لتعلم ان من الامور العظيمة المهمة لك معرفة (صفات واسماء وافعال الرب جل جلاله)… كما وردت في الكتاب والسنة… وبعد معرفتها… عليك تذكرها باستمرار… حتى تصير لقلبك بمنزلة المرئي… فتحقق بذلك مرتبة الاحسان{فتعبد الله كانك تراه… فان لم تكن تراه فانه يراك}، وبهذا تحيى القلوب الميتة… وتنقشع الغفلة… وتنشرح الصدور بنور التوحيد.
والرسل كلهم عرفوا بالله سبحانه من خلال التعريف:
باسمائه.. وصفاته.. وافعاله.. تعريفا مفصلا… حتى كان العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون اليه: وقد استوى على عرشه… فوق سماواته… عال على خلقه… قاهرا لكل شيء… يدبر امر مملكته… امرا ناهيا… باعثا لرسله.. منزلا لكتبه، فينزل الامر من عنده بتدبير مملكته… فيكلم عبده جبريل، ويرسله الى من يشاء… ملائكته يخافونه من فوقهم، وينفذون اوامره في اقطار ملكه… تصعد الامور اليه وتعرض عليه… له الامر وليس لاحد معه من شيء… بل الامر كله له، معبود.. مطاع.. لا شريك له ولا مثيل ولا عدل.. موصوف بصفات الكمال.. منعوت بنعوت الجلال.. منزه عن العيوب والنقائص.
وهو يتكلم سبحانه وتعالى.. ويامر وينهى.. ويتاذى ويفرح، ويسمع ويبصر.. ويرضى ويغضب.. ويحب ويسخط.. ويجيب دعوة المضطر من عباده.. ويغيث ملهوفهم.. ويعين محتاجهم.. ويجبر كسيرهم.. ويغني فقيرهم.. ويميت ويحيي. ويمنع ويعطي.. ويثيب ويعاقب.. مالك الملك يؤتي الملك من يشاء.. وينزع الملك ممن يشاء.. ويعز من يشاء.. بيده الخير.. وهو على كل شيء قدير( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون).
.. كل يوم هو في شان..
يغفر ذنبا.. ويفرج كربا.. ويفك عانيا.. وينصر مظلوما.. ويقصم ظالما.. ويرحم مسكينا.. ويغيث ملهوفا.ز ويسوق الاقدار الى مواقيتها، ويجريها على نظامها.. ويقدم ما يشاء تقديمه.. ويؤخر ما يشاء تاخيره.. فازمة الامور كلها بيده.. ومدار تدبير الممالك كلها اليه.. فله الجلال والجمال والكمال والعزة والسلطان.
يرحم اذا استرحم. ويغفر اذا استغفر.. ويعطي اذا سئل.. ويجيب اذا دعي.. ويقيل اذا استقيل.. قال صلى الله عليه وسلم: ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر.. فيقول: انا الملك، انا الملك.. من يدعوني فاستجيب له.. من يسالني فاعطيه.. من يستغفرني فاغفر له).
هو سبحانه وتعالى اكبرمن كل شيء.. واعظم من كل شيء.. واعز من كل شيء.. واقدر من كل شيء.. واعلم من كل شيء.. واحكم من كل شيء.. بصير بحركات العالم علويه وسفليه، واشخاصه وذواته، سميع لاصواتهم… رقيب على ضمائرهم واسرارهم، ويرى افعالهم وحركاتهم.. ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم.
سميع يسمع ضجيج الاصوات، باختلاف اللغات.. على تنوع الحاجات.. فلا يشغله سمع عن سمع.. ولا تغلطه المسائل.. ولا يتبرم بالحاح الملحين.. سواء عنده من اسر القول ومن جهر به، فالسر عنده علانية.. والغيب عنده شهادة.. في الليلة الظلماء.. ويرى ويسمع نبض عروقها.. ومجاري الطعام في اعضائها.
ملك عظيم يقول سبحانه وتعالى: ( يــا عبادي: انكم لن تبلغوا ضري فتضروني.. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.. يــا عبادي: لو ان اولكم واخركم، وانسكم وجنكم، كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يــا عبادي: لو ان اولكم واخركم، وانسكم وجنكم، كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يــا عبادي: لو ان اولكم واخركم، وانسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسالوني فاعطيت كل واحد مسالته ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر).
فاذا علمت انه لا رب غيره.. ولا يملك الضر والنفع والعطاء والمنع الا هو، فعليك بالسعي في طلب الوصول اليه بفعل الواجبات والنوافل.. وترك المحرمات والغفلة، فانك ان فعلت فتح لك ابواب الخير والايمان والتقوى( يقول تعالى: ما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه، فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سالني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه).
وبتذكرك اسماء الله وصفاته وافعاله دائما وبالليل والنهار ينشا نور الايمان في قلبك.. يريك ذلك النور انك واقف بين يدي ربك عزوجل، فتستحي منه في خلواتك
وجلواتك… وترزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب.. ودوام التطلع الى حضرة العلي العظيم.. حتى كانك تراه وتشاهده من فوق سماواته.. مستويا على عرشه.. ناظرا الى خلقه.. سامعا لاصواتهم.. مشاهدا لبواطنهم.. فاذا استولى عليك هذا الشاهد ازال عنك هموم الدنيا قبل جنته التي في الاخرة.
فتامل وتفكر واقرا هذا الكلام لتشاهد ربك في الدنيا بعيني قلبك، وسوف تراه يوم القيامة ببصرك فانه ( اذا دخل اهل الجنة الجنة. يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا ازيدكم؟ فيقولون: الم تبيض وجوهنا؟ الم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف سبحانه وتعالى الحجاب، فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم عزوجل).
واما ( من كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا)… ( فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).