تخطى إلى المحتوى

الميراث قصة قصيرة بقلمى 2024.

لاكي

المـــــــيراث


إلتفت الطبيب الشاب إلى تلك السيدة التى يشير وجهها الشاحب إلى تجاوزها العقد السادس من عمرها بسنوات رغم أنها لم تتجاوز العقد الخامس بعد ثم قال بصوت حنون:

– لا تجزعى يا أماه .. إنه بخير والحمد لله.

تطلعت السيدة إلى زوجها المريض الراقد فوق الفراش وقالت بصوت مرتجف وهى تقاوم دموعها خجلاً من الطبيب:
– ولكن يا بنى حالته الصحية تتدهور يوماً بعد يوم.

أجابها الطبيب فى أسف وهو يخرج من الغرفة:
– هذا صحيح.

إرتفعت دقات قلبها بعنف وهى تقول فى لوعة:
-وما العمل يا سيدى الطبيب؟

إستقر بهما المقام فى الردهة البسيطة الأثاث وتطلع الطبيب إلى المنزل المتواضع وكأنه يحاول إستنباط الحالة المادية لهذه الأسرة ثم لم يلبث أن قال:
-فى الواقع يا أماه لابد من إجراء جراحة عاجلة لإستئصال الكلى المصابة.

إتسعت عينا السيدة وهى تقول فى فزع:
-إستئصال الكلى ولكن ..

قاطعها الطبيب قائلاً فى هدوء:
-رويدك يا أماه .. إن عشرات بل مئات الأشخاص يحيون حياة مستقرة بكلى واحدة .. بل إن منهم أيضاً من يولد بكلى واحدة .. فالأمر أبسط من أن ينتابك كل هذا الذعر لمجرد أننا سنقوم بإستئصال كلى مصابة تضر بصحة زوجك أكثر مما تفيده.

ترددت السيدة قليلاً قبل أن تقول فى اضطراب:
-ولكن ماذا لو أصيبت الكلى الأخرى .. ماذا نفعل؟

حاول الطبيب الابتسام لتهدئتها وهو يقول:
-ألا تذكرى أننا قد قمنا بإجراء الفحوص اللازمة للكلى الأخرى فوجدنا أنها تعمل بكفاءة تامة .. ولكن لو حدث هذا فإنه قضاء الله.

أطرقت برأسها وهى تقول فى خضوع مرير:
-ونعم بالله.

ثم لم تلبث أن استدركت وقالت فى حذر:
-وكم تكلفة هذه الجراحة يا سيدى؟

صمت الطبيب الشاب لحظات ثم قال فى حسم:
-ما لا يقل عن عشرة آلاف من الجنيهات.

لاكي

إنهمرت دموع تلك السيدة وهى تجلس بجوار زوجها المريض الذى إلتفت إليها فى وهن وسألها بصوت مرتجف:
-لماذا تبكين يا أم (حسين)؟

أسرعت بمسح دموعها بيديها وهى تقول:
-لا شئ يا (حافظ) .. كيف حالك الآن؟

ابتسم ابتسامة واهنة وهو يقول:
-أحمد الله على كل شئ .. بم أخبرك الطبيب؟

أطرقت برأسها وهى تقول فى حزن:
-أخبرنى أنه لابد من إجراء جراحة.

اعتدل فى جلسته بصعوبة وهو يقول فى يأس:
-ومن أين لنا بتكلفة هذه الجراحة؟ لقد أنفقنا كل ما كنا نملكه من أموال .. حتى أنت بعتِ آخر قطعة ذهبية كنتِ ترتدينها .. فما العمل؟

ترددت أم (حسين) قليلاً ثم لم تلبث أن نهضت وهى تقول فى حزم:
-سأذهب إليه وأقترض منه المبلغ المطلوب.

نظر إليها فى عتاب وهو يقول:
-ماذا تقولين؟

قالت بنفس الحزم:
-نعم سأذهب إليه وليكن ما يكون.


لاكي

غمرت الأضواء تلك الفيلا التى تقع فى إحدى أرقى ضواحى العاصمة وبدا جميع الخدم شعلة من النشاط ورغم ذلك ظهرت سيدة باهرة الحسن فى أواخر العشرينات من عمرها وصاحت فى غضب:
-ألم تنتهوا بعد؟ لقد اوشك المدعوون على الحضور.

أجابها رئيس الخدم وهو يقول فى خوف:
-لقد إنتهينا من إعداد كل شئ يا سيدتى.

قالت السيدة فى شئ من الضجر:
-حسناً إذهب أنت الآن.

وجاء من خلفها أحد الخدم وهو يقول بلهجة حذرة:
-سيدة (مها).

إلتفتت إليه فى حدة فتراجع إلى الخلف وهى تهتف به:
-ماذا هناك؟ .. أليس من المفترض أن تظل عند البوابة لإستقبال الضيوف؟

قال بصوت مرتجف وهو يشير إشارة مبهمة نحو باب الفيلا الداخلى:
-هناك سيدة عجوز تريد مقابلة السيد (حسين).

