مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد شدَّد في ذلك، وبين حال هؤلاء الذين يبنون من غير حاجة، لأن الأمر أسرع مما يؤملون، وأن الذي يبني ما لا حاجة له فيه فإنه سيحمل ما بناه على كتفيه يوم القيامة، كما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يُبعث دجّالون كذّابون قريبٌ من ثلاثين، كلُّهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يُقبض العلمُ، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل ـ وحتى يكثر فيكم المال فيقبض حتى يُهمَّ ربَّ المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أربَ لي به، وحتى يتطاول الناسُ في البنيان.. " الحديث بطوله رواه البخاري(1).
وقد خص صلى الله عليه وسلم الذي يتطاولون في البنيان أنهم رعاة الإبل والغنم.
فعنه رضي الله عنه ـ في قصة جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان والإحسان وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم : " .. ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربّها فذالك من أشراطها، وإذا كانت العُراةُ الحفاةُ رؤوسَ الناس فذالك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم [ وعند البخاري : رُعاة الإبل البهم] في البنيان فذالك من أشراطها .." الحديث بطوله، متفق عليه(2).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قصة سؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان والإسلام والإحسان، وفي آخره قول جبريل عليه السلام: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ما المسؤولُ عنها بأعلمَ من السائل " قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: " أن تلد الأمةُ ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراةَ، العالةَ رِعاء الشاء، يتطاولون في البنيان" الحديث بطوله رواه مسلم (3).
والتطاول ـ تفاعل ـ أي يتفاخرون في تطويل البنيان، ويتكاثرون به.
والمراد بالتطاول:
أن كلاّ ممن كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر. قلت : وهو الذي تقتضيه صيغة المفاعلة.
ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة، أو أعلم من ذلك (4)، والله تعالى أعلم.
وفي الحديث إخبار ـ كما يرى الإمام القرطبي رحمة الله تعالى (5)عن تغير الأحوال، واستيلاء أهل البادية على أهل الحاضرة، واتساعهم في حطام الدنيا، وانصراف هممهم إلى تشييد المباني .. إلخ كلامه فانظره.
ذلك لأن الإنسان يؤجر في نفقته كلها إذا خلص عمله، إلا ما كان في البناء ما لم يكن في مصلحة أو حاجة.
فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليؤجر في نفقته كلَّها، إلا في التراب، أو قال: في البناء " رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه والطبراني، وجوَّده الحافظ العراقي، ورواه البخاري موقوفاً (6).
وقد ورد بنحوه من غير حديثه أيضاً.
والسبب في ذلك ـ والله تعالى أعلم ـ أن الإنسان لن يُعمّر في هذه الدنيا، وأنه ليس له من ماله إلا ما كان في حاجة أو في وجوه الخير، لذا لو أنه وضع مآله فيما ينفع المسلمين كان خيراً له، أما إذا جعله في البناء فقد جمّد المال، واقتصر النفع على شخصه، ولم ينتفع المسلمون بما جّمِّد من هذا المال، والله تعالى أعلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نُصلح خُصّاً لنا. فقال: " ما هذا ؟ " قلنا: خُصّاً لنا وهي، فنحن نصلحه. قال : فقال : " أمّا إن الأمر أعجلُ من ذلك " . رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة ـ لكن فيه عن ابن عُمر ـ والبغوي، وصححه الترمذي وابن حبان (7).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مررت مع النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، فرأى قُبة من لِبنٍ، فقال: " لمن هذه ؟ " فقلتُ : لفلان. قال: " أما إنَّ كلَّ بناءٍٍ هدٌّ ـ وبالٌ ـ على صاحبه يوم القيامة، إلا ما كان في مسجدٍ ـ أو في بناء مسجد ـ أو، أو" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والعدني في آخرين، من طرق متعددة لا يخلو واحد منها من مقال، لكن مجموعها يدل على حسنها، لذا جوَّده الحافظ العراقي، وحسنه الفتني (8).
فما كان في وجه من وجوه الخير فهو يؤجر عليه، وما كان لحاجة فهو يؤجر عليه، وما كان في مصلحة المسلمين فهو يؤجر عليه، أما ما كان لعمارة الدنيا وظن الخلود فيها فلا يؤجر عليه، والله تعالى أعلم.
سبحان الله … !
ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة، أو أعلم من ذلك (4)، والله تعالى أعلم.
نعم أختي الكريمة :: وكما هو الحال في المساجد ،،، لا حول ولا قوة الا بالله