حتى لا يضيع العمر سدى
في بقعة ما في النفس البشرية يقع التردد ، وهناك بين الحيرة والخوف يستقر، وتاريخه محفور في عمر الزمان منذ بدء الخليقة.
فعندما خلق الله آدم عليه السلام جعله مخيرا فيما يقوم به من أفعال ، فرغم أنه سبحانه وتعالى قادر على منعه الأكل من الشجرة،
إلا أنه ترك له الخيار، ولكنه حذره قبلها بقوله تعالى "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"البقرة 35،
فأقام الله عز وجل عليه الحجة وأعطاه في نفس الوقت الإرادة الإنسانية التي ورثها عنه أبنائه، قالى تعالى :
"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"الكهف 29
ومن هذه الإرادة نشأ التردد. فالتردد وعكسه التسرع هو ديدن كثير من الناس عند مواجهة الخيارات
المتعددة التي نمر بها يوميا… مثلا عند اختيار وجبة بين وجبات شهية كثيرة متاحه…أو عند شراء
ثوب إذا تعددت الخيارات المناسبة …أو عند الاختيار بين مكانين للتسوق أو للتنزه..
نعم شيء وارد الحدوث أن تتردد، فالتردد سمة من سمات النفس البشرية التي تسعى نحو الكمال فهي تفاضل بين الخيارات لتحصل على الأفضل دائما.
فترى الطالب يختار بين الجامعات وتراه مترددا بينهم يريد لنفسه الأفضل فى المستوى
العلمي الذي يساعده فيما بعد للتقدم في حياته العملية، وترى العروس الشابة مترددة في اختيارها لشريك حياتها ،
إنه قرار مصيري قد تسعد أو تشقى به.
كل هذا مباح ومسموح بل ومستحب فى كثير من الأحيان وهنا يطلق على التردد صفة التروي فى اتخاذ القرار ، يمدح فاعله ولا يذم.
ولكن عندما يقف التردد عقبة في طريق صاحبه ويؤدي به إلى تضييع الكثير والكثير من
الوقت بلا حراك في انتظار اختيار القرار المناسب، هنا يصبح التردد بلاء على صاحبه، يقيده ويجعله عاجزا !!
انظروا معي إلى مها:
فهي شابة جميلة حديثة الزواج، آفتها التردد : إذا قامت في الصباح
انطلقت نحو الهاتف أمي أنا متردده : ماذا أطبخ ؟بازلاء أم بطاطس ؟؟
وإذا أرادت الخروج للتسوق وقفت أمام المرآة ساعة كاملة لتقرر ماذا
ترتدى وربما يمر النهار دون أن تقرر فيضيع عليها اليوم دون أن تفعل
شيئا !!! ولكن الطامة الكبرى حين طلب منها زوجها السفر معه إلى
الخارج فأخذ بها التردد مبلغا كبيرا بين أن تضحي بوظيفتها من أجل
السفر مع زوجها أو تجلس في بلدها حتى يتم تثبيتها في وظيفتها
وتراها تتصل بكل من تعرف كي تسأله عن رأيه في هذا الموضوع
المحير من وجهة نظرها ، حتى رحل زوجها وتركها بين حيرتها و ترددها ، قال لها "عند اتخاذك القرار أعلميني "
لتنطلق إلى الهاتف وتستشير إحدى صديقاتها هل أنا على خطأ ام صواب؟؟؟
ولأن التردد المبالغ فيه قد يؤدي بصاحبه إلى المهالك ، خاصة إذا كانيتقلد منصبا حساسا يتطلب منه إتخاذ القرار المناسب بحسم ودون
تردد : فقد قامت العديد من الدول بإنشاء معاهد لإعداد القادة ، والتي
يتعلمون فيها كيف يفاضلون بين الخيارات بسرعة مع تقليل معامل
الخطأ، فالقائد في ميدان القتال لايسعفه الوقت للتردد، وحتى يصبح
النصر حليفه لابد له من جنود يستطيعون المفاضلة بين الخطط
والقدرة على تغييرها أيضا إذا استجد ظرف ما وهو كثيرالحدوث في ميادين القتال.
في إحدى القصص الحقيقية التي حدثت في ميدان قتال: كانت
الخطة تعتمد على خمسة أفراد لتفجير مخزن للذخيرة يمتلكه العدو،
ولكن أثناء الإسقاط الجوي حدث أن أحد الجنود لم يستطع التحكم
في مظلته، اضطر للهبوط في مكان غير مناسب فكشف عن زملائه وضاع عنصر المفاجأة !!!!!
لكن لأنه لا وقت للتردد اختار الجميع الهجوم المباشر رغم توقع
الخسائر البشرية ، استطاعوا ببسالة تفجير الموقع بعد فقدان أربعة
منهم ، نعم لم يترددوا فى التضحية بحياتهم، ولا اختاروا الاستسلام
أو حتى الانسحاب لأنهم تدربوا على دفع الحيرة جانبا وإتخاذ القرار دون تردد.
