وهذه صورة مودع -أيها الأحبة- وهو يودع رمضان في آخر ليلة من رمضان، كأني بمودع مفجوع وهو يراقب بعينيه رحيل الحبيب، وقد تلاشى خياله من بعيد، يصرخ فيقول: شهر رمضان، وأين هو شهر رمضان؟ ألم يكن منذ أيام بين أيدينا؟ ألم يكن ملء أسماعنا وملء أبصارنا؟ ألم يكن هو حديث منابرنا؟ ألم يكن هو زينة منائرنا؟ ألم يكن هو بضاعة أسواقنا، ومادة موائدنا، وحياة مساجدنا؟ فأين هو الآن؟ ارتحل وخلفنا، كسيرة أنفسنا، دامعة أعيننا، ثم أخذ ينوح فيقول: أيا شهرنا الكريم! وموسم خيرنا الوسيم، أيا شهر المكرمات! انجابت فيك الظلمات وتضاعفت فيك الحسنات، وفتحت أبواب السماوات، فآه ثم آه على الفراق، أيا شهرنا الذي هيم نفوسنا، وخرق قلوبنا، وأدمع عيوننا، ثم أجهش بالبكاء وفاضت عيناه بالدموع. فقلت: سبحان الله! لكل محب حبيبٌ، ورمضان حبيب الصالحين.
تذكرت أياماً مضت ولياليـا خلت فجرت من ذكرهن دموع
ألا هل لها يوم من الدهر عودة وهل لي إلى يوم الوصال رجوع
وهل بعد إعراض الحبيب تواصل وهل لبدور قد أفلن طلوع؟
أيها المسلمون! بعد رحيل شهركم أكثروا من الاستغفار فإنه ختام الأعمال الصالحة، فقد كتب
سلام من الرحمن كل أوان على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنـه أمان من الرحمن أي أمان
ترحلت يا شهر الصيام بصومنا وقد كنت أنواراً بكل مكان
لئن فنيت أيامك الزهر بغتـة فما الحزن من قلبي عليك بفان
عليك سلام الله كن شاهداً لنا بخير رعاك الله من رمضان
رمضان كان نهارك صدقةً وصياماً، وليلك قراءةً وقياماً، فإليك منا تحيةً وسلاماً، أتراك تعود بعدها علينا، أو يدركنا المنون فلا تئول إلينا، رمضان سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر. ها هو شهر رمضان، رحل عنا بعد أن انقضت أيامه وتصرمت لياليه، ولسان حال
فيا شهر الصيام فدتك نفسـي تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدري إذا ما الحول ولـى وعدت بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حياً أو أنك تلقني في اللحد بالي
أيها الأحبة! هذه مشاعر وتوجيهات عن رحيل رمضان، قصدت تأخيرها بعد رمضان بأيام؛ لنرى ونشعر بالفرق الكبير بين حالنا في رمضان وحالنا هذه الأيام على قلتها، فكيف يا ترى بحالنا بعد شهر وشهرين وأكثر؟! والعاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور، رغم أنني أكرر وأؤكد أننا لا نطالب النفوس أن تكون كما هي في رمضان، ولكننا نطالبها بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، وتذكر الله وخوفه والصلة به، ولو كانت هذه الطاعات قليلة، فقليل دائم خير من كثير منقطع. اللهم يا حي يا قيوم إن كان بسابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر المبارك، فاجمعنا فيه يا حي يا قيوم، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه، فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا. اللهم تقبل منا رمضان، واعف عنا ما كان فيه من تقصير وغفلة، واجعلنا فيه من الفائزين. اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، لا حول لنا ولا قوة لنا إلا بك. اللهم لا حول لنا ولا قوة لنا إلا بك فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أيا شهر الصيام فدتك نفسي
ياشهر الصيام فدتك نفسي
يا شهر رمضان ترفق
ها هو ذا رمضان يمضي
وقد شهدت لياليه أنين المذنبين، وقصص التائبين،
وعبرات الخاشعين
وأخبار المنقطعين.
وشهدت أسحاره استغفار المستغفرين،
وشهد نهاره صوم الصائمين وتلاوة القارئين،
وكرم المنفقين.
إنهم يرجون عفو الله
علموا أنه عفو كريم يحب العفو فسألوه أن يعفو عنهم.
يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تُدفق،
قلوبهم من ألم الفراق تشقق،
عسى وقفة للوداع أن تطفئ من نار الشوق ما أحرق،
عسى ساعة توبة وإقلاع أن ترقع من الصيام ما تخرق
عسى منقطع عن ركب المقبولين أن يلحق
عسى أسير الأوزار أن يطلق،
عسى من استوجب النار أن يعتق،
عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق
لما عرف العارفون جلاله خضعوا،
و لما سمع المذنبون بعفوه طمعوا
وما ثمَّ إلا عفو الله أو النار.
لولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت
قلوبهم باليأس من الرحمة
ولكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه.
كان أحد الصالحين يدعو قائلاً:
( جرمي عظيم، وعفوك كبير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم )
هذا دعاء الصالحين، وهكذا قضوا رمضان،
فلهم الحق أن يبكوا في ختامه
لما له من لذة في قلوبهم، ومع ذلك فهم وجلون من ربهم
خائفون من الرد وعدم القبول، يعلمون أن المعوَّل عليه القبول لا الإجتهاد
وأن الإعتبار بصلاح القلوب لا بعمل الأبدان.
كم من قائم محروم ! ومن نائم مرحوم!
هذا نام وقلبه ذاكر، وذاك قام وقلبه فاجر
لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات
والاجتهاد في الصالحات، مع سؤال الله القبول
والاشتغال بما يصلح القلوب، وهذا دأب الصالحين.
يا من ضاعت منه ليال من رمضان !!
وفاتتهم الفرصة؛ فأضاعوه في اللهو والباطل؟
توبوا إلى ربكم فما يزال ربكم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
ما زال باب التوبة مفتوحاً، فإلى ربكم أنيبوا.
فإن كانت الرحمة للمحسنين فالمسئ لا ييأس منها
وإن تكن المغفرة مكتوبة للمتقين
فالظالم لنفسه غير محجوب عنها
وقد قال الله سبحانه
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
إنتبه,,, لا يضع منك عمرك
اختمه بتوبة عسى أن يختم أجلك بالحسنى
يا أيها العاصي – وكلنا ذلك –
لا تقنط من رحمة الله لسوء عملك
فكم يُعتقُ من النار في ختام الشهر من أمثالك.
اصدق مع الله يصدقك، وأحسن الظن بربك
وتب إليه؛ فإنه لا يهلك على الله إلا هالك.
..وها هي العشر الأواخر أقبلت ..
‘ مَنْ قَام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ‘
.. لنجتهد بالقيام فيها .. فإنما هي أيام قلائل ..
ثم تنقضي وتزول .. ويبقى الفوز بأعظم الأجور ..
‘ العتق من النيران , وغفران ما تقدم من الذنوب ‘
ولنردد في نهار العشر ولياليه بقولنا :
‘ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ‘
إخواني أخواتي الأحباء
لنساهم في نشر هذا المقال
ليتدارك من فاتته الليالي بالموعظة الحسنة
و لنبث الأمل في قلوب من أمتلأت قلوبهم حسرات
منقووووووووووول