لماذا هزمت الأمة؟
إن لله سنناً ربانية في الكون لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي تلك السنن أحداً من الخلق، ومن هذه السنن سنة التغيير وسنة الابتلاء وسنة التداول وسنة النصر، وبمعرفة هذه السنن تعرف أسباب هزيمة الأمة، وتعرف أسباب تمكينها وعزها.
واقع الأمة المرير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: حياكم الله جميعاً أيها الإخوة الأخيار! وأيتها الأخوات الفاضلات! واسمحوا لي أن أخص بالتحية شيخنا المبارك أبا عبد الرحمن الذي أتقرب إلى الله عز وجل بحبه، وأسأل الله سبحانه أن يمتعه بالإيمان والعافية، وأن يبارك له في أهله وولده، وأن يجعله إماماً من أئمة الهدى، وأن يبارك فيه وفي جميع علماء هذه الأمة المخلصين الصادقين، وأن يحفظهم بحفظه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ووالله ما ظننت أن أتحدث الليلة بين يديه، فما أتيت إلا تلميذاً له، لا أقول ذلك على سبيل التواضع، فأنا ممن يعرف قدر الشيخ، فأسأل الله عز وجل أن يرفع قدره في الدنيا والآخرة، وأن يسترنا وإياه في الدنيا والآخرة. أبى الشيخ بعظيم تواضعه إلا أن أتقدم بين يديه، فأسأل الله أن يتقبل منا ومنه ومنكم جميعاً صالح الأعمال. أحبتي في الله! لماذا هزمت الأمة؟! لماذا صارت الأمة الآن ذليلة لأذل أهل الأرض من إخوان القردة والخنازير؟! لماذا تحولت الأمة الآن إلى قصعة مستباحة لكل أمم الأرض؟! هل لأن الأمة فقيرة؟! أم لأن الأمة ضعيفة؟! أم لأن الأمة قليلة؟! أم لأنها تفتقر إلى العقول والأدمغة التي تفكر وتبدع؟! أم لأنها تفتقر إلى المناخ أو الثروات أو الموقع الاستراتيجي الهام؟! لا، الأمة ليست فقيرة، وليست قليلة العدد والعُدد والعتاد، وليست فقيرة في العقول والأدمغة التي تبدع وتفكر. إذاً: لماذا هزمت الأمة، وصار الدم الإسلامي أرخص دم على وجه الأرض، وصار اللحم الإسلامي أرخص اللحم على وجه الأرض، يتناثر كل ساعة على مرأى ومسمع من الشرق والغرب؟! ما هذا الذل والهوان؟! أي مصيبة هذه التي حلت بأمة الإسلام ليتحكم فيها سفاح مجرم كـشارون وبوش؟! يطالعنا هذا بوجهه الذي يشبه وجه الخنزير، والآخر بوجه يشبه وجه القرد! بتصريحات تفجر الدم من العروق، والأمة الآن تقتل بسكين بارد، وتذبح بسكين بارد، ومازالت الأمة إلى هذه اللحظة لا تسمع من الزعماء والمسئولين إلا ما يجيدون من لغة الشجب والاستنكار! وقد مضى بالفعل زمن لغة الشجب ولغة الاستنكار، مضى زمن الشجب ولغة الاستنكار، انتهى زمن التنظير، ومضى زمن الكلام! كيف والدبابات اليهودية بالصنع الأمريكي المتقن تحاصر أهلنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا وأطفالنا، وتدك البيوت على رءوس هؤلاء المستضعفين؟! فلا وقت للتنظير، ولا وقت للكلام. وأرجع إلى السؤال: لماذا وصلت الأمة إلى هذه الحالة من حالات الذل والهوان؟! متنا قروناً والمحاق الأعمى يليه محاق، أي شيء في عالم الغاب نحن آدميون أم نعاج نساق نحن لحم للوحش والطير منا الجثث الحمر والدم الدفاق وعلى المحصنات تنوح البواكي يا لعرض الإسلام كيف يراق قد هوينا لما هوت وأعدوا وأعدوا من الردى ترياق واقتلعنا الإيمان فاسودت الدن يا علينا واسودت الأعماق وإذا الجذر مات في باطن الأر ض تموت الأغصان والأوراق ……
سنن الله الكونية
