{ تفسير ما تيسر من سورةالحشر}
______________________
شرح الكلمات:
{سبح لله ما في السموات وما في الأرض}: أي نزّه الله تعالى وقدَّسَهُ بلسان الحال والقال ما في السموات وما في الأرض من سائر الكائنات.
{وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز في اتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه.
{هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم}: أي أخرج يهود بني النضير من ديارهم بالمدينة.
{لأول الحشر}: أي لأول حشر كان وثانى حشر كان من خيبر إلى الشام.
{ما ظننتم أن يخرجوا}: أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن بني النضير يخرجون من ديارهم.
{وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله}: أي وظن يهود بني النضير أن حصونهم تمنعهم مما قضى الله به عليهم من إجلائهم من المدينة.
{فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}: أي فجاءهم الله من حيث لم يظنوا أنهم يؤتون منه.
{وقذف في قلوبهم الرعب}: أي وقذف الله تعالى الخوف الشديد من محمد وأصحابه.
{يخربون بيوتهم بأيديهم}: أي يخربون بيوتهم حتى لا ينتفع بها المؤمنون وليأخذوا بعض أبوابها وأخشابها المستحسنة معهم.
{وأيدى المؤمنين}: إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم.
{فاعتبروا يا أولى الأبصار}: أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ولا تغتروا ولا تعتمدوا إلا على الله سبحانه وتعالى. الجزائرى
سبب نزول الآيات
*هذه السورة تسمى { سورة بني النضير } وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة، وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، كفروا به في جملة من كفر من اليهود، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هادن سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة، فلما كان بعد وقعة بدر بستة أشهر أو نحوها، خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، فخلا بعضهم ببعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا، فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، وجاء الوحي على الفور إليه من ربه، بما هموا به، فنهض مسرعا، فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه، فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت يهود به.
_ وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه".
_ فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي بن سلول : "أن لا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان".
وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قال له، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
_ فكبر رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه، ونهضوا إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء.
فأقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة، وخانهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم وحرق. فأرسلوا إليه: نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا منها بنفوسهم، وذراريهم، وأن لهم ما حملت إبلهم إلا السلاح، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأموال والسلاح.
_ وكانت بنو النضير، خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنوائبه ومصالح المسلمين، ولم يخمسها، لأن الله أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وأجلاهم إلى خيبر وفيهم حيي بن أخطب كبيرهم، واستولى على أرضهم وديارهم، وقبض السلاح، فوجد من السلاح خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا، هذا حاصل قصتهم كما ذكرها أهل السير.
__________________________________________________ __
0 فافتتح تعالى هذه السورة بالإخبار أن جميع من في السماوات والأرض تسبح بحمد ربها، وتنزهه عما لا يليق بجلاله، وتعبده وتخضع لجلاله لأنه العزيز الذي قد قهر كل شيء، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يستعصي عليه مستعصي الحكيم في خلقه وأمره، فلا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه، ولا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته.
0 ومن ذلك، نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم على الذين كفروا من أهل الكتاب من بني النضير حين غدروا برسوله فأخرجهم من ديارهم وأوطانهم التي ألفوها وأحبوها.
0 وكان إخراجهم منها أول حشر وجلاء كتبه الله عليهم على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فجلوا إلى خيبر، ودلت الآية الكريمة أن لهم حشرا وجلاء غير هذا، فقد وقع حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر، ثم عمر رضي الله عنه، [أخرج بقيتهم منها].
0 { مَا ظَنَنْتُمْ } أيها المسلمون { أَنْ يَخْرُجُوا } من ديارهم، لحصانتها، ومنعتها، وعزهم فيها.
{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ } فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع.
0 ولهذا قال: { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } أي: من الأمر والباب، الذي لم يخطر ببالهم أن يؤتوا منه، وهو أنه تعالى { قذف فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } وهو الخوف الشديد، الذي هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة، ولا قوة ولا شدة، فالأمر الذي يحتسبونه ويظنون أن الخلل يدخل عليهم منه إن دخل هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال فأتاهم أمر سماوي نزل على قلوبهم، التي هي محل الثبات والصبر، أو الخور والضعف، فأزال الله قوتها وشدتها، وأورثها ضعفا وخورا وجبنا، لا حيلة لهم ولا منعة معه فصار ذلك عونا عليهم، ولهذا قال: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وذلك أنهم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، على أن لهم ما حملت الإبل.
0 فنقضوا لذلك كثيرا من سقوفهم، التي استحسنوها، وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على إخراب ديارهم وهدم حصونهم، فهم الذين جنوا على أنفسهم، وصاروا من أكبر عون عليها،
_{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } أي: البصائر النافذة، والعقول الكاملة، فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لم يصبهم جميع ما يستحقون من العقوبة، وأن الله خفف عنهم.
من هداية الآيات:
1- بيان جلال الله وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي إجلاء بني النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلاءتم لهم وسيعقبه حشرٌ ثانٍ وثالثٌ.
2- بيان أكبر عبرة في خروج بنى النضير، وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمنون من ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلاد والاموال ورحلوا إلى غير رجعة. فعلى مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه لا قوة تنفع مع قوة الله، فلا يغتر العقلاء بقواهم المادية بل عليهم أن يعتمدوا على الله أولاً وآخراً.
تفسير
السعدى
الجزائرى
الآيات من (2:5)
{وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)}
شرح الكلمات:
{وأيدى المؤمنين}: إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم.
{فاعتبروا يا أولى الأبصار}: أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ولا تغتروا ولا تعتمدوا إلا على الله سبحانه وتعالى.
{ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء}: أي ولولا أن كتب الله عليهم الخروج من المدينة.
{لعذبهم في الدنيا}: أي بالقتل والسبيّ كما عذب بنى قريظة إخوانهم بذلك.
{ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله}: جزاهم بما جزاهم به من عذاب الدنيا والآخرة بسبب مخالفتهم لله ورسوله ومعاداتهم لهما.
{ما قطعتم من لينة أو تكتموها}: أي ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع.
{فبإذن الله وليخزى الفاسقين}: أي فقطع ما قطعتم وترك ما تركتم كان بإِرادة الله وكان ليجزي الله الفاسقين يهود بني النضير.
معنى الآيات
_وقوله تعالى في خطاب المؤمنين: {ما ظننتم أن يخرجوا} أي من ديارهم وظنوا هم أنهم مانعتهم حصونهم من الله. فخاب ظنهم إذ أتاهم أمر الله من حيث لم يظنوا وذلك بأن قذف في قلوبهم الرعب والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.
_المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلاد وهم يخبرونها من الباطن وذلك أن الصلح الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إلا الحلقة أي السلاح ويجلون عن البلاد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أحبم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب البيت لذلك.
_ وقوله تعالى: {فاعتبروا يا أولى الأبصار} أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بني النضير الأقوياء كيف قذف الله الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولى البصائر فلا تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه.
_وقوله تعالى: {ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء} أزلا في اللوح المحفظ لعذبهم في الدنيا بالسبي والقتل كما عذب بنى قريظة بعدهم. ولهم في الآخرة عذاب النار، ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي أنزله وينزله بهم بقوله: {ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} أي خالفوهما وعادوهما، ومن يشاق الله يعاقبه بأشد العقوبات فإن الله شيد العقاب.
وقوله تعالى: {ما قطعتم من لينة} أي من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع قائمة على أصولها فقد كان ذلك بإن الله فلا إثم عليكم فيه فقد أسرّ به المؤمنين وأخزى به الفاسقين اليهود. الجزائرى
فى ظلال الآيات
1_ قوله تعالى_(فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا . وقذف في قلوبهم الرعب).فيا من تهابون دولة اسرائيل اليوم وتقولون اين نحن منهم هذا درس لكم.
_أتاهم من داخل أنفسهم ! لا من داخل حصونهم ! أتاهم من قلوبهم فقذف فيها الرعب , ففتحوا حصونهم بأيديهم ! وأراهم أنهم لا يملكون ذواتهم , ولا يحكمون قلوبهم , ولا يمتنعون على الله بإرادتهم وتصميمهم ! فضلا على أن يمتنعوا عليه ببنيانهم وحصونهم . وقد كانوا يحسبون حساب كل شيء إلا أن يأتيهم الهجوم من داخل كيانهم .
_ فهم لم يحتسبوا هذه الجهة التي أتاهم الله منها .
_ وهكذا حين يشاء الله أمرا . يأتي له من حيث يعلم ومن حيث يقدر , وهو يعلم كل شيء , وهو على كل شيء قدير . فلا حاجة إذن إلى سبب ولا إلى وسيلة , مما يعرفه الناس ويقدرونه .
_ فالسبب حاضر دائما والوسيلة مهيأة . والسبب والنتيجة من صنعه , والوسيلة والغاية من خلقه ; ولن يمتنع عليه سبب ولا نتيجة , ولن يعز عليه وسيلة ولا غاية . . . وهو العزيز الحكيم . .
ولقد تحصن الذين كفروا من أهل الكتاب بحصونهم فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب . ولقد امتنعوا بدورهم وبيوتهم فسلطهم الله على هذه الدور والبيوت يخربونها بأيديهم , ويمكنون المؤمنين من إخرابها.
_______________
2_قوله تعالى_(ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله . ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب). .
هكذا تستقر في القلوب حقيقة مصائر المشاقين لله في كل أرض وفي كل وقت . من خلال مصير الذين كفروا من أهل الكتاب , وما استحقوا به هذا العقاب .
_______________
3_قوله:قوله تعالى_(الذين كفروا من أهل الكتاب)وتكرار هذه الصفة في السورة .
_ فهي حقيقة لأنهم كفروا بدين الله في صورته العليا التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان اليهود ينتظرونها ويتوقعونها .
_وذكر هذه الصفة في الوقت نفسه يحمل بيانا بسبب التنكيل بهم ; كما أنه يعبئ شعور المسلمين تجاههم تعبئة روحية تطمئن لها قلوبهم فيما فعلوا معهم , وفيما حل بهم من نكال وعذاب على أيديهم . فذكر هذه الحقيقة هنا مقصود ملحوظ !
_________________
3_قوله تعالى_(مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (5)
أو تركه كذلك قائما , وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا:
(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله , وليخزي الفاسقين). . واللينة الجيدة من النخل , أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود , وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك .
_وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص , يطمئن القلوب .
_ فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ; وأراد فيها ما أراد , وأنفذ فيها ما قدره , وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ; وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .
بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة , وتشفى صدورهم مما حاك فيها , وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد . الظلال
من هداية الآيات
2- علة هزيمة بني النضير ليست إلا محادتهم لله والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في كل من يحاده رسوله فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات.
3- عفو الله تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته، فقد اجتهد المؤمنون في قطع نخل بني النضير من أجل إغاظتهم حتى ينزلوا من حصونهم. وأخطأوا في ذلك إ قطع النخل المثمر فساد، ولكن الله تعالى لم يؤاخذهم لأنهم مجتهدون.الجزائرى
______________
تفسير
الظلال
الجزائرى
Attached Images
تفسير الآيات (6- 7):
{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}
شرح الكلمات:
*{وما أفاء الله على رسوله منهم}: وما رد الله ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير.وكلمة ردّ تفسير لكلمة أفاء لأن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يُردّ
*{فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}: أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خيلاً ولا إبلاً أي تعانوا فيه مشقة.
*{ولكن الله يسلط رسله على من يشاء}: أي وقد سلط رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم على بني النضير ففتح بلادهم صلحاً.
*{وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى}: أي وما رد الله على رسوله من أموال أهل القرى التي لم يوجف عليها بخيل ولا رِكابٍ.
*{فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}: أي لله جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتتامى جزء وللمساكين جزء ولابن السبيل جزء تقسم على المذكورين بالسوية.
*{كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}: أي كيلا يكون المال متداولاً بين الإغنياء الأقوياء ولا يناله الضعفاء والفقراء.
*{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}: أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه.
*{واتقوا الله إن الله شديد العقاب}: أي واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله وأحذروا عقوبة الله على معصيته ومعصية رسوله فإن الله شديد العقاب.
معنى الآيات:
( 6 ) وما أفاءه الله على رسوله من أموال يهود بني النضير، فلم تركبوا لتحصيله خيلا ولا إبلا ولكن الله يسلِّط رسله على مَن يشاء مِن أعدائه، فيستسلمون لهم بلا قتال، والفيء ما أُخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
( 7 ) ما أفاءه الله على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غير ركوب خيل ولا إبل فلله ولرسوله، يُصْرف في مصالح المسلمين العامة، ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليتامى، وهم الأطفال الفقراء الذين مات آباؤهم، والمساكين، وهم أهل الحاجة والفقر، وابن السبيل، وهو الغريب المسافر الذي نَفِدت نفقته وانقطع عنه ماله؛ وذلك حتى لا يكون المال ملكًا متداولا بين الأغنياء وحدهم، ويحرم منه الفقراء والمساكين.
