__________________________________________________ _________
الحمدُ لله الذي جعلَ في قصصِ الأنبياءِ عظةً وعبرةً وتسليةً للمؤمنين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله إمامُ الأنبياءِ وقُدوةُ الدعاةِ الصالحين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال الله وتعالى"لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ"
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} يوسف.
* إنَّ الأمة اليوم قد بعدت عن عهد النبوة، فشاع في بعض جوانبها بعد عن المنهج النبوي في كثير من المجتمعات الإسلامية، ولهذا الخلل المنهجي تأخر الانتصار وضعفت النتائج، وفي هذه السورة بيان واقعي عملي للمنهج النبوي الذي إن أخذنا به لن نضل بعده أبداً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي"
فإن فيها بيان سبيل نجاة للأمة، فحتى تخرج أمتنا من البلاء الذي هي فيه، ومن أجل أن يرتفع مستواها لكي تحقق النصر على أعدائها، لابد أن تأخذ بالأصول والمنطلقات التي أخذ بها يوسف عليه السلام فحقق هذا النصر العظيم،
الدروس والعبرمن قصة يوسف:
1- هذه السورة المكية ترسم {المنهج الحق للداعية}في الدعوة إلى الله تعالى
_ كما قال الله _تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108)،
والمعنى/
يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي…ابن كثير
_أي قل يا محمد هذه طريقي وسنتي ومنهاجي ; قاله ابن زيد . وقال الربيع : دعوتي ، مقاتل : ديني ، والمعنى واحد ; أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدي إلى الجنة .
" على بصيرة " أي على يقين وحق " القرطبى
2- {التفاؤل العجيب }
الذي يبعث الجد والأمل في نفوس الأنبياء، يوسف عليه السلام في كل مراحل حياته لم يفارقه التفاؤل، وأبوه يعقوب عليه السلام في أحلك وأشد ظروفه لم يفارقه التفاؤل، حتى أنك تجده عليه السلام يخاطب بنيه في وقت حرجة، وذلك عندما جاؤوا بنبأ حجز أخيهم في مصر، فيقول: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (يوسف:83، 84)، ومع أنه في تلك الحالة، ومع حرج الموقف، ومع تلك الظروف، ومع قول بنيه: "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف: من الآية85). يقول لهم: "يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف:87).
**أمتنا تعيش هذه الآونة ظروفاً حرجة شديدة، فما أحوجها للتفاؤل، الذي يدفعها للعمل من أجل تحقيق موعود الله لها، فإن المهزوم من هزمته نفسه قبل أن يهزمه عدوه، وإذا دخل اليأس والقنوط على القلوب فشلت وخارت واستسلمت لعدوها.
فلتأخذ من يعقوب درساً، فيعقوب عليه السلام لم يفارقه التفاؤل أبداً، وكذلك كان يوسف عليه السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
3- ومن الدروس في هذه السورة العظيمة نبذ ثلاثة أمور مهلكة، نادت السورة بمجموعها :
لا {{تنازل، لا استعجال، لا يأس.}}
فيوسف ووالده عليهما السلام لم يصاحبهم الاستعجال ولا اليأس ولا التنازل.
وهذه الثلاثة إذا دخلت على الفرد أو الأمة أهلكتها.
فالاستعجال عاقبته وخيمة، ومن المقرر أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.. قضاءً.. وواقعاً.
أما التنازل، فهو الداء الذي وقع فيه كثير من الناس، بل كثير من الجماعات الإسلامية في عصرنا الحاضر مع الظالمين، فكان من الطبيعي ألا يتحقق النجاح المأمول.
وأما اليأس والتشاؤم فإذا دخل على النفوس أحبطها وأتعبها وأثقلها، ومن كانت نفسه مضعضعة مهزوزة فكيف ينتصر على عدوه! إن خذلان النفس لصاحبها من أول أسباب انتصار عدوها، وقد تمنع أقوام في حصون ودساكر "فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر: من الآية2).