لماذا هزمت الأمة وانتبهوا إليّ جيداً؟! إن لله سنناً ربانية في الكون لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي تلك السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، وسنطرح هذا التسلسل للسنن: فهناك سنة التغيير، وسنة التداول، وسنة الابتلاء بالتمحيص، وسنة النصر والتمكين. لقد كانت الأمة العربية قبل البعثة المحمدية مبعثرة لا قيمة لها ولا كرامة، فجاء الإسلام فجعلها خير أمة أخرجت للناس، يوم كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة الإسلام ثوب التوحيد، وراحت لترفل في هذا الثوب فأذلت الأكاسرة، وأهانت القياصرة، وغيرت مجرى التاريخ في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، وأقامت للإسلام دولة من فتات متناثر وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء! ……
سنة النصر والتمكين
بعد مرحلة التمحيص وتمايز الصفوف تأتي مرحلة النصر والتمكين، ونحن على أبوابها إن شاء الله تعالى، لا أقول ذلك من باب الأحلام الوردية، ولا من باب الرجم بالغيب، وإنما أقول ذلك من باب فهمي لآيات الله الكونية والقرآنية، وفهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. بعد مرحلة التمحيص والابتلاء يثبت من يثبت على الصف ليرفع الراية في سبيل الله، لا من أجل أي أمر من أمور الدنيا أو الهوى، وإنما من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، فتأتي سنة الله تبارك وتعالى التي وعد بها . واعتصموا بحبل الله، أي: بجماعة المسلمين، واعتصموا بحبل الله، أي: امتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وقفوا عند حدوده، كل هذا ثابت عن السلف، يقول ربنا: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78] من اعتصم بالله فقد اعتصم بنعم المولى ونعم النصير، لا مجال الآن أمام الأمة إلا أن تعتصم بالله، إلا أن توظف ما عندها من أسباب ومن طاقات وإمكانيات، ولترجع إلى الله لتردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78]، روى البخاري وغيره أنه لما انتهت معركة أحد نادى أبو سفيان بأعلى صوته وقال: أفي القوم محمد؟ صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجيبوه) فكررها أبو سفيان ثلاثاً: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ فلما لم يجبه أحد اطمأن إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فنادى ثانية: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ فقال النبي: (لا تجيبوه) فكررها ثلاثاً، فلما لم يجبه أحد اطمأن إلى أن الصديق هو الآخر قد قتل، فنادى في المرة الثالثة: أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال النبي: (لا تجيبوه) فكررها ثلاثاً، فاطمأن إلى أن هؤلاء جميعاً قد قتلوا، فالتفت أبو سفيان إلى قومه من المشركين وقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فلم يتمالك عمر بن الخطاب نفسه فرد على أبي سفيان وقال: كذبت والله يا عدو الله! إن هؤلاء الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يحزنك. وفي لفظ: ما يخزيك، وفي لفظ: ما يسوءك، فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني ثم أخذ يقول: اعل هبل، اعل هبل! اعل هبل، وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه؟!) مع أنه قبل لحظات كان يقول: (لا تجيبوه)؛ لأن القضية في المرة الأولى متعلقة بالأشخاص، حتى ولو كانت بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، أما القضية في هذه المرة فهي متعلقة بالعقيدة، متعلقة بذات الله جل وعلا يقول: (اعل هبل! فقال النبي: ألا تجيبونه؟! قالوا: فما نقول يا رسول الله؟! قال: قولوا له: الله أعلى وأجل، الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم! فقال النبي: ألا تجيبونه؟! قالوا: فما نقول يا رسول الله؟! قال: قولوا له: الله مولانا ولا مولى لكم!). قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11]، فمتى ستعرف الأمة هذه المعاني؟! متى ستعرف الأمة نعم المولى ونعم النصير؟!
