ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الســؤال : ما حكــم ما يفعـله بعـض الموظفيــن
والطلاب مــن إحضار أعذار طبية كاذبة ، وفــي
الحقيقة يكون سبب غيابهم ليس مرضيا ،وإنما
لأجل سفر مثلا ، أو نوم ، وهـل يجوز لـو غاب
طالب عن الامتحان بسبب أنــه نـــام ولـم ينتبه
للمنبه مثلا ، وتأخر عـلى موعد الامتحان – أن
يستعـين بالأعذار الطبيــة الكـاذبة لأنــه فـي
الحقيقة معذور ؟
الجــواب : الحمد لله
الــواجــب عـلى المسلـم حفـظ الأمانة وأداؤها ،
ومراقبة الله تعالى في جمـيع أمره ، فيصدق في
قوله وعمله ولا يسلك مسالك الخيانة والشبهة
ولا يرد موارد الظن والريبة .
يقــول الله تعــالــى ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُــرُكُمْ أَن تُــؤدُّواْ
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُــم بَيْــنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُــم بِهِ إِنَّ اللّهَ
كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) النساء/58 .
يقول الحافظ ابن كثيـر رحـمـه الله في " تفسـير
القرآن العظيم" (2/338) :
"يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ،
وفي حــديث الحســن عـن سمــرة أن رسول الله
صلى الله عليـه وسلــم قــال ( أد الأمانة إلى من
ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) رواه الإمام أحمــد
وأهـل السنن ، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة
عـلى الإنسـان : من حقوق الله عـزَّ وجـلَّ عــلى
عـباده مــن الصـلاة والزكاة والصيام والكفارات
والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع
عليه العباد ، ومـن حقــوق العباد بعضهـم عـلى
بعض ، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من
غير اطلاع بينة عـلى ذلك ، فـأمر الله عزَّ وجلَّ
بأدائها ، فمَن لَم يفعل ذلك فـي الدنيا أخذ منه
ذلك يوم القيامة " انتهى .
والتقصير في أداء العمل بالتغيب عنــه أو عــدم
إتمامه أو الإهمال فيه يُعَدُّ من الخيانة المحرَّمة،
فكيف إذا جمع مع ذلك الكذب واختلاق الأعذار
بطريقة أو بأخرى ؟!
يقـول النبي صلـى الله عليه وسلــم ( الْبِرُّ حُسْنُ
الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِـي صَـدْرِكَ وَكَـرِهْتَ أَنْ
يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ) رواه مسلم (2553)
والموظف الـذي يُقَصِّرُ فـي وظيفته ، ثــم يـأتـي
بأعــذارٍ طبيةٍ مختلقةٍ يشعــر فــي قرارةِ قــلبــه
ونفسه بالإثم والخطأ ، ويكـره أن يطَّلِع النــاس
عـلى فعلته ، حتـى مــن المقربين إليــه ، فهــو
يحب أن يظهر بمظهر الأمين الصادق المنتج
الملتزم بوظيفته وعمله .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :ما حكم تقدم
الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة
مرضية وهو غير صادق ؟
فــأجابـوا : " إذا كـان واقــع الموظف كمـا ذكــر
فلا يجوز ذلك ؛لما فيه من الكذب وغش الدولة،
وأخــذ ما يقابل أيــام الإجازة المرضية الكاذبة
من المال بغير حق " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة" (15/152-153)
وسئلوا أيضا (15/153-154) :
" إنني أعمل مدرسا ، وكـذلك زوجتي مدرســـة
– والحمد لله – ، ويحصل بعض الأيام أن نتغيب
كلانا أو أحدنا ، ليس لعذر شرعي وإنمـا بسبب
نوم أو كسل ، وفــي اليـوم التــالي نأتي بأعذار
كاذبة وأحيانا يتغاضى عنا مديرونا ، فما الحكم
فــي ذلك ؟ ومـاذا نعمل بالراتب الذي تقاضيناه
على تلك الأيام التي لم نحضرها للدوام ؟ علما
أننا نندم على غيابنا في ذلك اليــوم ، ونعــزم
على عدم العودة ، ثم نعود أخرى .
فـأجـابــوا : " الواجب على من وُكل إليــه عمل
يتقاضى فـي مقابله راتبا أن يــؤدي العمـل على
الوجه المطلوب ، فإن أخل بذلك مـن غيــر عذر
شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب ؛ لأنه
يأخذه في غير مقابل ، وعليــه : يجــب عليكــم
التوبة ، وعــدم العودة إلى مــا ذكرت ، والتزم
الأمانــة في أداء العمــل الــذي يـوكـل إليــك ،
والتصدق فيما يقابل ما أخذت من راتب بدون
عذر شرعي " انتهى .
وسئلوا أيضا (15/156) :
" كيف يكون الإخلاص في العمل ، وهل هو من
الأمانة المذكورة في القرآن ؟
فـأجابــوا : " الإخــلاص في العمــل الوظيفي أو
المستأجر عليه هو : أداؤه على الوجه المطلوب
والمتفــق عليــه فــي العقد أو النظام الوظيفي ،
وهو من الأمانة التي يجب أداؤها كما في قوله
تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا ) " انتهى .