4- إن من أعظم أسباب عدم استجابة الناس، التذبذب والاضطراب والتغير في حياة الداعية، ومن دروس هذه السورة{{ اضطراد _أى ثبات _ منهج يوسف –عليه السلام- وعدم تذبذبه،}} من أول حياته، وحتى آخر لحظات عمره، فهو مضطرد مستمر في منهج معتدل في سرائه وضرائه؛ في البئر، في السجن، في الملك، وهو يرفع أبويه على العرش ويخروا له سجداً، في كل أحواله التي قصتها الصورة تلحظ اطراداً عجباً.
_ والدعاة وطلاب العلم، بل الأمة كل الأمة تحتاج إلى الاستقامة والاطراد على المنهج الصحيح، وبخاصة في هذه الظروف التي تقلب فيها رياح الفتن أوجه القلوب وتصرفها.
5- نجد أيضاً في هذه السورة { أهمية القصة وأثرها على حياة الداعي والمدعو}
وقد اشتملت سور القرآن على عدد من القصص كما بين الله في هذه السورة "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ" (يوسف: من الآية111)، وقال: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ" (يوسف: من الآية3).
فالحاجة ماسة باستخدام هذا الأسلوب القرآني من قبل الدعاة وطلاب العلم، وبعضهم يقلل من أهمية هذا الأسلوب من حيث لا يشعر، مع أن القرآن أعطاه أهمية كبرى، فالقرآن مليء بقصص الأولين وأخبار الماضين.
6- أيضاً في هذه السورة {دروس سلوكية وأخلاقية وتربوية ونفسية مهمة،} وخذ في هذه العجالة على سبيل المثال
_ الدعوة إلى عفة اللسان.. تجد يوسف عليه السلام قد قام داعية وأستاذاً يلقي المحاضرات العملية في هذه القضية في كل السورة، تأمل على سبيل المثال يوم أن جاء الرسول يأمر بإخراجه من السجن، فأجابه: "ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" (يوسف: من الآية50) فلم يشر إلى امرأة العزيز، ولم يقل: التي راودتني، وإنما اكتفى بإشارة اقتضتها الحاجة إلى تبرئة مقامه.
وعندما اتهم بالتهمة الباطلة، في قول إخوته كما حكى الله عنهم: "إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ" (يوسف: من الآية77)، لم يتول رداً أو إساءة بل كتم جوابه، وكظم غيظه وقال في نفسه ماحكاها الله بقوله: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً" (يوسف: من الآية77).
ومن عفة لسانه أيضاً عندما قالوا له: "إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: من الآية78). قال: "مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ" (يوسف: من الآية79). فلم يقل لن نأخذ إلا السارق ؛ لأنه يعلم أن أخاه لم يسرق، ولذلك جاء بعبارة دقيقة، فقال: " إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ" فلم يصفه بما هو منه ب
ريء.
7- كذلك نجد في السورة{ قواعد وأصول في سياسة الشرعية } التي نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العصر، نجد قواعد وأصول في الشورى، في التخطيط، في بعد النظر، في العدل… وغيرها.
8- نجد في السورة أيضاً{ قواعد وأصول في معالجة الأزمات }، على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، وأمتنا تمر بأزمات متنوعة، ومن أقوى الأزمات التي ورد ذكرها في السورة السبع الشداد والسبع التي فيها الخصب، وفي أسلوب إدارته – عليه السلام -للأزمة التي مرت بمصر فوائد ينبغي أن نقف معها.
9- نجد أيضاً في السورة {منهاجاً في الحكم على الرؤى }_
وبيان لبعض شأنها فالسورة ذكرت الرؤيا في ثلاث مواضع مبسوطة من جملة ستة في القرآن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس لم يبق من مبشرات النبوة إلاّ الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" ، غير أنه وقع فيها –عند الناس- من الخلل والخطأ ما ينبغي التنبيه عليه، فهناك من أنكر الرؤيا وقلل من شأنها وقال كما قال أصحاب الملك: أضغاث أحلام، وهناك من جعل الرؤيا تشريعاً بكل أسف وآخرون وسط بين ذلك.
