أولا : مظاهر تأثير القرآن الكريم في أعدائه
المظهر الأول :
أن هؤلاء المشركين مع حربهم له ، ونفورهم مما جاء به كانوا يخرجون في جنح الليل البهيم يستمعون إليه والمسلمون يرتلونه في بيوتهم فهل ذاك إلا لأنه استولى على مشاعرهم ، ولكن أبى عليهم عنادهم وكبرهم وكراهتهم للحق أن يؤمنوا به { بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون } .
المظهر الثاني :
أن أئمة الكفر منهم كانوا يجتهدون في صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءته في المسجد الحرام وفي مجامع العرب وأسواقهم ، وكذلك كانوا يمنعون المسلمين من إظهاره حتى لقد هالهم من أبي بكر أن يصلي به في فناء داره، وذلك لأن الأولاد والنساء كانوا يجتمعون عليه يستمتعون بلذة هذا الحديث ويتأثرون به ويهتزون له .
المظهر الثالث :
أنهم ذعروا ذعرا شديدا من قوة تأثيره ونفوذه إلى النفوس على رغم صدهم عنه واضطهادهم لمن أذعن له ، فتواصوا على ألا يسمعوه ، وتعاقدوا على أن يلغوا فيه إذا سمعوه ، { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } .
المظهر الرابع :
أن بعض شجعانهم وصنايهم كان الواحد منهم يحمله طغيانه وكفره وتحمسه لموروثه ، على أن يخرج من بيته شاهرا سيفه معلنا غدره ناويا القضاء على دعوة القرآن ومن جاء بالقرآن ، فلم يلبث حين تدركه لمحة من لمحات العناية وينصت إلى صوت القرآن في سورة أو آية أن يذل للحق ويخشع ويؤمن بالله ورسوله وكتابه ويخضع . وإن أرت شاهدا على هذا فاستعرض قصة إسلام عمر بن الخطاب وهي مشهورة . وانظر كيف أسلم سعد بن معاذ سيد قبيلة الأوس هو وابن أخيه أسيد بن حضير رضي الله عنهم أجمعين .
ثانيا : مظاهر تأثير القرآن في نفوس أوليائه
المظهر الأول :
تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة ، حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به في الأسحار ، ومناجاتهم العزيز الغفار . وما كان هذا حالاً نادرا فيهم ، بل ورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوي النحل بالقرآن . وكان التفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن .
المظهر الثاني :
عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه ، في كل شأن من شؤونهم تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته ، طيبة بذلك نفوسهم ، طيعة أجسامهم ، سخية أيديهم وأرواحهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقته وأخرجهم للعالم خلقا آخر مستقيم العقيدة قويم العباة طاهر العادة كريم الخلق نبيل المطمح .
المظهر الثالث :
استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايته فأخلصوا له وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه وهو مدافع عنه ، ومنهم من انتظر حتى أتاه الله اليقين وهو مجاهد في سبيله مُضحٍ بنفسه ونفيسه . ولقد بلغ الأمر إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرد من يتطوع بالجندية من الشباب لحداثة أسنانهم وكان كثيرا من ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو .
المظهر الرابع :
ذلك النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن الكريم في هداية العالم في زمن قصير جدا