تخطى إلى المحتوى

نواقض الإسلام 2 من 11 الناقض الأول 2024.

الناقض الأول
الشرك في عبادة الله: قال تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)[النساء:48]. وقال تعالى : (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) [المائدة:72]. ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم.
تعريف الشرك:
الشرك لغة: يقال شاركت فلانا صرت شريكه، والشرك يكون بمعنى الشريك وبمعنى النصيب وجمعه أشرا ك ، وشركه في الأمر يشركه دخل معه فيه، وأشركه معه فيه وأشرك فلانا في البيع إذا أدخله معه فيه.
واصطلاحا: جعل شريك لله في ألوهيته أو ربو بيته أو أسمائه وصفاته.
ولا ريب أن الشرك أصل كل شر وجماعه، وهو أعظم الذنوب، على الإطلاق، حيث إنه الذنب الوحيد الذي نفى الله مغفرته، كما أنه يحبط الأعمال الصالحة جميع، ويوجب لصاحبه الخلود في النار.
قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)[النساء:48].
وقال تعالى : (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)[المائدة:72].
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار"(1).
يقول ابن القيم في بيان شناعة الشرك وقبحه:
" أخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، وإن الشرك ظلم كما قال تعالى : (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان:13]، فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات ، فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبربتفاصيله،
(1) رواه مسلم في الإيمان 1/ 94.

تعرف به أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي.
فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود، كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم، لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه وتعالى أن يقبل من مشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقبل له فيها رجاء، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه ندا، وذلك غاية الجهل به" (1).
وقال ابن باز في بيانه:
"الشرك هو تشريك غير الله مع الله في العبادة، كأن يدعو الأصنام أو غيرها، أو يستغيث بها أو ينذر لها، أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها، ومثل أن يذبح للبدوي أو للعيدروس أو يصلي لفلان أويطلب المدد من الرسول صلىالله عليه وسلم أومن عبدا لقادر أو من العيدروس أو غيرهم من الأموات الغائبين، فهذا كله يسمى شركا، وهكذا إذا دعا الكواكب أو الجن أو استغاث بهم أو طلبهم المدد أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل شيئا من هذه العبادات مع الجمادات أو مع الأموات أو الغائبين صار هذا شركا بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)[الأنعام:88].وقال سبحانه : (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)[الزمر:65]. ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن، أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية، فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول: ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعين والملاحدة المنكرين لوجود الله، هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا.
والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا وتسمى كفرا بالله عز وجل" (2).

(1) الجواب الكافي، لابن القيم، ص 191.
(2) مجموع فتاوى و مقا لات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز 4/ 32.

