قال الله _تعالى_: "وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ" ما سر هذه الريح أين فصلت؟ قالوا: فصلت، أي: خرجت من مصر ودخلت في حدود الشام، عندها قال يعقوب _عليه السلام_ للحاضرين من أهله وأبناء بنيه: "إني لأجد ريح يوسف"، قال الرازي: "التحقيق أن يقال: إنه _تعالى_ أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات لا وصول الرائحة إليه من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة، فيكون معجزة ولا بد من كونها معجزة لأحدهما، والأقرب أنها ليعقوب _عليه السلام_، حين أخبر عنه ونسبوه في هذا الكلام إلى ما لا ينبغي، فظهر أن الأمر كما ذكر فكان معجزة له"، وهذا هو الظاهر فإن المعجزة إن كانت ليوسف _عليه السلام_ لكانت لوجد ريح قميصه القاصي والداني، ولكن الإعجاز كان في شم يعقوب أو في وصول الريح له خاصة.
فدلت هذه الآية على اعتبار نفوس الناس وأهمية تهيأتها عند التعامل معهم، وأوضحت المعجزة أهمية المقدمات للأخبار المفاجئة، وهكذا فعل يوسف _عليه السلام_ مع إخوانه قبل أن يخبرهم أنه هو يوسف وهو خبر مفاجئ بالنسبة لهم فمهد بخلقه ودله وسمته، ثم مهد بسؤال فقال: "هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ" [يوسف:89] فتبادر الأمر الواقع إلى أذهانهم، وهنا كانت ريح القميص تمهيداً ليعقوب _عليه السلام_ فشم الرائحة قبل وصول الخبر، وتلك من إرهاصاته.
فالأخبار إذا جاءت فجأة فقد يكون لها تأثير وانعكاسات على النفس لا تحمد عقباها، وهذا يؤكد أهمية العناية بالقضايا النفسية، فإذا رأيت مبتلى أصابته مصيبة لم تكن له في حسبان، فالكَيْس الكَيْس، انظر كيف تخبره وتدرج عليه وقع الأمر شيئاً فشيئاً، وربما راعى بعض الناس هذا في الأخبار المحزنة وغفل عن مراعاته في الأخبار المسعدة، وكم وقعت بسبب خبر سار مفاجئ لم يتوقعه المرء انعكاسات سلبية.
وقد أثبت المؤرخون ورواة الأقاصيص خبر من فجئ بالخبر السعيد فمات، وخبر من فقد عقله بالكلية، وخبر من فقد صوابه في موقفه، وربما كانت تلك الأخبار التي يذكرها المؤرخون لها أسباب معقولة مقدرة، ويغني عنها ويشهد للمعنى الذي نريد منها ما يتناقل من أخبار بعض الرياضيين، فمن ميت كمداً بسبب هدف دخل مرمى فريقه- الذي ربما فاز بعد! ومغمى عليه سعادة بسبب هدف أصابه فريقه، الذي ربما انهزم(1) بعد!
وهذا وإن دل على سفه العقول إلاّ أنه يبين أثر المفاجأة المسعدة أو المحزنة على بعض الناس، ولاسيما إذا ضعف القلب ورق، إما لأمور عادية من نحو مرض وكبر سن وغيرهما، أو لأمور أخرى كتراكب هموم، وضعف نفس. والشاهد أن في تلك التهيئة لتلقي النبأ درس تربوي جدير بالتأمل.
فاحرص أخي الكريم إن جئت بخبر ثقيل على ألا تدق به عنق من تخاطب، وتذكر أنك بحاجة إلى تذكر ذلك في حال السراء والضراء، والله أسأل أن يحفظنا وإياكم، وأن يعافينا ويعفو عنا، وأن يرزقنا الكيس في الأمور كلها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
درر وعبر..
بارك الله فيكِ أختي دانة البحر على النقل الطيب..
وجعل ماكتبتيه في ميزان حسناتك …
وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين …
الله يجزاكم ألف خير على مروركم
افضله كثيرة علينا ومشكورة على الايضاح
فاحرص أخي الكريم إن جئت بخبر ثقيل على ألا تدق به عنق من تخاطب، وتذكر أنك بحاجة إلى تذكر ذلك في حال السراء والضراء،
نقل طيب..
أثابكِ الرحمن.. وجزى شيخنا الفاضل ناصر العمر خير جزاء..
فالأخبار إذا جاءت فجأة فقد يكون لها تأثير وانعكاسات على النفس لا تحمد عقباها،
كلام سليم
جزاك الله خير وبارك فيك على النقل الطيب,,