الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة:10].
"لَيْسَ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ لِلِاسْتِبْعَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ؛ لِأَنَّ دَلَائِلَ إِمْكَانِهِ وَاضِحَةٌ لِكُلِّ مُتَأَمِّلٍ. وَلَكِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى إِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ هُوَ كُفْرُهُمْ بِلِقَاءِ اللهِ، أَيْ كُفْرُهُمُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ" (ابن عاشور).
الطبيب الأمريكي أنطوني جوستين – اكتشف أن الخلايا الجذعية في عظم عجب الذنب فيها ذرات تنتج الهيكل العظمي للجسم كاملًا، كما أن في كل عظم خلايا جذعية يمكن أن يتولّد منها عظم مشابه له! فصدق الله إذ يقول: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف من الآية:29].
من فوائد وهداية الآية:
– الكفار عندما أنكروا إمكانية عودتهم خلقًا جديدًا، كأنهم لم ينظروا إلى أول خلقهم من العدم! فينبغي على الإنسان إذا ما ارتقى في المجتمع واكتسب مكانة مرموقة، أن لا ينسى أصله وأهله وناسه! وأن لا يتعالى ولا يترفّع أو يتكبّر!
– الإنسان لمَّا ينسى الحساب يفعل ما يشاء في الدنيا، فيرتكب المحرمات ويظلم الناس ويأكل الأموال بالباطل، فالله سبحانه يُذكِّر الخلق بيوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم.
– اليقين بحقيقة اليوم الآخر تدفع المؤمن إلى الخوف من الله سبحانه، وبذل وسعه لفعل كل خير.
– الكفار قاسوا إنكارهم إمكانية إعادة الخلق مرةً أخرى، بعقولهم المحدودة، وعليه ينبغي أن لا نُطلِق العنان لعقولنا لتتدخل بكل شيء، إنما لها حدود بحسب الإدراك لا يُحسن بها تجاوزه.
– الحق أبلج والباطل لجلج، لا يستحق الإصغاء ولا الاستماع له، فلا تسمع لأهل الباطل كل ما يقولون وليكن لديك يقين ببطلان ما يعتقدون.
قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11].
– ينتشر لدى كثير من الناس أن اسم ملك الموت "عزرائيل!" وهذا غير صحيح، فلم يثبت من الأسماء إلا ملك الموت، وهذه من القضايا الغيبية التي لا يمكن أن تؤخذ بالرأي والاجتهاد أو الروايات الضعيفة والموضوعة، فما ورد في القرآن كما في الآية التي معنا هو "ملك الموت" وكذا في الأحاديث الصحيحة.
– في هذه الآية موعظة عظيمة وتذكرة جليلة، فالموت الفاجعة التي لا تماثلها فاجعة، والكارثة التي لا تدانيها كارثة، والمصيبة التي لا تقاربها مصيبة.
– الموت مُفرِّق الجماعات، ومُشتِّت القرابات، ومُيتِّم البنين والبنات، ولولا الموت لتنعم أهل النعيم بنعيمهم، ولكن الموت نغص عليهم هذا النعيم فهلَّا نعيمًا لا موت فيه؟!
– فالموت لا مفر منه، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:57]، وقال سبحانه: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء من الآية:78].
– قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما أصبح أحد إلا وهو ضيف، وماله عارية، فالضيف مرتحِل، والعارية مردودة".
– ولنعلم جميعًا يقينًا: أن كل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سينعى، وكل مذكورٍ سيُنسى، وكل مدخورٍ سيفنى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، وكل من شيّع جنازةً سيُشيَّع، وكل من غسّل ميتًا سيُغسّل، وكل من مشى في جنازةٍ سيُمشى في جنازته، وكل من حفر قبرًا سيُحفر له قبره، فلماذا الغفلة وطول الأمل والتكبّر والغرور وربنا سبحانه يقول: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ . الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7].
لمّا كان موضوع السورة الخضوع ومادتها اليقين، ذكر الله سبحانه في هذه الآية عدة مخوفات لحصول تلك الثمرة لمن تأمّل وتدبّر وألقى السمع وهو شهيد، منها:
– المبلغ لحقيقة المعاد والبعث بعد الموت هو النبي عليه الصلاة والسلام، {قُلْ} للكفار {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}، وهذا فيه تعظيم لتلك الحقيقة حتى يزداد أيضًا اليقين بها.
– ذكر الموت مع أن غاية الآية بالأصل إثبات المعاد والرجوع إلى الله، لكن لأنهم انشغلوا بالملذات وغرّتهم الحياة الدنيا غفلوا عن الموت فوقعوا بالتعلّق بالدنيا وإنكار لقاء الله، والموت الزائر الذي يأتي بلا استئذان، ولولاه لتنعم أهل الدنيا بدنياهم، وهو حق على كل نفس، وما ذكر في قليلٍ إلا كثّره ولا كثير إلا قلله!
-ذكر ملك الموت باسمه لزيادة اليقين بهذا الانتقال من الحياة إلى الموت، وهو من الملائكة العظام الذين{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم من الآية:6].
– {وُكِّلَ بِكُمْ}: أي: يرقبكم ولا يغفل عنكم، يلازمكم ولا ينصرف عنكم، بحيث لا مهربَ منه ولا فكَاك" (الشعراوي).
– في الآية انتقال والتفات من أسلوب الغائب {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا}، إلى المخاطب {يَتَوَفَّاكُمْ} دليل على أهمية الخضوع والتضرع وشدة التهديد بالموت ثم المعاد.
– {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} تفيد أن المعاد والحساب يحصل بعد الأمر الأول وهو الموت، وهنالك فترة زمنية يقضيها الإنسان في القبر!
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
أهلا وسهلا أختي العزيزة عفــــاف
حياك الله وبياك غاليتي
سعدت بمُشاركتك
جزاكِ الله خيرا لي عودة بإذن الله