الجواب : الحمد لله حمداً كثيراًوبعد : فإن حل هذه المشكلة – كغيرها – له جانبان :
جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي فيأتي من ناحيتين :
الناحية الأولى : أن يعلم المسلمعظمة مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( منصلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاةالفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً )
وقال : ( من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكمالله بشيء من ذمته ) ومعنى في ذمة الله : أي في حفظه وكلاءته سبحانه ، " والحديث رواه الطبراني. وقالأيضاً صلى الله عليه وسلم : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهارويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلمبهم : كيف تركتم عبادي ، فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون )
وفي الحديث الآخر : ( أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبحيوم الجمعة ، في جماعة ) رواه أبو نعيم وفي الحديث الصحيح : ( من صلّى البردين دخل الجنة ).والبردان الفجر والعصر .
ومن الأحاديث الدالة على خطورةفوات صلاة الفجر قوله صلى الله عليه وسلم : ( من صلّى الصبح فهو في ذمة الله ، فلايطلبنكم الله من ذمته بشيء ، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه فينار جهنم ) رواه مسلم ومعنى من يطلبه من ذمته بشيء يدركه أي من يطلبه اللهللمؤاخذة بما فرط في حقه والقيام بعهده يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب
هاتان الناحيتان كفيلتان بإلهاب قلبالمسلم غيرة ، أن تضيع منه صلاة الفجر فالأولى منهما تدفع للمسارعة في الحصول علىثواب صلاة الفجر ، والثانية هي واعظ وزاجر يمنعه من إيقاع نفسه في إثم التهاون بها .
وأما الجانب العملي في علاج هذه الشكاية فإن هناك عدة خطوات يمكن للمسلم إذااتبعها أن يزداد اعتياداً ومواظبة على صلاة الفجر مع الجماعة ، فمن ذلك :
1-التبكير في النوم : ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرهالنوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ، فلا ينبغي للمسلم أن ينام قبل صلاة العشاءوالمُشاهد أن غالب الذين ينامون قبل العشاء يمضون بقية ليلتهم في خمول وكدر وحالتشبه المرضى .
ولا ينبغي كذلك أن يتحدث بعد صلاة العشاء ، وقد بين أهل العلمسبب كراهية الحديث بعدها فقالوا : لأنه يؤدي إلى السهر ، ويُخاف من غلبة النوم عنقيام الليل ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو المختار أو الفاضل .
والمكروه من الحديث بعد صلاة العشاء كما قال الشراح : هو ما كان في الأمور التيلا مصلحة راجحة فيها ، أما ما كان فيه مصلحة وخير فلا يكره ، كمدارسة العلم ،ومعرفة سير الصالحين وحكايتهم ، ومحادثة الضيف ، ومؤانسة الزوجة والأولاد وملاطفتهم ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم وأنفسهم ، إلى آخر ذلك من الأسباب المباحة . فماالحال إذا تفكرنا فيما يسهر من أجله كثير من الناس اليوم من المعاصي والآثام إذنفعلى المسلم أن ينام مبكراً ، ليستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر ، وأن يحذر السهر الذييكون سبباً في تثاقله عن صلاة الفجر مع الجماعة .
حقاً إن الناس يتفاوتن فيالحاجة إلى النوم ، وفي المقدار الذي يكفيهم منه ، فلا يمكن تحديد ساعات معينةيُفرض على الناس أن يناموا فيها ، لكن على كل واحد أن يلتزم بالوقت الكافي لنوميستيقظ بعده لصلاة الفجر نشيطاً ، فلو علم بالتجربة والعادة أنه لو نام بعد الحاديةعشر ليلاً مثلاً لم يستيقظ للصلاة ، فإنه لا يجوز له شرعاً أن ينام بعد هذه الساعة .. وهكذا .
فعلى المسلم : أن يوصي زوجته مثلاً بأن توقظه لصلاة الفجر ، وأن تشدد عليه فيذلك ، مهما كان متعباً أو مُرهقاً ، وعلى الأولاد أن يستعينوا بأبيهم مثلاً فيالاستيقاظ ، فينبههم من نومهم للصلاة في وقتها ، ولا يقولن أب إن عندهم اختبارات ،وهم متعبون ، فلأدعهم في نومهم ، إنهم مساكين ، لا يصح أن يقول ذلك ولا أن يعتبرهمن رحمة الأب وشفقته ، فإن الرحمة بهم والحدَبَ عليهم هو في إيقاظهم لطاعة الله : (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليهم )
وكما يكون التواصي والتعاون على صلاة الفجربين الأهل ، كذلك يجب أن يكون بين الإخوان في الله ، فيعين بعضهم بعضاً ، مثل طلبةالجامعات الذين يعيشون في سكن متقارب ومثل الجيران في الأحياء ، يطرق الجار بابجاره ليوقظه للصلاة ، ويعينه على طاعة الله .
