله –تعالى- نحن ننوي وبناء على نيتنا يُحدد الله – تعالى- مُجريات القدر، فتُفتح الاحتمالات التي تتناسب مع نيتنا وتُغلق الاحتمالات التي لا تتناسب مع نيتنا، وتأملوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:- ( ثلاث هن رواجع على أهلها المكر والنكث والبغي، ثم تلا قوله تعالى: (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ)، ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)، ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ))، وتأملوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قد فرغ الله من القضاء فيهن، لا يبغي أحدٌ فإن الله تعالى يقول: ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ )، ولا يمكر أحدٌ فإن الله تعالى يقول: (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ)، ولا ينكث أحد فإن الله تعالى يقول: ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).
عندما يكمن أحد الأطراف المكر فإن الله يقضي في أي قدر ستسير الأحداث والسابق كتابتها بلغة الاحتمالات، يقضي الله ويقدر بأمر الله – تعالى- ليفتح احتمالات ويُغلق أخرى فينقلب المكر على الماكر (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) فاطر43، هذا قانون الله – تعالى- في تسير الأحداث قال تعالى: ( لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ) يونس64، ويجري في نية البغي أو النكث ما يجري في نية المكر، والبغي هو الطغيان في الظلم، والنكث هو الغدر في الاتفاق أو العهد أو العقد سواء كان مكتوباً أو مُتعارفاً عليه بين الأطراف.
وكل نية سيئة تجر على صاحبها الخسران بمشيئة وقضاء الله تعالى، فالخائن لا يهديه الله تعالى وبالتالي تنتهي رحلة خيانته بالخسارة، قال تعالى: { وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} يوسف 52.
وكل نية حسنة يقضي الله لصاحبها النصر في نهاية رحلة إحسانه، فيرفع الله المتوكلين والمخلصين والمجاهدين والصابرين والموفين والمتقين والمحسنين.
كل الإخلاص للناس هو من الإخلاص لله – تعالى- وكل الوفاء للناس هو في الحقيقة من الوفاء لله –تعالى- وكل الأمانة للناس هي في الحقيقة من الأمانة لله –تعالى- لان الله هو مالك الملك، مالك كل شيء، ولا يغدو مالك العمارة التي تستأجر فيها أو الشركة التي تعمل فيها أو الوزير في الوزارة إلا عبد عند الله تعالى برتبة تبدو للناس أنها رتبة أعلى ممن يعمل تحت يده، فمن وفى فقد وفى للمالك الحقيقي ألا إنه الله –تعالى- ومن أخلص فقد أخلص للمالك الحقيقي ألا إنه الله – تعالى- ومن صدق فقد صدق الله – تعالى- ومن غدر أو مكر أو نكث أو غش، فقد غدر بالله – تعالى- لأنه لولا أن زرع الله الثقة في قلب المغدور ما كان ليؤمّن للغادر، ولولا أن زرع الله الحب والود في قلب المُحب لما كان قد حب من نكث ومكر وخان وغش.
مسئوليتنا وحريتنا محصورة أولاً في النية التي يُصدِّقها العمل، انوي الجهاد لتكن كلمة الله هي العليا، انوي الوفاء بالعهود، انوي أداء الأمانة، انوي سداد الدين، انوي الإخلاص في العمل، وأصْدُقْ الله بأن تتبع نيتك العمل الذي يتوافق مع نيتك واصبر، ثم دع القضاء لله تعالى الذي – سبحانه – سيسير القدر والأحداث والخلق للتوافق مع نيتك.
والنية هي عمل سري بين المرء وربه، لا يعلمها إلا الله – تعالى- ويصدقها أو يكذبها العمل، لذلك قال الحبيب صلوات الله عليه: ( الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل )، والذين يدعون بحسن النوايا وأعمالهم شاهد على كذبهم، هم منافقون أتقنوا النفاق حتى أنهم كذبوا على أنفسهم، هؤلاء لن يستطيعوا أن يكذبوا على الله تعالى، قال تعالى: ( مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الحج74.
لكن ليس بالنية وحدها يقضي الله بين احتمالات القدر، بل بأمرين آخرين هما الدعاء وموقفنا من الأحداث.
تأملوا قول الرسول صلوات الله عليه: إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وفي حديث أخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.
وعليه فإن جلال الله – تعالى – يقضي لحظياً ويقدر مسار القدر من الاحتمالات السابق كتابتها بناءً على النية والدعاء وموقفنا من الأحداث، فالذي عُرض عليه الذنب فأختار أن يرتكب الذنب، هو في الحقيقة قدم بين يديه ما قضى الله به قدره فتم اختيار مسار مستقبله ليُحرم الرزق، والذي أختار البر زاد الله عمره.