*قوله( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }
أى وما أعطاكم الرسول من مال، أو شرعه لكم مِن شرع، فخذوه، وما نهاكم عن أَخْذه أو فِعْله فانتهوا عنه، واتقوا الله بامتثال أوامره وترك نواهيه. إن الله شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره ونهيه. والآية أصل في وجوب العمل بالسنة: قولا أو فعلا أو تقريرًا. وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته،
_وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح والدنيا والآخرة ، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال:
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى.
فى ظلال الآيات
0 من حكمة الله اعطاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الغنائم فقد كانوا غير كل المسلمين : فالصدقات لا تحل لهم , فليس لهم في الزكاة نصيب , وأن كان النبي لا يورث فليس لذوي قرابته من ماله شيء . وفيهم الفقراء الذين لا مورد لهم . فجعل لهم من خمس الغنائم نصيبا , كما جعل لهم من هذا الفيء وأمثاله نصيبا .
0 قوله (ولكن الله يسلط رسله على من يشاء). .
بهذا يتصل شأن الرسل بقدر الله المباشر ; . ويتبين أنهم – ولو أنهم بشر – متصلون بإرادة الله ومشيئته اتصالا خاصا , يجعل لهم دورا معينا في تحقيق قدر الله في الأرض , بإذن الله وتقديره . فما يتحركون بهواهم , وما يأخذون أو يدعون لحسابهم . وما يغزون أو يقعدون , وما يخاصمون أو يصالحون , إلا لتحقيق جانب من قدر الله في الأرض منوط بهم وبتصرفاتهم وتحركاتهم في هذه الأرض . والله هو الفاعل من وراء ذلك كله . وهو على كل شيء قدير . .
0 (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).
_هذه الآية تضع قاعدة كبرى من قواعد التنظيم الإقتصادي والإجتماعي في المجتمع الإسلامي.
_قاعدة التنظيم الاقتصادي , تمثل جانبا كبيرا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام .
_ فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية . ولكنها محددة بهذه القاعدة . قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء , ممنوعا من التداول بين الفقراء . فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الإغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله . وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تبقي عليه إن وجد .
_ولقد أقام الإسلام بالفعل نظامه على أساس هذه القاعدة . ففرض الزكاة . وجعل حصيلتها في العام اثنين ونصفا في المئة من أصل رؤوس الأموال النقدية , وعشرة أو خمسة في المئة من جميع الحاصلات . وما يعادل ذلك في الأنعام . وجعل الحصيلة في الركاز وهو كنوز الأرض مثلها في المال النقدي . وهي نسب كبيرة . ثم جعل أربعة أخماس الغنيمة للمجاهدين فقراء وأغنياء بينما جعل الفيء كله للفقراء . وجعل نظامه المختار في إيجار الأرض هو المزارعة – أي المشاركة في المحصول الناتج بين صاحب الأرض وزارعها . وجعل للإمام الحق في أن يأخذ فضول أموال الأغنياء فيردها على الفقراء .
_ وأن يوظف في أموال الأغنياء عند خلو بيت المال . وحرم الاحتكار . وحظر الربا . وهما الوسيلتان الرئيسيتان لجعل المال دولة بين الأغنياء .
وعلى الجملة أقام نظامه الاقتصادي كله بحيث يحقق تلك القاعدة الكبرى التي تعد قيدا أصيلا على حق الملكية الفردية بجانب القيود الأخرى .
ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية , ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي , كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولا عنه , فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقا بدون ربا وبدون احتكار , إنما هو نظام خاص من لدن حكيم خبير . نشأ وحده . وسار وحده , وبقي حتى اليوم وحده . نظاما فريدا متوازن الجوانب , متعادل الحقوق والواجبات , متناسقا تناسق الكون كله . مذ كان صدوره عن خالق الكون . والكون متناسق موزون !
0 (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). .
_ وهذه الآية قاعدة تلقي الشريعة من مصدر واحد:
فهي كذلك تمثل النظرية الدستورية الإسلامية . فسلطان القانون في الإسلام مستمد من أن هذا التشريع جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا أو سنة .
_والأمة كلها والإمام معها لا تملك أن تخالف عما جاء به الرسول . فإذا شرعت ما يخالفه لم يكن لتشريعها هذا سلطان , لأنه فقد السند الأول الذي يستمد منه السلطان . . _وهذه النظرية تخالف جميع النظريات البشرية الوضعية , بما فيها تلك التي تجعل الأمة مصدر السلطات , بمعنى أن للأمة أن تشرع لنفسها ما تشاء , وكل ما تشرعه فهو ذو سلطان . فمصدر السلطات في الإسلام هو شرع الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والأمة تقوم على هذه الشريعة وتحرسها وتنفذها – والإمام نائب عن الأمة في هذا – وفي هذا تنحصر حقوق الأمة . فليس لها أن تخالف عما آتاها الرسول في أي تشريع .
(واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
. وهذا هو الضمان الأكبر الذي لا احتيال عليه , ولا هروب منه . فقد علم المؤمنون أن الله مطلع على السرائر , خبير بالأعمال , وإليه المرجع والمآب . وعلموا أنه شديد العقاب . وعلموا أنهم مكلفون ألا يكون المال دولة بينهم , وأن يأخذوا ما آتاهم الرسول عن رضى وطاعة , وأن ينتهوا عما نهاهم عنه في غير ترخص ولا تساهل وأمامهم يوم عصيب . .
من هداية الآيات
1- بيان أن مال بني النضير كان فيئاً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الآية.
3- وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق أحكامه والاستننان بسننه المؤكدة وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان ان ابن مسعود رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلف الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغنى انك لعنت كيت وكيت. فقال: مالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، قال إن كنت قرأته فقد وجدته.
أما قرأت قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} قالت: بلى. قال: فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه. أي الوشم إلخ.
تفسير
السعدى «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
التفسير الميسر للقرآن الكريم
جزاك الله خيرا ونفع بك
تفسير ما تيسر من سورة الحشر
.تفسير الآيات (8- 10):
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا إلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
. شرح الكلمات:
(يبتغون فضلا من الله ورضوانا): أي هاجروا حال كونهم طالبين من الله رزقاً يكفيهم ورضا منه تعالى.
{أولئك هم الصادقون}: أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون الله ورسوله.
{والذين تبوءوا الدار والإِيمان}: أي والأنصار الذين نزلوا المدينة ألِفُوا الإيمان بعدما اختاروه على الكفر.
{من قبلهم}: أي من قبل المهاجرين.
{ولا يجدون في صدورهم حاجة}: أي حسداً ولا غيظاً.
{مما أوتوا}: أي مما أوتى أخوانهم المهاجرون من فيء بني النضير.
{ويؤثرون على أنفسهم}: أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما ليزوجها مهاجراً.
{ولو كان بهم خصاصة}: أي حاجة شديدة وخلَّة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به.
{ومن يوق شح نفسه}: أي ومن يقه الله تعالى حرص نفسه على المال والبخل به.
{والذين جاءوا من بعدهم}: أي من بعد المهاجرين والأنصار من التابعين إلى يومنا هذا فما بعد.
{ولا تجعل في قلوبنا إلا للذين آمنوا} أي حقداً أي انطواء على العداوة والبغضاء.
( 8 ) وكذلك يُعطى من المال الذي أفاءه الله على رسوله الفقراء المهاجرون، الذين اضطرهم كفار "مكة" إلى الخروج من ديارهم وأموالهم يطلبون من الله أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا والرضوان في الآخرة، وينصرون دين الله ورسوله بالجهاد في سبيل الله، أولئك هم الصادقون الذين صدَّقوا قولهم بفعلهم.
( 9 ) والذين استوطنوا "المدينة"، وآمنوا من قبل هجرة المهاجرين -وهم الأنصار- يحبون المهاجرين، ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حسدًا لهم مما أُعْطوا من مال الفيء وغيره، ويُقَدِّمون المهاجرين وذوي الحاجة على أنفسهم، ولو كان بهم حاجة وفقر، ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال فأولئك هم الفائزون الذين فازوا بمطلوبهم.
( 10 ) والذين جاؤوا من المؤمنين من بعد الأنصار والمهاجرين الأولين يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، واغفر لإخواننا في الدين الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا حسدًا وحقدًا لأحد من أهل الإيمان، ربنا إنك رؤوف بعبادك، رحيم بهم. وفي الآية دلالة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر سلفه بخير، ويدعو لهم، وأن يحب صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويذكرهم بخير، ويترضى عنهم.
_القرآن لا يذكر الأحكام جافة مجردة , إنما يوردها في جو حي يتجاوب فيه الأحياء . ومن ثم أحاط كل طائفة من هذه الطوائف الثلاث بصفاتها الواقعية الحية التي تصور طبيعتها وحقيقتها ; وتقرر الحكم حيا يتعامل مع هؤلاء الأحياء:
(للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم …الآية)
وهي صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين . . أخرجوا إخراجا من ديارهم وأموالهم . أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة . لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله . . . وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم (يبتغون فضلا من الله ورضوانا)اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه . لا ملجأ لهم سواه , ولا جناب لهم إلا حماه . . وهم مع أنهم مطاردون قليلون (ينصرون الله ورسوله). . بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات . (أولئك هم الصادقون). . الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم , وصدقوها بعملهم . وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه . وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه . وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض ويراها الناس !
(والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم …الآية)
وهذه كذلك صورة وضيئة صادقة تبرز أهم الملامح المميزة للأنصار . هذه المجموعة التي تفردت بصفات , وبلغت إلى آفاق , لولا أنها وقعت بالفعل , لحسبها الناس أحلاما
الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم . . أي دار الهجرة . يثرب مدينة الرسولصلى الله عليه وسلم وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين
. كما تبوأوا فيها الإيمان . وكأنه منزل لهم ودار . وهو تعبير ذو ظلال . وهو أقرب ما يصور موقف الأنصار من الإيمان . لقد كان دارهم ونزلهم ووطنهم الذي تعيش فيه قلوبهم , وتسكن إليه أرواحهم , ويثوبون إليه ويطمئنون له , كما يثوب المرء ويطمئن إلى الدار .
(يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا). .
ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثا جماعيا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين . بهذا الحب الكريم . وبهذا البذل السخي . وبهذه المشاركة الرضية . وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء . حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة . لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين !
(ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا). . مما يناله المهاجرون من مقام مفضل في بعض المواضع , ومن مال يختصون به كهذا الفيء , فلا يجدون في أنفسهم شيئا من هذا . ولا يقول:حسدا ولا ضيقا . إنما يقول
شيئا). مما يلقي ظلال النظافة الكاملة لصدورهم والبراءة المطلقة لقلوبهم , فلا تجد شيئا أصلا .
(ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). . والإيثار على النفس مع الحاجة قمة عليا . وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرا . وكانوا كذلك في كل مرة وفي كل حالة بصورة خارقة لمألوف البشر قديما وحديثا .
(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). .
فهذا الشح . شح النفس . هو المعوق عن كل خير . لأن الخير بذل في صورة من الصور . بذل في المال . وبذل في العاطفة . وبذل في الجهد . وبذل في الحياة عند الاقتضاء . وما يمكن أن يصنع الخير شحيح يهم دائما أن يأخذ ولا يهم مرة أن يعطي . ومن يوق شح نفسه , فقد وقي هذا المعوق عن الخير , فانطلق إليه معطيا باذلا كريما . وهذا هو الفلاح في حقيقة معناه .
(والذين جاءوا من بعدهم ..الآية)
وهذه الصورة الثالثة النظيفة الرضية الواعية . وهي تبرز أهم ملامح التابعين . كما تبرز أخص خصائص الأمة المسلمة على الإطلاق في جميع الأوطان والأزمان .
هؤلاء الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار – ولم يكونوا قد جاءوا بعد عند نزول الآية في المدينة , إنما كانوا قد جاءوا في علم الله وفي الحقيقة القائمة في هذا العلم المطلق من حدود الزمان والمكان – سمة نفوسهم أنها تتوجه إلى ربها في طلب المغفرة , لا لذاتها ولكن كذلك لسلفها الذين سبقوا بالإيمان ; وفي طلب براءة القلب من الغل للذين آمنوا على وجه الإطلاق , ممن يربطهم معهم رباط الإيمان . مع الشعور برأفة الله , ورحمته , ودعائه بهذه الرحمة , وتلك الرأفة: (ربنا إنك رؤوف رحيم). .
وتتجلى من وراء تلك النصوص طبيعة هذه الأمة المسلمة وصورتها الوضيئة في هذا الوجود .
تتجلى الآصرة القوية الوثيقة التي تربط أول هذه الأمة بآخرها , وآخرها بأولها , في تضامن وتكافل وتواد وتعاطف . وشعور بوشيجة القربى العميقة التي تتخطى الزمان والمكان والجنس والنسب ; وتتفرد وحدها في القلوب , تحرك المشاعر خلال القرون الطويلة , فيذكر المؤمن أخاه المؤمن بعد القرون المتطاولة , كما يذكر أخاه الحي , أو أشد , في إعزاز وكرامة وحب . ويحسب السلف حساب الخلف . ويمضي الخلف على آثار السلف . صفا واحدا وكتيبة واحدة على مدار الزمان واختلاف الأوطان , تحت راية الله تغذ السير صعدا إلى الأفق الكريم , متطلعة إلى ربها الواحد الرؤوف الرحيم .
إنها صورة باهرة , تمثل حقيقة قائمة ; كما تمثل أرفع وأكرم مثال للبشرية يتصوره قلب كريم .
_صورة تبدو كرامتها ووضاءتها على أتمها حين تقرن مثلا إلى صورة الحقد الذميم والهدم اللئيم التي تمثلها وتبشر بها الشيوعية في إنجيل كارل ماركس . صورة الحقد الذي ينغل في الصدور , وينخر في الضمير , على الطبقات , وعلى أجيال البشرية السابقة , وعلى أممها الحاضرة التي لا تعتنق الحقد الطبقي الذميم . وعلى الإيمان والمؤمنين من كل أمة وكل دين !
صورتان لا التقاء بينهما في لمحة ولا سمة , ولا لمسة ولا ظل :
_صورة ترفع البشرية إلى أعلى مراقيها ;
_وصورة تهبط بها إلى أدنى دركاتها .
_صورة تمثل الأجيال من وراء الزمان والمكان والجنس والوطن والعشيرة والنسب متضامنة مترابطة متكافلة متوادة متعارفة صاعدة في طريقها إلى الله , بريئة الصدور من الغل , طاهرة القلوب من الحقد ,
_ وصورة تمثل البشرية أعداء متناحرين يلقي بعضهم بعضا بالحقد والدخل والدغل والغش والخداع والالتواء . حتى وهم في المعبد يقيمون الصلاة . فالصلاة ليست سوى أحبولة , والدين كله ليس إلا فخا ينصبه رأس المال للكادحين !
.من هداية الآيات:
1- بيان فضل المهاجرين والأنصار، وأن حبهم إيمان وبغضهم كفران.
2- فضيلة الإِيثار على النفس.
3- فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة المهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله تعالى فراراً بدينهم ونصرة لإِخوانهم المجاهدين والمرابطين.
4- خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلال والحرام.
5- بيان طبقات المسلمين ودرجاتهم وهي ثلاثة بالإِجمال:
1- المهاجرون الأولون.
2- الأنصار الذين تبوءوا الدار المدينة وألفوا الإِيمان.
3- من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من أهل الإِيمان والتقوى.
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة اللهم تقبل جلستنا هذه من جلسات القوم الذين يذكرون الله فتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده فيغفر لنا ،واجعل جلوسنا فى ذكر بعد الفجر حتى الشروق كأجر حجة او عمرة مع النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال رسول الله من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة ).رواه مالك
وبارك الله فيمن ذكر الله ونشر فالدال على الخير كفاعله.
تفسير :
السعدى «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
التفسير الميسر للقرآن الكريم
تفسير الآيات (11- 14) من ( من سورة الحشر)
●●●▬▬▬ஜ۩ ۩ஜ▬▬▬●●●
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)}
{ألم تر}: أي ألم تنظر.
{نافقوا}: أي أظهروا الإِيمان وأخفوا في نفوسهم الكفر.
{لإِخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب}: أي يهود بني النضير.
{لئن أخرجتم}: أي من دياركم بالمدينة.
{لنخرجن معكم}: أي نخرج معكم ولا نبقى بعدكم في المدينة.
{وإن قوتلتم}: أي قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
{لننصرنكم}: أي بالرجال والسلاح.
{والله يشهد إنهم لكاذبون}: أي فيما وعدوا به إخوانهم من بني النضير.
{ولئن نصروهم}: أي وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون المنافقون كاليهود سواء.
{لأنتم أشد رهبة في صدورهم}: أي تالله لأنتم أشد خوفاً في صدورهم.
{من الله}: لأن الله تعالى يؤخر عذابهم وأنتم تعجلونه لهم.
{ذلك بأنهم}: أي المنافقين.
{قوم لا يفقهون}: لظلمة كفرهم وعدم استعدادهم للفهم عن الله ورسوله.
{لا يقاتلونكم جميعا}: أي لا يقاتلكم يهود بني النضير مجتمعين.
{الا في قرًى محصنة}: أي بالأسوار العالية.
{أو من وراء جُدُر}: أي من وراء المباني والجدران أما المواجهة فلا يقدرون عليها.
{بأسهم بينهم شديد}: أي العداوة بينهم شديدة والبغضاء أشد.
{تحسبهم جميعا} ً: أي مجتمعين.
{وقلوبهم شتى}: أي متفرقة خلاف ما تحسبهم عليه.
{بأنهم قوم لا يعقلون}: إذ لو كانوا يعقلون لاجتمعوا على الحق ولا ما كفروا به وتفرقوا فيه فهذا دليل عدم عقلهم.
ما زال السياق في الحديث عن غزوة بني النضير فيقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم
( 11 ) ألم تنظر إلى المنافقين، يقولون لإخوانهم في الكفر من يهود بني النضير: لئن أخرجكم محمد ومَن معه مِن منازلكم لنخرجن معكم، ولا نطيع فيكم أحدًا أبدًا سألَنا خِذْلانكم أو ترك الخروج معكم، ولئن قاتلوكم لنعاوننكم عليهم؟ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما وعدوا به يهود بني النضير.
( 12 ) لئن أُخرج اليهود من "المدينة" لا يخرج المنافقون معهم، ولئن قوتلوا لا يقاتلون معهم كما وَعَدوا، ولئن قاتلوا معهم ليولُنَّ الأدبار فرارًا منهزمين، ثم لا ينصرهم الله، بل يخذلهم، ويُذِلُّهم.
( 13 ) لَخوفُ المنافقين وخشيتهم إياكم- أيها المؤمنون- أعظم وأشد في صدورهم من خوفهم وخشيتهم من الله؛ وذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون عظمة الله والإيمان به، ولا يرهبون عقابه.
( 14 ) لا يواجهكم اليهود بقتال مجتمعين إلا في قرى محصنة بالأسوار والخنادق، أو من خلف الحيطان، عداوتهم فيما بينهم شديدة، تظن أنهم مجتمعون على كلمة واحدة، ولكن قلوبهم متفرقة؛ وذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون أمر الله ولا يتدبرون آياته.
في كل جملة قرآنية لفتة تقرر حقيقة , وتمس قلبا , وتبعث انفعالا , وتقر مقوما من مقومات التربية والمعرفة والإيمان العميق .
وأول لفتة هي تقرير القرابة بين المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب). فأهل الكتاب هؤلاء كفروا . والمنافقون إخوانهم ولو أنهم يلبسون رداء الإسلام !
ثم هذا التوكيد الشديد في وعد المنافقين لإخوانهم: (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا , وإن قوتلتم لننصرنكم). .
والله الخبير بحقيقتهم يقرر غير ما يقررون , ويؤكد غير ما يؤكدون: (والله يشهد إنهم لكاذبون . لئن أخرجوا لا يخرجون معهم , ولئن قوتلوا لا ينصرونهم , ولئن نصروهم ليولن الأدبار . ثم لا ينصرون). .
وكان ما شهد به الله . وكذب ما أعلنوه لإخوانهم وقرروه !
___________________
ثم يقرر حقيقة قائمة في نفوس المنافقين وإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله . ذلك بأنهم قوم لا يفقهون).
_فهم يرهبون المؤمنين أشد مما يرهبون الله . ولو خافوا الله ما خافوا أحدا من عباده .
_فإنما هو خوف واحد ورهبة واحدة . ولا يجتمع في قلب خوف من الله وخوف من شيء سواه .
_ فالعزة لله جميعا , وكل قوى الكون خاضعة لأمره , (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها)فمم يخاف إذن ذلك الذي يخاف الله ? ولكن الذين لا يفقهون هذه الحقيقة يخافون عباد الله أشد مما يخافون الله . . (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون). .
______________________________
(لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر . بأسهم بينهم شديد . تحسبهم جميعا وقلوبهمشتى . ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). .
وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في "تشخيص" حالة المنافقين وأهل الكتاب حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان وفي أي مكان . بشكل واضح للعيان . ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة بين المؤمنين الفدائيين وبين اليهود مصداق هذا الخبر بصورة عجيبة . فما كانوا يقاتلونهم إلا في المستعمرات المحصنة في أرض فلسطين . فإذا انكشفوا لحظة واحدة ولوا الأدبار كالجرذان . حتى لكأن هذه الآية نزلت فيهم ابتداء . وسبحان العليم الخبير !
_________________________
وتبقى الملامح النفسية الأخرى (بأسهم بينهم شديد). . (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)على خلاف المؤمنين الذين تتضامن أجيالهم , وتجمعهم آصرة الإيمان من وراء فواصل الزمان والمكان , والجنس والوطن والعشيرة . . (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). .
_____________________________
والمظاهر قد تخدع فنرى تضامن الذين كفروا من أهل الكتاب فيما بينهم , ونرى عصبيتهم بعضهم لبعض , كما نرى تجمع المنافقين أحيانا في معسكر واحد . ولكن الخبر الصادق من السماء يأتينا بأنهم ليسوا كذلك في حقيقتهم ; إنما هو مظهر خارجي خادع .
وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخداع . فيبدو من ورائه صدق الخبر في دنيا الواقع المنظور , وينكشف الحال عن نزاع في داخل المعسكر الواحد ,
_ قائم على اختلاف المصالح وتفرق الأهواء , وتصادم الاتجاهات .
_ وما صدق المؤمنون مرة , وتجمعت قلوبهم على الله حقا إلا وانكشف المعسكر الآخر أمامهم عن هذه الاختلافات وهذا التضارب وهذا الرياء الذي لا يمثل حقيقة الحال .
_وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا مظهر التماسك بين أهل الباطل يتفسخ وينهار , وينكشف عن الخلاف الحاد والشقاق والكيد والدس في القلوب الشتيتة المتفرقة !
_________________________________
إنما ينال المنافقون والذين كفروا من أهل الكتاب . . من المسلمين . . عندما تتفرق قلوب المسلمين , فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين التي عرضتها الآية في المقطع السابق في هذه السورة . فأما في غير هذه الحالة فالمنافقون أضعف وأعجز , وهم والذين كفروا من أهل الكتاب متفرقو الأهواء والمصالح والقلوب (بأسهم بينهم شديد). . (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى). .
والقرآن يقر هذه الحقيقة في قلوب المؤمنين , ليهون فيها من شأن أعدائهم ; ويرفع منها هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم . فهو إيحاء قائم على حقيقة ; وتعبئة روحية ترتكن إلى حق ثابت .
ومتى أخذ المسلمون قرآنهم مأخذ الجد هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله , وتجمعت قلوبهم في الصف الواحد , فلم تقف لهم قوة في الحياة .
_______________________________________
والمؤمنون بالله ينبغي لهم أن يدركوا حقيقة حالهم وحال أعدائهم . فهذا نصف المعركة . والقرآن يطلعهم على هذه الحقيقة في سياق وصفه لحادث وقع , وفي سياق التعقيب عليه , وشرح ما وراءه من حقائق ودلائل , شرحا يفيد منه الذين شهدوا ذلك الحادث بعينه , ويتدبره كل من جاء بعدهم , وأراد أن يعرف الحقيقة من العالم بالحقيقة !
1- تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان.
2- خلف الوعد آية النفاق وعلاماته البارزة.
3- الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللازمة لهم ولا تنفك عنهم.
4- عامة الكفار يبدون متحدين ضد الإِسلام وهم كذلك ولكنهم فيما بينهم تمزقهم العداوات وتقطعه الأطماع وسوء الأغراض والنيات.
____________________
جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة اللهم تقبل جلستنا هذه واجعلنا من الذين يذكرون الله فتحفهم الملائكة ويذكرهم الله فيمن عنده فيغفر لنا ،واجعل جلوسنا فى ذكر بعد الفجر حتى الشروق كأجر حجة او عمرة مع النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال رسول الله من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة ).رواه مالك
وبارك الله فيمن ذكر الله ونشر فالدال على الخير كفاعله.
السعدى «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
التفسير الميسر للقرآن الكريم
تفسير الآيات (11- 14) من ( من سورة الحشر)
●●●▬▬▬ஜ۩ ۩ஜ▬▬▬●●●
{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}
كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر.
{ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}: أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول الله ولهم عذابٌ أليم في الآخرة.
{كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان}: أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلانهم لهم كمثل الشيطان إذ قال للإِنسان.
{أكفر فلما كفر قال إني بريء منك}: أي قال له الشيطان بعد أن كفره إني بريء منك.
{وذلك جزاء الظالمين}: أي خلودهما في النار أي الغوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين.
{ولتنظر نفسه ما قدمت لغد}: أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر.
{ولا تكونوا كالذين نسوا الله}: أي ولا تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا الله فتركوا طاعته.
{فأنساهم أنفسهم}: أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيراً قط.
{لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة}: أي لأن أصحاب الجنة فائزون بالسلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب. وأصحاب النار خاسرون.
