هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ الهذلي. سادس من أسلم، وكان يسمع قريشا القرآن فيؤذونه ويضربونه، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه! فقال: دعوني فإن الله سيمنعني. فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام، فقال رافعا صوته: {بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن علم القرآن} فاستقبلها فقرأ بها، فتأملت قريش فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟ ثم قالوا: إنه ليتلوا بعض ما جاء به محمد، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله منها أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيه ويقربه، حتى ظن بعض الناس أنه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
هاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
وكان نحيفا فضحك الصحابة يوما من نحافة رجله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ”ما تضحكون؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل أحد ” . وكان عبد الله يقول: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته.
وسيره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة وكتب إلى أهل الكوفة: إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي.
توفي سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة ودفن بالبقيع.