كان النبي صلى الله عليه وسلم مرة في وسط قريش فالتف حوله عشرة، هذا يضربه و هذا يجذبه، و اختلفت أيديهم عليه. يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
فلم يستطع أحد منا أن يتدخل فوقفنا ننظر، فكان أشجعنا أبو بكر الصديق، فدخل بينهم يدفعهم و يقول لهم:
أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.
فتركوا النبي صلى الله عليه و سلم و أخذوا أبا بكر، فدفعه عقبة بن أبي معيط فسقط أبو بكر على ظهره ووقف عقبة على بطن أبي بكر و خلع حذاءه و ظل يضرب أبا بكر على وجهه فانتفخ، فلم نعرف له وجها من أنف، فحملوه إلى بيته لا يشكون أنه سيموت. و عندما أفاق قال:
ماذا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم؟
فقالوا:
هو بخير.
فقال:
لا أتذوق الطعام حتى أنظر إليه بعيني.
فهم تحملوا كل هذا لتكون مسلما و لتكوني مسلمة، فيأتي في نهاية الأمر من يقول: لا أستطيع فراق صاحبتي. و من تقول: لا أستطيع ارتداء الحجاب. لا أستطيع ترك السيجارة لأني ظعيف، لا أستطيع…، لا أقوى على…
و تلك أعظم خيانة للأمانة التي عبرت القرون على صبر هؤلاء و دمائهم و أشلائهم، و يوم القيامة يوضع ميزان السماء لتصفية حساب أهل الأرض، فمن وفىّ فلنفسه و من نكث فإنما ينكث على نفسه.