ومن المنبهات ما يكون عن طريق الهاتف ، ولا ينبغي للمسلم أن يستكثرما يدفعه مقابل هذا التنبيه ، فإن هذه نفقة في سبيل الله ، وأن الاستيقاظ لإجابةأمر الله لا تعدله أموال الدنيا .
فنضح الماءمن الوسائل الشرعية للإيقاظ ، وهو في الواقع منشط ، وبعض الناس قد يثور ويغضب عندمايوقظ بهذه الطريقة ، وربما يشتم ويسب ويتهدد ويتوعد ، ولهذا فلا بد أن يكون الموقظمتحلياً بالحكمة والصبر ، وأن يتذكر أن القلم مرفوع عن النائم ، فليتحمل منهالإساءة ، ولا يكن ذلك سبباً في توانيه عن إيقاظ النائمين للصلاة .
13– إيقاد السراج عند الاستيقاظ ، وفي عصرنا الحاضر إضاءة المصابيحالكهربائية ، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها .
15 – عدم إكثار الأكل قبل النوم فإن الأكل الكثير من أسباب النوم الثقيل ، ومنأكل كثيراً ، تعب كثيراً ونام كثيراً ، فخسر كثيراً ، فليحرص الإنسان على التخفيفمن العشاء .
16 – الحذر من الخطأ في تطبيق سنة الاضطجاع بعد راتبة الفجر ، فربماسمع بعض الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلّى أحدكم فليضجع على يمينه )رواه الترمذي
وما ورد من أنه صلى الله عليهوسلم كان إذا صلّى سنة الفجر يضطجع ، ثم يُؤذنه بلال للصلاة ، فيقوم للصلاة ، وربماسمعوا هذه الأحاديث ، فعمدوا إلى تطبيق هذه السنة الثابتة ، فلا يحسنون التطبيق ،بحيث يصلي أحدهم سنة الفجر ، ثم يضطجع على جنبه الأيمن ، ويغط في سبات عميق حتىتطلع الشمس ، وهذا من قلة الفقه في هذه النصوص ، فليست هذه الاضطجاعة للنوم ، فقدكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بلال للصلاة وهو مضطجع ، وكان أيضاً كما فيالحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن حبان إذا عرس ( قبل ) الصبح وضع رأسه على كفهاليمنى ، وأقام ساعده رواه أحمد ،وهذه الكيفية في النوم تمنع من الاستغراق ؛ لأن رأس النائم في هذه الحالة يكونمرفوعاً على كفه وساعده ، فإذا غفا سقط رأسه ، فاستيقظ ، زد على ذلك أن بلالاً كانموكلاً بإيقاظه صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر .
21 – أخيراً فإن الإخلاص لله تعالى هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة ،وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها ، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظالوجدان ، فهو كفيل بإذن بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة ، ولو نام قبل الفجربدقائق معدوادات .
ولقد حمل الإخلاص والصدق بعض الحريصين على الطاعة علىاستعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ تدل على اجتهادهم وحرصهم وتفانيهم ، فمنذلك أن أحدهم كان يضع عنده عدة ساعات منبهة إذا نام ، ويجعل بين موعد تنبيه كلواحدة والأخرى بضع دقائق ، حتى إذا أطفأ التي دقت أولاً دقت الثانية بعدها بقليلوهكذا ، وكان أحدهم يربط في يده عند النوم خيطاً ، ويدليه من نافذة غرفته ، فإذا مرأحد أصحابه ذاهباً إلى المسجد جذب هذا الخيط فيستيقظ لصلاة الفجر .
فانظر يارعاك الله ماذا يفعل الإخلاص والتصميم ، ولكن الحقيقة المرة هي أن ضعف الإيمان ،وقلة الإخلاص تكاد تكون ظاهرة متفشية في الناس اليوم ، والشاهد على ذلك ما نراه منقلة المصلين ونقص الصفوف في صلاة الفجر ، بالرغم من كثرة الساكنين حول المسجد فيكثير من الأحياء .
على أننا لا ننكر أن هناك أفراداً يكون ثقل النوم عندهمأمراً مرضياً قد يُعذرون به ، لأنه أمر خارج عن الإرادة فمثل هذا عليه أن يلجأ إلىالله بالتضرع ، ويستفيد ما استطاع من الوسائل الممكنة ، وأن يراجع الطبيب لمحاولةإيجاد علاج .
وأخيراً هذا تنبيه على أمر مشتهر بين الناس وهو زعمهم بأن هناكحديثاً مفاده أنّ من أراد الاستيقاظ لصلاة الفجر فعليه أن يقرأ قبل النوم آخر سورةالكهف ، وينوي بقلبه القيام في ساعة معينة ، فيقوم ، ويزعمون أن ذلك مجرب ، ونقوللهم : إنه لم يثبت بذلك حديث ، فلا عبرة به ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليهوسلم .
اللهم أعِنّا على القيام لصلاة الفجر كل يوم ..