فلقد فتح الله تعالى لعباده بركات من السماء والأرض وذلل لهم الأرض وبسطها وأخرج منها ماءها ومرعاها وأنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها وملأ جوفها بكنوز من الذهب والفضة وأنواع كثيرة من المعادن، وسخر لهم البحار بجواهرها وأصدافها ،وخلق لهم الأنعام لينتفعوا بألبانها ولحومها وأصوافها وأشعارها وبِرُكُوبها.
قال تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)] الجاثية.
فمن هنا كان لابد من أيدي عاملة لعمارة الأرض ، وإصلاحها.. فلا يستطيع أي مجتمع أن يعيش بغير عمل إذ أنه المصدر الأول للحياة ،لذلك.. حث الإسلام على العمل وكسب الرجل من عمل يده وعلى نفع الناس..
والعمل في منظور الإسلام عبادة ولكن لا ينبغي للجاهل أن يفهم هذه العبادة بمفهوم خاطئ فهي عبادة إذا لم يضيع حقوق الله عز وجل وفرائضه قال تعالى في مدح المؤمنين،[ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)] النور.قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)] الجمعة.
فالإسلام يأمر ويحث على العمل..قال تعالى: [فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)]الملك،وقال تعالى: [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)] الجمعة. قال r: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)خ/1[ 1402 ]،
والعمل سنة الأنبياء والصالحين.. قال r: ( كان زكريا عليه السلام نجارا) رواه مسلم. وقال r (كنت أرعى أغناما لأهل مكة بقراريط) رواه البخاري.
والإسلام يحث أبناءه على أن يعملوا بأيديهم.. وقد حقق ذلك النبي r وصحابته الكرام.. قال r (كنت أرعى أغناما لأهل مكة بقراريط) رواه البخاري. قال r: (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)خ /1[ 1966 ]، قال r: (أطيب الكسب عمل الرجل بيده) صحيح الجامع1/ 1033. وقال r: (اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستغني يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله) صحيح الجامع2/ 8196. واليد العليا هي: المعطية واليد السفلى هي: السائلة. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت:" كان أصحاب رسول الله r عمال أنفسهم" البخاري/1[ 1965 ]، عن أبي هريرة قال: "إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم"خ/1/118، وقال قتادة: "كان القوم يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله"خ/1
كذلك الإسلام يحث على إتقان وإحسان العمل.. قال r: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) صحيح الجامع1/ 1880. قال r: (يحب الله العامل إذا عمل أن يحسن) صحيح الجامع2/ 8037. ويرغب أيضا في نفع الناس.. قال r: (أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله)صحيح الجامع1/ 172. وقال أيضا r: (أحب الناس إلى الله أنفهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب من أن أعتكف شهرا) السلسلة الصحيحة .
وقد رتب الله تعالى للعامل الأجر والثواب على عمله ذاك.. قال r: (إن كان خَرج – أي العامل – يسعى على ولده وصغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان)صحيح الجامع1/ 1445. قال r: (ما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة) صحيح الجامع2/ 5660.
والإسلام يحبب للمسلم العمل.. فيقول r: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان) صحيح الجامع2/ 6650.
والإسلام يفتح باب العمل وفي جميع المجالات..إلا ما كان محرما..أو ما أخذ منه مالا محرما.. قال r: (لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته) صحيح الجامع1/ 2085. وقال r: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) صحيح الجامع2/ 4519. والسحت: الحرام.
فرزق كل إنسان مكتوب له ، ولن يأخذ إنسان رزق آخر..قال r: (إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله) صحيح الجامع1/ 1630. وقال r: (لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.. أخذ الحلال وترك الحرام) صحيح الجامع2/ 7323.
والإسلام يتطلب من المسلم أن يلتزم بالأخلاق الإسلامية في جميع أعماله.. من مراقبة لله تعالى.. والتوكل عليه.. والمسامحة في البيع والشراء..والوفاء والأمانة والصدق.. قال r: (أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا ومقاضيا ومقتضيا) صحيح الجامع1243. وقال r: (رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا قضى سمحا إذا اقتضى) رواه البخاري. وكذلك البعد عن الظلم والربا والرشوة والغش.. قال r: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه هم فيه سواء) صحيح الجامع2/ 5090. وقال أيضا r: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم . وأيضا النصح للجميع..قال r: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) متفق عليه .
وأفضل الأعمال وأشرفها.. الدعوة إلى الله تعالى.. بالكلمة الطيبة أو الابتسامة أو الشريط الإسلامي والكتيبات المناسبة أو بحسن الخلق والمعاملة الطيبة مع الآخرين.
___________________________________________
أشكـركم على تواجدكم الـــــــــرائع