سنة التداول
ثم وقعت سنة التداول وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، فالدولة الآن للكفر وأهله، الدولة الآن لليهود، الدولة الآن للهندوس، الدولة الآن للملعونين الملحدين من الروس، الدولة الآن للكفر وأهله. وتدبر معي! والله ما انتصر الكفر وأهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله! سنن لا تتبدل! فالله لا يعجل لعجلة أحد، واعلم بأن الله يسمع ويرى ما يجري الآن على أرض فلسطين وعلى أرض الشيشان وعلى أرض أفغانستان، وليس أحد أغير على الحق وأهله من الله، وليس أحد أرحم بالمستضعفين من الله، لكنها السنن، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قائد المعركة في أحد، فتخلى بعض الصحابة عن بعض أسباب النصر فكانت الهزيمة، هزمت الأمة في أحد مع أن قائد المعركة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والهزيمة سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل، عصى بعض الصحابة أمراً من أوامر رسول الله فكانت الهزيمة، فكيف تنصر الأمة الآن وقد ضيعت شريعة الله بالجملة، ونحت شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن أمام شرط الإسلام وحد الإيمان بلفظ القرآن فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
سنة الابتلاء والتمحيص
الدولة الآن للكفر وأهله، وتأتي بعد سنة التداول سنة الابتلاء، فما تحياه الأمة الآن إنها سنة أخرى من سنن الله في الكون إنها سنة الابتلاء، لماذا أيها الإخوة؟ للتمحيص، واحفظوا عني هذه العبارة جيداً، أقول: إن ما يجري الآن على أرض فلسطين، وما يجري الآن على أرض أفغانستان، وما يجري الآن على أرض الشيشان، وما يجري الآن على أرض الفلبين، وما يجري الآن في الأمة، إنما هو تربية من الله للأمة بالأحداث، إنها مرحلة التربية السماوية، الأمة لا تجد من يربي أفرادها، لا من الزعماء، ولا من العلماء إلا من رحم ربك من أفراد، فنشهد الآن مرحلة شديدة من مراحل التربية لأفراد الأمة، إنها التربية بالأحداث. فما يجري الآن على أرض فلسطين تربية، ولابد من الابتلاء للتمحيص وللتمييز، أما حالة الخلط والغبش التي تحياها الأمة فلن تنصر لله ديناً، ولن تنصر للتوحيد عقيدة، ولن ترفع للإسلام راية، فلابد من المفاصلة، لابد من إقامة الفرقان الإسلامي، لابد أن تستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، لابد من هذه المرحلة: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3]. وانتبه! فالله جل وعلا يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، فالله سبحانه لا يعلم الصادق من الكاذب بعد الأحداث، بل الله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وإنما هو علم للأفراد السائرين على الدرب؛ ليثبت على الصف من يستحق شرف السير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك صنفاً يسير على طريق الدعوة إلى الله، يتاجر بالدعوة ويتاجر بالاستقامة .. يتاجر بالإسلام، يظن أن الدعوة صفقة تجارية! إن حقق الربح فهو سائر على الدرب مع السائرين، وإن تعرض لمحنة أو فتنة نكص على عقبيه وتقهقر: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11]. لابد من التمايز، لابد من التمحيص، ولن يكون هذا التمحيص إلا بعد الابتلاء والمحن والفتن. فما يحدث الآن إنما هو نوع من أنواع التربية، لقد علمت الأمة كلها الآن أن الكفر لا ينصر للأمة قضية، ومن الحكم العظيمة في تأخير الله للنصر -وتدبروا هذه الحكمة البالغة- ألا يبقى في صف العدو سمة من سمات الخير، حتى لا يغتر بهذه السمة ضعاف الفهم وضعاف الإيمان، فلقد شاء الله لنا الآن أن نرى العدو على حقيقته. من سنوات قليلة مضت كنا نسمع على ألسنة كثيرٍ من الكتاب والمفكرين والأدباء، العدالة الأوروبية والعدالة الأمريكية! وأن أوراق القضية على مائدة الأمريكان، وأنه لابد من التدخل الأوروبي، إلى آخر هذه الكلمات. فشاء الله أن نرى في هذه الأيام القليلة الماضية أن الكفر لا ينصر إيماناً، وأن الشرك لا ينصر توحيداً. فحال أمتنا حال عجيب! وهي لعمر الله بائسة كئيبة يجتاحها طوفان المؤامرة الرهيبة! ويخطط المتآمرون كي يغرقوها