تخطى إلى المحتوى

كيفية الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال 2024.

في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال، وهى شيئان:

أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها000 والحذر من إهمالها والاسترسال معها000 فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء000 لأنها هي بذر الشيطان000 والنفس في أَرض القلب00 فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات 000 ثم يسقيها حتى تكون عزائم 000 ثم لا يزال بها حتى تثمر الأَعمال 000 ولا ريب أن دفع الخواطر أَيسر من دفع الإِرادات والعزائم 000 فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة 000 وهو المفرط إذا لم يدفعها وهى خاطر ضعيف 000 كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس 000 فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها 000

فإن قلت: فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟

قلت: أسباب عدة:

أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب تعالى ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.

الثاني: حياؤك منه.

الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلقه لمعرفته ومحبته.

الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.

الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.

السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر يستعر شرارها فتأْكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.

السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.

الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً، بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة فأَخرجتها واستوطنت مكانها، لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.

التاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلاً، فقلب تملكه الخواطر بعيد من الفلاح معذب مشغول بما لا يفيد.

العاشر: أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزى، وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها وأفسدت عليه رعيته وأَلقته في الأسر الطويل كما أن هذا معلوم في الخواطر النفسانية فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية هي أصل الخير كله، فإن أرض القلب إذا بذر فيها خواطر الإيمان والخشية والمحبة والإنابة والتصديق بالوعد ورجاء الثواب، وسقيت مرة بعد مرة، وتعاهدها صاحبها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها، أثمرت له كل فعل جميل، وملأت قلبه من الخيرات، واستعملت جوارحه في الطاعات، واستقر بها الملك في سلطانه واستقامت له رعيته، ولهذا لما تحققت طائفة من السالكين ذلك عملت على حفظ الخواطر، وكان ذلك هو سيرها وجل عملها وهذا نافع لصاحبه بشرطين:

أحدهما: أن لا يترك به واجباً ولا سنة .

الثاني: أن لا يجعل مجرد حفظها هو المقصود بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطر الإِيمان والمحبة والإِنابة والتوكل والخشية فيفرّغ قلبه من تلك الخواطر ويعمره بأضدادها، وإلا فمتى عمل على تفريغه منها معاً كان خاسراً، فلا بد من التفطن لهذا.

ومن هنا غلط أقوام من أرباب السلوك وعملوا على إلقاء الخواطر وإزالتها جملة فبذر فيها الشيطان أنواع الشبه والخيالات فظنوها تحقيقاً وفتحاً رحمانياً، وهم فيها غالطون، وإنما هي خيالات وفتوحات شيطانية، والميزان هو الكتاب الناطق والفطرة السليمة والعقل المؤيد بنور النبوة. والله المستعان.

الأمر الثاني :

صدق التأهب للقاءِ الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته 000 فإِن من استعد للقاءِ الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها 000 وحمدت من نفسه نيران الشهوات 000 وأخبتَ قلبه إلى ربه تعالى 000 وعكفت همته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته 000 واستحدثت همة أُخرى وعلوماً أُخر وولد ولادة أُخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إِلى هذه الدار 000 بعد أَن كان في بطن أُمه فيولد قلبه ولادة حقيقية كما ولد جسمه حقيقة 000 وكما كان بطن أُمه حجاباً لجسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة 000 فخروج قلبه عن نفسه بارزاً إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أُمه بارزاً إلى هذه الدار 000 وهذا معنى ما يذكر عن المسيح أَنه قال: ((يا بنى إسرائيل، إِنكم لن تلجوا ملكوت السماءِ حتى تولدوا مرتين)) 000 ولما كان أَكثر الناس لم يولدوا هذه الولادة الثانية ولا تصوروها- فضلاً عن أن يصدقوا بها- فيقول القائل: كيف يولد الرجل الكبير أَم كيف يولد القلب، لم يكن لهم إليها همة ولا عزيم000 إِذ كيف يعزم على الشيء من لا يعرفه ولا يصدقه؟ 000 ولكن إذا كشف حجاب الغفلة عن القلب صدَّق بذلك وعلم أنه لم يولد قلبه بعد 000 والمقصود أَن صدق التأَهب للقاءِ الله هو مفتاح جميع الأَعمال الصالحة 000 والأَحوال الإيمانية 000 ومقامات السالكين إلى الله 000 ومنازل السائرين إليه 000 من اليقظة والتوبة والإِنابة والمحبة والرجاءِ والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح 000 فمفتاح ذلك كله صدق التأَهب والاستعداد للقاءِ الله 000 والمفتاح بيد الفتاح العليم لا إله غيره ولا رب سواه .

من طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

<FONT size="4"><FONT face="Lucida Console"><FONT COLOR="Crap">

بارك الله فيك – – –
ونفعنا بما كتبت- – –

وأسأل الله الاستقامة في جميع أحوالنا

والله الموفق وهو يهدي السبيل

</FONT c></FONT f></FONT s>

——————
وخالق الناس بخلق حسن

جزاك الله خيرا ً
جزاكم الله خيرا وأحسن الله إليكم

====

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.