تخطى إلى المحتوى

معنى الأصولية في الغرب 2024.

معنى الاصولية في الغرب

لا يمكن للمسلمين على المستوى العالمي أن يقوموا بواجباتهم الدينية التي تقع على عواتقهم بسبب كونها {خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} إلا ان يقوموا بإيجاد نظام كوني بديل في ضوء التعليمات الربانية والارشادات الإلهية التي تقدم حلا شافيا شاملا مقنعا للقضايا والمشاكل التي يتعرض لها الجيل الجديد ويعاني منها العالم المعاصر المتقدم بأسره.
وبتطبيق هذا المنهج الرباني يتم تنقيح المنابع والمصادر العالمية التي تنطلق منها الأفكار والاتجاهات وتنبثق منها المفاهيم والنظريات حتى يتمهد السبيل لغلبة الإسلام ويتهيأ الجو المناسب لاستيلائه على العالم كله.
ومن أهم الأمور التي ينبغي أن يركز عليها رجال الدعوة ومسؤولو الحركات الإسلامية بشكل عمومي هي إبطال – بكل ما يملكونه من الاجهزة والامكانات – ما أفشاه أعداء الإسلام الحاقدون في أوساط العالم المعاصر المتمدن من انطباعات مضلة وانفعالات مغوية لا تقوم إلا على ان الاسلام دين يدعو إلى الإرهاب والتطرف ولا يؤمن في ترويج أفكاره وعقائده واشاعة دعوته إلا بالقوة والطاقة بدلا من اختيار طريقة البراهين والاستدلال. فلذلك هم يعتبرون الاسلام أعظم خطراً وأكبر تهديد يواجه ثقافتهم وحضارتهم الصناعية المعاصرة التي لا تقوم أسسها إلا على العقلية المادية النفعية.
وعملية إبطال الشائعات المعادية السائدة في أوساط الغرب ضد الإسلام يعد من أولويات الأمور لأنهم على غير استعداد أن يسمعوا شيئا عن الاسلام ما دامت تحيط بهم هذه الأجواء الخاطئة عن الاسلام.
لقد عرف مصطلح "الأصولية" من قبل ساسة الغرب المحتالين الذين أوجدوه من أنفسهم في أوائل هذا القرن – قرن الازدهار والتقدم قرن العلوم والتكنولوجيا – ليطبقوه على كافة المنظمات الاسلامية التي تعيش في بلادهم حتى يسوغ لهم تشويه سمعة الإسلام وعقائده السامية في مجتمعاتهم التي تبتعد كل البعد عن الإسلام وتعاليمه الصافية الخالدة.
هذا المصطلح الرديء نشأ وارتقى وتطور في مجتمع الغرب ويعتبر من افضح المصطلحات التي عرفها التاريخ إلى يومنا هذا حيث يرتبط بها مفاهيم العنف والشدة، والجهل والظلم، والعنصرية الدينية، والضراوة والقساوة، والتغشم والعدوان، والوحشية والبربرية وما إلى ذلك من مفاهيم خاطئة سيئة مع ان الاسلام ليس له أدنى صلة بهذا المصطلح المتفضح فهو مصطلح غريب واجنبي بالنسبة للمجتمع الاسلامي.
فأصبح من الضروري أن يحترز دعاة الاسلام ورجال الحركات الاسلامية عن اصدار التهديدات والتصريحات المعادية الخالية من الخير والاخلاص ضد الشعوب المتمدنة المعاصرة حتى لا يعدون من المعاونين على انجاح مهمتهم الرديئة.
ومن اتخاذ هذه المواقف العدوانية تؤكد للساسة الغربيين المحتالين النجاح في مهماتهم التي يسهرون على تحقيقها ليل نهار حتى تقع الجماعات الاسلامية بأنفسها في الشبكة التي شبكها الغرب باسم "الاصولية" فيتم تجسيد اهدافهم المعادية التي يحملونها في اذهانهم تجاه الاسلام والمسلمين ألا وهي ألا تصل رسالة الاسلام الخالدة ودعوته العالمية إلى مجتمعاتهم، كما يجب أن يدرك رجال الدعوة ان الاسلام دين شامل ومنهج كامل للحياة ويصلح لكل جيل وعصر ومحور دعوته هو الانسانية من دون تمييز الزمان والمكان.
ومن الممكن ان يختلف ساسة الغرب عن صدق تعاليم الاسلام وعموم رسالته وصفاء مصادره ولكن هناك أيضا الجمهور الذي يعاني بشكل عمومي من الظلم والعدوان، ويواجهون القساوة والضراوة فلا حل لمشاكله ومعضلاته التي لا يزال يعاني منها إلا بالانضواء إلى راية الإسلام والانصهار في بوتقة تعاليمه.