سبحان الله – تعالى – حتى الأعمار تزيد وتنقص بناء على خياراتنا، وتأملوا قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقول رسول الله صلوات الله عليه: { ولا يزيد في العمر إلا البر}، وهكذا تزيد وتنقص أرزاقنا وأمننا وعلمنا، ورحمة الناس بنا، وظلم الظالمين لنا، بل أن الله يهدينا أو يحرمنا الهدى بناء على سابق أعمالنا، وتأملوا قول الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} الأنفال 23، إن مجرد سماع كلمة الهدى قد يحرمها الله الذين أساؤوا السوء.
لا يرحمك أحد إلا لأن الله – تعالى – وضع في قلبه الرحمة لك، ولا يظلمك أحد إلا لأن الله – تعالى –قد سلطه عليك، سبحانه يضر لينفع، ويضر ليرفع، ويضر ليدفع، ويضر ليقطع، سبحانه عليم خبير قد أحاط بكل شيء علما، ولا يشغله عمل عن عمل ولا يمسه من لغوب، سبحانه يتدبر شؤون ذرات الكون بدون أدنى انشغال أو تعب قال سبحانه: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) سورة البقرة255، وتأملوا قول الله تعالى في الحديث القدسي: أفعل ما شئت كما تدين تُدان.
كل معروف تعمله مع وردة أو عصفور أو صغير أو ضعيف يُغير بقدرك، وكل نظرة تختلسها تغير قدرك، وكل نظرة حسد أو حقد أو حرف تنطق به في حق الغير يُغير قدرك، وكل نية تنويها للخير أو الشر تغير قدرك، وتأملوا قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد 11، وتأملوا قول الرسول صلوات الله عليه: البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت كما تدين تدان.
ما سبق هو شرح لبعض جوانب اسم الله تعالى الدّيان، فكل الخلق مُدانين لله تعالى.
موقفك من كل حدث مهما صغر يغير قدرك لحظياً، أمنياتك فيما لو تمنيت أن تكون مكان الظالم أو مع الظالم أو ضد الظالم، قنوطك أو ثقتك بالله تعالى في الشدة، مُشاركتك أو سكوتك أو مُهادنتك للذين يستهزئوا بالله تعالى أو آياته أو حبيبه –صلوات الله عليه – أو أوليائه، غضبك أو رضاك، شفقتك أو كبرك أو عنفوانك، نصرتك للمظلوم والضعيف والمريض أو خذلانك له أو شماتتك به، صدقتك أن قدمتها بتواضع أو بتكبر، وكل شيء يؤثر بقدرك من مشاعر أو نوايا أو تصرفات أو نظرات، بل أن الصالحين ينظرون بالمرء فيقرروا أي المستقبل ينتظره، لا لأنهم يعلموا الغيب ولكن لأنهم يعلموا نواميس الله بالأرض وعاقبت كل تصرف.
سبحانه – وتعالى – يقضي لحظياً محدداً القدر بناءً على ما يتغير في نوايا كل الخلق وبناءً على دعائهم وبناءً على موقف كل منهم من الأحداث، وهذا هو شرح قوله تعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29.
أما الأحداث التي تجري فهي قدر الله – تعالى – الذي لا راد لحكمه ولا مُعقب لقضائه، وليس لنا إلا التسليم بقضائه وقدره وهذا من صلب الإيمان.
ومن الضروري أن نعلم أن النوايا لا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له، حتى الملائكة الذي يكتبون الحسنات والسيئات لا يعلمون نوايانا، ولا يعلمون ما يجري في صدورنا، وهذا من ستر الله – تعالى – علينا، فإذا نوينا خير، أخبر الله به الملائكة وأمرهم بكتابة الأجر، إما إذا نوينا الشر فإن الله يستره لعلنا نرجع عنه.
وحيث أن النوايا لا يعلمها إلا الله – تعالى- لذلك لا يعلم الغيب أحد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يعلم الغيب الأنبياء ولا الملائكة ولا جبريل – عليهم السلام – ولا أحد غير الله – تعالى.
ملايين النوايا تتغير لحظياً وملايين المواقف من الأحداث تتغير لحظياً وملايين الأدعية تتغير لحظياً، وكل النوايا سرية لا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له، وسبحانه يقضي بها لحظياً ويقدر لحظياً فيثبت احتمالات ويمحوا احتمالات، قال تعالى: { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الرعد39، أي أن الله يمحوا من الخيارات ما يشاء ويُثبت ما يشاء، ولكنه –سبحانه- لا يُضيف، لأنه قد أحاط بعلمه القديم كل الاحتمالات ولن تخرج تحركاتنا عن علم الله المُسبق، وقد كتب الله كل الخيارات في أم الكتاب عنده – سبحانه.