أقسام الشرك بالله:
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإشرك بالله ينقسم إلى
قسمين:
القسم الأول: الشرك الأكبر وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: في الربوبية ويكون الشرك في الربوبية في ثلاث
أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يخلق أو يحي أو يميت أو يملك أو يتصرف في هذا الكون أحد مع الله، لأنها من أفعال الله التى يختص بها فلا تجعل لغيره.
الثاني: شرك في الأعمال:
كتعليق التمائم ولبس الحلقة ونحوها، واعتقاد أنها بذاتها محصلة للمقصود.
قال ابن عثيمين: "إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله فهو مشرك شركأ أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقا غيره (1).
الثالث: شرك في الأقوال:
كالقول بقدم العالم لما فيه من تعطيل الرب سبحانه وتعالى،وإنكار للخالق عزوجل، وكالقول بوحدة الوجود، وهم الذين يزعمون أن الله تعالى هو عين المخلوق.
ومن هذا الشرك شرك القدرية القائلين بأن الإنسان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته (2).
النوع الثاني: في الألوهية، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يطاع طاعة مطلقة مع الله، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لهم، مع العلم بأنهم خالفوا دين الرسل ، وان لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم (3).
ومنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم، بأن يحب مخلوقا كما يحب الله،فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله، وهو الشرك الذي قال سبحانه فيه: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) [البقرة:165].
(1)القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن عثيمين 1/ 207.
(2)انظر نو اقض الإيمان القولية والعملية، د. عبد العزيز العبد اللطيف، ص 96.
(3)انظر مجموع الفتاوى، لابن تيمية 7/ 70.
وقال أصحاب هذا الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم : (تالله إن كنا لفي ضلال مبين .إذ نسويكم برب العالمين)[الشعراء:97-98]، ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماته،والإحياء، والملك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأليه والخضوع لهم والتذلل
(1).
الثاني: شرك في الأعمال:
كأن يصلي لغير الله أو يسجد أو يركع لغير الله.
يقول ابن تيمية في هذا المقام: "وبالجملة فالقيام والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض، وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره منه نصيبا (2).
فمن جعل شيئا من العبادة لمخلوق كائنا من كان، فقد أشرك بالله تعالى في عبادته، واتخذ مع الله أندادا.
الثالث: شرك في الأقوال:
فمن دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عزوجل ، فقد أشرك، سواء كان هذا الغير نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا، أو غير ذلك من المخلوقات.
ويبين ابن القيم شناعة هذا الشرك:" ومن أنواعه (الشرك الأكبر)، طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع، والمشفوع له عنده" (3).
النوع الثالث: في ا لأسماء والصفات. ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كاعتقاد أن هناك من يعلم الغيب مع الله، وهذا يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة، كالرافضة وغلاة الصوفية والباطنية عموما. حيث يعتقد الرافضة في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك.
وكاعتقاد أن هناك من يرحم الرحمة التى تليق بالله عزوجل، فيرحم مثله، وذلك بأن يغفر الذنوب ويعفو عن عباده ويتجاوز عن السيئات.
(1)الجواب الكافي، لابن القبم ص 195.
(2) مجموع الفتاوى 27/ 93.
(3) مد ارج السالكين، لابن القيم 1/ 353.
الثاني: شرك في الأعمال:
كأن يتعاظم على الخلق مضاهاة بالله، وتشبها بصفاته، التى منها
صفة العظيم.
يقول ابن القيم: "فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربو بيته وإلهيته (1).
الثالث: شرك في الأقوال:
كأن يطلق اسم الرحمن أو الأحد أو الصمد على غير الله، أو يسمي الأصنام بها، أو اتخاذ شريك أو ند مع الله تعالى في صفاته أو الإلحاد في أسمائه، وذلك بالعدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها.
يقول ابن القيم: "القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشد شيء منافاة ومنا قضه لكمال من له الخلق و الأ مر، وقدح في نفس الربوبية وخصائص الرب، فإن صدر ذلك عن علم فهو عناد أقبح من الشرك وأعظم إثما عند الله" (2).
القسم الثاني: الشرك الأصغر، وهو قسمان:
القسم الأول: شرك أصغر ظاهر وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: في الربو بية ، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كأن يعتقد في شيء أنه سبب وهو ليس سببا في دفع الضر أو جلب النفع.
قال ابن عثيمين: (من اعتقد في شيء أنه سبب، ولكنه ليس مؤثرا بنفسه، فهو مشرك شركا أصغر، لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسبب سببا، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سببا) (3).
الثاني: شرك في الأعمال:
كمن يعلق التمائم أو يلبس حلقة أو خيطا ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، لأن كل من أثبت لله سببا لم يجعله الله سببا شرعا ولا قدريا، فقد أشرك بالله.

(1)الجواب الكافي، ص 202.
(2) المرجع السابق .
(3) القول المفيد 1/ 208.

الثالث: شرك في الأقوال:
كأن ينسب المطر إلى النجوم مع اعتقاد أن الفاعل هو الله عز وجل ، كأن يقال: إذا سقط النجم الفلاني جاء المطر، وإذا طلع النجم الفلاني جاء المطر، فينسبون ذلك للنجم نسبة سبب، والله لم يجعل ذلك سببا.
النوع الثاني: في الألوهية، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كأن يعتقد في شيء البركة والله لم يجعل فيه البركة، لأن طلب البركة لا تكون الا بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن، فمن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات. د راما بأمر حسي معلوم كالعلم، فمن بركته نيل الخير الكثير منه والثواب.
فعلم من هذا أن التبرك عبادة لأن الإنسان لا يفعله إلا لأجل الحصول على الأجر والثواب، والخير من الله، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع (1).
الثاني: شرك في الأعمال:
كأن يتمسح بيده بشيء لم يجعل الله فيه البركة، وكتقبيل أبواب المساجد، والتمسح بأعتابها، والاستشفاء بتربتها، ومثل ذلك التمسح بجدران الكعبة أو مقام إبراهيم ،ومن ذلك الذهاب إلى القبور لا لقصد الزيارة، وإنما لقصد الدعاء عندها لأجل بركتها، واعتقاد أن الدعاء عندها أفضل (2).
قال ابن تيمية: "فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء، أو بعض الصالحين تبركا بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله (3).

