ما هي وسائل إصلاح البيوت ؟.
وإليك أيها القارئ الكريم الجواب ، نصائح في هذا المجال عسى الله أن ينفع بها ، وأن يوجه جهود أبناء الإسلام لبعث رسالة البيت المسلم من جديد .
وهذه النصائح تدور على أمرين : إما تحصيل مصالح ، وهو قيام بالمعروف ، أو درء مفاسد وهو إزالة للمنكر .
وهذا أوان الشروع في المقصود .
تكوين البيت
نصيحة "1" : حسن اختيار الزوجة
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " سورة النور الآية 32
ينبغي على صاحب البيت انتقاء الزوجة الصالحة بالشروط التالية :
" تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجملها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه .
"الدنيا كلها متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم 1468
" ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة " رواه أحمد " 5/282" والترمذي وابن ماجه عن ثوبان صحيح الجامع 5231
وفي رواية " وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس " رواه البيهقي صحيح الجامع 4285
" تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة " رواه أحمد و هو صحيح الإرواء 6/ 195
" عليكم بالأبكار فإنهن أنتق رحما ، وأعذب أفواها ، وأرضى باليسير " . وفي رواية " وأقل خبا " أي : خداعا رواه ابن ماجة السلسلة الصحيحة 623
وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة ، فالمرأة السوء واحدة من أربع من الشقاء ، كما جاء في الحديث الصحيح و فيه قوله : " فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك ، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك ، ومن السقاء : المرأة التي تراها فتسوؤك ، وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك " رواه ابن حبان وهو في السلسلة الصحيحة 282
وفي المقابل لابد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة ، والموافقة عليه حسب الشروط التالية :
" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
ولابد في كل ما سبق من حسن السؤال وتدقيق البحث وجمع المعلومات والتوثق من المصادر والأخبار حتى لا يفسد البيت أو ينهدم .
والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا .
نصيحة " 2 " السعي في إصلاح الزوجة
إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت وهذا من فضل الله ، وإن لم تكن بذاك الصلاح ، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها . وقد يحدث هذا في حالات منها :
أن يتزوج الرجل امرأة غير متدينة أصلا ؛ لكونه لم يكن مهتما بموضوع التدين هو نفسه في مبدأ أمره ، أو أنه تزوجها على أمل أن يصلحها ، أو تحت ضغط أقربائه مثلا ، فهنا لابد من التشمير في عملية الإصلاح .
ولابد أن يعلم الرجل أولا أن الهداية من الله ، والله هو الذي يصلح ، ومن منه على عبده زكريا قوله فيه : " وأصلحنا له زوجه " سورة الأنبياء ، الآية 90
سواء كان إصلاحا بدنيا أو دينيا ، قال ابن عباس : كانت عاقرا لا تلد فولدت ، وقال عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله ولاستصلاح الزوجة وسائل منها :
الاعتناء بتصحيح عبادتها لله بأنواعها على ما سيأتي تفصيله .
السعي لرفع إيمانها في مثل :
حضها على قيام الليل .
وتلاوة الكتاب العزيز .
وحفظ الأذكار والتذكير بأوقاتها ومناسباتها .
وحثها على الصدقة .
قراءة الكتب الإسلامية النافعة .
سماع الأشرطة الإسلامية المفيدة ؛ العلمية منها والإيمانية ومتابعة إمدادها بها .
اختيار صاحبات لها من أهل الدين تعقد معهن أواصر الاخوة ، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة .
درء الشر عنها وسد منافذه عليها ، بإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء .
الإيمانيات في البيت
نصيحة " 3 " : اجعل البيت مكانا لذكر الله
قال صلى الله عليه وسلم :tput("".gettempي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " .
فلابد من جعل البيت مكانا للذكر بأنواعه ؛ سواء ذكر القلب ، وذكر اللسان ، أو الصلوات وقراءة القرآن ، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة .
وكم من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذكر الله فيها ، كما جاء في الحديث ، بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء ، والغيبة والبهتان والنميمة ؟! …
وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات ، كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم ، أو الجيران الذين يدخلون البيت ؟!
كيف تدخل الملائكة بيتا هذا حاله ؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر .
نصيحة " 4 " : اجعلوا بيوتكم قبلة
والمقصود اتخاذ البيت مكانا للعبادة .
قال الله – عز وجل – : " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " سورة يونس الآية 87
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها مساجد .
قال ابن كثير : " وكان هذا – والله أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه ، وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة الصلاة كما قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " سورة البقرة الآية 153 . وفي الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " .
وهذا يبين أهمية العبادة في البيوت وخصوصا في أوقات الاستضعاف ، وكذلك ما يحصل في بعض الأوضاع عندما لا يستطيع المسلمون إظهار صلاتهم أمام الكفار . ونتذكر في هذا المقام أيضا محراب مريم وهو مكان عبادتها الذي قال الله فيه : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " سورة آل عمران الآية 37
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحرصون على الصلاة في البيوت – في غير الفريضة – وهذه قصة معبرة في ذلك : عن محمود بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن مالك – وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم ، وهو ممن شهدوا بدرا من الأنصار- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! قد أنكرت بصري وأنا اصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ، وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سأفعل – إن شاء الله – " . قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : " أين تحب أن أصلي في بيتك ؟ " قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فكبر ، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم . رواه البخاري الفتح 1/519
نصيحة " 5 " : التربية الإيمانية لأهل البيت
عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23
وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء " . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488
وترغيب النساء في البيت بالصدقة مما يزيد الإيمان ، وهو أمر عظيم حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " . رواه البخاري ، الفتح 1/405
ومن الأفكار المبتكرة وضع صندوق للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين ، فيكون كل ما دخل فيه ملكا للمحتاجين ؛ لأنه وعاؤهم في بيت المسلم . وإذا رأى أهل البيت قدوة بينهم يصوم أيام البيض ، والاثنين والخميس ، وتاسوعاء ، وعاشوراء ، وعرفة ، وكثيرا من المحرم وشعبان ، فسيكون دافعا لهم على الاقتداء به .
نصيحة " 6 " : الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت
ومن أمثلة ذلك :
أذكار دخول المنزل
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت والعشاء " . رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3
أذكار الخروج من المنزل
روى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له : حسبك قد هديت ، وكفيتtput("".gettempله الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟ " . رواه أبو داود والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499
السواك
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم كتاب الطهارة باب 15 رقم 44
نصيحة " 7 " : مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه
وفي هذا عدة أحاديث ومنها :
فال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم 1/539
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقروا سورة البقرة في بيوتكم ، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة " . رواه الحاكم في المستدرك 1/561 و هو في صحيح الجامع 1170
وعن فضل الآيتين الأخيرتين منها ، وأثر تلاوتهما في البيت قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، وهو عند العرش ، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان " رواه الإمام أحمد في المسند 4/274 و غيره و هو في صحيح الجامع 1799
العلم الشرعي في البيت (يتبع………………….
فريضة شرعية لابد أن يقوم بها رب الأسرة إنفاذا لأمره تعالى في الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " سورة التحريم ، الآية :6 وهذه الآية أصل في تعليم أهل البيت وتربيتهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وإليك أيها القارئ الكريم بعضا مما قاله المفسرون في هذه الآية ، بشأن ما يجب على رب الأسرة :
قال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصيته ، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ، ويساعدهم عليه .
وقال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه .
وقال علي – رضي الله عنه – : علموهم وأدبوهم .
و قال الكيا الطبري – رحمه الله – : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على تعليم الإماء وهن أرقاء ؛ فما بالك بأولادك وأهلك الأحرار .
قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه : باب تعليم الرجل أمته وأهله . ثم ساق حديثه صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لهم أجران .. ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران "
قال ابن حجر – رحمه الله – في شرح الحديث : مطابقة الحديث للترجمة – أي عنوان الباب – في الأمة بالنص ، وفي الأهل بالقياس ، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء .
وفي غمرة مشاغل الرجل ووظيفته وارتباطاته قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله ، فمن الحلول لهذا أن يخصص يوما يجعله موعدا عاما لأهل البيت ، وحتى غيرهم من الأقرباء لعقد مجلس علم في البيت ، ويعلم الجميع بهذا الموعد ، فينضبط حضورهم فيه ، ويتشجعوا لإتيانه ، ويصبح ملزما أمامهم ، وعند نفسه بالحضور ، وإليك ما حصل منه صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن .
قال البخاري – رحمه الله – : باب هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم ، وساق حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : " غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوما من نفسك ، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن "
قال ابن حجر : ووقع في رواية سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال : " موعدكن بيت فلانة ، فأتاهن فحدثهن " . فتح الباري 1/195
ويؤخذ من الحديث تعليم النساء في البيوت ، وحرص نساء الصحابة على التعلم ، وأن توجيه الجهود إلى الرجال فقط دون النساء تقصير كبير من الدعاة وأرباب البيوت .
وقد يقول بعض القراء : هب أننا خصصنا يوما ، وأخبرنا أهلينا بذلك ، فما الذي يقدم في هذه الجلسات ؟ وكيف نبدأ ؟
وجواباً لذلك أعرض عليك أخي القارئ الكريم اقتراحا في هذا الشأن يكون منهجا مبسطا ، لتدريس أهل البيت عموما ، وللنساء خصوصا .