هذا وحساسية الأمر تتطلب من المعنيين بالاسلام وشؤون دعوته ان يثبتوا على الغرب بشكل واضح ودلائل مؤثرة وشواهد تاريخية – باعتبارهم مخاطبهم لا مخالفهم – ان الاسلام دين يحمل راية الأمن والسلام ولا علاقة له مطلقا بالارهاب والتطرف والشدة والعنف لأن الله بعث نبي الاسلام محمد – صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين حيث قال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وكما أن مهمة المسلمين ونصب أعينهم وغاية حياتهم هي العمل على فلاح الانسانية على المستوى العالمي على انهم لا يطمعون ابدا في الاستيلاء السياسي على العالم ولا يريدون في ذلك أجرا لأنه لا أجر لهم إلا على الله بل هم يبتغون في كل حين وأوان مرضات الله ورضوانه كما قال الله تبارك وتعالى على لسان جميع الأنبياء والمرسلين {إن أجري إلا على رب العالمين}.
وفيما تقدم أعلاه اتضح لنا بكل جلاء ووضوح ان الاسلام لا يبرر الجبر والعدوان في تبليغ دعوته ونشر تعاليمه ولا يستخدم القوة والطاقة في سبيل انجاح مهمته بل هو دين يخاطب الناس بالبراهين والدلائل ويدعوهم إلى صراطه المستقيم وهدايته الشاملة المفتوحة لكل جيل ولكل عصر بالحكمة والموعظة الحسنة {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
ومع هذا كله لابد من إزالة هذا المفهوم الخاطىء العام المتواجد في أوساط العالم المعاصر بأن الإسلام دين انتشر دعوته وتوطد بنيانه بقوة السيف لأن أية نظرية من النظريات على وجه الأرض التي امتدت سلطته ووسعت نفوذه بالقوة والجبر لن تدوم. فمنذ اليوم الذي تسيطر مثل هذه النظريات على الشعب تنشأ في أذهانهم الثورة ضد تلك النظريات وما ان وهنت النظريات على الشعب تنشأ في اذهانهم الثورة ضد تلك النظريات وما إن وهنت أواصر الجبر إلا وتبدو الثورة التي تستأصل أصولها وتقضى على وجودها. فهناك شواهد كثيرة في التاريخ تحكي عن هذه الحقيقة الكونية ومن احدثها سقوط الاشتراكية في مهدها – الاتحاد السوفياتي – حيث انه عودة المسلمين المكبلين في مكابسها إلى الاسلام من جديد بعد زوال الاشتراكية وإعادة مساجدهم ومدارسهم تؤكد بأن الإسلام امتدت دعوته وعمت تعاليمه بتسخير الاذهان وبتمثيل القدوة المثالية التي ورثها المسلمون من رسولهم الأعظم صلى الله عليه وسلم ومن الرعيل الأول لهذه الأمة ليس بالقوة والجبر والعدوان والظلم فلقد قال الله عز وجل: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}.
هذا والقرآن حافل بالآيات والبينات التي تؤكد بأن الاسلام دين تقوم أسسها على الحجج والبراهين ونظرية تدعو إلى النظر في آيات الله الباهرة والتأمل في كونه الواسع. كما جاء في مواضع مختلفة من الكتاب الحكيم. قال تعالى في موضع مخاطبا حبيبه صلى الله عليه وسلم: {فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وقال سبحانه في موضع آخر: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}. وكما يعلم القرآن القائمين بدعوة الاسلام أن يبينوا على من يخاطبونهم {قل ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}.
وبسبب كون الانسان مخيرا منحه الله الخيار بين الصحيح والخطأ وليس من المعقول الجبر على أحد بأن يتجه اتجاها لم يتأكد من صحته ويسلك طريقا لم يعرف نهايته لأن هذه النظرية تناقض مع غاية بعثة الانسان في الدنيا وهي الاختيار بين الصحيح والخطأ فكل من الطريقين وضحهما الله فمن اختار طريقا صحيحا يصل به إلى الجنة ومن اختار طريقا خطأ تكون جهنم مأواه.
ولكن من العجب العجاب مصطلح "الأصولية" الذي يلصق إياه الغرب بجميع حركات الانتفاضة للمسلمين في العالم من أجل تحقيق أهدافهم المكروهة يحتضنه مسؤولو الحركات الاسلامية بكل فخر واعتزاز مع ان هذا الوسام "الأصولية" ليس بشرف وتبجيل بل هو تهمة فادحة وافتراء عظيم لابد من مقاومته وإبعاده من جبهات الحركات الإسلامية.
ومما لا ريب فيه ان أي مسلم يلتزم بمبادىء الاسلام ويتمسك بأصوله ويدعو إلى تطبيقها تطبيقا عمليا يعتبر في ميزان اللغة أصوليا وهذا هو المطلوب منه ولكن الكلمات التي تحمل من ورائها خلفية تاريخية وتعنى بالمصطلحات المعروفة السائدة تفقده معناها اللغوي ويحتل مكانه اللغوي المصطلح بها. كما هو الحال لكلمة "ملا" في اللغة الأردية حيث ان هذه الكلمة لها معنى جيد لغويا ولكن المراد بها في العرف هو مفهوم سيىء فكل من يسمى ب "ملا" فهو الشخص الذي عمله الاساسي هو بث الإرهاب والخوف ولا صلة له بالرحم والعطف فهل يمكن ان يتقرب الناس منه ليصغوا إليه؟.