(1) البركة من الله تعالى، ويختص بعض خلقه بما يشاء منها، فلا تثبت في شيء إلا بدليل، وهي نعني كثرة الخير وزيادته، أو ثبوته ولزومه.
وهي في الزمان: كليلة القدر، وفي المكان: كالمساجد الثلاثة، وفي الأشياء: كماء زمزم، وفي الأعمال: فكل عمل صالح مبارك، وفي الأشخاص: كذوات الأنبياء، ولا يجوز التبرك بالأشخاص- لا بذواتهم ولا آثارهم- إلا بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وما انفصل من بدنه من ريق وعرق وشعر، إذ لم يرد الدليل إلا بهما، وقد انقطع ذلك بموته صلى الله عليه وسلم، وذهاب ما ذكر. (مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة، ناصر العقل ص 17)
(2) انظر التبرك المشروع والتبرك الممنوع. د. على العليا ني.
(3) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/ 334.

الثالث: شرك في الأقوال:
كالحلف بغير الله سواء بالكعبة، أو الرسول صلى الله عليه وسلم،أو السماء أو الحياة أو الشرف أو غير ذلك، لأن الحلف لا يكون إلا بالله أو صفاته ولا يجوز الحلف بغيره.
وإن اعتقد أن المحلوف به بمنزلة الله في العظمة فهو شرك أكبر، وإلا فهو شرك أصغر.
النوع الثالث: في الأسماء والصفات، ويكون في ثلاثة أمور:
الأول: شرك في الاعتقاد:
كالاعتماد على الأسباب الظاهرة التى لم يثبت كونها سببا لاشرعاولاحسا، فإثباتها نوع مشاركة لله في الحكم على هذا الشيء بأنه سبب
الثاني: شرك في الأعمال:
كلبس التولة والقلائد التي يقال إنها تمنع العين وما أشبه ذلك فإضافتها إلى السبب الظاهر الذي لم يثبت كونه سببا لا شرعا ولا حسا نوع من الشرك الأصغر، لأنه أثبت سببا لم يجعله الله سببا، فكان مشاركا لله في إثبات الأسباب (1).
الثالث: شرك في الأقوال:
كقول: ما شاء الله وشئت، لأنه شرك غير الله مع الله بالواو.
قال ابن عثيمين:" فإن اعتقد أنه يساوي الله عز وجل في التدبير والمشيئة فهو شرك أكبر، وإن لم يعتقد ذلك واعتقد أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء فهو شرك أصغر" (2).
قال ابن القيم: "ومن الشرك به سبحانه الشرك به في اللفظ، كقول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : "ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله وحده "(3)، وهذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة كقوله: (لمن شاء منكم أن يستقيم)[التكوير: 28]، فكيف من يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا من حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، ويقول: والله وحياة فلان، أو يقول: نذرا لله ولفلان، وأنا تائب لله ولفلان،أو أرجو الله وفلانا، ونحوذلك؟

(1) انظر القول المفيد 2/ 378.
(2) المرجع السابق 2/ 389.
(3) رواه أحمد 1/214،ورواه البخاري في الأدب المفرد 783، وإسناده حسن.