وكل الخلق أسرى احتمالات قدر الله المُقدر سابقاً بعدله وحكمته وجلاله وكل صفاته، قال تعالى: {نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} الإنسان28، ولولا هذا القدر المُحكم لانهار الكون بانهيار العدل والحكمة ولكانت مضت مشيئة الشياطين ومن تبعهم، لكن حاشا لله –تعالى- أن يتجوز حدهم عن تنفيذ قضاء وقدر الله – تعالى- ظانين لصغر عقولهم أن لهم من الأمر شيء.
ولقد أخبر الله – تعالى – أنبياءه وأوليائه ببعض الثابت من القضاء والقدر، الذي قدره بحكمته وعدله ورحمته وقهره وانتقامه وأجرى على القضاء والقدر كل صفاته – سبحانه.
إذن القدر كتبه الله – تعالى- منه الثابت ومنه المُتغير المكتوب بلغة الاحتمالات، وأن هذه الاحتمالات تتغير لحظياً بناء على نيتنا ودعاءنا وموقفنا من الأحداث، الذي يقضي به الله تعالى لحظياً محدداً القدر الذي ستسلكه الأحداث، ولا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له، وكل ما نختاره من نوايا وكل ما ندعو به وكل احتمالات موقفنا من الأحداث قد علمها الله مُسبقا فكتب الأقدار بلغة الاحتمالات فلا يخرج خيارنا عن احتمال لا يعلمه الله، قال تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} الحديد22، وكل القضاء والقدر وكل ما يجري من أحداث تجري عليها كل صفات الله – تعالى – وان صفات الله تعالى تجري على الصغير من الأحداث والكبير منها، وما يجري من أحداث هو أمر قضاه الله ولا معقب أو مُغير له، قضاه بحكمته وعدله ورحمته وانتقامه وضره وقهره، سبحانه لا إله إلا هو.
أخي في الله، تأمل الآيات التالية لتتكون لديك فكرة أوسع، قال تعالى: { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } النساء62، وقوله تعالى: { وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } القصص 47، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} 100الأعراف، وقوله تعالى: {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً} نوح25.
وتأملوا كيف أن قوانين الله تعالى قضت أنه من يصبر ويتقي فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين، قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف90، وقال تعالى: { وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} هود 115، وتأملوا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت 69.
وحتى الهداية لا تكون إلا بقوانين، فالهداية من الله تعالى وحده لا شريك له، ومن يُقدم من عمله السوء يحرمه الله تعالى الهداية، قال تعالى: { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة 258، وقال تعالى: { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} المائدة 108، وقال تعالى: { وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} البقرة 264، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ} الزمر 3، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} غافر 28، وقال تعالى: { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } النحل 37.
لذلك تذكر دائما أن تراكم الذنوب والكبائر من غير استغفار يطهرها يحرم الهداية، ويسبب الضلال، بل الأكبر من ذلك أن هناك ذنوب وكبائر تسبب الحكم بحرمان الهداية حتى الموت، كما حكم الله تعالى على أبي لهب بالموت كفرا فأنزل في حقه قبل وفاته بعشر سنوات قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ( 1) مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3)} المسد.
أخي في الله إذا أردت أن تصنع قضاءك وقدرك في المستقبل فعليك بمراجعة نيتك لحظياً، وعليك بالدعاء، وعليك باختيار المواقف التي يحبها الله ويرضاها لحظياً.
وكلّما كانت ذنوبك أكبر وكلّما كانت نواياك أسوء نُسج لك قدر أسوء، لذلك جاء في الأثر: بشر القاتل بالقتل والزاني بالفقر، وقال تعالى: { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} الشورى30.
وكلّما تداركت نفسك بالاستغفار وكانت حسناتك أكبر وكلّما كان دعائك اكبر وكلّما كانت نواياك أفضل كلما نُسج لك قدر أفضل، ولذلك قال تعالى: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} غافر51، نصر من الله في الدنيا قبل الآخرة جزاء إحسانهم الذي صنع قدرهم.
ويتبادر إلى الذهن مرة أخرى إلا يعلم الله تعالى خيارنا الذي سنختاره؟
الله تعالى عز وجل يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان،
والله تعالى هو العدل المُقسط، وهو أعدل من أن يجبرنا على عمل ويحاسبنا عليه.
