السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الموضوع : مسألة الاستغاثة بالأموات بين عقيدة السلف الصالح و عقيدة الصوفية القبورية و منهم داعية البدع علي الجفري
يروج الصوفية القبورية و داعية البدع و الضلال علي الجفري المسائل الشركية و البدعية و منها الاستغاثة بالأموات من الأنبياء و الصالحين عبر وسائل الأعلام و هذا رد على أباطيلهم و تحايلهم على العباد بذكر المتشابه من النصوص و الأحاديث و الآثار الضعيفة و تأويل الأحاديث الصحيحة على غير فهم السلف الصالح و يتضمن أيضا هذا الرد تقرير لعقيدة السلف الصالح في هذه المسألة و بالله التوفيق
الاستغاثة لغة : طلب الغوث و انصر .
و شرعا : لا تخرج في المعنى عن التعريف اللغوي حيث تكون طلب العون و تفريج الكروب .
و الاستغاثة نوع من أنواع الدعاء و الدعاء عبادة كما جاء في حديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( الدعاء هو العبادة )) رواه أحمد و الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
و من الأصول الشرعية أن الأصل في العبادات الظاهرة و الباطنة المنع حتى يقوم الدليل الشرعي على الجواز .
فإذا تقرر ذلك فأعلم رحمك الله و أرشدك إلى طاعته أن الاستغاثة بالمخلوق تنقسم عند السلف الصالح إلى قسمين :
1 ) استغاثة مشروعة : و هي الاستغاثة عند الحاجة بالمخلوق الحي فيما يقدر عليه دون ذل و تضرع و خضوع له كما يسأل الله تعالى .
من أدلة مشروعية هذه الاستغاثة :
أ ) قوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة و السلام : (( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدّوه )) و هي من قبل العون و النجدة .
ب ) قوله تعالى (( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ))
ـــــــــــــــــــــــــــ
2 ) استغاثة ممنوعة و هي قسمان :
أ ) الاستغاثة بالمخلوق الحي فيما لا يقدر عليه إلا الله و هذا ممنوع بالاتفاق .
من أدلة هذه المسألة قوله تعالى : (( و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ب ) الاستغاثة بالأموات من الأنبياء أو الصالحين .
و من الأدلة على المنع ما يلي :
1 ) قوله تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))
تأمل رعاك الله عندما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوجه إليه السؤال و يكون الجواب من الله تعالى كان يجعل الرسول صلى الله عليه و سلم وسيطا لنقل الجواب فيقول له عز وجل ( قل ) أي يا محمد أخبرهم و من ذلك :
1- قوله تعالى : (( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ))
2- قوله تعالى : (( يسألونك عن لشهر لحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل لله وكفر به ))
3- قوله تعالى : (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ))
4- قوله تعالى : (( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم ))
5- قوله تعالى : (( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ))
6- قوله تعالى : (( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم لطيبات ))
7- قوله تعالى : (( يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها ثم ربي ))
8- قوله تعالى : (( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ولرسول ))
و غير ذلك كما في شأن اليتامى و الحيض
فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم وسيطا ينقل الجواب بتوجه من الله ( قل ) إلا في مسألة الدعاء فإن الله لم يجعل الرسول صلى الله عليه و سلم وسيطا بل تولى الجواب مباشرة دون قوله تعالى ( قل )
فعندما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم (( يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فانزل الله وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداعي إذا دعان ) رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة 1 / 277 و ابن حبان في كتابه الثقات 8 / 436 و ذكره سببا لنزول الآية الطبري في تفسيره 2 / 158 و ابن كثير في تفسيره 1 / 219 و القرطبي في تفسيره 2 / 308 ذكره سبب النزول عن الحسن البصري رحمه الله
و هذه إشارة ربانية إلى أن الله تعالى لا يحب و لا يحتاج العبد إلى وسطاء أو شفعاء عند دعاءه لربه عز وجل بل يدعوه مباشرة و قوله تعالى ( فليستجيبوا لي ) أي فليدعوني . يؤكد هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 ) قوله تعالى : (( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا )) فإن هذه الآية مصرحة بأنه صلى الله عليه و سلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغير .
و يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : (( يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم )) رواه مسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 ) قوله تعالى (( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف عنكم و لا تحويلا )) قال بعض السلف أن هذه الآية نزلت في أقوام كانوا يدعون العزيز و المسيح و الملائكة فأنزل الله هذه الآية .
