لاحظت ان في المنتدى الكثير من العامة لا يعلم ان الاحتفال بالمولد النبوي بدعة
لذالك اجتهدت و بحتث لكي أحضر ادلة شرعية من علمائنا
– إما أن يكونوا علموه، وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به، ومعاذ الله أن يكون الأمر كذلك؛ إذ أنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً.
– وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به، ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟!
– وإما أن يكونوا لم يعلموه، فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وأفضل وأعرف بوجوه البر وأحرص عليها، ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم، ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم، وقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: «عقول الناس على قدر أزمنتهم».
وأما محمد علوي المالكي فهو من شيوخ الصوفية الغلاة في هذا العصر بمكة المكرمة وهو ليس من أهل السنة والجماعة، وهو الذي مدح نفسه بقوله: «خادم العلم الشريف في بلد الله الحرام».
وأما واصف أحمد فاضل كابلي فهو من شيوخ الصوفية في هذا العصر، وأصله من كابل بأفغانستان ويسكن مكة المكرمة وليس من أهل اليمن.
إن لم تكن في معادي آخذاً ** بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لو كان دوريا ومتعبدا به لكان بدعة سواء فعلتها السعودية أو غيرها، ولكنه ليس بمتكرر، ولم يكن له موعد محدد يتكرر كالعبادة، والأهم أنه لم يقل أحد أنه عبادة وأنه سنة، وإنما كان اجتماعا من أمور العادات كالمؤتمرات والندوات المباحة ونحو ذلك.
4- الدليل الرابع:
اختلاف العلماء في تحديد يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكل قول له علماء أجلاء:
قال ابن كثير بعد أن جزم بأنه لا خلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين قال: «الجمهور على أن ذلك -أي ولادته- كان في شهر ربيع الأول.
فقيل: لليلتين خلتا منه، قاله ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني.
وقيل: لثمان خلون منه، حكاه الحميدي عن ابن حزم، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير.
وقيل: لعشر خلون منه، نقله ابن دحية في كتابه، ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر، ورواه مجاهد عن الشعبي كما مر.
وقيل: لاثنتي عشرة خلت منه، نص عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، عن عفان، عن سعيد بن ميناء، عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات، وهذا هو المشهور عند الجمهور، والله أعلم.
وقيل: لسبعة عشر خلت منه، كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة.
وقيل: لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمد بن حزم عن أبيه، والصحيح عن ابن حزم: الأول: أنه لثمان مضين منه، كما نقله عنه الحميدي وهو أثبت» اهـ .
5- الدليل الخامس:
قال ابن الحاج في "المدخل" (2/16-17) في كلامه على عمل المولد، قال: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدم لأجل مولده صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم انتقل فيه إلى كرامة ربه عز وجل، وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليعزَّى المسلمون في مصائبهم المصيبة بي" . فلما ذكر صلى الله عليه وسلم المصيبة به ذهبت كل المصائب التي تصيب المرء في جميع أحواله وبقيت لا خطر لها..».الرد على الاستدلال: "من سن سنة حسنة" :
أجاب الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (ج:1/ص:142-145) عن قول من قال بأن معنى: "من سن سنة حسنة" : من اخترع السنة من عند نفسه بشرط أن تكون حسنة، وزعم أن معناه ليس من عمل بسنة ثابتة، أجاب عن ذلك بوجهين:
– أحدهما: أن قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة" الحديث، ليس المراد به الاختراع البتة، وإلاَّ لزم من ذلك التعارض بين الأدلة القطعية، إن زعم مدعي ذلك أن ما ذكره من الدليل مقطوع به، فإن زعم أنه مظنون فما تقدم من الدليل على ذم البدع مقطوع به، فيلزم التعارض بين القطعي والظني والاتفاق من المحققين على تقديم القطعي على الظني.
فليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية، وذلك لأن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة، بدليل ما في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار -أو العباء- متقلدي السيوف عامتهم من مضر -بل كلهم من مضر- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة} [النساء:1]، إلى آخر الآية {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر:18]، وبعد: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت.
قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
فتأملوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة" تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حتى بتلك الصرة، فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" الحديث، فدل على أن السنة هاهنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو: العمل بما ثبت كونه سنة، وأن الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر: "من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي" الحديث.. إلى قوله: "ومن ابتدع بدعة ضلالة"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أحيا سنتي فقد أحبَّني" . ووجه ذلك في الحديث الأول ظاهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما حض على الصدقة أولاً، ثم جاء بعد ذلك الأنصاري بما جاء به فانثال بعده العطاء إلى الكفاية، فكأنها كانت سنة أيقظها رضي الله عنه بفعله، فليس معناه: من اخترع سنة وابتدعها ولم تكن ثابتة.
ونحو هذا الحديث في رقائق ابن المبارك ما يوضح معناه عن حذيفة رضي الله عنه قال: "قام سائل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل، فسكت القوم، ثم إن رجلاً أعطاه، فأعطاه القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استن خيراً فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم شيء، ومن استن شراً فاستن به فعليه وزره ووزر من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيء"، فإذاً قوله: "من سن سنة حسنة" معناه: من عمل بسنة، لا من اخترع سنة.– الوجه الثاني: من وجهي الجواب، عن قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة" إلخ، أن قوله: "من سن سنة حسنة" و"من سن سنة سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من غير أصل؛ لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع، فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنة في الشرع، وإما قبيحة بالشرع، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة، وما أشبهها من السنن المشروعة، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي، كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم حيث قال عليه السلام: "لأنه أول من سن القتل"، وعلى البدع؛ لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.الرد على الاستدلال: جمع الصحابة المصحف وقصرهم الناس عليه:
فقد أجاب الشاطبي في الاعتصام (1/145-147) عن إيراده في البدع المستحدثة بأنه ليس من قبيلها، وإنما هو من المصالح المرسلة، والمصالح المرسلة عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم يقول في ذلك: «أما جمع المصحف وقصر الناس عليه فهو على الحقيقة من هذا الباب -أي باب المصالح المرسلة- إذ أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ تسهيلاً على العرب المختلفات اللغات، فكانت المصلحة في ذلك ظاهرة، إلا أنه عرض في إباحة ذلك بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح لباب الاختلاف في القرآن حيث اختلفوا في القراءة فخاف الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- اختلاف الأمة في ينبوع الملة، فقصروا الناس على ما ثبت منها في مصاحف عثمان رضي الله عنه، واطرحوا ما سوى ذلك، علماً بأن ما اطرحوه مضمن فيما أثبتوه؛ لأنه من قبيل القراءات التي يؤدى بها القرآن، ثم ضبطوا ذلك بالرواية حين فسدت الألسنة ودخل في الإسلام أهل العجمة؛ خوفاً من فتح باب آخر من الفساد، وهو أن يدخل أهل الإلحاد في القرآن أو في القراءات ما ليس منها فيستعينوا بذلك في بث إلحادهم، ألا ترى أنه لما لم يمكنهم الدخول من هذا الباب دخلوا من جهة التأويل والدعوى في معاني القرآن، فحق ما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن له أصلاً يشهد له في الجملة وهو الأمر بتبليغ الشريعة، وذلك لا خلاف فيه؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] وأمته مثله.
وفي الحديث: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" وأشباهه، والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة، لأنه من قبيل المعقول المعنى فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة وغيرها، كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفية دون أخرى إذا لم يعد على الأصل بالإبطال، كمسألة المصحف، ولذلك أجمع عليه السلف الصالح».
وقال: «أن جمع المصحف كان مسكوتاً عنه في زمانه صلى الله عليه وسلم، ثم لما وقع الاختلاف في القرآن وكثر حتى صار أحدهم يقول لصاحبه: أنا كافر بما تقرأ به، صار جمع المصحف واجباً ورأياً رشيداً في واقعة لم يتقدم بها عهد فلم يكن فيها مخالفة، والإلزام أن يكون النظر في كل واقعة لم تحدث في الزمان المتقدم بدعة وهو باطل باتفاق، لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم لقواعد الشريعة وإن لم يشهد له أصل معين، وهو الذي يسمى: المصالح المرسلة.