{أصحاب الجنة هم الفائزون}: في جهنم خالدون. فكيف يستويان؟
( 15 ) مثل هؤلاء اليهود فيما حلَّ بهم من عقوبة الله كمثل كفار قريش يوم "بدر"، ويهود بني قينقاع، حيث ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع.
( 16 ) ومثل هؤلاء المنافقين في إغراء اليهود على القتال ووَعْدهم بالنصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمثل الشيطان حين زيَّن للإنسان الكفر ودعاه إليه، فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب الخلق أجمعين.
( 17 ) فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر، أنهما في النَّار، ماكثَيْن فيها أبدًا، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله.
( 18 ) يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو مجازيكم عليها.
( 19 ) ولا تكونوا- أيها المؤمنون- كالذين تركوا أداء حق الله الذي أوجبه عليهم، فأنساهم بسبب ذلك حظوظ أنفسهم من الخيرات التي تنجيهم من عذاب يوم القيامة، أولئك هم الموصوفون بالفسق، الخارجون عن طاعة الله وطاعة ورسوله.
ملحوظة
ذكر الامام الطبرى
فى تفسير (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )(16)
قصة استدل بها البعض على انها المقصودة با لآية
_ يقول حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: " كان رجل من بني إسرائيل عابدًا، وكان ربما داوى المجانين، فكانت امرأة جميلة، فأخذها الجنون، فجيء بها إليه، فتركت عنده، فأعجبته فوقع عليها فحملت، فجاءه الشيطان فقال: إن عُلم بهذا افتضحت، فاقتلها وادفنها في بيتك، فقتلها ودفنها، فجاء أهلها بعد ذلك بزمان يسألونه، فقال: ماتت، فلم يتهموه لصلاحه فيهم، فجاءهم الشيطان فقال: إنها لم تمت، ولكنه وقع عليها فقتلها ودفنها في بيته في مكان كذا وكذا، فجاء أهلها، فقالوا: ما نتهمك، فأخبرنا أين دفنتها، ومن كان معك، فوجدوها حيث دفنها، فأُخذ وسُجن، فجاءه الشيطان فقال: إن كنت تريد أن أخرجك مما أنت فيه فتخرج منه، فاكفر بالله، فأطاع الشيطان، وكفر بالله، فأُخذ وقُتل، فتبرأ الشيطان منه حينئذ. قال: فما أعلم هذه الآية إلا نـزلت فيه ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك الناس كلهم، وقالوا: إنما هذا مثل ضُرِب للنضير فى غرور المنافقين إياهم.
قال ابن كثير
وهناك قصة اخري ذُكِرَت واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ، والله أعلم . وهذه القصة مخالفة لقصة جريج العابد ، فإن جريجا اتهمته امرأة بغي بنفسها ، وادعت أن حملها منه ، ورفعت أمره إلى ولي الأمر ، فأمر به فأنزل من صومعته وخربت صومعته وهو يقول : ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا : يا عدو الله ، فعلت بهذه المرأة كذا وكذا . فقال : جريج : اصبروا . ثم أخذ ابنها وهو صغير جدا ، ثم قال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال أبي الراعي – وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه – فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيما بليغا ، وقالوا : نعيد صومعتك من ذهب . قال : لا بل أعيدوها من طين ، كما كانت .
والصحيح ان هذه القصص هى مثل وليست المقصودة بعينها
♦كمثل الشيطان إذ قال للإنسان:اكفر..الآية
وصورة الشيطان هنا ودوره مع من يستجيب له من بني الإنسان , تتفقان مع طبيعته ومهمته . فأعجب العجب أن يستمع إليه الإنسان . وحاله هو هذا الحال !
__________________
♦(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله .
والتقوى حالة تجعل القلب يقظا حساسا شاعرا بالله في كل حالة . خائفا متحرجا مستحييا أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها . وعين الله على كل قلب في كل لحظة . فمتى يأمن أن لا يراه ?!
________________________
♦(ولتنظر نفس ما قدمت لغد). .
وهو تعبير مجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته , ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته . لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة . . وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير , مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد . فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلا , ونصيبه من البر ضئيلا ? إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا , ولا يكف عن النظر والتقليب !
__________________________________
♦ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من التأثير..
(واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون). .
فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء . . والله خبير بما يعملون . .
__________________________________
♦وبمناسبة ما تدعوهم إليه هذه الآية من يقظة وتذكر يحذرهم في الآية التالية . من أن يكونوا (كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم). . وهي حالة عجيبة . ولكنها حقيقة . . فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى , وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى .
وفي هذا نسيان لإنسانيته . وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى , وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر لها زادا للحياة الطويلة الباقية , ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد .
____________________
♦(أولئك هم الفاسقون). . المنحرفون الخارجون .
وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار , ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقا غير طريقهم وهم أصحاب الجنة . وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار
♦( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ). .
لا يستويان طبيعة وحالا , ولا طريقا ولا سلوكا , ولا وجهة ولا مصيرا . فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبدا في طريق . ولا يلتقيان أبدا في سمة . ولا يلتقيان أبدا في خطة . ولا يلتقيان أبدا في سياسة . ولا يلتقيان أبدا في صف واحد في دنيا ولا آخرة . .
(أصحاب الجنة هم الفائزون). . يثبت مصيرهم ويدع مصير أصحاب النار مسكوتا عنه . معروفا . وكأنه ضائع لا يعنى به التعبير !
2- التحذير من سبل الشيطان وهي الإِغراء بالمعاصي وتزيينها فاذا وقع العبد في الهلكة تبرأ الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه.
3- وجوب التقوى بفعل الأوامر وترك النواهى.
4- وجوب مراقبة الله تعالى والنظر يومياً فيما قدم الإِنسان للآخرة وما أخر.
5- التحذير من نسيان الله تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن يُنسى الله العبد نفسه فلا يقدم لها خيراً قط فيهلك ويخسر خسراناً مبيناً.
6- عدم التساوى بين أهل النار وأهل الجنة، إذ أصحاب النار لم ينجو من المرهوب وهو النار، ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة، وأصحاب الجنة عل العكس سلموا من المرهوب، وظفروا بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان.
تفسير :
الطبرى«جامع البيان في تأويل آي القرآن»
ابن كثير [ تفسير القرآن العظيم ]
السعدى «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
التفسير الميسر للقرآن الكريم
تفسير الآيات (21 :24 ) من سورة الحشر
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
شرح الكلمات:
{لرأيته خاشعاً متصدعاً}: أي لرأيت ذلك الجبل متشققاً متطامناً ذليلاً.