10- نجد في السورة كذلك{ عاقبة المكر } وأنه يرجع على صاحبه، فإخوة يوسف مكروا به "وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" (يوسف: من الآية102)
_من أجل إبعاده، فكيف كانت العاقبة؟ امرأة العزيز كادت ومكرت، غلقت الأبواب، وأعتدت للنساء متكأً، وادعت، فلمن كانت العاقبة؟ إن المكر يحاك الآن على مستوى الأمم وعلى مستوى الأفراد، وسورة يوسف تقول لكل ماكر: إياك إياك.. "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: من الآية30)، "وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43).. وفي ذلك طمأنة للأمة وبيان لها بأن مكر أعدائها سيبور ويرتد عليهم.
11- كذلك نجد في سورة يوسف{ قصص التائبين المستغفرين } وأثر التوبة والاستغفار في الحياة، وقد تتبعت الدعوة إلى التوبة والاستغفار في القرآن فوجدت أنه ما من نبي إلا أمر قومه بهما.
وجدت أن في الاستغفار سهولة على اللسان، مع أنه من أخص الدعاء والدعاء هو العبادة كما في الحديث، وقال الله تعالى: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (غافر: من الآية60)، فالتوبة والاستغفار من السمات الظاهرة في سورة يوسف عليه السلام.
12- نجد في هذه السورة { استثمار الفرص } :
وخاصة من قبل يوسف عليه السلام في السجن، قبل السجن، بعد السجن، وهو عزيز مصر، والأمة بحاجة إلى أن تستثمر الفرص استثماراً حقيقياً في موضعه.
13- نجد أيضاً {الصبر وعاقبته} وبياناً لبعض أنواعه
_ "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" (يوسف: من الآية18)، كما صبر يعقوب _عليه السلام_، وكما صبر يوسف. "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: من الآية90).
14- وأخيراً نجد { الإحسان} في سورة يوسف:
_والإحسان أشمل مما يفهمه كثير من الناس، بل كثير من الناس يفسر الإحسان بمعنى قاصر، وهو إعطاء المحتاج، أو التصدق على المحتاج. غير أن الإحسان في سورة يوسف، ورد في قرابة خمسة مواضع، في كل مراحل حياته، فكان سبباً من أسباب السؤدد والقوة والتملك
فوائد من جهة اُخرى لقصة يوسف:
1- أن هذهِ القصة من أحسنِ القصصِ و أوضحها لما فيها من أنواع التنقلات من حالٍ إلى حال، ومن محنةٍ إلى محنة، ومن محنةٍ إلى منّحة ومنَّة، ومن ذلٍ إلى عزٍ، ومن أمنٍ إلى خوفٍ، ومن مُلكٍ إلى رقٍ، ومن فُرَّقةٍ وشتاتٍ إلى اجتماعٍ وانضمامٍ، ومن سُرورٍ إلى حُزنٍ، ومن رَخاءٍ إلى جدبٍ، ومن ضِيقٍ إلى سَعه.
2- ما فيها من أصولِ تعبيرِ الرؤيا المناسبةِ، وأن عِلمَ التَّعبير عِلمٌ مُهمٌ يَهبه اللهُ لمن شَاءَ من عِبادهِ، وهُو دَاخلٌ في الفَتوى، فينبغي لمن لا يُحسنُ الخَوضَ في بَحرهِ ألايلج فيهِ لئلا يَنْدمَ على ذلك.
3- حَيثُ قصَّ الله ما فيها من الأدلة والبراهين على نبوة نبينا محمد عليه هذهِ القصة الكاملة الواقعة وهو لم يقرأ كُتبُ الأولين، بَلْ هُو أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وصدق الله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [يوسف: 102].
4 – ينبغي للعبدِ البعدُ عن أسبابِ الشرِّ وكِتمان ما يخشى مضرته، وقد وجه يعقوبُ فلذة كبدهِ بذلك قَائلا:ً ﴿لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً﴾ [يوسف: 5].
5 – النعمُ الكبيرةُ الدينية و الدنيوية لابد أن يتقدمها أسبابٌ ووسائلٌ إليها لأن الله حكيمٌ ولَهُ سُننٌ لا تتبدلْ ولا تتغير، قَضى سُبحانَه بأنَّ المطالبَ العاليةَ لا تُنالُ إلا بالأسبابِ النافعةِ خُصوصاً العُلوم النافعة وما يتفرع عنها ولهذا قال: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ [يوسف: 6].
