مختارات من خطبة الجمعة ! 2024.

فأعظمها وأكبرها وأشدها عذاباً ونكالاً الشرك بالله، فهو أعظم الظلم وأشده وأشره، إذ الظلم حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، وأي ظلمٍ أعظم من ظلم من عبد غير الله، وتعلق قلبه بغير الله، محبةً وخوفاً ورجاءً؟!! أي ظلم أعظم ممن عبد من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؟!!

أي ظلم أعظم من ظلم من دعا من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، من دعا من لا يسمع دعاءه، ولو سمعه ما استجاب له؟!

أي ظلم أعظم من ظلم من تعلّق قلبه بغير الله، فطاف بقبور الأموات، وذبح لهم النذور، وقرب لهم القرابين، وهتف بأسمائهم في الشدائد، وزعم أنهم ينفعون ويضرون، ويقربونه إلى الله زلفى؟! قال تعالى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه : ( يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .

ومن أنواع الظلم الكذب على الله، بأن يدعي أنه يوحى إليه، وقد ختم الله الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن أنواع الظلم ظلم العباد بعضهم لبعض، وقد بين الله في كتابه أنواعاً من الظلم في العباد بعضهم لبعض، فمن ذلكم أن الله جل وعلا بين في كتابه أن من ظلم المرأة أن يظلمها زوجها، ويتعدى عليها بالضرب والإهانة والتحريج لأجل أن تفتدي منه، بأن تردّ له ما دفع إليها من مهر، وإن لم يكن منها قصور ولا خطأ، ولكن لم يجعل الله في قلبه محبة لها، فيسعى في الإضرار بها، وتشويه سمعتها، وتلفيق التهم بها، وعيبها وعيب أهلها، ليتقوا شر لسانه، فيدفعوا له ما دفع لها .
فمضارة الرجل للمرأة لأجل أن تتخلص منه من غير قصور منها، ومن غير ضعف في الواجب، بل هي مؤدية للواجب، لكن لآمة هذا الإنسان، وقلة حيائه، وضعف إيمانه يحمله على المضارة بها، وإلحاق الأذى بها، وتلفيق التهم للمسلمين براءة منها، لأجل أن يستردّ ما دفع من مهر.

ومن أنواع الظلم ما بين الله في كتابه، حيث أخبر أن أموال اليتامى أمانة لدى الولي، وأنه إن تعدى على شيء منها كان ظالماً، ولهذا قال الله :
(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ).
وحذر تعالى المسلم من قتل نفسه، وأن الانتحار ظلم للإنسان .

وأخبر تعالى أن سرقة أموال المسلمين، والتعدي عليها بالسرقة ظلم .

ومن أنواع الظلم تفضيل بعض الأولاد على بعض، عدواناً وطغياناً، فنبينا صلى الله عليه وسلم، لما أريد منه أن يشهد على هذا التفضيل قال : ( اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم )ومن أنواع الظلم الميل مع بعض الزوجات دون بعض، فإن هذا خلاف العدل، إذ العدل بين الزوجات أمر مطلوب شرعاً، وتفضيل بعضهن على بعض في الأمور الظاهرة محرم شرعاً، وقد أخبر ، النبي صلى الله عليه وسلم ، أن من له زوجتان فمال مع إحداهما عن الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه ساقط . إذاً فتفضيل بعض الزوجات على بعض ظلم للمفضل عليها، وعدوان من غير حق .

ومن أنواع الظلم ظلم العمال والخدم والسائقين ، وعدم إعطائهم حقوقهم في وقتها، والمماطلة في ذلك والتأخير، وفيما يروى: (أعطوا العامل أجره قبل أن يجفّ عرقه) ، فحقوقهم واجبة في وقتها، وحرام المماطلة بها، والتأخير، وظلمهم، واستغلالهم بغير حق.

ومن أنواع الظلم ظلم الناس في أعراضهم، باغتيابهم ، والسعي بينهم بالنميمة ، وهمزهم وعيبهم ، والسخرية بهم ، والحط من قدرهم ، ومحاولة إلصاق التهم بهم ، وهم برآء من هذا كله ، فكل هذا من أنواع الظلم ، وفي الحديث :

(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام).

والخلاصــــــــــــــــــــــــــة .. !

أن يتق المسلم ربه ، وليلزم العدل في أموره كلها ، وفي الحديث القدسي : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) .. أي لا يظلم بعضكم بعضاً ، ولا يعتد بعضكم على بعض ، بل يحترم بعضكم بعضاً.