هذه الطريقة في الرد على الوطنيين العرب ، تصاعدت وتبلورت منذ مطلع التسعينيات، وصرنا نسمع ردوداً جاهزة، كلما فضح وطني عربي، صلة الغرب والصهيونية بمشاكلنا، وتفاقمها والفشل في حلها، تقوم على تحقير وابتزاز من يفضح، ويربط بين مشاكلنا ودور القوى المعادية. ومن المؤسف ان الكثير من الكتاب والمثقفين وقعوا في شرك الابتزاز، فارتبكوا وشعروا بالخوف من اتهامهم (بالسذاجة) ، وتكرار (نظريات جاهزة)، و(ابتعادهم عن الواقع)، رغم ان الواقع العربي فيه آلاف الادلة المادية والشواهد على وجود مؤامرات وليس مؤامرة واحدة.
نعم توجد مؤامرات نفذت ونجحت، وادت الى دمار وخراب وتراجع في كل الوطن العربي، بل ان رد مارينز الاعلام العرب، بالقول (إن سبب كل ماتقدم هو مجتمعاتنا وقيمها وثقافتها وانظمتها الحاكمة)، هذا الرد بذاته مردود عليه، لأن النظم العربية، بغالبيتها زرعت وحفظت امنياً وسياسياً، من قبل بريطانيا ثم امريكا، من رفض الشعب العربي لها. ومن اهم المؤامرات التي نفذت: انشاء اسرائيل، وحروب اسرائيل التي كان هدفها الاول تحطيم الجيوش العربية، لكن هدفها الا بعد كان القضاء على عوامل التقدم والنهضة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال اجبار العرب على تحويل اموالهم من التنمية الى الحرب والأمن! كذلك فان اسرائيل تحولت الآن، بفضل المؤامرة التفصيلية، الى قوة اقليمية سائدة، وهذا يؤكد دعم امريكا والغرب والشرق لها، بل ان اسرائيل صارت تملك وسائل تأثير فعالة جداً على امريكا بالذات، وعلى اوروبا وغيرها، اذ لايجرؤ زعيم امريكي، او اوروبي، الآن على رفض او معارضة سياسات اسرائيل بجدية، خصوصاً رفضها لتنفيذ اكثر من (100) قرار صدرت عن الامم المتحدة منذ عام 1947م!
وفي اطار هذا الاستكلاب الاسرائيلي مازلنا نرى دولاً عديدة، وليس المانيا فقط، تدفع تعويضات لاسرائيل، وتحني رأسها لها كلما ارتفع صوت غاضب منها! وصارت اسرائيل تملي على امريكا واوروبا مايجب ان تقوما به تجاه العرب، فالمطلب الأوروبي- الامريكي بتغيير مناهج التعليم العربية، هو مطلب اسرائيلي، و(تفكيك بنية الارهاب) في الوطن العربي، هومطلب اسرائيلي، و(تجفيف مصادر الارهاب) المالية والفكرية والنفسية، هو مطلب اسرائيلي، و(اطلاق حرية الجنس وتحرير المرأة)، هو مطلب اسرائيلي، نجد تنفيذه التام في اطلاق فضائيات عربية تنشر الفسوق والعهر على مدار اليوم، وتختص بالرقص المثير والاغاني الهابطة والفاسقة، والتي يخجل منها حتى الرجال! او نجده في (ترويج المخدرات) في الوطن العربي، وهو مطلب اسرائيلي، ونجده في (تفكيك الاسرة العربية)، وهو مطلب اسرائيلي… الخ
اذا اردنا ان نعدد مايجري الآن تحت نواظرنا سوف لن ننتهي، وفي كل مايجري على مستوى الدين والقيم، نجد اسرائيل.
المؤامرة على العراق
اما على مستوى العراق، فنجد الادلة الاعظم والاوضح على وجود (المؤامرة الكبرى)، فلقد كانت اول المؤامرات فرض الحرب العراقية- الايرانية على العراق، حيث برز الدور الامريكي- الاسرائيلي- الاوروبي في التهيئة لها باسقاط الشاه ودعم وصول خميني للسلطة ، وادامتها، ورفض ايقافها، فاستمرت 8 سنوات، احرقت الاخضر واليابس. ثم اختلقت مشكلة الكويت منذ عام 1988، اي مباشرة بعد نجاح العراق في انهاء الحرب مع ايران خلافا للتخطيط الامريكي – الاوربي – الاسرائيلي ، وتفجرت المشكلة عام 1990، ووقع العدوان الثلاثيني في عام 1991، رغم ان امكانية الحل السلمي كانت قائمة لأزمة الكويت، لكن امريكا، ومن وراءها، احبطت الحل السلمي. وبعد شن الحرب على العراق جاء دور الحصار الشامل، فمات من العراقيين حوالى مليوني انسان، ودمرت البنية التحتية، واضعف الجيش العراقي، الذي اصبح في عام 1988 اقوى جيش في الشرق الاوسط! وقدم العراق تنازلات ضخمة، وطبق كافة قرارات مجلس، من اجل رفع الحصار، لكنه لم يرفع !
