تخطى إلى المحتوى

التمسوها في العشر الأواخر 2024.


المصدر: أ· عبد الحميد زوبيري / إمام أستاذ مسجد التوبة/ الجزائر

ها نحن نعيش بإذن المنان الثلث الأخير لرمضان، والذي حباه الله بمزايا أعظم من سابقيه، أجزل فيه الثواب والمنح ما لم يعطه في الثلثين السابقين، لذلك كان الصادق الأمين يجتهد فيها ما لم يجتهد في غيرها·
تصف أم المؤمنين عائشة حاله في تلك الليالي بقولها (كان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)· إنها أعمال ثلاث كان يقوم بها، فقد كان يحي ليله بالعبادة والذكر والطاعة، مع إيقاظ أهله للصلاة كما أخبرت بذلك أم سلمة (لم يكن صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه) رواه ابن ماجه، مع اعتزال النساء لاشتغاله بالعبادة وسنة الاعتكاف·
والسر في ذلك يكمن في أمرين:
الأول: أن هذه العشر ختام الشهر المبارك، والأعمال بخواتيمها، ولهذا كان من دعائه عليه الصلاة و السلام (اللهم اجعل خير أيامي يوم لقائك وخير عمري آخره وخير عملي خواتمه)·
الثاني: أن فيها ليلة القدر المباركة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (إن هذا الشهر قد أظلكم وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجه·
وسميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمر السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغيره· قال ابن عباس رضي الله عنه يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من الرزق والمطر والحياة والموت·· وقد سميت بذلك لعظمها وقدرها لأن للطاعات فيها ثواب جزيل·
إن لهذه الليلة مزايا منها:

1- نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا مصداقا لقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر)· قال ابن عباس رضي الله عنه نزل القرآن في شهر رمضان ليلة القدر في ليلة مباركة جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا·
2- هي خير من ألف شهر·
والمعنى أن العمل فيها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر·
قال أبو العالية رحمه الله ليلة القدر خير من ألف شهر لا يكون فيه ليلة القدر·

3

– نزول الملائكة·
أن الملائكة تهبط في كل سماء إلى الأرض يؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، وفي الأثـر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (إذا كان ليلة القدر نزل جبريل مع كوكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى)
4- السلامة من الشر
مصداقا لقوله تعالى (سلام هي حتى مطلع الفجر) قال مجاهد رحمه الله: هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى·
5- غفران الذنوب·
وذلك فمن قامها إيمانا واحتسابا فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)

ولقد وقع الخلاف الخلاف في تعيينها إلى أزيد من أربعين قولا، إلا أن الذي عليه معظم العلماء ويؤيده النص· إنها ليلة سبع وعشرين لحديث زر بن حبيش قال (قلت لأبي بن كعب إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكنه أراد أن لا يتكل الناس، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين قال: قلت بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: الآية التي أخبرنا بها رسول الله أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها) رواه مسلم والترمذي·
-أن لهذه أمارات منها:
1- أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، قال عليه الصلاة و السلام: (تطلع الشمس صبيحتها ليس لها شعاع) بن ماجه·
2- إنها ليلة صافية متلألئة لها نور (انها ليلة سبحة بلجة) ابن ماجه·
3- لا حر فيها ولا برد (لا حارة ولا باردة) ابن ماجه
– أنه يسن لمن أدركها الدعاء، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها انها قالت: (يا رسول الله أرأيت إن علمت في ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك تحب العفو فاعف عني) رواه الترمذي واحمد·

جزاك اللله خير

– بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الراجح الذي عليه جمهور العلماء أن ليلة القدر تكون في شهر رمضان، وأنها في العشر الأواخر منه، وأما تحديدها في العشر الأواخر فمختلف فيه تبعا لاختلاف الروايات الصحيحة، والأرجح أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر، وأرجح ليلة لها هي ليلة السابع والعشرين .
– وفضلها عظيم لمن أحياها ، وإحياؤها يكون بالصلاة، والقرآن، والذكر، والاستغفار، والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وصلاة التراويح في رمضان إحياء لها.

* يقول فضيلة الشيخ سيد سابق رحمه الله :
– للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة؛ فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر.
– وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين، روى أحمد – بإسناد صحيح – عن ابن عمر – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : " من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين"، وروي مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي -وصححه- عن أبيِّ بن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان – يحلف ما يستثني – والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ".

* ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
– قد نَوَّه القرآن، ونَوَّهَت السُّنَّة بفضل هذه الليلة العظيمة، وأنزل الله فيها سورة كاملة: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تَنَزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر ).
– عَظَّمَ القرآنُ شأنَ هذه الليلة، فأضافها إلى (القدر) أي المقام والشرف، وأي مقام وشرف أكثر من أن تكون خيرًا وأفضل من ألف شهر. أي الطاعة والعبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
– وألف شهر تساوي ثلاثًا و ثمانين سنة وأربعة أشهر، أي أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه إنسان عمره ما يقارب مائة سنة، إذا أضفنا إليه سنوات ما قبل البلوغ والتكليف.

– وهي ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر.
– وفي السُنة جاءت أحاديث جمة في فضل ليلة القدر، والتماسها في العشر الأواخر ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري في كتاب الصوم.
– ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها، فيحرم المسلم من خيرها وثوابها، فيقول لأصحابه، وقد أظلهم شهر رمضان: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" (رواه ابن ماجه من حديث أنس، وإسناده حسن كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته -2247).

* وكيف لا يكون محرومًا من ضيع فرصة هي خير من ثلاثين ألف فرصة؟.
إن من ضيع صفقة كان سيربح فيها 100% يتحسر على فواتها أيّما تحسر، فكيف بمن ضيع صفقة كان سيربح فيها 3000000% ثلاثة ملايين في المائة؟!

