ولعلّ أسرع وأبسط طريقة لتعزيز العلاقة بين الأم ووليدها تقديم الوليد إليها في غرفة الولادة كما هو الحال عندما تتم الولادة في المنزل ، والسماح لها بحضنه حتى قبل تغسيله . هذا إن لم تكن هناك معالجات فوريّة ينبغي إخضاع الوليد لها . والحقّ أن الطفل يفقد هذه القدرة على التمييز بعد الأسابيع الأولى ولا يسترد هذه القدرة إلاّ بعد الشهر العاشر .
ويتعلّم الوليد الجديد بسرعة تعرّف خواص أمّه ، فهو يشم رائحة جسمها ويحسّ بحرارته ، كما يتعرف الخواصّ الأخرى لسلوكها . تلك هي بداية علاقة بين الطفل وأمه تظهر منذ الشهور الأولى من حياته، ولقد ثبت فعلاً أن الأطفال الحديثي الولادة ـ الذين تحضنهم أمهاتهم إلى صدروهن ـ يقلّ بكاؤهم ويتكيفون بصورة أبكر من دورة الليل والنهار ، ويتميزون بمزاج هادئ ، ويصبحون أقلّ عرضة للإصابة بالمرض من الأطفال الذين يبقون بعيدين عن أمهاتهم .
ومن العوامل المهمة الأخرى صوت الأم ، فهو يمنح الطفل الدفء والأمن ، ويشرع الطفل بتمييزه ، فور سماعه ، عن الأصوات الأخرى جميعاً .
ومن الحقائق المعلومة كذلك أن الفترة الرئيسية في الاتصال الأولي بين الأم وطفلها هي فترة الاثنتي عشرة ساعة الأولى . والحقّ أن خمس عشر دقيقة حتى عشرين دقيقة من الإتصال بين الأم وطفلها تعدّ كافية لتوطيد علاقة صحيّة سليمة بينهما .
أما إرضاع الأم لطفلها من ثديها فقد أختلفت فيه وجهات النظر وقد سبق الحديث عن ذلك من الناحيتين العلمية والحيويّة . ولكن ماينبغي معرفته هنا أن الرضاعة من ثدي الأم ـ من الناحية النفسية ـ أفضل بكثير من الرضاعة بالزجاجة ، ذلك لأنها توجد رابطة لاتنفصم بين الطفل وأمّه ، فالطفل يشعر بلذّة لا توصف من التغذية بالثدي . والحقّ أن ارضاع الطفل من الثدي بعد الولادة مباشرة ، أي بعد تنظيفه وإلباسه ، ربما كان أفضل طريقة لايجاد ثقة متبادلة من الناحيتين النفسية والجسميّة بين الطفل وأمّه .
وأوّل ما يرضع الطفل بعد الولادة اللّبأ وهو مادّة غنيّة جدّاً بالبروتين ، سهلة الهضم . وفضلاً عن ذلك فالرضاعة المبكرة تسهل على الأمّ عملية الإرضاع فيما بعد ، ووضع جدول زمني للإرضاع . ولعلّ بقاء الأم على مقربة من وليدها ، واتصالها به أطوال زمن ممكن هو الوضع المثالي الذي تستطيع أن تحققه الأم لطفلها ، ولكن هذا الوضع يتعذّر تحقيقه في المستشفى ، وفي البيت كذلك ، بسبب وجود طفل آخر ، فهذه الرابطة القائمة على القرب والحنان هي من أقوى الغرائز الإجتماعية ، وهي تبدأ منذ الولادة والأمّ تحقق بذلك غرضاً واضحاً يمليه عليها وضع طفلها العاجز الضعيف ، فالطفل يحتاج إلى رعاية وحماية وإلى تغذية كافية ومؤانسة ، وهو يبدى أنواعاً من السلوك تعبّر عن رغبته في التماس الاتصال والاقتراب من الكبار ، كالبكاء والتعلّق بالكبار وتتبعهم بعينيه أو بكامل جسمه ، أو مجرّد الإمساك بذراعهم . وبهذه الصلة الوثيقة يتحقق هدف الطفل ، ويستطيع أن يسدّ حاجاته .
والحقّ أنّ قيام شخص كبير بتوفير الطعام للطفل ، ورعاية حاجاته الخاصّة الأخرى ، وقضاء قدر كبير من الوقت معه ، كل ذلك لا يؤدّي بالضرورة إلى ايجاد مشاعر المودّة ، بل يشيع حتماً جوّاً ملائماً ، ذلك أنّ مثل هذه الرابطة العاطفية يمكن أن تنمو نحو أشخاص لا يقومون بالباس الطفل أو بتغذيته ، بل يتجاوبون وإياه تجاوباً قوياً ، أي أنهم يرغبون في تكييف سلوكهم مع حاجات الطفل الخاصّة عن طريق اهتمامهم به وتعلّمهم اشاراته الخاصّة وتمييزها ، الأمر الذي يفسّر سبب تعلّق الطفل بأمّه دون المربيّة ، كما يفسّر كذلك سبب العاطفة التي يبديها الطفل نحو أمّه التي تقوم بمداعبته وتوليه اهتماماً بالغاً ، ولا تقتصره شأن المربيّة ، على تقديم الرعاية اللازمة له من أجل إبقائه على قيد الحياة . والحقّ أن التعلّق بشخص واحد أو أكثر ليس مسألة جامدة . فهذا التعلّق يتغير شكلاً ومضموناً بما يتفق وسن الطفل ومواقفه وعلاقاته مع أبويه . فمع نموّ الطفل تزداد قدراته الحسيّة الحركيّة ، ويزداد تبعاً لذلك احتمال مواجهته لأشياء ومواقف جديدة توسع دائرة علاقاته الاجتماعيّة ، فيصبح وجود الأم غير ضروري لتوفير الحوافز للطفل بل لأداء وظائف مختلفة . ومهما يكن من أمر فإن دور الأمّ يبقى مهمّا في توفير التعليم لطفلها وتمكينه من ممارسة الأنشطة الثقافية والإجتماعية كافّة .
أرسلت بداية بواسطة ليدي
موضوع رائع وأتمنى أن يفيد الجميع
أتمنى لك التوفيق