{من خشية الله}: أي من خوف الله خشية أن يكون ما أدى حقه من التعظيم.
{وتلك الأمثال نضربها للناس}: أي مثل هذا المثل نضرب الأمثال للناس.
{لعلهم يتفكرون}: أي يتذكرون فيؤمنون ويوحدون ويطيعون.
{هو الله الذي لا إله إلا هو}: أي الله المعبود بحق الذي لا معيود بحق الا هو عز وجل.
{عالم الغيب والشهادة}: أي عالم السر والعلانية.
{هو الرحمن الرحيم}: أي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
{هو الله الذي لا إله إلا هو}: أي لا معبود بحق الا هو لأنه الخالق الرازق المدبر وليس لغيره ذلك.
{الملك القدوس}: أي الذي يملك كل شيء ويحكم كل شيء القدوس الطاهر المنزه عما لا يليق به.
{السلام المؤمن المهيمن}: أي ذو السلامة من كل نقص الذي لا يطرأ عليه النقص المصدق رسله بالمعجزات. المهيمن: الرقيب الشهيد على عباده بأعمالهم.
{العزير الجبار المتكبر}: العزيز في انتقامه الجبار لغيره على مراده، المتكبر على خلقه.
{سبحان الله عما يشركون}: أي تنزيها لله تعالى عما يشركون من الآلهة الباطلة.
{هو الله الخالق البارئ}: أي هو الإِله الحق لا غيره الخالق كل المخلوقات المنشيء لها من العدم.
{المصور}: أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة.
{له الأسماء الحسنى}: أي تسعة وتسعون اسماً كلها حسنى في غاية الحسن.
{يسبح له ما في السموات}: أي ينزهه ويسبحه بلسان المقال والحال جميع ما في السموات والأرض.
{وهو العزيز الحكيم}: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في جميع تدبيره.
معنى الآيات:
( 21 ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من الجبال، ففهم ما فيه مِن وعد ووعيد، لأبصَرْته على قوته وشدة صلابته وضخامته، خاضعًا ذليلا متشققًا من خشية الله تعالى. وتلك الأمثال نضربها، ونوضحها للناس؛ لعلهم يتفكرون في قدرة الله وعظمته. وفي الآية حث على تدبر القرآن، وتفهم معانيه، والعمل به.
( 22 ) هو الله سبحانه وتعالى المعبود بحق الذي لا إله سواه، عالم السر والعلن، يعلم ما غاب وما حضر، هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، الرحيم بأهل الإيمان به.
( 23 ) هو الله المعبود بحق، الذي لا إله إلا هو، الملك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، المنزَّه عن كل نقص، الذي سلِم من كل عيب، المصدِّق رسله وأنبياءه بما أرسلهم به من الآيات البينات، الرقيب على كل خلقه في أعمالهم، العزيز الذي لا يغالَب، الجبار الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق، المتكبِّر الذي له الكبرياء والعظمة. تنزَّه الله تعالى عن كل ما يشركونه به في عبادته.
( 24 ) هو الله سبحانه وتعالى الخالق المقدر للخلق، البارئ المنشئ الموجد لهم على مقتضى حكمته، المصوِّر خلقه كيف يشاء، له سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلى، يسبِّح له جميع ما في السموات والأرض، وهو العزيز شديد الانتقام مِن أعدائه، الحكيم في تدبيره أمور خلقه.
فى ظلال الآيات:
أثر القرآن على النفوس
0ثم يجيء النص القرآنى الذي يتخلل القلب ويهزه ; وهو يعرض أثر القرآن في الصخر الجامد لو تنزل عليه لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله . وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
0وهي صورة تمثل حقيقة . فإن لهذا القرآن لثقلا وسلطانا وأثرا مزلزلا لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته . ولقد وجد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ما وجد , عندما سمع قارئا يقرأ: والطور , وكتاب مسطور , في رق منشور , والبيت المعمور , والسقف المرفوع , والبحر المسجور , إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع . . . فارتكن إلى الجدار . ثم عاد إلى بيته يعوده الناس شهرا مما ألم به !
0واللحظات التي يكون فيها الكيان الإنساني متفتحا لتلقي شيء من حقيقة القرآن يهتز فيها اهتزازا ويرتجف ارتجافا . ويقع فيه من التغيرات والتحولات ما يمثله في عالم المادة فعل المغنطيس والكهرباء بالأجسام . أو أشد .
0والله خالق الجبال ومنزل القرآن يقول: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله). . والذين أحسوا شيئا من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقا لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي .
0(وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون). .
وهي خليقة بأن توقظ القلوب للتأمل والتفكير . .
0وأخيرا تجيء تلك التسبيحة المديدة بأسماء الله الحسنى ; وكأنما هي أثر من آثار القرآن في كيان الوجود كله , ينطلق بها لسانه وتتجاوب بها أرجاؤه ; وهذه الأسماء واضحة الآثار في صميم هذا الوجود وفي حركته وظواهره , فهو إذ يسبح بها يشهد كذلك بآثارها:
(هو الله الذي لا إله إلا هو , عالم الغيب والشهادة , هو الرحمن الرحيم..الآيات
.0 فتتقرر في الضمير وحدانية الاعتقاد , ووحدانية العبادة , ووحدانية الاتجاه , ووحدانية الفاعلية من مبدأ الخلق إلى منتهاه .
0 ويقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفكير والشعور والسلوك , وارتباطات الناس بالكون وبسائر الأحياء . وارتباطات الناس بعضهم ببعض على أساس وحدانية الإله .
0(عالم الغيب والشهادة). . فيستقر في الضمير الشعور بعلم الله للظاهر والمستور . ومن ثم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر والعلانية ; ويعمل الإنسان كل ما يعمل بشعور المراقب من الله المراقب لله , الذي لا يعيش وحده , ولو كان في خلوة أو مناجاة ! ويتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب ولا ينام !
.من هداية الآيات:
1- بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر، والأمر والنهى والوعد والوعيد الأمر الذي لو أن جبلاً ركب فيه الإِدراك والتمييز كالإِنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية الله.
2- استحسان ضرب الأمثال للتنبيه والتعليم والإِرشاد.
3- تقرير التوحيد، وأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
4- إثبات أسماء الله تعالى، وأنها كلها حسنى، وأنها متضمنة صفات عليا.
5- ذكر أَسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه.
نهاية سورة الحشر ولله الحمد والمنه
جزاكم الله الفردوس الاعلى على طيب المتابعة
__________________________________
تفسير
الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
التفسير الميسر للقرآن الكريم
في ظلال القرآن الكريم سيد قطب