تخطى إلى المحتوى

" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " 2024.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قــــال رسول الله

صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"(1)

يدل هذا الحديث بمنطوقه على أن من لا يرحم الناس لا يرحمه

الله ، وبمفهومه على أن من يرحم الناس يرحمه الله ، كما قال

صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر " الراحمون يرحمهم

الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"(2)

فرحمة العبد للخلق مـن أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله،

التي من آثارها خيرات الدنيا ، وخيرات الآخرة ، وفقدها مـــن

أكبر القواطع والموانع لرحمة الله ، والعبد في غاية الضرورة

والافتقار إلى رحمة الله ، لا يستغني عنها طرفة عين ، وكل

ما هو فيه من النعم واندفاع النقم ، من رحمة الله .

فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها ، فليعمل جميــع الأسباب

التي تنال بها رحمته ، وتجتمع كلها فــي قولــه تعـــالى ( إِنَّ

رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف 56

وهم المحسنون في عبادة الله ، المحسنون إلى عباد الله .

والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم .

والرحمة التي يتصف بها العبد نوعان :

النوع الأول : رحمة غريزية ، قد جبل الله بعض العباد عليها ،

وجعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والحنان على الخلق ، ففعلوا

بمقتضى هذه الرحمة جميع مــا يقــدرون عليـــه مــن نفعهم ،

بحسب استطاعتهم. فهم محمودون مثابون على ما قاموا به،

معذورون على ما عجزوا عنه ، وربما كتب الله لهم بنياتهم

الصادقة ما عجزت عنه قواهم .

والنــوع الثـــانـي : رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كــل طـــريق

ووسيلة ، تجعل قلبه على هذا الوصف ، فيعلم العبد أن هـــــذا

الوصف من أجل مكارم الأخلاق وأكملها ، فيجاهد نفسه عــلى

الاتصاف به ، ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب ، ومــا فــي

فواته من حرمان الثواب ; فيرغب فـــي فضل ربـــه ، ويسعى

بالسبب الذي ينال به ذلك. ويعلم أن الجزاء من جنس العمل ،

ويعلم أن الأخوة الدينية والمحبة الإيمانية ، قــد عقــــدها الله

وربطها بين المؤمنين ، وأمرهم أن يكونوا إخوانا متحابين ،

وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء ، والعداوات ،

والتدابر .

فـــلا يــزال العبـــد يتعرف الأسباب التي يدرك بها هذا الوصف

الجليل، ويجتهد في التحقق به ، حتى يمتلئ قلبه من الرحمة،

والحنان على الخلق . ويا حبذا هذا الخلق الفاضل ، والوصف

الجليل الكامل .

وهــذه الرحمة التــي في القلوب ، تظهر آثارها على الجوارح

واللسان ، فــي السعي في إيصال البر والخير والمنافع إلـــى

الناس ، وإزالة الأضرار والمكاره عنهم .

وعلامة الرحمة الموجودة فــــي قلب العبد ، أن يكـــون محبا

لوصول الخير لكافة الخلق عمومـــا ، وللمؤمنين خصوصا ،

كارها حصول الشر والضرر عليهم . فبقدر هذه المحبة

والكراهة تكون رحمته .

ومن أصيب حبيبه بموت أو غيره من المصائب ، فــإن كـــــان

حزنه عليه لرحمة ، فهو محمود ، ولا ينافي الصبر والرضى ،

لأنه صلى الله عليه وسلم لما بكى لموت ولد ابنته ، قــال لــــه

سعد " ما هذا يا رسول الله ؟" فأتبع ذلك بعبرة أخرى ، وقــال

" هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من

عباده الرحماء " (3) وقال عند موت ابنه إبراهيم " إن العين

تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك

يا إبراهيم لمحزونون " (4) .

وكــذلك رحمة الأطفال الصغار والرقة عليهم ، وإدخال السرور

عليهم من الرحمة، وأما عدم المبالاة بهم، وعدم الرقة عليهم،

فمن الجفاء والغلظة والقسوة ، كمــا قـال بعض جفاة الأعراب

حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقبلون أولادهم

الصغار ، فقال ذلك الأعرابي : تقبلون الصبيان ؟ فما نقبلهم ،

فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوأملك لك شيئا أن نزع

الله من قلبك الرحمة ؟ " (5)

ومن الرحمة : رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب، الذي كاد

يأكل الثرى من العطش ، فغفر الله لها بسبب تلك الرحمة .

وضــدهـــا : تعذيب المرأة التي ربطت الهرة ، لا هي أطعمتها

وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت .

ومــن ذلك مــا هــو مشاهد مجرب ، أن من أحسن إلى بهائمه

بالإطعام والسقي والملاحظة النافعة ، أن الله يبارك لــه فيها .

ومن أساء إليها : عوقب في الدنيا قبل الآخرة ، وقــال تعــالى

( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ

نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ

أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة : 32

وذلك لما في قلب الأول من القسوة والغلظة والشر ، ومـا فـي

قلب الآخر من الرحمة والرقة والرأفة ، إذ هو بصدد إحياء كل

من له قدرة على إحيائه من الناس ، كما أن ما في قلب الأول

من القسوة ، مستعد لقتل النفوس كلها .

فنسأل الله أن يجعل في قلوبنا رحمة توجب لنا سلوك كل باب

من أبواب رحمة الله ، ونحنو بها على جميع خلق الله ، وأن

يجعلها موصلة لنا إلى رحمته وكرامته ، إنه جواد كريم .

كتـــــاب : بهجة قــلـــوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح

جوامع الأخبار(ص169) للشيخ عبد الرحمن السعدي (بتصرف)

….

(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ك الفضائل ، ب رحمته صلى الله عليه و سلم

الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك ، ص 1268 / ح 2319 )

من حديث جرير بن عبد الله .

(2) أخرجه الترمذي في الجامع ( ك البر والصلة ، ب ما جاء في رحمة

الناس ، ص 1845 / ح 1924 ) من حديث عبد الله بن عمرو ،

وقال الألباني : صحيح .

(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الجنائز ، ب قول النبي صلى الله عليه

و سلم ( يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه ) ، ص 251 / ح 1284)

من حديث أسامة بن زيد

(4)أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الجنائز ، ب قول النبي صلى الله عليه

و سلم ( إنا بك لمحزنون ) ، ص 254 / ح 1303)

من حديث أنس بن مالك

(5) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الآداب ، ب رحمة الولد وتقبيله

ومعانقته ، ص 1162 / ح 5998 ) من حديث عائشة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
موضوع رائع أختي

لاكي

جزاك الله خيرا
جزاك الله الجنان العلى ونفع بعلمك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.