وحينما ادركت امريكا، ومن وراءها، ان العراق قد اقترب في عام 2024 من كسر الحصار، بفضل نجاحاته في مجالات الزراعة والصناعة والعلم والتكنولوجيا، من جهة، وتعاونه مع الاشقاء العرب والاصدقاء من غير العرب من جهة ثانية، جاءت احداث 11 سبتمبر 2024 لتقلب كل شيء رأساً على عقب! ومن ابرز ادلة وجود (مؤامرة كبرى)، في هذا الشأن هو أنّ ادارة بوش، لجأت في يوم ضرب البرجين الى اتخاذ قرار شن حرب على العراق! هل كان ذلك محض انفعال ورد فعل؟ بالتأكيد كلا، وماجرى فيما بعد في العراق اكد واثبت وجود مؤامرة، هدفها تدمير العراق، لانه تحدى سياسياً، ثم تحدى تنموياً، باقامة دولة عصرية متقدمة وقوية. ومرة اخرى، ورغم كل عروض العراق لتجنب الحرب الجديدة ، إلا أن ادارة بوش، مدفوعة بفريق المحافظين الجدد، اليهود الصهاينة، رفضت اي حل سوى الغزو وتدمير العراق. ماذا استخدمت لتسويق الغزو واقناع العالم به؟
اداة المؤامرة : الكذب
لئن كانت فضائيات الفسق والفجوروالارتزاق العربية ، كروتانا والعربية، قد تولت مهمة افساد الاخلاق وصنع جيل ساقط قيمياً، ومتشبع بثقافة الارتزاق وعهر الضمير ، فان دبابات (المحافظون الجدد) تولت مهمة تدمير الركن المادي والمعنوي لنهوض الامة : العراق. فطبقاً لكل ماورد في (بروتوكولات حكماء صهيون)، وخطط دايان وشارون، وعودي ينون، كان يجب منع اي قطر عربي، من الحصول على التكنولوجيا والعلوم، واعداد جيش من العلماء والمهندسين العرب، وانشاء قاعدة صناعية وزراعية، والقضاء على الفقر والامية، والمرض، والاصرار على جعل ثروات العرب حقاً لكل العرب، خصوصاً الفقراء منهم. وبما ان العراق قد فعل كل ذلك، واكثر، فقد تقرر صهيونياً اولاً، وامريكياً ثانياً، تدميره واجتثاث القوة السياسية التي حققت كل ذلك، فكان غزو عام 2024م هو الرد الصهيوني- الغربي على (وقاحة) العراق وشعبه!
انظروا الى مافعلوا في العراق، تدركون ان المؤامرة الكبرى حقيقة مادية مجسدة، وليست هوساً مرضياً، فبعد اسقاط النظام الوطني، فككت الدولة، ولم يكن اسقاط النظام كافياً، وحل الجيش والاجهزة الامنية، واحرقت الوزارات، باستثناء وزارة النفط، وخربت البنية التحتية، ووصلت المؤامرة ذروتها بتدمير ا لمتحف الوطني العراقي، ونهب آثاروهوية ثمانية آلاف عام من الحضارة، ثم القيام بخطوة غبية جداً، ساعدت على فضح المؤامرة، ذات الجذور التاريخية، حينما حولت آثار بابل الى مقر لقوات الغزو! وكانت النتيجة الحاق خراب كبير بالآثار التاريخية لايمكن اصلاحها! واكملت المؤامرة بتدمير مصادر رزق الناس، وهيمنة الجريمة واللصوص، وعدم اصلاح خدمات الماء والكهرباء، وغير ذلك!
هل يكفي كل هذا لتأكيد القول، وبجزم مطلق، ان هناك مؤامرة كبرى تنفذ ضد الأمة العربية وهويتها القومية واسلامها؟ اذا كان هناك من يشك بذلك، علينا ان نحيله للدليل الحاسم الآخر، وليس الأخير، وهو فبركة اكاذيب اسلحة الدمار الشامل والصلة بالقاعدة، والمقابر الجماعية ومجزرة جلجة، ونهب ثروات العراق، واغتصاب النساء، وغيرها، والتي اعترفت امريكا بكذبها ، واستخدمت لتبرير غزو العراق وقبول حكومات العالم به على مضض، والسؤال هو: ماذا يعني سقوط هذه الأكاذيب غير انها فبُركت لتمرير المؤامرة الاكبر؟