في المصيبة! وسيحفرون لها قبوراً ضد خطتهم رهيبة! قالوا: السلام السلام قلت يعود الأهل للأرض السليبة! وسيلبس الأقصى غداً بعد السلام أثواباً قشيبة! فإذا سلامهم هو التنازل عن القدس الحبيبة! فبئس سلامهم إذاً وبئست هذه الخطط المريبة! شاء الله أن يرى كل عاقل وكل منصف حقيقة الغرب وحقيقة الكفر، لقد سمعت امرأة علمانية تقول بالحرف: ( هذا ليس سلام شجعان، وإنما هو سلام فئران ) شاء الله بهذه الأحداث أن يظهر العدو على حقيقته، بدا من العدو السافر للإسلام الحقد والبغض، وصدق ربي إذ يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وصدق ربي إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51]، وصدق ربي إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118]، وصدق ربي إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]. أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بطلان وقال آخر: لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة وكيف تواليهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هنالك تذكر مباينة الكفار في كل موطن إذا جاءك النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر فما يحدث الآن إنما هو تربية للأمة بالأحداث، فلقد شاء الله أن يربي الأمة بالأحداث في غزوة بدر، وبالأحداث في غزوة أحد، وبالأحداث في غزوة الأحزاب، وبالأحداث في صلح الحديبية وغيرها من الأحداث، نزل في أحد قول الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، وكأن الله جل وعلا أراد أن يعلم الأمة أن الدعاة إلى الله يجيئون ويذهبون ويخطئون ويموتون وتبقى الدعوة وستبقى خالدة على مر الأجيال والقرون، لو قتل النبي صلى الله عليه وسلم فواجب عليكم يا أتباع النبي أن ترفعوا الراية، وأن تواصلوا السير على الطريق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء ليخلد في الأرض، وما جاء ليبقى بين الناس، بل جاء مبلغاً دين الله، وليبلغ دعوة الله ثم يمضي إلى ربه، والناس بدعوة الله وبالعروة الوثقى متمسكون، فالأمة الآن تربى بالأحداث، رأينا الآن على أرض فلسطين تسطير البطولة فوق القدس. رأينا أمثلة ونماذج تحاكي السلف، لا أقول ذلك من باب العاطفة، والله لقد خرج طفل في العاشرة من عمره فسأله رجل كبير من الشيوخ حينما رآه يلبس زياً عسكرياً يشبه زي الجنود، فقال له: إلى أين يا بني؟! وهو طفل في العاشرة، فقال: إلى الجهاد، وهذا على أرض فلسطين. قال: إلى الجهاد؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: محمد، قال: كم عمرك يا محمد؟ قال: عشر سنوات، قال: أين أبوك؟ قال: استشهد قبل أربعين يوماً! قال: ألك إخوة؟ قال: رزقني الله بست أخوات وأنا الابن الوحيد! قال: هل استأذنت أمك يا محمد للخروج إلى الجهاد؟ قال: نعم استأذنت أمي! قال: وماذا قالت لك؟ فقال محمد ابن العاشرة: قالت لي أمي وأنا خارج: انطلق يا محمد للجهاد، وأسأل الله أن يلحقك بأبيك!! رأيت بعيني أماً فلسطينية تحمل رضيعها على ذراعها الأيسر وتنحني على الأرض لتأتي بحجر إلى ولدها الذي لم يبلغ الثانية عشرة من عمره وتأمر الأم ولدها أن يقذف دبابة لا تبتعد إلا عشرة أمتار، تأمر الأم ولدها أن يقذف الدبابة بالحجر!! إنها التربية بالأحداث، لقد علم هؤلاء أن الغرب لن ينصر لهم قضية، بل وأن العالم الإسلامي الهزيل المهزوم لن ينصر لهم قضية، فلجئوا إلى الله جل وعلا، واعتصموا بالله تبارك وتعالى، وقدموا أرواحهم في سبيل الله جل جلاله فرأينا العجب العجاب، حتى صرح أكابر جنرالات اليهود الآن أنهم صاروا يخشون كل شيء على أرض فلسطين! يقول الجنرال الكبير: صرت أخشى صندوق القمامة، صرت أخشى الحقيبة حين أفتحها، صرت أخشى الباص حين يمر بجواري، أصبحوا ينتظرون القتل والموت في كل لحظة! وأبشروا! فلقد تحولت انتفاضة إخواننا هنالك إلى انتفاضة مسلحة، صنع إخواننا الصواريخ بأيد مسلمة على أرض فلسطين، صنع إخواننا القنابل، ومع هذه الأسلحة أعظم الأسلحة وهو سلاح الإيمان واليقين، دب الرعب في قلوب إخوان القردة والخنازير، وصدق ربي إذ يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
