مـن يفعــــل الخيـــر لا يعـــدم جوازيـــه لا يذهـــب العـــرف بيـــن اللـــه والنـــاس
خلق الله العباد ليذكروه , ورزق الله الخليقة ليشكروه , فعبد الكثير غيره , وشكر الغالب سواه , لأن طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النفوس , فلا تصدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك , وأحرقوا إحسانك , ونسوا معروفك ؛ بل ربما ناصبوك العداء ورموك بمنجنيق الحقد الدفين , لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } [ التوبة : 74 ] ..
وطالع سجل العالم المشهود , فإن فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه , وأدبه , وعلمه , سهر لينام , وجاع ليشبع , وتعب ليرتاح , فلما طر شارب هذا الابن وقوي ساعده , أصبح لوالده كالكلب العقور , استخفافاً , ازدراءاً , مقتاً , عقوقاً صارخاً , عذاباً وبيلاً ..
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر , ومحطمي الإرادات , وليهنؤوا بعوض المثوبة عند من لا تنفذ خزائنه ..
إن هذا الخطاب الحار لا يدعوك لترك الجميل , وعدم الإحسان للغير , وإنما يوطنك على انتظار الجحود , والتنكر لهذا الجميل والإحسان , فلا تبتئس بما كانوا يصنعون ..
اعمل الخير لوجه الله , لأنك الفائز على كل حال , ثم لا يضرك غمط من غمطه , ولا جحود من جحده , واحمد الله لأنك المحسن , وهو المسيء , واليد العليا خير من اليد السفلى { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً 9 } [ الإنسان : 9 ] ..
وقد ذهل كثير من العقلاء من جبلة الجحد عند الغوغاء , وكأنهم ما سمعوا الوحي الجليل وهو ينعي على الصنف عتوه وتمرده { مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍ مسه } [ يونس : 15 ] ..
لا تفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك , أو منحت جافياً عصا يتوكأ عليها , ويهش بها على غنمة , فشج بها رأسك , هذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود , مع باريها جل في علاه , فكيف بها معك ومعي ..
أعـلمـــــه الـرمايــــة كـــل يــــوم فـلمـــا اشـتـــد سـاعــــده رمـانـــي