وكل ما أحدثه السلف الصالح من هذا القبيل لا يتخلف عنه بوجه وليس من المخالف لمقصد الشارع أصلاً، كيف وهو يقول: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" و "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، فثبت أن هذا المجمع عليه موافق لقصد الشارع، فقد خرج هذا الضرب عن أن يكون فيه الفعل أو الترك مخالفاً للشارع، وأما البدعة المذمومة: فهي التي خالفت ما وضع الشارع من الأفعال والترك» اهـ.
وأما بقية الأمثلة كالمدارس ابتدائي ومتوسط وثانوي، واستخدام الدبابات والعلوم ومصطلحاتها، فهذه ليست بعبادات حتى يقال عنها أنها بدع محدثة في الدين.
6- الدليل السادس:
تظافرت أقوال علماء المسلمين وتواترت فتاويهم في القديم والحديث على بدعية الاحتفال بمولد سيد البشر، وأنه مما دخل في ديننا من قبل العبيديين الفاطميين، وهاك أقوال هؤلاء العلماء الأجلاء، واستمع لما ينصون عليه حتى لا تلتبس عليك الشكوك والأوهام من هنا أو هناك، فأين الإجماع وكلهم قبل الوهابية بمئات السنين:
1- الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني المالكي رحمه الله:
قال: «لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون.. إلخ» [السنن والمبتدعات (ص: 143)].
2- الإمام ابن الحاج المالكي رحمه الله:
قال: «فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة» [المدخل: (2/ 2-10)].
3- الإمام أبو عمرو بن العلاء الشافعي رحمه الله:
قال: «لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه رسول الله وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول» [الحاوي للسيوطي (1/ 190)].
4- الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ رحمه الله:
قال: «ليس عمل المولد من السنن».
5- الحافظ أبو زرعة العراقي رحمه الله:
قال: «لا نعلم ذلك -أي عمل المولد- ولو بإطعام الطعام عن السلف» [تشنيف الآذان (ص: 136)].
6- الإمام الشاطبي المالكي رحمه الله:
فقد عد أنواع البدع ومنها «اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وذمه المولد» [الاعتصام (ص: 34)].
7- ظهير الدين جعفر التزمنتي رحمه الله:
قال: «عمل المولد لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح مع تعظيمهم وحبهم له -أي النبي- إعظاماً ومحبة لا يبلغ جمعنا الواحد منهم ولا ذرة منه».
7- الدليل السابع:
صرح بعض العلماء المحققين بأن دعوى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في اليقظة والأخذ عنه دعوى باطلة، واستدلوا على ذلك بأن أولى الناس بها -لو كانت مما يقع- ابنته سيدة النساء، وخلفاؤه الراشدون وسائر العلماء أصحابه وقد وقعوا في مشكلات وخلاف أفضى بعضه إلى المغاضبة، وبعضه إلى القتال، فلو كان صلى الله عليه وسلم يظهر لأحد ويعلمه ويرشده بعد موته لظهر لبنته فاطمة عليها السلام وأخبرها بصدق خليفته أبي بكر رضي الله عنه فيما روى عنه من أن الأنبياء لا يورثون، وكذا للأقرب والأحب إليه من آله وأصحابه ثم لمن بعدهم من الأئمة الذين أخذ أكثر أمته دينهم عنهم، ولم يدع أحد منهم ذلك، وإنما ادعاه بعض غلاة الصوفية بعد خير القرون، وغيرهم من العلماء الذين تغلب عليهم تخيلات الصوفية.
فمن العلماء من جزم بأن من ذلك ما هو كذب مفترى، وأن الصادق من أهل هذه الدعوى من خيل إليه في حال غيبة أو ما يسمى (بين النوم واليقظة) أنه رآه صلى الله عليه وسلم، فخال أنه رآه حقيقة على قول الشاعر: ومثلك من تخيل ثم خالا
والدليل على صحة القول بأن ما يدعونه كذب أو تخيل: ما يروونه عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الرؤية.
وبعض الرؤى المنامية مما تختلف باختلاف معارفهم وأفكارهم ومشاربهم وعقائدهم، وكون بعضه مخالفاً لنص كتاب الله وما ثبت من سنته صلى الله عليه وسلم ثبوتاً قطعياً، ومنه ما هو كفر صريح بإجماع المسلمين
نعم، إن منهم من يجلهم العارف بما روي من أخبار استقامتهم أن يدعو هذه الدعوى افتراء وكذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن غلبة التخيل على المنهمكين في رياضاتهم وخلواتهم لا عصمة منها لأحد وكثيراً ما تفضي إلى الجنون.