وقــال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع
الفتاوى" (5/40) :
" الواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق
وإخلاص وعناية وحفظا للوقت ،حتى تبرأ الذمة
ويطيب الكسب ، ويرضـي ربه ، وينصح لدولته
فـي هذا الأمر أو للشركة التي هو فيهـــا أو لأي
جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف
أن يتـقــي الله وأن يــؤدي الأمانة بغاية الإتقان
وغاية النصح ، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه
ويعمل بقوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
ومن خصال أهــل النفاق الخيانة فـي الأمانات ،
كمــا قــال النبــي عـليــه الصـلاة والسلام ( آية
المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف
وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه .
فلا يجـوز للمسلم أن يتشبه بأهــل النفاق ، بــل
يجب عليه أن يبتعد عـــن صفاتهم ، وأن يحافظ
عـلى أمانته ، وأن يـــؤدي عمله بغاية العناية ،
ويحفـظ وقته ولو تساهل رئيسه ، ولو لم يأمره
رئيسه ، فلا يقعد عن العمل أو يتساهل فيه ،بل
ينبغي أن يجتهد حتى يكون خيرا من رئيسه في
أداء العمل ، والنصح في الأمانة ، وحتى يكون
قدوة حسنة لغيره " انتهى .
وليتق الله كــذلك الأطباء الــذين يعينون هــؤلاء
الموظفين المقصرين عــلى تقصيرهم ، فيكتبون
لهــم الأعذار وهــم يعلمــون أنها غيــر حقيقيـة
ولا واقعية ، فيكونون سببا في فساد الموظفين
وتشجيع الإهمال والتقصير وأكل أموال الناس
بالباطل .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فـي " اللقاء
الشهري" (7 / سؤال رقم 4 )
هـل يجــوز للطبيب أن يعطي أحـداً مــن النــاس
إجازة مرضية -وخاصة للموظفين- عندما يكون
هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة ،
وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف
عليه ، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض
إجازة مرضية أكثر مما يستحق ؟
فأجـاب " في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلـم قــال :
( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول
الله . قـــال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ،
وكـان متكئاً فجلـس فقال : وقول الزور وشهادة
الزور ) ولا شـك أن الطبيب إذا أعـطى شخصــاً
إجـازة مرضية وهو ليس بمريض لا شــك أنــه
قـال الزور وشهد شهادة الزور ، وأنه آثم وأتى
كبيرة مـن أكبر الكبائر ، وكــذلك الذي أخذ هذه
الإجــازة آثم وكاذب عــلى الجهات المسئولة ،
وآكل للمال بالباطل ، فـإن الراتب الــذي يقابل
هذه الإجازة أخذه بغير حق ، وكذلك إذا أعطاه
أكثر مما يحتاج ،مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام
إجازة مرضية ويعطيه أربعاً ، فإن هذا حرام
من أكبر الكبائر .
والحقيقة أن الإنسـان كلـمــا فكــر فــي مثـل هذه
الأمـور يعجب كيف يقع هذا فــي شـأن المسلم ،
ألسنا كلنا مسلمين ؟ أليــس ديــن الإسلام يحرم
هـذا ؟ أليس العقـل المجرد عن الإيمان والإسلام
يحرم هــذا ؟ الجواب : بلى ، لكن مع الأسف أن
يقع هـذا من المسلمين ، ويكون وصمة عار في
جبين كـل مسلم .الآن يقول بعض السفهاء : إن
الكفــار أنصــح مــن المسلميــن وأصــدق مـــن
المسلمين وأوفى من المسلمين ، وهـذا قد يكون
صدقاً في بعض الأحيان ،لكننا نقول لهذا : دين
الإسـلام أكمل مــن كــل ما سواه مــن الأديان ،
ومنهج الإسلام خيـر مــن كــل منهج ، وشرعة
الإســلام فوق كـل شريعة ، لكن البلاء من أهل
الإسـلام وليــس مــن الإسلام ، وما دمت رجلاً
أنتمي إلــى الإسلام وأفخر به وأعتز به وأرجو
به ثواب الله ، فلماذا أخالف شريعة الإسلام ؟!
لماذا أقول الزور ؟ لماذا أشهد الزور ؟ لماذا آكل
المال بالباطل ؟ لماذا أخون الجهات المسئولة ؟
كل هذا مما يؤسف له ،وكل هذا مما أوجب تأخر
المسلميـن وتسلط الأعــداء عليهــم . إخــواننــا
المسلمين فـي بعض الجهات الإسلامية ينحرون
نحر الخروف ، يذبحون ذبحاً ،تنتهك حرماتهم،
تسبى ذراريهم ، تغتنم أموالهم ، لماذا ؟ كل هذا
بذنوبنا ومعاصينا .فنسأل الله أن يعاملنا بعفوه
وأن ينصرنا على أعدائنا " انتهى .
والطالب في ذلك كالموظف لا يجوز له أن يكذب
ويأتي بشهادة زور . نسأل الله الهداية للجميع
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