أخبرني جراح شاب يخطوا أولى خطواته على سلم التألق والمجد قصته :
تصبب العرق على جبيني غزيرا وأنا أحاول أن أتخذ قرارا حاسما ، حدقت بي الممرضة وقالت :لا وقت للتردد دكتور ، المريضة على مشارف الموت كانت أجهزة القياس كلها تصرخ معلنة سوءالحالة الصحية للمريضة التي استقرت أحشائها بين يدي وأنا أحاول اتخاذ القرار الحاسم ، متردد كالعادة ، وترددي هذه المرة سيكلفني غاليا، حياة إنسان.
"على بركة الله "
تمتمت بها وأخذت أستأصل الأورام التي ترددت في إستئصالها خوفا على حياة المريضة ،
كل ذلك وأنا أراقب المؤشرات الحيوية للمريضة ، وجزء من عقلي يبحث عن حل للتردد الذي يلازمني طول حياتي،
بل وأصبح يهدد حياتي العملية أيضا.
ولعلكم تتسائلون : هل يجب علينا أن نلتحق بمعهد من تلك المعاهد حتى نستطيع أن نقرر بحياتنا ما نريد بلا تردد ؟
الإجابة :لا بالتأكيد
إنما أدعوكم أولا إلى الحل الرباني الذي سبق معاهد إعداد القادة بقرون :
يقول الحق سبحانه وتعالى:"وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" آل عمران 159
والعزيمة تنفي التردد، الله سبحانه الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه،
يعلم أن التردد سيصيبه يوما لتعدد الخيارات أمامه ، فأرشده إلى الخطوات اللازمة إذا حزبه أمر وتردد أمامه :
أولها : الشورى ، سؤال من لديهم الخبرة والعلم حتى لا يقع في أخطاءقد يندم عليها ، إن كان أمر مصيري يعتمد عليه استقراره وهناؤه.وثانيها : وهذا من السنة النبوية الشريفة : الإستخارة :
وثالثا : العزيمة : إذا أخذت قرارا فنفذه بلا تردد ولا تخف من اختيارك وثق أنه ما أخطأك لم يكن ليصيبك ،
لأن كل شيء يسير بهذه الدنيا بقدرة الله ، فإن كنت مخيرا في بعض الأشياء في هذه الدنيا فثق أنه بالنهاية لن تقوم إلا بما كتب عليك فى اللوح المحفوظ.
أحبتي فى الله:
إن التردد الشديد لخطر عظيم يضيع معه الوقت وتتعطل بسببه المصالح ،
وقد يوقع صاحبه في المهالك إن كان في أمر من أمور الدين وتأمل معي صفة المنافقين فى القرآن الكريم، قال تعالى :
"مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا". النساء:143
نعم ترددوا في اتباع طريق الحق ، فاستحقوا وصف النفاق وضاع عمرهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا،
حتى لا يضيع العمر سدى : اعرض أي أمر على قلبك وعقلك وقبلها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
تقطع التردد باليقين وترضى عن كتابك يوم القيامة إذا قيل لك:
" اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا "الإسراء-
14اللهم ارزقنا الثبات على الأمر والعزيمة في الرشد اللهم آمين.
.
ما شاء الله تبارك الله
سلمت الأيادي التي خطت هذه الكلمات الرائعه المفيده
غاليتي رضروضه
لي عوده قريبه ان شاء الله للمداخله .
غاليتي مشكورة على هذا الموضوع الرائع جدا
حيث فعلا في الكثير من يعاني من حالة التردد
الله يوفقك ويسعدك يارب
وجزاك الله خيرا
ايه الموضوع الرائع ده
والله جاء فى وقته بالنسبة لى
تسجيل حضور
ولى عودة للتعليق المفصل
دمتى لنا يا قمر
كتبت فأبدعت عزيزتي
أنا أكره التعامل مع الاشخاص المترددين
لأنهم متعبون .
وأغلب المترددين اتكاليين لذا علينا أن نتركهم لوحدهم عند الازمة حتى يتعودا أن يعتمدوا على أنفسهم في المرات او الازمات القادمة .
الشخص المتردد هو شخص متعب في كل الاحوال لأن الحيرة تتعب القلب والنفس والعقل معا
وسبحان الله الاحظ أن معظم المترددين دائما حظهم سيء في الشراء فنجده من كثرة الحيرة والتردد بين شيئين يختار الشيء الأسوء والغير مناسب .
مهما وضعنا حلولا للاشخاص المترددين ارى أن الطبع غلب التطبع
تحياتي وتقديري لك عزيزتي
موضوع جميل جدا