فوا زن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش ؟ يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة. وأنه إذا كان قد جعله ندا لله بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء، بل لعله أن يكون من أعدائه، ندا لرب العالمين" (1).
القسم الثاني: شرك أصغر خفي، وهو على نوعين:
النوع الأول: ما يكون رياء:
والرياء قسمان:
1) شرك أكبر: وهو رياء المنافقين كما قال تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)[النساء:142]
2) شرك أصغر: كأن يعمل العبادة يريد من الناس أن يمدحوه عليها فيكون قصده بالعبادة غير الله، وفي الحديث : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه؟ فقال: الرياء)(2).
أما حكم العبادة إذا خالطها الرياء فهو على قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي: ما قام يتعبد إلا للرياء،فهذا عمله باطل مردود عليه.
الثاني: أن يكون الرياء طارئا على العبادة، أي أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء فهذا ينقسم إلى قسمين:
ا- أن يدافعه ،فهذا لا يضره.
2- أن يسترسل معه، فهو باطل، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟ لا يخلو هذا من حالين:
– الأول: أن يكون آخر العبادة مبنيا على أولها بحيث لا يصح أولها
مع فساد آخرها فهذه كلها فاسدة.
– الثاني: أن يكون أول العبادة منفصللا عن آخرها بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهوباطل(3).
النوع الثانى: ما يكون سمعة:
كأن يعمل عملا لله ثم يحدث الناس ويسمع بعمله، فيعمل العمل ليسمعه الناس فيكون القصد لغير الله، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من سمع سمع الله به ومن يرائ يرائ الله به ).(4).
(1)الجواب الكافي ص 199
(2) رواه أحمد 5/ 428وإسناد صحيح.
(3) انظر القول المفيد 1/ 5 4 1 و 2/ 276.
(4) رواه البخاري في كتاب الرقائق 7/ 130 ومسلم في الزهد 4/ 2289.

أمثلة الشرك المنشرة:
قوله : (ومن ذلك دعاء الأموات)أي من الشرك أن يدعو غير الله،لأن الدعاء عبادة لا تكون إلا مع محبة وتعظيم وافتقار وتذلل، واعتقاد أن المدعو قادر على الاستجابة(1).
ومعنى الدعاء: السؤال والطلب.
يقول ابن تيمية : ( فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني ، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال، التي هي من خصائص الربو بية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلها آخر (2).
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "فمن دعاء غير الله طالبا منه
ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب نفع، أو دفع ضر، فقد أشرك في عبادة الله، كما قال تعالى (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون 0وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرون)[الأحقاف:5،6]،وقال تعالى : (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعونهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير)[ فاطر:13،14].
فأخبر تبارك وتعالى أن دعاء غير الله شرك، فمن قال: يا رسول الله ،أو يا عبد الله بن عباس، أو يا عبد القادر، أو يا محجوب – زاعما أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى، أو أنه شفيعه عنده أو وسيلته

1) الأدعية البدعية على مراتب ثلاث:
– إحداهما: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غاثب ، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: سيدي فلان أغثني ونحو ذلك، فهذا هو الشرك بالله.
– الثانية: أن يقال للميت أو الغاثب من الأنبياء الصالحين: ادع الله لي أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا.. فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها من سلف الأمة.
– الثالثة: أن يقال: أسألك بفلان، أو بجاه فلان عندك ك نحو ذلك، فهذا منهي عنه وليس بمشهور عن الصحابة بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس وغيره. (مجموع الفتاوى 1/350).
(2) مجموع الفتاوي 3/ 395.

إليه (1) فهو الشرك الذي يهدر الدم، ويبيح المال إلا أن يتوب من ذلك.(2)
قال ابن باز: "فمن زعم أو اعتقد أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره من ملك أو نبيى أو شجر أو جن أو غير ذلك فهو كافر، وإذا انطق وقال بلسانه ذلك صار كافرا بالقول والعقيدة جميعا، وإن فعل ذلك ودعا غير الله واستغاث بغير الله صار كافرا بالقول والعمل والعقيدة جميعا، ومما يدخل في هذا ما يفعله عباد القبور اليوم في كثير من الأمصار من دعاء الأموات والاستغاثة بهم وطلب المدد منهم، فيقول بعضهم: يا سيدي المدد المدد، يا سيدي الغوث الغوث، أنا بجوارك اشف مريضي، ورد غائبي، وأصلح قلبي، يخاطبون ا لأموات الذين يسمونهم الأولياء ويسألونهم هذا السؤال، نسوا الله وأشركوا معه غيره، فهذا كفر قولي وعقدي وفعلي.
وبعضهم ينادي من مكان بعيد وفي أمصار متباعدة: يا رسول الله انصرني ونحو هذا، وبعضهم يقول عند قبره: يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله المدد المدد انصرنا على أعدائنا، أنت تعلم ما نحن فيه انصرنا على أعدائنا
والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه،وهذا من الشرك القولي العملي(3)،وإذا اعتقد مع ذلك أنه هذا جائز وأنه لا بأس به صار قوليا وفعليا وعقديا، نسأل الله العافية"(4).

(1) الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة. والتوسل ثلاثة أنواع:
أ- مشروع: وهو التوصل إلى الله تعالى، بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل،أو بدعاء الحي الصالح.
ب- بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم، ونحو ذلك.
ج- شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستغاثة بهم ونحو ذلك، (مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة، ناصر العقل ص 16)
(2) الدرر السنية في الأجوبة النجدية 2 / 19.
(3) التخلص من هذا الشرك يكون: بالنظر إلى المعطي الأول فيشكر. على ما أولاه من النعم وينظر إلى من أسدي إليه المعروف فيكافيه عليه.
فالله سبحانه هر المعطي على الحقيقة، ف!نه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده، فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره، فهو الأول والآخر، فمن سلك هذا الملك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لومه وذمه إياهم وتجرد التوحيد في قلبه. (مجموع الفتاوى 1/ 92، 93).
(4) القوادح في العقيدة ص 35.

وقال ابن عثيمين:" قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)[الإسراء:57]، فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين، وبين أن هذا هو الشرك الأكبر لأن الدعاء من العبادة، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)[غافر:60]، فدل على أن الدعاء عبادة، وإلا لكان أول الكلام مناقضا لآخره، مع أن آخر الكلام تعليل لأوله، فكل من دعا أحدا غير الله حيا أو ميتا، فهو مشرك شركا أكبر.
والدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: جائز، وهو أن تدعو مخلوقا- حيا- بأمر من الأمور التى يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة، فهذا ليس من دعاء العبادة، بل هو من الأمور الجاثزة.
الثاني: أن تدعو مخلوقا مطلقا سواء كان حيا أو ميتا فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا شرك أكبر، لأنك جعلته ندا لله فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: يا فلان اجعل ما في بطن امرأتى ذكرا.
الثالث: أن تدعو مخلوقأ ميتا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة،
فهذا شرك أكبر أيضا، لأنه لايدعو من كان هذه حاله حتى يعتقد أن له تصرفا خفيا في الكون (1).
قوله: (والاستغاثة بهم)، أي من الشرك أن يستغاث بغير الله، والاستغاثة: طلب العون من جلب خير أو دفع شر، وهي نوع من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله. (2).
ويقيد ذلك فيما لا يقدرعليه المستغاث به إما لكونه ميتا، أولكونه
غائبا، أولكون الأمر مما لايقدر عليه إلا الله.

(1) القول المفيد 1/ 197، 198.
(2) أقسام الناس في العبادة والاستعانة أربعة:
القسم الأول: أن يعبد غير الله ويستغيثه- وإن كان مسلما- فالشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل.
القسم الئاني: أن يعبده ويستعين بغيره مثل كثير من أهل الدين يقصدون طاعة الله ورسوله وعبادته وحده لا شريك له، وتخضع قلوبهم لمن يستشعرون نصرهم ورزقهم وهدايتهم، من جهته: من الملوك والأغنياء والمشايخ.
القسم الثالث: أن يستعينه- وإن عبد غيره- مثل كثير من ذوي الأحوال وذوي القدرة وذوي السلطان الباطن أو الظاهر، وأهل الكشف والتأثير الذين يستعينون ويعتمدون عليه ويسألونه ويلجأون إليه، ولكن مقصدهم غير ما أمر الله به ورسوله، وغير اتباع دينه وشريعته التي بعث الله بها رسوله.
القسم الرابع: الذين لا يعبدرن إلا إياه، ولا يستعينون إلا به. (مجموع الفتاوى 36/1).
يقول ابن تيمية : (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة
أنه لم يشرع لامته أن تدعوأحدا من الأموات ولاالأنبياء،والصالحين ولا غيرهم،لا بلفظ الاشتغاثة ولابغيرها،ولابلفظ الاستعاذة ولابغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا لغيرميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الامور، وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، ولكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخمالفه، ولهذا مابينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلاتفطن وقال:هذاأصل دين الاسلام (1).
ويقول أيضا: (ولايجوزلأحد أن يسشغيث بأحد من المشايخ الغائبين، ولاالميتين، مثل أن يقول:يا سيدي فلانا أغثني،وانصرني،وادفع عني
أوأنا في حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرارمن دين الإسلام، وهولاء المستغيثون بالغائبين والميتين عند قبورهم،غير قبورهم، لما كان من جنس عباد الأوثان، صارالشيطان يضلهم ويغويهم، كما يضل عباد الأوثان ويغويهم(2)، فتتصورالشياطين في صور ذلك المستغاث به، وتخاطبهم بأشياء على سبيل المكاشفة، كما تخاطب الشياطين الكهان، وبعض ذلك صدق، لكن لابد أن يكون في ذلك ماهو كذب، بل الكذب أغلب من الصدق، وقد تقضي الشياطين بعض حاجاتهم، وتدفع عنهم بعض مايكرهونه، فيظن أحدهم أن الشيخ هو الذي جاء من الغيب حتى فعل ذلك، أو يظن أن الله تعالى صور ملكا على صورته فعل ذلك، ويقول أحدهم: هذا سر الشيخ وحاله، وأنما هو الشيطان تمثل على صورته ليضل المشرك به المستغيث به، كما تدخل الشياطين في الأصنام وتكلم عابديها وتقضي بعض حوائجهم، كما كان ذلك في أصنام مشركي العرب). (3).

(1) الرد علىالبكري لابن تيمية ص 387
(2) من أكبر المصائب التي دهت المسلمين في عصورهم المتأخرة تساهل فريق منهم في بناء المساجد والقباب على القبور، ثم إصرارهم على هذه البلية، وهم الآن يستزيدون منها رغم نصح الناصحين، وتبصير المستبصرين لهم، وأنت ترى توافر النصوص وثبوتها في التحذير والنهى عن ذلك، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما اهتم بشيء في مرض موته كاهتمامه بهذا الأمر الخطيرأن تقع فيه أمته، ومع هذا لا نزال نرى لهذه البدعة قبولا وانشارا، ونسمع لها أئمة ودعاة ومنافحين، ولم يقتصر الأمر على مجرد البناء على القبور، بل لقد اتخذت هذه القبور مزارات ومعابد وقبلات، يطاف بها ويدعى فيها المخلوقون من دون الخالق، فنسأل الله أن يطهر بلاد المسلمين وقلوب من ابتلى منهم من هذا الرجس.
(3) مجموع الفناوى 1/ 359.

قوله: (والنذر لهم).أي من أنواع الشرك النذر لغير الله، لأن النذر عبادة لا تكون إلا لله وحده لا شريك له، حيث إن الله تعالى مدح الموفين به، فقال سبحانه: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا)[الإنسان:7]
قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- في بيان هذه الآية:
(إن الله مدح الموفين بالنذر، والله تعالى لا يمدح إلا عل فعل واجب أو مستحب، أو ترك محرم، لا يمدح على فعل المباح المجرد، وذلك هو العبادة، فمن فعل ذلك لغير الله متقربا إليه فقد أشرك.)(1).
ويقول ابن عثيمين عن هذه الآية: (إن الله تعالى أثنى عليهم بذلك، وجعله من الأسباب التي بها يدخلون الجنة، ولا يكون سببا يدخلون به الجنة إلا وهو عبادة، فيقتضي أن صرفه لغير الله شرك)(2).
والنذر لغير الله مثل أن يقول: لفلان علي نذر، أو لهذا القبر علي نذر، أو لجبريل علي نذر، يريد بذلك التقرب إليهم وما أشبه ذلك. وهذا النذر لغير الله لا ينعقد إطلاقا، ولا تجب فيه كفارة، بل هو شرك تجب التوبة منه (3).
قولى: (والذبح لهم) : أي من الشرك الذبح لغير الله تعظيما له وتقربا إليه، لان الذبح إن قصد به التوجه والتقرب إلى الله تعالى وحده فهو من العبادات.
قال ابن عثيمين: (الذبح لغير الله شرك أكبر لأن الذبح عبادة كما أمر الله به في قوله: (فصل لربك وانحر)[ الكوثر:2]،فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له، وتذللا وتقربا إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه عزوجل كان مشركا بالله سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة أو لرسول من الرسل أو لنبي من الأ نبياء أولخليفة من الخلفاء أو لولي من الأولياء أولعالم من العلماء أولقبورالذين يزعمون بأنهم أولياء كل ذلك شرك بالله عزوجل مخرج من الملة (4).

(1) تيسير العزيزالحميد ص 203.
(2) القول المفيد 1/ 317.
(3) انظر المرجع السابق 1/ 316.
(4) انظر مجموعة فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 2/148،149.

من موقع لفضيلة الشيخ / محمد المنجد

آمل من المشرف حذف هذا الرد لأنه حرر بالخطأ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.