ـــــــــــــــــــ
الأَولُ ، والآخِرُ ، والظَاهِرُ ، والبَاطِن:
هذه الأسماء الأربعة المباركة قد فسرها النبي عليه الصلاة والسلام تفسيراً جامعاً واضحاً فقال يخاطب ربه : " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخِرُ فليس بعدك شيء وأنت الظاهرُ فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء "
العَلي ، الأعْلَى ، المُتَعَالِ:
وذلك دال على أن جميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى أي علا وارتفع ، وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها ، فلا يماثله صفة مخلوق ، بل لايقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته
العظيم:
الله تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم ، فلا يقدر مخلوق أن يثني عليه كما ينبغي له ولا يحصى ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق مايثني عليه عباده.
المَجِيدُ:
(المجيد) الذي له المجد العظيم ، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها ، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه : فهو العليم الكامل في علمه ، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ، القدير الذي لايعجزه شيء ، الحليم الكامل في حلمه ، الحكيم الكامل في حكمته ، إلى بقية الأسماء وصفاته ، التي بلغت غاية المجد فليس في شيء منها قصور أو نقصان ، قال الله تعالى {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد } .
الكبير:
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد والكبرياء ، والعظمة ، والجلال ، الذي هو أكبر من كل شيء ، وأعظم من كل شيء ، وأجل وأعلى . وله التعظيم والإجلال ، في قلوب أوليائه وأصفيائه قد ملئت قلوبهم من تعظيمه ، وإجلاله ، والخضوع له ، والتذلل لكبريائه ، قال الله تعالى ذلك بأنه إذا دعِىَ الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير .
السمِيعُ:
فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ، والباطنة فالسميع الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات ، فكل مافي العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ، لاتختلط عليه الأصوات ، ولاتخفى عليه جميع اللغات ، والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء {سَوَاءٌ مِنكُم من أَسَر القَولَ وَمَن جَهَرَ بهِ وَمَن هُوَ مُستَخف بالليل وَسَاربٌ بِالنهارِ } .سورة الرعد الآية 10 ـ
البَصِيرُ:
الذي أحاط بصره بجميع المُبْصرَات في أقطار الأرض والسماوات ، حتى أخفى مايكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وجميع أعضائها الباطنة والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة ، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على إختلاف أنواعها وصغرها ودقتها ، ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك ، فسبحان من تحيرت العقول في عظمته ، وسعة متعلقات صفاته ، وكمال عظمته ، ولطفه ، وخبرته بالغيب ، والشهادة ، والحاضر والغائب ، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان.
العليم:
فهو العليم المحيط علمه بكل شيء بالواجبات ، والممتنعات ، والممكنات ، فيعلم تعالى نفسه الكريمة ، ونعوته المقدسة ، وأوصافه العظيمة ، وهي الواجبات التي لايمكن إلا وجودها ، لو وجدت . كما قال تعالى : { لَو كَانَ فيهمَآ ءَالهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتا } سورة الأنبياء الآية 22
الخبير:
أن الله تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والإسرار والإعلان ، وبالواجبات ، والمستحيلات ، والممكنات ، وبالعالم العلوي ، والسفلي ، وبالماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، فلايخفى عليه شيء من الأشياء .
الحميد:
أن جميع المخلوقات ناظقة بحمده ، فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم والآخرين ، وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة ، وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضاً ومقدراً حيثما تسلسلت الأزمان واتصلت الأوقات ، حمداً يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا إحصاءٍ ، فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة : منها ان الله هو الذي خلقهم ، ورزقهم ، وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، وصرف عنهم النقم والمكاره ، فما بالعباد من نعمة فمن الله ، ولا يدفع الشرور إلا هو ، فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات ، وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات .
العَزيزُ ، القديرُ ، القَادِرُ ، المُقْتدِرُ ، القَوي ، المَتِين:
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة ، فهو تعالى كامل القوة ، عظيم القدرة ، شامل العزة {إن اْلعزةَ للهِ جَميعاً } سورة يونس الآية 65 ، وقال تعالى { إن ربك هو القوي العَزيز } فمعاني العزة الثلاثة كلها كاملة لله العظيم :
1ـ عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين ، وهي وصفه العظيم الذي لاتُنْسَب إليه قوة المخلوقات وإنْ عَظُمَتْ . قال الله تعالى { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } سورة الذاريات الآية 58 ، وقال { والله قدير والله غفور رحيم } سورة الممتحنة الآية 7 ، وقال عز وجل { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم او يَلبسكم شيعاً ويذيق بعْضَكُم بأس بعض } . سورة الأنعام الآية 65 ، وقال تعالى { وكان الله على كل شيء مقتدراً } سورة الكهف الآية 45 ، وقال عز وجل { إن المتقين في جناتٍ ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر } . سورة القمر الآية 55 .
2ـ وعزة الامتناع فإنه هو الغني بذاته ، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه ، ولا نفعه فينفعونه ، بل هو الضار النافع المعطي المانع .
3ـ وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته فجميع نواصي المخلوقات بيده ، لايتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه ، فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فمن قوته واقتداره أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأنه خلق الخلق ثم يُميتهم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون ـ قال تعالى {ما خلقُكُم وَلَا بَعثُكُم إلا كَنَفسٍ وَاحِدَةٍ } .سورة لقمان الآية 28 ، وقال تعالى { وَهُوَ الذي يَبدؤُاْ الخَلْقَ ثُم يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهوَنُ عَلَيهَ } سورة الروم الآية 27 ، ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة ، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين والكفار الظالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات ، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا أموالهم ولا جنودهم ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك ن ومازادوهم غير تتبيب ، وخصوصاً في هذه الأوقات ، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من إقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه ، فمن آيات الله أن قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صد ماأصابهم من النكبات والعقوبات المهلكة ، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك ، ولكن أمر الله غالب ، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي .
ومن تمام عزته وقدرته وشمولها أنه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم ، وهي أيضاً أفعالهم ، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقية ، ولا منافاة بين الأمرين ، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم ، وخالق السبب التام خالق للمسبب ، قال تعالى : {وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعمَلُونَ } . سورة الصافات الآية 96 .
ومن آثار قدرته ماذكره في كتابه من نصره أولياءه ، على قلة عددهم وعُددهم على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العَدد والُعدة ، قال تعالى { كَم من فِئةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرةً بإذنِ اللهِ} .سورة البقرة الآية249 ، ومن آثار قدرته ورحمته مايحدثه لأهل النار وأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لاينقطع ولا يتناهى . فبقدرته أوجد الموجودات ، وبقدرته دبرها ، وبقدرته سواها وأحكمها ، وبقدرته يحيي ويميت ، ويبعث العباد للجزاء ، ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على مايشاء الذي إذا أراد شيئاً قال له {كن فيكون} .سورة ياسين الآية 82 . قال الله تعالى { أين ماتكونوا يات بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير } . سورة البقرة الآية 148
الغنى:
الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لايتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ، ولايمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته ، كما لايكون إلا محسناً ، جواداً ، براً ، رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لاتستغني عنه في حال من أحوالها ، فهي مفتقرة إليه في إيجادها ، وفي بقائها ، وفي كل ماتحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والرحمة بيده ، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات ، وأن يده سحاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار.
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك