الحمد لله بكل المحامد على كل النعم والصلاة والسلام على سيد ولد آدم , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 00 أما بعد :
ها هي رحلة الحياة تقف على شاطئ الوداع !
وها هو قارب الرحيل قد نصب الشراع !
وها هي الدموع تهمل في التياع !
لقد رحلة الأحبة مرغمين 00 وعز في الدنيا الاجتماع !
وخلت الديار من أهلها 00 واستوحشت منهم بقاع !
وأنت على الخطو تسير 00 فاجعل الخيرات زادك والمتاع !
سألت الدار تخبرني 0000 عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي : أناخ القوم 000 أياماً وقد رحلوا
فقلت : أين أطلبهم 0000 وأيُ منازل نزلوا
فقالت : بالقبور وقد 0000 لقوا والله ما فعلوا
أناسٌ غرهم أمل 00000 فبادرهم به الأجل
فنوا وبقي على الأيام 000 ما قالوا وما عملوا
ذهبت أبحث عن الأصحاب والأحباب 000 بعد أن واريناهم – بأيدينا – التراب 00 فما وجدت غير أجداثهم 00 تسفعها العاديات 00 وتحثو فوقها الذاريات 00 كانوا معنا 00 يأكلون ويشربون 00 ينعمون ويتلذذون 00 يذهبون ويأتون 00 يضحكون ويبكون 00 ثم ماذا ؟ ! .
دهتهم داهية الموت 00 فانقطع منهم الصوت 00 وفات عليهم الفوت 00
قال الحي الذي لا يموت { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
جئت قبورهم لأزورهم 00 فوجدتها هامدة 00 ساكنة خامدة 00 دارسة جامدة 00
والدواهي في دواخلها 00 والعظائم في بطونها 00!
أتيت القبور فناديتها 0000 فأين المعظم والمحتقر ؟ !
وأين المدل بسلطانه 0000 وأين القوي إذا ما افتخر
تفانوا جميعا فما مخبر 0000 وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى 000 فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا 000 أما لك فيما مضى معتبر ؟ !
مضوا أمامك وأنت على الأثر 00 والموت سائر إليك فأين المفر ؟ !
وأعظم منه ما يكون من أهوال يوم المحشر !
وأعظم منه الخطب الأخطر , والهول الأكبر : أين يكون المستقر ؟ !
أفــــي : { جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر }
أم
فــــي : { ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر }
فيا لساعة الموت ما أشدها !
وما أعظم المحن التي بعدها !
قال صلى الله عليه وسلم [ القبر أول منازل الآخرة فإن ينج منه فما بعده أيسر منه , وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ] وقال : ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه .
فجـــدوا 000 واستعـــدوا 00
جدوا فإن الأمر جدُ 0000 وله أعدوا واستعدوا
لا يُستقال اليوم إن 0000 وليَّ ولا للأمر رَدٌّ
لا تغفُلُنَّ فإنمــا 0000 آجالكم نفس يعدُّ
وحوادث الدنيا تروح 0000 عليكم طوراً وتغدو
أين الأولى كنا نرى 0000 ماتوا ونحن نموت بعدُ
أيامنا تنصرم 00 وأعمارنا تنهدم 00
ونحن نقترب من الأجل المكتوب والموعد المضروب 00 خطوة إثر خطوة 00
قال تعالى : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون }
والموت مصيبة مهيبة رهيبة 00 وما يأتي بعده أعظم منه وأجل 00 !
فأين الوجل من الأجل ؟!
أين الاستعداد ليوم المعاد ؟!
لقد دنا الرحيل 00 وأزف التحويل 00 فما بالنا غافلين ؟ !
قال تعالى { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين }
أخــــي & أختــــي :
لا تأس على الدنيا وما فيها فالموت سيفنيك ويفنيها
وستعرف قيمتها عندما تخرج منها – مرغما – لتدفن فيها !
فيا لها من ليلة ! ويا لها من ساعة ! ويا له من مضجع !
أي خوف وفزع ؟! وأي وحشة وهلع ؟!
يوم توضع في اللحد لوحدك 00 وتضجع في قبرك بمفردك 00 لا أنيس ولا جليس !
أين الأحباب والصحاب ؟ أين الإخوان والجيران ؟ أين الزوجة والولدان ؟
لقد أفردوك 00 ثم ذهبوا وتركوك 00 ولو بقوا ما نفعوك 00 فمن يؤنس وحشتك ؟ 00 ومن يؤمن – في القبر – روعتك ؟ !
والهف نفسي على نفسي !
والهف نفسي عليك !
فارقت موضع مرقدي 000 يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلـــة 000 بالله قل لي ماكون
فأي منظر فظيع 00 وأي مجلس شنيع 00 وأي خطب كبير 00 يوم تفتح مقلتيك بين يدي منكر ونكير !!!!