6- العدلُ مطلوبٌ في جميعِ الأمور الصغار والكبار ومن ذلكَ مُعاملةَ الوالدينِ للأولادِ فلابدَ من التَّسوية بينهم، وعدم إيثار بعضهم على بعض، ومتى حصل ذلك اختلَّ نظامُ الأسرة ووقع ما يكدر الصفو ويعكر طعم الحياة، وهذا ما حصل ليعقوب – – عليه السلام -.
7- الحذرَ من شُؤْم الذُنوب فكم من ذنبٍ واحدٍ اسْتَتَّبع ذُنُوباً كثيرة، وهذه حالُ إخوة يوسف – عليه السلام – لما أرادوا التفريقَ بينهُ وبين أبيهِ، وهذا ذنبٌ عظيمٌ ترتبَ عليهِ ذُنوبٌ كثيرةٌ من الكذبِ ورمي يوسف، وهكذا الطاعةُ تتبعها في الغالبِ الطاعة، وهذا دليلٌ على بركةِ الطاعةِ وشُؤمُ المعصيةِ.
8- العبرةُ بالنهايةِ لا بالبداية، وهكذا كانَّ أمر إخوة يوسف تَابُوا واسْتغفروا وسَمحَ لهم يعقوب ويوسف وإذا سمح العبدُ فاللهُ أولى بذلكَ وهو خير الراحمين.
9 – أنَّ بعضَ الشرِّ أهونُ من بعضٍ، فرمي يوسف في البئرِ أهونُ من قَتلهِ، ولهذا أَخذَ الإخوةُ بهذا الرأي وكان من تدبير الله ليتحققَ ليوسف ما كتب الله له.
10- الحذرُ من الخُلوةِ بالنساءِ الأجنبياتِ وخُصوصاً اللاتي يُخشى منهنَّ الفتنة، وقد جرى ما جرى ليوسف بسببِ الخلوة لكنَّ الله عصمه، فليخشى أولئكَ الذين يتعرضون للخلوة بالنساءِ في أماكنِ التطبيبِ والتمريضِ، وفي البيوت خُصوصاً مع الخادماتِ والمربياتِ فذلكَ بابُ شرٍّ عظيمٍ.
11- الهمُّ بالسوءِ الذي يعرض للإنسانِ إمَّا أن يجدَ ما يدافعه من نوازع الخير فهنا يتقزم هذا الهمُّ ويتضاءل ويزول، وإمَّا ألا يجدَ ما يُقاومهُ فينمو ويكبر ويتحقق، وهكذا حال يوسف – عليه السلام – رأى البرهانَ من ربه فطرد همه وامرأة العزيز لم يوجد عندها من نوازعِ الخيرِ ما يُقاومُ همَّها فاستمرت وطالبت بأن يتحقق واقعا.
12- إذا ابتُلي العبدُ بمواطنِ الريبةِ وأماكن الفتنة فينبغي له أن يهرب لئلا تُدركه أسبابَ المعصيةِ فيقع ثمَّ يندم، وكان هذا حالُ يوسف – عليه السلام – فرَّ هارباً وهي تُمسك بثوبهِ من خلفهِ.
13- أخذَ العلماءُ من قصةِ يوسف – عليه السلام – أن القرينةَ يُعمل بها عند الاشتباه في الدعاوى إذا كانت شهادةُ الشاهدِ على القرينة: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ [يوسف: 26]، وكذلك وجود الصُّواع في رَحْلِ أخيهِ وقَدْ أخذ يوسف بهذه القرينة واستبقى أخاه عنده.
14- ما كانَ عليهِ يُوسف – عليه السلام – من الجمالِ الظاهرِ والباطنِ، أمَّا الظاهرُ فهو الذي بسببهِ حَصلَ له ما حصل من امرأةِ العزيزِ ومن النساءِ اللاتي كُنَّ يَلُمنها على فِعلها، و أمَّا جَمالُ الباطنِ فهو العِفَّةُ العظيمةُ مع وجودِ الدواعي الكثيرة لوقوعِ السُّوءِ مِنه، لكن ما قذفَ الله في قلبهِ من الإيمانِ والإخلاصِ وقُوةُ الحقِ طَردَ عنهُ الرَّذيلة، وجَعلهُ بَعيداً عنِ السُّوء، وهذا ما جعلهُ عَظيماً في نُفُوسِهم أَجمعين.