فإن قال قائلهم هؤلاء يعبدونهم من دون الله و أما نحن فلا نعبدهم و لكن ليكونوا وسطاء و شفعاء لنا عند الله ؟ !!
فالجواب : إن قولكم هذا كقول المشركين في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم
قال تعالى : (( ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله زلفى )) و رغم هذا لم تقبل منهم هذه الدعوة و لم تنفعهم و قاتلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 ) أن الأصل أن الأموات ليسوا كالأحياء قال تعالى (( و ما يستوي الأحياء و لا الأموات ))
و الأصل أن الأموات لا يسمعون الأحياء قال تعالى (( و ما أنت بمسمع من في القبور )) إلا ما استثناه الدليل و هو ما يلي :
1- كلام الرسول صلى الله عليه وسلم مع قتلى المشركين بعد غزوة بدر و هم في القليب ( قبل دفنهم )
و عن هذا قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله : وإنما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كرامة له وأمرا اختص به فلا يقاس عليه غيره . اهـ .
المصدر : كتاب المغني 10 / 63 طبعة دار الفكر لعام 1405هـ
2- سمع الميت قرع نعال أصحابه
3- رد روحه صلى الله عليه و سلم لتبليغه سلام من يسلم عليه
4- سماع الميت من يسلم عليه و هو عند قبره على قول من يصحح الحديث
و ليس هناك دليل يستثني الميت من عدم سماعه أنه يسمع من يسأله و يطلبه من الأحياء و إذا لم يكن هناك دليل فالأصل باقي ما كان على ما كان وهو عدم سماع الأموات للأحياء
و الأصل أنه صلى الله عليه و سلم من البشر و الأصل أنه صلى الله عليه و سلم في مسألة الموت كالناس قال تعالى (( إنك ميت و إنهم ميتون )) إلا ما استثناه الدليل من أن جسده لا تأكله الأرض و أنه صلى الله عليه و سلم ترد عليه روحه في قبره ليبلغ سلام من يسلم عليه و أنه تعرض عليه أعمال أمته على قول من يصحح الحديث .
و ما تقرر في جانب سيد ولد آدم صلى الله عليه و سلم فهو من باب أولى في غيره
فإذا تقرر ذلك عندك أن الأنبياء لا يسمعون سؤال من سألهم فتأمل في قوله تعالى : ((ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 ) قوله تعالى (( فإذا فرغت فانصب و إلى ربك فارغب )) و لم يقل ارغب إلى الأنبياء و الصالحين .
قال الإمام الطبري رحمه الله : وقوله (( وإلى ربك فارغب )) يقول تعالى ذكره : وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك دون من سواه من خلقه إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الآلهة والأنداد و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . اهـ .
المصدر : كتاب تفسير الطبري 30 / 237 طبعة دار الفكر لعام 1405 هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6 ) إن الذي تعلمه و فهمه الصحابة رضوان الله عيهم أجمعين أن رسول صلى الله عليه و سلم لا يستغاث و لا يتوسل به بعد موته و يؤكد هذا ما رواه البخاري 1 / 342 و غيره عن أنس رضي الله عنه ثم أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم رآه فاسقنا قال فيسقون .
و لو أنك أخي القارئ تجردت و تأملت لعلمت أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا مشروعية التوسل و الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب و لما استسقى بالناس قال : (( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم رآه فاسقنا فيسقون )) وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية السكوتية .
و لو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بالعباس و نعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم الذي هو أفضل الخلائق وأعظمها عند الله فلما لم يقل ذلك أحد منهم فدل على أنهم علموا إنما التوسل به صلى الله عليه و سلم يكون في حياته فقط وبعد مماته يكون التوسل بدعاء غيره من الصالحين الأحياء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 ) لم يأمر رسول الله صلى عليه و سلم أحد من أصحابه رضي الله عنهم إذا نزلت به حاجة أو مصيبة أن يتوجه إليه ويستغيث به بعد موته بل قال لأبن عباس رضي الله عنهما (( إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله )) رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح .
و غير ذلك من الأدلة التي تدل على أن الاستغاثة بالأموات من الأنبياء و الصالحين ممنوعة شرعا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرد على أدلة الصوفية القبورية و داعية البدع علي الجفري جواز الاستغاثة بالأموات من الأنبياء و الصالحين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثاني إن شاء الله تعالى
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وادعو لشيوخ الاسلام بالهداية
بارك الله فيكم ..