إن عملية لصق وربط كلمة بعينها بفرد أو جماعة ما لها مفهوم سيىء في الجمهور بصرف النظر عما يحمل من سمو المعاني وسلامة المفهوم وتعتبر من انجح الاساليب واشدها تأثيرا. كلمة "الأصولية" هي ترجمة كلمة (FUNDAMENTALIST) الانجليزية والتي تعتبر من أفضح المصطلحات في معاجم المسيحيين ولها تطور تاريخي. في أوائل هذا القرن بدأت انتفاضة فرقة "بروتستانت" وكانت محور دعوتها هو الاعتراف بأن الإنجيل الحالي "الذي عدل وحرف بين فترة وأخرى من قبل العلماء المسيحيين كما يشهده التاريخ" صحيفة سماوية محفوظة من التحريف والتعديل وليس هناك أدنى امكانية لوجود الأخطاء فيه رغم ان هذا التصور يخالف الحقيقة والواقع. لقد قام مؤيدو هذه النظرية بإدارة حركة بصورة عنيفة للاقناع بهذا التصور الخاطىء الذي لا صلة له بالحقيقة والواقع وصرفوا أنظارهم عن الحقائق والشواهد التاريخية التي أثبتتها البحوث العلمية مما تدل على ان الإنجيل بين أيدينا تم تعديله عدة مرات من قبل العلماء المسيحيين. ومن هنا بدأ الصراع بين العلوم وعلماء الكنائيس الذي أضل العلوم إلى انكار وجود الله. وفي النهاية انهزمت هذه الحركة مع ان مفاهيم الظلم والقساوة والبربرية ارتبطت بهذا المصطلح.
فكل من ينتسب إلى الاصولية من الافراد والجماعات يمكن كما يراه الغرب أن يتخوف الناس منه ويخشونه ويتنفرون منه ولكن ليس من السديد وليس من المعقول ان يكون له صلة بالحكمة والصواب. كما ينبغي للحركات والمنظمات الإسلامية أن يفهموا أن من يسمونهم بالأصوليين فإنهم لا يريدون من ذلك إلا أن يثبتوا على مجتمعاتهم ان الأصوليين هم أعداء العقل وهدفهم الاساسي هو فرض عقائدهم ودينهم على الآخرين باستخدام القوة والطاقة فلابد من الحذر منهم!.
ومن هذا المنطلق كانت الحكمة تقتضي أن يظهر الجماعات الإسلامية براءتهم من علاقتهم بهذا المصطلح مطلقا وان يثبتوا عليهم باسلوب قوي ودلائل مؤثرة مناسبة بأن الإسلام دين أمن وسلام ولا صلة له بالإرهاب والتطرف حتى لا يوجد هناك كلمة واحدة في قاموس الإسلام تفرق بين الإرهابي وغير الارهابي وبين الأصولي وغير الأصولي ولا يبرر الإكراه والجبر في أمور الدين. بل الواقع ان الإسلام دين يحمل لواء العقل وحرية الضمير وقدم أمثالا رائعة عملية لا نظير لها في التاريخ. ولكن لسوء الحظ اختار منتسبو الجماعات الإسلامية موقفا انفعاليا نحو هذه القضية بدلا من مراعاتهم بما تقتضيه المصلحة والحكمة وطبيعة العمل، وبدأوا يعلنون بأعلى صوتهم انهم "أصوليون" ويعتزون ويفخرون بذلك وطالما يزيد الأمر خطرا عندما يبدي أي مسلم بعدم صلة الإسلام بهذا المصطلح يرمون عليه من كل حدب وصوب رمي الطن والاتهام. فهكذا وقع المسلمون في شبكة شبكها الغرب ضد الاسلام واختدعوا. ولكي نتمكن من إزالة هذا المفهوم الخاطىء اللاصق بجبين الاسلام يجب على القائمين بدعوة الاسلام أن يظهروا بالوعي والشعور وان يوضحوا بشكل مدلل وبراهين قاطعة بأن الاسلام لا يعرف كلمة تدل على الاصولية. فلا يبرر ا
لاسلام الإكراه في الدين بل الواقع ان الاسلام يدعو إلى عقائده الخالصة ودعوته الشاملة بالحكمة والموعظة الحسنة، فمن يجد في نفسه اقناعا تاما فالباب مفتوح ليدخل فيه، وإلا فله الحق بأن يبقى على ما هو عليه من دينه كما يقول الله عز وجل على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين}. ما لم نقم بهذا العمل الهام لا يمكن لنا أن نقدم الإسلام على الغرب فكل سعينا ومحاولاتنا تذهب هباء منثورا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.