قالت له بعصبية:
-ولماذا تريد مقابلة (حسين) هذه العجوز؟

قال لها فى اضطراب أقرب إلى الخوف:
-لا أدرى يا سيدتى ولكنها تصر على أن تقابله وتقول أنها مسألة حياة أو موت.

إندفعت (مها) نحو باب الفيلا وهى تقول:
-حسناً سأقابلها أنا.

وما إن رأت (مها) السيدة أم (حسين) تقف عند البوابة الخارجية حتى زفرت فى ضيق وقالت لها بإقتضاب:
-ماذا تريدين؟

تطلعت إليها أم (حسين) فى حرج ثم قالت بلهجة توسل:
-أريد أن أرى أبنى.

لم تكد تكمل كلمتها حتى قالت (مها) فى إستعلاء فج:
-صه .. لا تذكرى هذا أمام الخدم .. أتريدى أن تفضحينا؟

إتسعت عينا أم (حسين) فى دهشة وسألتها فى حيرة:
-أى فضيحة فى هذا يا إبنتى .. أليس (حسين) أبنى أم ماذا؟

زفرت (مها) مرة أخرى فى ضيق ثم قالت وهى تبتعد عنها فى خشونة:
-حسناً سأرسل لك إبنك حتى ينهى هذه الأمور البغيضة.

شعرت أم (حسين) بغصة فى حلقها وهى ترى زوجة أبنها تعاملها بكل هذا البرود والقسوة .. ألا تذكر أن كل هذا النعيم الذى تحيا فيه إنما هى كل ثروة (حافظ) والد (حسين) والذى أستولى عليها (حسين) من والده بالإجبار .. وبعدها ترك والديه يعانيان الفقر والألم والمرض ولم يكلف نفسه عناء السؤال عنهما يوماً أو الإطمئنان عليها وعلى والده المريض .. وكل هذا بمعاونة هذه الأفعى التى تحيا معه والتى اعترض والد (حسين) على زواج ابنه منها أشد الاعتراض ولكن هذا الأخير لم يأبه بكلام والده ..
قطع سيل أفكارها صوت ابنها (حسين) وهو يقول فى صرامة:
-ماذا هناك؟

إلتفتت إليه والدموع تغرق وجهها وقالت له بحنان رغم كل شئ:
-(حسين) .. كيف حالك يا ولدى؟

عقد ذراعيه أمام صدره وقال بلهجة جافة:
-بخير .. ماذا هناك؟

تطلعت إليه فى دهشة عارمة وشعرت بمرارة فى حلقها وجُرح عميق فى قلبها عندما سألها فى غلظة:
-هل ستحدقين فىَّ هكذا إلى الأبد أم ماذا؟ .. أنا فى إنتظار إناس هم علية القوم ولقائى بهم اليوم غاية فى الأهمية وليس عندى أكثر من خمس دقائق .. فأخبرينى ماذا تريدين وإنصرفى قبل أن يحضروا.

حدقت فى وجهه بذهول هذه المرة وهى تقول بإستنكار:
-هل هم أهم عندك من والديك؟

قال لها فى خشونة:
-بل هم أهم عندى من العالم بأسره.

حاولت أن تتماسك وأن تكف عن ذرف الدموع ولكن عيناها وقلبها أبيا تأبين إبنها الوحيد الذى ألقى خلف ظهره بكل مشاعر الحب والود نحو أبويه .. ولم تلبث أن قالت فى تردد بصوت مرتجف:
-والدك يحتاج لإجراء جراحة عاجلة وأنا أريد منك دفع التكاليف لأننا لا نملك شيئاً الآن .. حتى قوت يومنا أصبحنا لا نملكه .. وأرى أنك ..

قاطعها فى حدة قائلاً:
-أنا ماذا؟ .. هل تعتقدين أنى أملك شيئاً؟ .. إن كل ما ترينه الآن هو ملك لزوجتى فإطلبى منها شيئاً إن استطعتِ.

حدقت فى وجهه مرة أخرى غير مصدقة وسرعان ما هزت رأسها فى قوة ثم قالت:
-حسبنا الله ونعم الوكيل.

تطلع إليها فى برود وهى تردد فى ذهول:
-حسبنا الله ونعم الوكيل.

وقبل أن تنصرف إلتفتت إليه وقالت:
-قلبى غاضب عليك إلى الأبد .. فإنعم بحياتك إن استطعت.

وهنا جاءت زوجته وهى تقول فى ضجر عصبى:
-هل إنصرفت؟

قال لها وهو يطوق عنقها بذراعه:
-نعم يا حبيبتى .. هيا بنا لنبدأ إحتفالنا.

لاكي

تطلعت (مها) فى المرآة التى بيدها إلى شعرها الأسود والذى تسللت إليه شعرات بيضاء وقالت بسخط وهى تلقى المرآة إلى جوارها:
-يالهذا الزمن البغيض.

أتاها صوت ساخر من خلفها إنطلق من بين شفتين جميلتين لفتاة أجمل وهى تقول:
-وهل تريدين أخذ زمنك وزمن غيرك؟

إلتفتت إليها (مها) وهى تقول فى حدة:
-ماذا تقولين؟ .. إننى لم أتجاوز الخمسين بعد من عمرى .. ثم أننى مازلت جميلة.

