تخطى إلى المحتوى

(( السقّا )) قصة عراقية من التراث الموصلي 2024.

كان يا ما كان في قديم الزمان سقّا ( 1 ) يقوم بنقل الماء من ضفاف دجلة وشطآنها بقربته ( 2 ) الجلدية المحمولة على ظهر حماره القوي فيدور في ازقة الموصل ودروبها الضيقة يبيع الماء الى بيوت الموصل في ذلك الزمان .
كان قد ورث هذه المهنة عن ابيه كما ورث عنه زبائنه الذين وثقوا به وأتمنوه على عوائلهم منذ كان صبيا ، فكان يدخل ويخرج وقتما يشاء ، يتفحص ( المزملات ) ( 3 ) ، فاذا ما فرغت احداها يقوم بحمل قربته على ظهره ويملأها ومن ثم يقبض اجرته حسبما يتفق معهم على ذلك ، وعلى ذلك النحو الهادئ الرتيب سارت حياته الى ان اصبح كهلا .
وذات يوم من الايام دخل هذا السقا دار احد الصاغة من زبائنه ، وكانت المزملي (4) قد قاربت على النفاذ ، فافرغ قربته فيها ثم عاد الى النهر وملأها بالماء وعاد مرة ثانية ليفرغ القربة في المزملي ، وقبل ان يخرج من الصحن الشرقي الذي يفضي الى الباب الخشبي الكبير وقعت انظاره على زوجة الصائغ الجميلة وهي مشغولة بحاجة لها في الباحة الداخلية ، ولاول مرة في حياته ، نظر اليها نظرته الى امراة مشتهاة ، ولم يشعر الا وهو يقترب منها ويعاجلها بقبلة اغتصبها منها عنوة .
تسمرت المراة الجميلة في مكانها ولم تدر ماذا تفعل بعد ان شلت المفاجاة حركتها ولسانها معا .. وكان هو كذلك ايضا ، اذ توقفت قدماه العاريتان والخميسية ( 5 ) المبللة من جراء القربة الفارغة المرمية على ظهره تقطر ماء على قطع المرمر المصفوفة على ارضية الحوش الشرقي .. عيناه تدوران بارجاء المكان وشفتاه ترتجفان وجبينه يتفصد عرقا .
وعندما افاق تماما من هول فعلته طأطأ رأسه خجلا ثم استدار يخرج مسرعا من الرواق الضيق فالباب الخارجي مكسورا حزينا على ما جرى ، والمراة ما زالت واقفة صامتة ذاهلة .
قبل المساء بقليل ، طرق الصائغ الباب عائدا من دكانه وهو يحمل بعض احتياجات البيت ، فاستقبلته زوجته باسمة كعادتها كل يوم ، كان عشاؤه معدا ومجلسه مهيأ ، وبعد تناول العشاء ، جلس يسمر مع زوجته مرتاحا خالي البال .
سالته بهدوء وهما يتناولان بعض الفاكهة :
ـ كيف العمل اليوم ؟
ـ الحمد لله … الرزق وفير .
ـ لم اسالك عن هذا .. فالرزق بيد الرزاق .
ـ عم اذا تسالين ؟
ـ عما فعلت اليوم !
ـ لم افعل شيئا يذكر ، بعت بعض المصوغات وقمت ببعض العمل و ……
ـ وماذا ايضا .. ولم سكتّ فجاة ؟
ـ جاءتني امراة جميلة اليوم ـ بدأ يتكلم بدون وعي ـ وطلبت مني صياغة زنّادي ( 6 ) و …
ـ وبعد .. سالته بحدة وهي تنظر نحوه بقوة .. قل الحقيقة ..
ـ الحقيقة ؟
ـ نعم .. الحقيقة .. لقد فعلت شيئا ..
ـ لم افعل شيئا ذا بال .. قال مرتبكا وهو يطرق خجلا .. وانا آخذ قياس زند المرأة ، وسوس لي الشيطان وراودتني نفسي ، فخطفت منها قبلة سريعة .
ـ فقط ؟
ـ فقط .. قالها بسرعة وتوكيد .
ـ اتدري ان السقا فعل بي اليوم ما فعلته انت بتلك المراة ؟ .. همست له وعيناها تذرفان .. ثم اكملت بالم وعتاب : (( دقة بدقة .. ولو زدت لزاد السقا )) ( 7 ) .
……………………………………………………………………………………………………………………………
( 1 ) السقا : بائع الماء قديما .
( 2 ) القربة : مصنوعة من جلد الغنم يتقل بها الماء ، وتستعمل احيانا في استخراج الزبدة من الحليب .
( 3 ) المزملات : جمع ( مزملة او مزملي بالهجة الموصلية ) وهي عبارة عن مكان مستطيل يصنع او يبطن بالحجر او الحلان يوضع فيه الماء كالخزان في الوقت الحاضر .
( 4 ) المزملي : مفرد المزملات .
( 5 ) الخميسية : رداء مصنوع من الصوف الخشن ، يلبس من قبل السقا او الحمال ليقي ظهره من الحمل .
( 6 ) زنّادي : قطعة ذهبية تصنع على شكل افعى ، تلبسها النساء عادة في الزند ومن هنا جاءت تسميتها زنّادي .
( 7 ) مثل موصلي ، اصبح حكمة بالغة

سبحان الله ..
هناك مثل يقول: إن الله لا يضرب بعصا ..
وهذا ما حصل مع صاحبينا الصائغ والسقا ..
أشكرك أخي الكريم ..

مرحباً بك اخينا الكريم في منتدانا الرائع

وان نستفيد من خبراتك سواء كان الطبية او الصحفية

بارك الله فيك

لاكي

اليس كذلك اختي الفاضلة عروبة ؟
ان الله عزوجل لا ينسى وحاشاه مثقال ذرة ان خيرا فخير وان شرا فعقاب
شكرا على ترحيبك اختي الفاضلة احاسيس مرهفة وان شاء الله تكون خبراتي الطبية والصحفية مفيدة للاعضاء الكرام في هذا المنتدى الرائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.