ومن القدر ما هو ثابت، قدره الله بحكمته وعدله ورحمته، ويجري على كل حدث كل صفات الله تعالى.
ومن القدر ما هو مُتغير مكتوب بلغة الاحتمالات، فلا يخرج خيارنا عن الاحتمالات التي شاء الله وقدرها، ويقضي الله تعالى أي الاحتمالات سنسلك بناء على نيتنا ودعائنا وموقفنا من الأحداث ونيت ودعاء وموقف الآخرين الذين يتقاطعون معنا في حدث معين، وقضاء الله مُبرم لا راد له ولا مُعقب له.
وبالتالي فإن الأحداث التي تحدث بين يدينا هي مشيئة الله وقضاءه وقدره، ويجري على كل حدث لحظياً كل صفات الله تعالى.
وهذه الأحداث ساهم في اختيارها نيتنا السابقة ودعائنا ودعاء أبائنا ودعاء المسلمين وموقفنا من الأحداث السابق، ودعاء ونوايا وموقف كل البشر الآخرين من الأحداث.
قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} 96 العنكبوت، إن موقف المجاهدين السابق من الأحداث حيث اختاروا الجهاد ساهم في اختيار قضاء هدايتهم للأحداث التالية،
وسبحانه هو من هدانا بحسب الآيات والأحاديث السابقة بأن نيتنا ودعائنا وموقفنا من الأحداث يؤثر في اختيار القضاء والقدر، وسبحانه من سبق وكتب القدر الثابت منه والمُتغير بلغة الاحتمالات، والله سبحانه هو من يقضي بتثبيت الاحتمالات المتغيرة بناء على أمور علّمنا بعضها وهي نيتنا والدعاء وموقفنا من الأحداث، وبالتالي تحدث الأحداث كلها بأمر وعلم ومشيئته وسيطرت ومطلق سلطان الله وحده لا شريك له، قال تعالى: { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 29 التكوير.
ولا يجوز لنا أن نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، فالله تعالى خالق الزمان والمكان، فهو الأول والآخر، الأول قبل كل شيء من دون شيء أول قبل الزمان والمكان، وأخر بعد كل شيء ومن دون شيء، آخر بعد الزمان والمكان، وهو المُقدم والمؤخر، يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء، ومن خلقه الزمان والمكان، ولو شاء قدم أو آخر الزمان أو المكان، ويوم القيامة يعدم الزمان والمكان، ولا يبقى إلا وجه ربك، ثم يُعيد خلق الكون يوم البعث، فهو سبحانه المُعيد.
ولا يجوز وصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، وبالتالي لا يجوز وصفه تعالى بوصف محصور بمقاييس الزمان والمكان، والله لا يحويه ولا يحيطه لا زمان ولا مكان، سبحانه هو خالق الزمان والمكان، وأما وحدات قياس الزمان والمكان فهي وحدات تستخدمها عقولنا لربط الأمور يبعضها، أما بالنسبة لله تعالى فهو المُتحكم بهذه الوحدات.
والله تعالى واسع كبير عظيم حارت في عظمته العقول فلا يمكننا أن نقارن جلاله بفهمنا وعقولنا البسيطة، ولا يجوز تخطي هذا الخط من الفهم والقول بأن الله تعالى أجبرنا على أعمال ليحاسبنا عليها، بل يجب أن نطيع الله تعالى وننفذ أوامره وشرعه فهو من علمنا أن النية والدعاء وموقفنا من الأحداث يغير القضاء والقدر.
والسماح لعقولنا البسيطة بتعدي هذا الخط من التفكير هو كالذي يسأل من خلق الله تعالى.
فإن بقي في نفسك شيء فأرجو أن تصلي لله تعالى وتدعوا بالسجود:-
{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
( ربي زدني علما واجعلني من جنودك العلماء)
وكل سجدة أدعو بها أحد الأدعية السابقة بالتوالي، وأطل سجودك حتى لا يحتمل رأسك السجود،
راجيا أن لا تتردد بأي استفسار ولا تحرمني أجر خدمتك، فإن خدمتك وخدمت المسلمين شرف لي أتقرب به لله تعالى.
اللهم سبحانك أن أصبت فمنك، وإن أخطاءة فمن نفسي، ورحمتك وحلمك وغفرانك أوسع من خطئي فأغفر لي يا غفور يا غفّار يا عفو يا تواب يا رحيم يا حليم يا أرحم الراحمين.
وأرجو أن تدعوا لي:
اللهم أيد عبدك أبى عمر بالعلم والمال والجند والنصر وأفتح عليه فتوح العارفين.
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء.

أخوكم أبو عمر
مهندس/ طاقة وتحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.