سنة التغيير
ثم تدبروا معي! بدأت الأمة تنحدر وتغير، فوقعت سنة التغيير فغير الله عليهم إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]. وسنتطرق إلى هذا التفصيل المهم حتى لا نصطدم بالواقع إذا تدبرنا آيات القرآن: ففي جانب العقيدة غيرت الأمة وبدلت، فذبحت العقيدة في الأمة شر ذبحة، وهجرت الأمة عقيدة التوحيد بشمولها وكمالها وصفائها، ففي الأمس القريب كانت العقيدة إذا مس جانبها سمعت الصديق يتوعد، والفاروق يزمجر! ورأيت المؤمنين الصادقين يبذلون من أجلها الغالي والنفيس. لكن العقيدة الآن تذبح في الأمة شر ذبحة، فمن هذه الأمة نرى الملايين المملينة التي لا تعرف الله جل وعلا، ولا تعرف قدره، ولا تعرف جلاله، بل ومازال كثير من أفراد هذه الأمة إلى هذه اللحظة يثق في بعض دول الغرب أكثر من ثقته برب السماء والأرض، وسمعنا زعيماً لدولة خرجت من بين الدماء والأشلاء، ومازالت في هذا الوحل إلى هذه اللحظات، سمعناه يقول: إنه ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تدبر نظام الكون وتسير شئونه! وسمعنا هنا من يقول -على مرأى ومسمع وممن يشار إليهم بالبنان أنهم من أهل العلم- إننا نحتفل الليلة بمولد السيد البدوي المهاب، الذي إن دعي في البر والبحر أجاب. وسمعنا من أفراد هذه الأمة ومن رموزها من يقول: لقد عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم! وسمعنا من رموز هذه الأمة من يقول: إن تطبيق الشريعة الإسلامية ردة حضارية بكل المقاييس! إلى آخر هذه الكلمات الخطيرة. نحت الأمة عقيدة التوحيد والإسلام، عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم. غيرت الأمة في مجال العقيدة، وغيرت الأمة في مجال العبادة، صرفت العبادة في كثير من صورها إلى غير الله تبارك وتعالى، بركنيها: من كمال حب وكمال تعظيم، وبشرطيها: من إخلاص واتباع، صرفت لغير الله، والله تبارك وتعالى يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. وغيرت الأمة في جانب التشريع، فنحت الأمة شرع الله جل وعلا بالجملة، واستبدلت بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقاً محرقاً مدمراً، وركبت الأمة قوارب الشرق الملحد تارة فغرقت وأغرقت، وركبت قوارب الغرب الكافر تارة فغرقت وأغرقت، وركبت قوارب الوسط الأوروبي فغرقت وأغرقت، والله تبارك وتعالى يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:40]، أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا [الأنعام:114]، والله جل وعلا يقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] وفي جانب الأخلاق والمعاملات والسلوك غيرت الأمة وبدلت، انظر إلى أخلاقيات المسلمين -إلا من رحم ربك- ترى انحرافاً مزرياً عن أخلاق الإسلام، وعن أخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام. غيرت الأمة في كل المجالات، فكانت السنة الحتمية لهذا التغيير كما قال ربنا جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11]، ماذا حدث؟! ذلت الأمة بعد عزة، وجهلت الأمة بعد علم، وضعفت الأمة بعد قوة، وأصبحت الأمة في ذيل القافلة البشرية، بل وأصبحت الأمة تتأرجح في سيرها، ولا تعرف طريقها، لا تعرف من توالي، ولا تعرف من تعادي، لا تعرف شيئاً عن عقيدة الولاء والبراء، لا تعرف شيئاً عن حقيقة الإرهاب. الأمة في اجتماعها الأخير في ماليزيا، وهو اجتماع يتكون من خمسين دولة، لم تستطع الأمة بهذا العدد الضخم أن تعرف الإرهاب، واختلفت الأمة في حقيقة الإرهاب، واعترض وزير خارجية أكبر دولة إسلامية في ماليزيا على ما يحدث الآن في أرض فلسطين وقال: إن قتل المدنيين من اليهود هذا هو الإرهاب! قالوا تطرف جيلنا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوكان إرهاباً جهاد نبينا بل كان حقاً في الكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأطرقا فالأمة مازالت مختلفة في تعريف الإرهاب على أيدي أكابر مسئوليها! الأمة تحولت من حالة العلم إلى الجهل، ومن العز إلى الذل، ومن القوة إلى الضعف؛ لأنها سنة ربانية أودعها الله كونه، لا تتبدل ولا تتغير ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53].