* أي ليلة هي ؟
– ليلة القدر في شهر رمضان يقينًا، لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، وهو أنزل في رمضان، لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة: 185).
– والواضح من جملة الأحاديث الواردة أنها في العشر الأواخر، لما صح عن عائشة قالت: كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -726.
– وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال: " إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها – أو نسيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر" (متفق عليه، المصدر نفسه -724). وفي رواية: "ابتغوها في كل وتر " (نفسه 725).
ومعنى (يجاور): أي يعتكف في المسجد، والمراد بالوتر في الحديث: الليالي الوترية، أي الفردية، مثل ليالي: 21، 23، 25، 27، 29.

– وإذا كان دخول رمضان يختلف – كما نشاهد اليوم – من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.

– ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان، فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر" (متفق عليه، عن ابن عمر، المصدر السابق -723). وعن ابن عمر أيضًا: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي " رواه أحمد ومسلم والطيالسي عن ابن عمر كما في صحيح الجامع الصغير 1242.
– والسبع الأواخر تبدأ من ليلة 23 إن كان الشهر 29 ومن ليلة 24 إن كان الشهر 30 يومًا.

– ورأي أبي بن كعب وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان، وكان أُبَىّ يحلف على ذلك لعلامات رآها، واشتهر ذلك لدى جمهور المسلمين، حتى غدا يحتفل بهذه الليلة احتفالاً رسميًا.
– والصحيح: أن لا يقين في ذلك، وقد تعددت الأقوال في تحديدها حتى بلغ بها الحافظ ابن حجر 46 قولاً.

– وبعضها يمكن رَدُّه إلى بعض. وأرجحها كلها: أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، وعند الجمهور ليلة سبع وعشرين (فتح الباري -171/5 ط. الحلبي).
– ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهر كله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وفي هذا خير كثير للفرد وللجماعة.
– وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الإجابة في يوم الجمعة، لندعوه في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب؛ لندعوه بأسمائه الحسنى جميعًا.

– روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين ( أي تنازعا وتخاصما ) فقال: " خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت ( أي من قلبي فنسيت تعيينها ) وعسى أن يكون خيرًا لكم ".


* علامات ليلة القدر:
– وقد ورد لليلة القدر علامات، أكثرها لا يظهر إلا بعد أن تمضى، مثل: أن تظهر الشمس صبيحتها لا شعاع لها، أو حمراء ضعيفة……إلخ.
ومثل: أنها ليلة مطر وريح، أو أنها ليلة طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، إلخ ما ذكره الحافظ في الفتح.
– وكل هذه العلامات لا تعطي يقينًا بها، ولا يمكن أن تَطَّرد، لأن ليلة القدر في بلاد مختلفة في مناخها، وفي فصول مختلفة أيضًا، وقد يوجد في بلاد المسلمين بلد لا ينقطع عنه المطر، وآخر يصلي أهله صلاة الاستسقاء مما يعاني من المَحْل، وتختلف البلاد في الحرارة والبرودة، وظهور الشمس وغيابها، وقوة شعاعها، وضعفه، فهيهات أن تتفق العلامات في كل أقطار الدنيا.

– ومما بحثه العلماء هنا: هل تعتبر ليلة القدر ليلة خاصة لبعض الناس، تظهر له وحده بعلامة يراها، أو رؤيا في منام، أو كرامة خارقة للعادة، تقع له دون غيره؟ أم هي ليلة عامة لجميع المسلمين بحيث يحصل الثواب المرتب عليها لمن اتفق له أنه أقامها، وإن لم يظهر له شيء؟.
لقد ذهب جمع من العلماء إلى الاعتبار الثاني، مستدلين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه : " من يقم ليلة القدر فيوافقها.." رواية لمسلم .

* ما يقال في هذه ألليله :
– وبحديث عائشة: أرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟. فقال: " قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني" رواه ابن ماجه والترمذي . وفسَّروا الموافقة بالعلم بها، وأن هذا شرط في حصول الثواب المخصوص بها.

– ورجح آخرون معنى يوافقها : أي في نفس الأمر، إن لم يعلم هو ذلك، لأنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء، ولا سماعه، كما قال الإمام الطبري بحق.
– وكلام بعض العلماء في اشتراط العلم بليلة القدر كان هو السبب فيما يعتقده كثير من عامة المسلمين أن ليلة القدر طاقة من النور تُفتح لبعض الناس من السعداء دون غيرهم. ولهذا يقول الناس: إن فلانا انفتحت له ليلة القدر، وكل هذا مما لا يقوم عليه دليل صريح من الشرع.

– فليلة القدر ليلة عامة لجميع من يطلبها، ويبتغي خيرها وأجرها، وما عند الله فيها، وهي ليلة عبادة وطاعة، وصلاة، وتلاوة، وذكر ودعاء وصدقة وصلة وعمل للصالحات، وفعل للخيرات.
– وأدنى ما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه في تلك الليلة: أن يصلي العشاء في جماعة، والصبح في جماعة، فهما بمثابة قيام الليل.
– ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: " من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله " رواه أحمد ومسلم واللفظ له، صحيح الجامع الصغير -6341.
– والمراد: من صلى الصبح بالإضافة إلى صلاة العشاء، كما صرحت بذلك رواية أبي داود والترمذي: " من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة " المصدر السابق -6342.

والله تعالى أعلم

منقول

و جزاك أخيتي خيرا كثيرا على المتابعة الطيبة
شكراً لكي

وجزاكي الله الفردوس الأعلى

بارك الرحمن فيكِ على هذا النقل المهم والشامل وبلغنا وإياكم ليلة القدر ووفقنا فيها لما يحب ويرضى ..
بارك الله بك

وجزاك الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.