والخلاصة: أن دعوى حضور النبي صلى الله عليه وسلم الاحتفال باليوم الذي يقال: إنه يوافق يوم المولد النبوي بجسده غير صحيحة، وأنها تستلزم خروج النبي صلى الله عليه وسلم من قبره ومشيه في الأسواق ومخاطبته للناس ومخاطبتهم له وخلو قبره من جسده الشريف، بحيث يزار مجرد القبر ويسلم على غائب، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين مختلفين، وأن يكون ذلك الرائي صحابياً، وأن يجب العمل بما سمعه منه ذلك المدعي لرؤيته، وأن يحظى المدعي لرؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة بما لم تحظ به ابنته فاطمة التي اشتد حزنها عليه حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح، ولم تنقل عنها دعوى رؤيته، كما لم يحظ به غيرها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك جهالات يدرك فسادها بأوائل العقول، كما أن التعلق في تلك الدعوى برواية: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" على أساس أن المتصوفة لم يدعوا ذلك إلا بعد أن رأوه في المنام، يعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة، وخبر الصادق لا يتخلف.
وأما رواية "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" فقد أجيب عنها بأجوبة ذكرها الحافظ ابن حجر في (ج:12) من فتح الباري (ص:385) طبعة المطبعة السلفية:
– أحدها: أن ذلك خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
– الثاني: أن المراد بها أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام.
– الثالث: أن المراد بها أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك.
قال الحافظ: وهذا من أبعد المحامل.
– الرابع: أن المراد بها أنه سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
– الخامس: حمل الرواية على التشبيه والتمثيل بدليل الرواية الأخرى "فكأنما رآني في اليقظة".
وأما دعوى أن الذي يحضر مجلس المولد هو روحانية النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الرد عليها يقول السيد رشيد رضا -وهو عالم معاصر- في الجزء الثاني من الفتاوى (ص:465) في إجابته عن سؤال وجه إليه عن دعوى أن روحانية النبي صلى الله عليه وسلم تحضر قراءة مولد الديبع من أولها إلى آخرها، وتحضر في غيرها من قصص المولد عند القيام فقط، يقول ما نصه: «أما قول قراء هذه القصة من المحتالين على الرزق بدعوى الولاية: إن روحانية المصطفى تحضر مجالسهم التي يكذبون فيها عليه، فمثله كثير من أولئك الدجالين ولا علاج لهذا الجهل إلا كثرة العلماء بالسنة والدعاة إليها بين المسلمين، وذلك بساط قد طوي وإن كثيراً من المسلمين ليعادوننا ولا ذنب لنا عندهم إلا الانتصار للسنة السنية والدعوة إلى الله ورسوله بالحق لا بالأهواء».
و ساحاول عرض بعض الفتاوى لمشايخنا الكبار حتى يتبين حكم الاحتفال و بدعيته و جزاكم الله خير
الـمـفـتــي : من فتاوى نور على الدرب
فأرجو إيضاح ذلك، بارك الله فيكم؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و الصلاة و السلام على عبده و رسوله و خيرته من خلقه و أمينه على وحيه، نبينا و إمامنا و سيدنا محمد بن عبد الله و على آله و أصحابه و من سلك سبيلَه و اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة و التسليم أمر قد كثُر فيه الكلام، و كتبنا فيه كتابات متعددةً، و نشرت في الصحف مرات كثيرة، و وُزعت مرات كثيرة، و كَتبَ فيه غيري من أهل العلم كـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 323)، و بيّن أولئك العلماء أنه بدعة، و أن وجودَه من بعض الناس لا يبرر كونه سنة، ولا يدل على جوازه و مشروعيته.
و قد نص على ذلك أيضا الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، و كتب في هذا أيضا شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابةً وافيةً، و ليس في هذا و الحمد لله شك عند من عرف الأصول و عرف القاعدةَ الشرعيةَ في كمال الشريعة و التحذير من البدع، و إنما يُشْكِل هذا على بعض الناس الذين لم يُحققوا الأصول، و لم يدرسوا طريقةَ السلف الصالح دراسةً وافيةً كافيةً، بل اغتروا بِمن فعلَ المولدَ من بعض الناس فقلدوه، أو اغتروا بمن قال: إن في الإسلام بدعة حسنة.