والله لو عاش الفتى في عمره 0000 ألفاً من الأعوام مالك عمره
متنعما فيها بكل لذيذة 000000 متلذذا فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته 00000 كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن يفي 000 فيها بأول ليلة في قبره
فأعدوا لها العدة 000 وجهزوا لها الزاد 00 فإنها ترقبكم على الطريق ! وتنتظركم على الأبواب !
قال تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب }
أخي الحبيب 0000000000000 أختي الكريمة
زيارة القبور للدعاء للموتى , والاتعاظ بحالهم , والاعتبار بمآلهم سنة مستحبة , يؤجر عليها الزائر , ويستفيد منها المزار , تلين بها القلوب القاسية 00 وترعوي بها العقول الغاوية 00 وترتدع بها النفوس الباغية 00
قال صلى الله عليه وسلم [ كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ] أخرجه مسلم
@ قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين , وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت .
@ وقال إبراهيم النخعي : كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياماً ( العاقبة في ذكر الموت والآخرة – الإشبيلي – ص 155 )
فهـــل ذكرتنـــــــا القبـــــور بالآخـــــــرة ؟!
إن بعضا منا يرى الموتى أمام عينيه يُغَيبون في اللحود 00 ويحثى فوق رؤوسهم التراب 00 وهو يضحك ملء فيه , ما سحت عينه بدمعة حزن , ولا وجل قلبه بخفقة خوف , ولا أَحس بوحشة تسري في أوردته , وكأنما الموت مخلوق لغيره لم يُكتب عليه !
ويتحدث عن دنياه وهو يرى نهايتها أمام عينيه !
ويفتخر ببيته وقصه وبيت الوحشة والدود والصديد والظلمة والفاقة تحت قدميه 00!
ويتباهى بماله وغناه وما علم – المسكين ! – أن يوم فقره هو يوم يوضع في قبره !
ويتعاطى المحرم بيده – كالدخان – وهو يمشي بين القبور بقدمه 000 ويرى مصارع القوم أمامه ويلمح مساكنهم بين يديه ويسحب ثوبه غطرسة وكبرا وهو يعلم أن الموتى يدرجون في أكفانهم دون جيوب أو أكمام 000 ويمشي بحذائه فوق القبور وينتفخ كبراً واستعلاء عندما تهمس في أذنه بحرمة ذلك 00
فيا للعجب ! 000 يكابر فوق المقابر 00 أما لهذه الغفلة من آخر 00 نعوذ بالله من القلوب الميتة !
فقف في القبور 00 واعتبر 00 وانظر – أيها الفقير – إلى أين المصير ؟!
قف بالقبور وقل على ساحاتها 0000 من منكم المغمور في ظُلماتها
ومن المكرم منكم في قعرها 0000 قد ذاق برد الأمن من روعاتها
أما السكون لذي العيون فواحد 000 لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسنٍ 0000 تصف الحقائق بعد من حالاتها
أما المطيع فنازل في روضة 0000 يفضي إلى ما شاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب 0000 في حفرة يأوي إلى حيَّاتها
وعقارب تسعى إليه فروحه 0000 في شدة التعذيب من لدغاتها
@ قال عبيد الله بن شميط : سمعت أبي يقول : أيها المغتر بطول صحته 000 أما رأيت ميتاً قط من غير سقم ؟!
أيها المغتر بطول مهلته 000 أما رأيت مأخوذا قط من غير عُدة ؟!
إنك لو فكرت في طول عمرك لنسيت ما تقدم من لذاتك .
أ بالصحة تغترون ؟
أم بطول العافية تمرحون ؟
أم للموت تأمنون ؟
أم على ملك الموت تجترئون ؟
إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك , ولا كثرة احتشادك , أما علمت ان ساعة الموت ذات كرب وغصص وندامة على التفريط ؟
رحم الله عبداً عمل لساعة الموت
رحم الله عبداً عمل لما بعد الموت
رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول ملك الموت .
@ قال الحسن البصري : عاد رجل أخاً له فوافقه في الموت – وهو يجود بنفسه في سكرات الموت – فرأى من مرأى الموت وكربه , فرجع إلى أهله , فجاءوا بغدائه فقال :
يا أهلاه ! عليكم بغدائكم .
قالوا : يا فلان الضيعة .
قال : يا أهلاه ! عليكم ضيعتكم 000 فوالله لقد رأيت مصرعاً لا أزال اعمل له حتى أقدم عليه .
أخــــــــي :
فهل عملت لِما أنت قادم عليه ؟!!
أخـيتـــــــي :
فهل عملت لِما أنت قادمة عليه ؟ !!
من كتاب زيارة عابرة للأخ عبد اللطيف الغامدي
……………………………..
بــارك الله فـــيــك وجــزاك الله ألــف خــــيـر على أجــمـل مـواضـيـع يــا أمــيـرة