15- اختار يوسف – عليه السلام – السِّجن وقدمهُ على الوقوعِ في المعصيةِ، وهكذا ينبغي للعبدِ إذا كانَ الخيار بين أمرينِ أحدهُما عُقوبة له عَاجلة تؤول إلى أجرٍ عظيمٍ في الآخرةِ والأُخرى مَعصية، فينبغي ألا يتردد في ذلك ويُقدم ما فيه الخير له في الآخرةِ وإن كان ظَاهرهُ عُقوبة في الدُنَّيا، وقد كانَ السِّجنُ طَريقاً ليوسف إلى العزةِ في الدُنَّيا والفوزَ في الآخرة.
16- العبدُ الصادقُ مع ربهِ ينبغي أن يلتجأ إليه ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حَولهِ وقوتهِ لأنه عبدٌ ضعيفٌ، وقد كانَ ذلكَ من يوسف – عليه السلام – ﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33]
17- على العبدِ أن يعبُدَ رَبهُ حَالَ الرَّخاءِ والشِّدةِ على حدٍ سَواءٍ فيوسف – عليه السلام – لم يزل يَدعو إلى الله فَلمَّا دَخلَ السِّجنَ استمر على ذلك ودعا من يتصلُ بهِ من أهلِ السجنِ، ودَعا الفَتيين إلى التوحيدِ، ونَهاهما عن الشركِ وذلك قبلَ أن يُعبر لهما الرؤيا، وهكذا الداعيةُ إلى الله ينبغي أن يغتنم الفُرصَ فَيدعوا إلى الله في كلِ مكانٍ وزمانٍ بما يتناسبُ مع الظروفِ والأحوالِ والأشخاصِ، وكم أَدركَ الدُعاةُ الأكفاءُ والعلماءُ والأعلامُ في هذه المناسباتِ من المكاسبِ العظيمةِ.
18- من وَقعَ في مكروهٍ وشدة لا بأسَ أن يستعينَ بمنَّ لهُ قُدرةً على تخليصهِ بفعلهِ أو الإخبارِ بحاله، وهذا ليسَ شَكوى إلى المخلوقِ بلْ هُو من فعلِ الأسبابِ المعينةُ على الخلاصِ من الظلمِ والشِّدةِ، ولِذا قال يوسف للذي ظنَّ أنه ناج منهما: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: 42].
19- ينبغي للمعلمِ والداعي إلى الله استعمال الإخلاص التَّام في تعليمه ودعوته، وأن لا يجعل ذلك وسيلة إلى معاوضة في مالٍ أو جاهٍ أو نفعٍ دنيوي كما لا يمتنع من التعليم إذا لم يستجب المتعلم لما كلفه به المعلم، وهذا حالُ يُوسف وصَّى أحد الفتيين فلم يُنفذ الوصية، ثمَّ رجعَ نفسُ الفَتى يَسألُ يوسف عن الرُّؤيا فأجابهُ ولم يعنِّفه أو يوُّبخه أو يحاسبه على عدمِ تنفيذِ الوصية.
20- لا بأسَ أن يُخبرَ الإنسانُ عمَّا في نفسهِ من الصفاتِ الحسنةِ من العِلمِ وغيره إذا كان في ذلكَ مصلحةً وسَلمَ من الكذبِ لقوله: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 55].
21- حُسن التدبيرِ مطلوبٌ والإخلاصُ في العملِ شَرطٌ لقبولهِ، وقد تحققَ ذلك ليوسف فكثُرتِ الخيراتُ في عهده، وهكذا من ولي من أمرِ المسلمينَ شيئاً سَواءٌ كانت الولايةُ صغيرة أو كبيرة عليهِ أن يَرفُقَ بِهم، وأن يُساعدهُم، و أن ينصحَ لهم ليتحققَ على يديهِ الخير لهم – إن شاء الله -.