و الصواب في هذا المقام أن الاحتفال بالموالد كلُّه بدعة، بمولده عليه الصلاة و السلام و بمولد غيره، كمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، لم يفعله السلف الصالح، و لم يفعل النبي صلى الله عليه و سلم احتفالا بمولده، و هو المُعلم المرشد عليه الصلاة و السلام، و قد بلغَ البلاغَ المبين، و نصح الأمة و ما تركَ سبيلا يقرب من الله و يُدنِي من رحمته إلا بَيّنَه للأمة و أرشدهم إليه، و ما ترك سبيلا يباعد من رحمة الله و يُدني من النار إلا بينه للأمة و حذرهم منه، فقد قال الله سبحانه في سورة المائدة الآية 3 "
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا "[المائدة: 3] .و قد أقام عليه الصلاة و السلام في مكةَ ثلاثَ عشرةَ سنة، و في المدينة عشر سنين و لم يحتفل بهذا المولد، و لم يقل للأمة افعلوا ذلك، ثم صحابتُه رضي الله عن هم و أرضاهم لم يفعلوا ذلك، لا الخلفاءُ الراشدون، و لا غيرُهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من التابعين و أتباع التابعين من القرون المفضلة كلُّهم على هذا السبيل، لم يفعلوا شيئا من هذا؛ لا قولا و لا عملا. (الإقتضاء الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 324)
ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن يُنسَب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين، حُكام مصرَ و المغرب فأحدثوا هذه البدعةَ، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلا بالحق، و تقليدا لمن سار في هذا الطريق، أو أخذا بشبهات لا توصِل إلى الحق.
فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحقَّ بدليله، و أن يتحرى ما جاءت به السنةُ و الكتابُ حتى يكون حكمُه على بينة وعلى بصيرة، و حتى يكون سَيْرُه على مَنهج قويم.
و الله يقول في سورة الشورى الآية 10 "
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ " [الشورى: 10] ، و يقول عز و جل في سورة النساء الآية 59 " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "[النساء: 59] . و إذا نظرنا فيما يفعلُه الناس من الاحتفالات و رَدَدْناها إلى القرآن العظيم، لم نجدْ فيه ما يدلُّ عليها، و إذا رَدَدْناه إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلا و لا قولا و لا تقريرا، فعُلِم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعةٌ بلا شك يجب تركُها و لا يجوز فعلها، و مَن فعل ذلك من الناس فهو بَينَ أمرين إما جاهل لم يعرف الحق فيُعَلَّم و يُرشَد، و إما متعصب لِهوى و غرض، فيُدعى للصواب و يُدعى له بالهداية و التوفيق، و ليس واحد منهما حجة ؛ لا الجاهل و لا المتعصب، و إنما الحُجة فيما قاله الله و رسوله لا في قول غيرهما.
(الإقتضاء الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 325)
ثم القول بأن البدعة تنقسم إلى حسنة و سيئة و إلى محرمة و واجبة؛ قولٌ بلا دليل، و قد رد ذلك أهل العلم و اليقين و بينوا خطأ هذا التقسيم، و احتجوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " يعني: فهو مردود ( متفق على صحته ) صحيح البخاري/الصلح (2697) ، صحيح مسلم / الأقضية (1718) ، سنن أبي داود / السنة (4606) ، سنن ابن ماجه / المقدمة (14) ، مسند أحمد (6/240).و روى مسلم رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " يعني: فهو مردود. صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/180).و في الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول في خطبته: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ،سنن أبو داود / السنة (4607) ، سنن ابن ماجه / المقدمة (42). سنن الترمذي العلم (2676) ، سنن ابن ماجه المقدمة (44) ، مسند أحمد بن حنبل (4/126) ، سنن الدارمي المقدمة (95).
ولم يقل البدعة فيها كذا وكذا ؛ بل قال: كل بدعة ضلالة، وقد وعظ أصحابه فقال: وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
صحيح مسلم / الجمعة (867) ، سنن النسائي / صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود / الخراج و الإمارة و الفيء (2954) ، سنن ابن ماجه / المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/371) ، سنن الدارمي / المقدمة (206).