عقدت الفتاة ذراعيها أمام صدرها وهى تقول فى برود ساخر:
-لقد أخبرتنى بهذا الأمر كثيراً .. حتى أصبح تكراره مملاً.

نهضت (مها) واقفة وهى تقول فى عصبية:
-إحذرى لما تتفوهين به يا (سلوى) وإلا أخبرت (حسام) عندما يأتى.

أتاها صوت (حسام) من خلفها يقول فى برود:
-وها أنا قد أتيت .. فما الذى تريدين إخبارى به؟

إندفعت نحوه وهى تقول فى حزن مصطنع:
-هل ترضيك هذه المعاملة التى تعاملنى بها زوجتك يا (حسام)؟

لم يأبه (حسام) لنبرة الحزن التى إفتعلتها (مها) ببراعة وهو يقول فى غلظة:
-المنزل منزلها .. فلتفعل به وبمن فيه ما تشاء.

اتسعت عيناها فى ذهول وهى تقول:
-ولكننى أمك يا (حسام).

هز كتفيه بلا مبالاة وهو يقول:
-وماذا فى هذا؟

إنعقد حاجباها وهى تقول فى حدة:
-ألا تذكر كيف ساعدتك عندما أردت الحجر على والدك؟ .. وكيف ساعدتك لإلقاءه فى هذه الدار التى يحيا فيها منذ زمن؟

إلتفت إليها وهو يقول بشراسة:
-ألا تذكرين أنت أننى أتحملك هنا فى منزلى وأرتضى أنك تجثمين على أنفاسى وأنفاس زوجتى دون شكوى واحدة .. ماذا تريدين منى أن أفعل أكثر من ذلك؟

ثم إلتفت إلى زوجته وقال وهو يطوق عنقها بذراعه:
-هيا يا حبيبتى فأنا أدعوك اليوم لتناول العشاء خارج المنزل .. فالجو هنا خانق حقاً.

لاكي

تطلع (حسين) إلى جدران الغرفة الأربعة التى يحيا فيها ثم سالت دموعه فى أسى وهو يتذكر كيف رفع إبنه الوحيد دعوى حجر عليه وعلى أمواله وتم قبول الدعوى .. وكيف ألقاه فى دار المسنين هذا ولم يسأل عنه مرة واحدة .. إن إبنه (حسام) لم يرث منه أمواله وهو على قيد الحياة فحسب وإنما ورث منه ما هو أهم وأقسى .. لقد ورث منه قسوته وجبروته وشراسته ووحشيته ..
قسوته مع والديه ..
جبروتــــــه عليهما ..
شراسته فى التعامل معما ..
وحشيته فى كلماتــــه معهما ..
سالت دموعه أنهاراً وهو يتذكر آخر يوم رأى فيه والدته وهى تخرج من عنده تجر أذيال الخيبة بعدما رفض دفع تكاليف الجراحة لوالده وها هو الآن يدفع الثمن .. ها هو الآن يعض يديه ندماً .. ولكن بم يفيد الندم .. لم يجد ما يفعله وهو يجلس وحيداً مثل أبيه لحظة وفاته سوى أن يرفع عينيه إلى السماء ويردد:
-حسبنا الله ونعم الوكيل.



لاكي

لاكي

لا حَوْلَ وَلا قُوَّة إِلا بِالله العَلِي العَظِيم

كَمَا تَدِين تُدَان

بُورِكَ مِدَاد قَلَمِك غَالِيَتِي

كَمْ مِنْ قِصَّة قَرَأنَاهَا كَان بَطَلهَا الوَحِيد هُوَ المِيرَاث وَالجَشَع

حسبنا الله ونعم الوكيل

صدق من قال …
كما تدين ….تدان

شيء ما شدني للفيض بعد طول غياب

مبارك عودة قلمك يا بيرو
فقد اشتقت لك وله

قصة رائعة جدا لاكي
إفعل ما شئت فكما تدين تدان …

كما تدين تدان
بارك الله فيك اختي

قصه جدآ رائعه ومميزه
وفيها العظه والعبره
اللهم اجعلنى وجميع المسلمين ممن يبر بوالديه يارب
سلمت يداك على الانتقاء والكتابه الاكثر من رائعه
:

رااائعة بيرو
قصة واقعية .. وكما تدين تدان
عقوق الوالدين تعجل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة *

أعاننا الله على بر الوالدين أحياءً وأمواتاً
بوركتي غاليتي

=)

:

بسم الله ما شاء الله روووووعه ربي يعطيكي العافية يا غاليه
سبحان الله كلا سيجزيه الله لقاء عمله
اشتقنا لقصصك المميزة كثيراً
نطلب المزيد فلا تقطعينا
ودي و احترامي ..

لا حَوْلَ وَلا قُوَّة إِلا بِالله العَلِي العَظِيم

ماشاء الله قصه رائعه جدا
رفقا وقلوبنا احلى بيرو
تسلسل جميل في الأحداث
دمتي في حفظ الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.