22- مشروعيةِ الضيافةِ، وأنها من سُننِ المرسلين: ﴿أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ﴾ [يوسف: 59]، أي المضيفين.
23- جوازُ استعمال الأسباب الرافعة للعين وغيرها من المكاره أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء الله وقدره فإن الأسباب أيضا من القضاء والقدر، لقوله يعقوب – عليه السلام -: ﴿يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [يوسف: 67].
24- لا يسوغ أن يشهد العبد إلا بما علم وتحقق منه برؤية أو سماع: ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ [يوسف: 81].
25- فضيلةُ الصبرِ وأن عواقبهُ حميدة، وهكذا كان حال يعقوب ويوسف عليهما السلام.
26- إذا حصلت النعم على العباد فينبغي أن يتذكروا ما كانوا عليه في السابق من أجل شُكر النعم لأنها إذا شُكرت قَرت، وإذا كُفرت فَرت.
27- الإلحاحُ على الله بالدعاءِ وسُؤاله التثبيت لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وهنا وقفات سريعة وحِكم من قصة يوسف عليه السلام _
الوقفة الاولى:
لا تخف أبدا من كيد الكائد. يوسف رموه في الجب طفلا أعزلاً ثم سجدوا له ملكاً.
من أعاجيب الحياة أن الكيد غالباً ينقلب لمصلحتك.
الوقفة الثانية:
عندما يقال لك قميص يوسف،
ستذكر أنها ثلاثة؟
قميص المؤامرة والدم المزيف
قميص الشهوة الذي مزقته إمرأة
وقميص النصر الذي أعاد البصر ليعقوب.
الوقفة الثالثة:
أراد الله خروج يوسف من السجن ،
لم يرسل صاعقة تخلع باب السجن ،
بل رؤيا تتسلل ليلاً لخيال الملك وهو نائم !
ثق بربك وأحسن الظن به"
الوقفة الرابعة:
اجمل القصص(قصة يوسف )لأنها بدأت بحلم
وانتهت بحقيقة. من يقول ان الأحلام مستحيلة!!
قال تعالى(إنما أمره إذاأراد شيئًا أن يقول له كُن فيكُون )"
الوقفة الخامسة:
"فأسرّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم"
نفوس كبيرة تتغافل لبقاء الود
نفوس معلقة بالسماء
فالتغافل ليس عجزا
والتسامح ليس ضعفاً
والصمت ليس انطواءً
بل سمو لايعرفه الوضيع ّ
لا تواجه أخاك بكل ما في قلبك اترك ما استطعت إرضاء لله وحفاظا على أخيك"
الوقفة السادسة:
﴿إني لأجد ريح يوسف﴾
محسنوا الظن بالله يشمون رائحة الفرج رغم بعد المسافات تعلقت حبالهم بربهم فقويت عزائمهم وحسنت ظنونهم
وأقول ختاماً: ما من فرد أو مجموعة أو أمة أخذت بأسباب الانتصار التي أخذ بها يوسف عليه السلام إلا كانت عاقبتها حميدة، وتحقق له الانتصار العظيم في حياته الدنيا، وفي والآخرة، والناس يتساءلون متى وكيف نحقق النصر؟ فأقول: اقرؤوا هذه السورة وتأملوا هذه السورة، فإن فيها جواباً أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا منه العبرة والعظة، وأن يتحول ما نعلمه إلى واقع عملي في حياة الأمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_____________________
تفسير القرطبى.
تفسير ابن كثير
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
أ.د عبد الله بن محمد الطيَّار
بارك الله فيكِ غاليتي ونفع بكِ
بعد إذنك ينقل للركن المناسب
=)
:
حياك الله وبياك أختي العزيزة
سعيدة بحضورك ومشاركاتك
شاكرة لك جدا على نشاطك ونفعك للناس
(خير الناس أنفعهم للناس) حسن
لي عودة لقراءة تفسير هذه الآية
بإذن الله
قصة عظيمة في داخلها الكثير من العبر
وأهم هذه العبر (( الصبر والتقوى))
جزاكِ الله خيراً ونفع بك