و البدعة شرعا إنما تكون في أمور الدين و التقرب إلى الله سبحانه، لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا مثل المآكل و المشارب فللناس أن يُحدِثوا بمآكلهم و طعامهم و شرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة و الأرز على طريقة، و أنواعا أخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم، و ليس في هذا حرج.
و إنما الكلام في القربات و العبادات التي يُتَقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، و كذلك الصناعات، و آلات الحرب للناس أن يحدثوا أشياء يستعينون بها في الحرب، من القنابل و المدافع و غير ذلك، و للناس أن يحدثوا المراكب و الطائرات و السفن الفضائية و القطارات، ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله، و يعده الناس قربة و طاعة يرجون ثوابها عند الله.
هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول صلى الله عليه و سلم هو و لا أصحابه، و لم يدل عليه صلى الله عليه و سلم، و لم يرشد إليه، بل أحدثه الناس و أدخلوه في دين الله فهو بدعة؛ شاء فلان أم غضب فلان، فالحق أحق بالاتباع.
و من هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور و اتخاذ القباب عليها، فهذه من البدع التي وقع بها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر و عُبدت القبور من دون الله؛ بأسباب هذه البدع، فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، و عليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره؛ و إن عظمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، و التعصب.
(الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 326)
فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، و لا بأهل التعصب، و لا بأهل الجهل، و إنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل و احتج بالدليل، و أراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، و يرجع إلى قوله، و نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
الـمـفـتــي : الشيخ صالح الفوزان
الـمـفـتــي : ابن العثيمين- رحمه الله-
ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول، وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية.
– ثانياً:
من الناحية الشرعية، فالاحتفال لا أصل له أيضاً، لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو بلغه لأمته، ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظاً لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله -عز وجل- ونتقرب به إليه.
فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقاً معيناً، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله؟ هذا من الجناية في حق الله -عز وجل- أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله -عز وجل-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (المائدة: من الآية 3)، فنقول هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلا بد أن يكون موجوداً قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: من الآية 3)، ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا من العبادات، محبة الرسول عليه الصلاة والسلام عبادة، بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الدين أيضاً، لما فيه من الميل إلى شريعته.
إذن، فالاحتفال بمولد النبي، صلى الله عليه وسلم، من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبداً أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل، فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى جعلوه أكبر من الله -والعياذ بالله-؛ ومن ذلك أيضاً أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله "ولد المصطفى" قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون : إن روح الرسول صلى الله عليه وسلم، حضرت فنقوم إجلالاً لها، وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يكره القيام له، فأصحابه وهم أشد الناس حبّاً له وأشد منا تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي، فكيف بهذه الخيالات؟!
وهذه البدعة -أعني بدعة المولد- حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة، وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين، فضلاً عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات.
الـمـفـتــي : الشيخ ابن باز رحمه الله
عندنا عادة، وهي: في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول نعمل وجبة إفطار منذ الصباح الباكر، ونقوم بتوزيعها على الجيران، ونحن نهنئ الجيران، والأقرباء بعضهم بعضاً، بحجة الفرح بالمولد النبوي، فهل لنا أن نستمر في عمل هذه الأطعمة والأكل منها، ونعمل تلك الاحتفالات؟
– جواب:
هذا العمل ليس مشروعا، بل هو بدعة، ولو فعله بينه وبين الناس؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يفعلوا ذلك، فلم يحتفل -صلى الله عليه وسلم- بمولده في حياته، ولم يأمر بذلك، وهو أنصح الناس -عليه الصلاة والسلام-، وأعلم الناس، وأحرص الناس على الخير -عليه الصلاة والسلام-، فلو كان هذا العمل مشروعاً، وحسناً لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أرشد إليه.
وهكذا الخلفاء الراشدون هم أفضل الناس بعد الأنبياء لم يفعلوه، ولم يأمروا به، وهكذا بقية الصحابة -رضي الله عنهم- لم يفعلوه ولم يأمروا به، وهكذا سلف الأمة في القرون المفضلة من الأمة لم يفعلوه، وهم خير الناس بعد الأنبياء كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "
خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". فالواجب عليكم ترك هذه البدعة، والحرص على إتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأعماله، هذا هو الواجب على المسلمين أن يتبعوه، وأن ينقادوا لشرعه ويعظموا أمره ونهيه، وأن يسيروا على سنته ونهجه -عليه الصلاة والسلام-، أما البدع فلا خير فيها فهي شر.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: "
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق على صحته).
وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الخطبة –خطبة الجمعة– : "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
هذا العمل الذي فعلته من إهداء الطعام، أو احتفال وغير ذلك في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بالطعام، أو بالصلوات، أو بالتزاور، كله بدعة لا أصل له، يقول الرب -عز وجل-: {
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (سورة آل عمران: 31). فاتباع النبي هو حقيقة الحب وهو دليل الحب الصادق، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "من رغب عن سنتي فليس مني". فنوصيكم وغيركم من إخواننا المسلمين بترك هذه البدعة، وهي الاحتفالات بالمولد النبوي، أو بغير المولد النبوي من الموالد الأخرى، فكلها غير مشروعة، ولكن نوصيكم بإتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- دائماً، والتفقه في الدين وتعليم الناس السنة، والحرص على طاعة الله ورسوله في كل شيء، هذا هو الواجب على جميع المكلفين أن يخلصوا لله العبادة، وأن يعظموه، وأن ينقادوا لشرعه، وأن يسيروا على نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- في القول والعمل، في جميع الأحوال.
قال تعالى في كتابه العظيم: {
وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله".
فالواجب طاعته واتباع هديه -عليه الصلاة والسلام-، والحذر مما خالف هديه -عليه الصلاة والسلام- في كل شيء.
الـمـفـتــي : للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، كما في "فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين" إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود (1/126) :
ما الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي ؟
فأجاب فضيلته:
«نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا أقول مولده بل بعثته، لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة، كما قال تعالى: {
وعلى هذا فليس من حقنا، ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً، أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم، وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله، وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
كل بدعة ضلالة"، قال هذه الكلمة العامة وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول، وأفصح الناس بما ينطق، وأنصح الناس فيما يرشد إليه، وهذا الأمر لا شك فيه، لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى، ولهذا روى النسائي آخر الحديث: "وكل ضلالة في النار"، ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة، لأن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذلك علم أنه ليس من دين الله، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبين لهم مشروعيتها لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة، من الفرائض والسنن المعلومة، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع. وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع، وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن، بل في كثير من الواجبات والمفروضات، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم المودي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة، والذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي *** صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام: «فإن من جودك الدنيا وضرتها»، ومن للتبعيض، والدنيا هي الدنيا، وضرتها هي الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس كل جوده، فما الذي بقي لله عز وجل، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وكذلك قوله: «ومن علومك علم اللوح والقلم» ومن: هذه للتبعيض، ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب.
ورويدك يا أخي المسلم.. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله.. أنه عبد الله ورسوله، فقل هو عبد الله ورسوله، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة: {
قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام : 50]، وما أمره الله به في قوله: { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً} [الجن : 21] ، وزيادة على ذلك: {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن : 22] ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى. فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين، بل هي يضاف إليها شيء من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك.
وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد» اهـ.
الـمـفـتــي : شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله –
وَسُئِلَ عَمَّنْ يَعْمَلُ كُلَّ سَنَةٍ خَتْمَةً فِي لَيْلَةِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ: جَمْعُ النَّاسِ لِلطَّعَامِ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ سُنَّةٌ وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِعَانَةُ الْفُقَرَاءِ بِالْإِطْعَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ هُوَ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ.
فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ"، وَإِعْطَاءُ فُقَرَاءِ الْقُرَّاءِ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَمَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ شَرِيكَهُمْ فِي الْأَجْرِ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَوْسِمٍ غَيْرِ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ، كَبَعْضِ لَيَالِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّتِي يُقَالُ: إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ، أَوْ بَعْضِ لَيَالِيِ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ أَوَّلِ جُمْعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنِ شَوَّالٍ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْجُهَّالُ عِيدَ الْأَبْرَارِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مجموع فتاوى ابن تيمية – (ج 6 / ص 107)
وجعله في ميزان حسناتك