أشهدُ أنَّ اللهَ حق ، وأنَّ الجنة َ حق ، وأنَّ النارَ حق ، وأنَّ النبيين حق ، وأنَّ محمداً رسولُ الله حق ، أشهدُ أنَّ الدين خالد ، وأنَّ الرسولَ خاتـَم ، وأنَّ الكفرَ خاسِر .
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71)
أمَّا بَعْد :
فإن أصدق الحديثِ كلامُ الله , وأحسنَ الهدي , هديُ نبينُا محمدٍ صلى الله عليه وسلم,
وشرَّ الأمورِ محدثاتـُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار .
الله اكبر .. الله اكبر .. الله اكبر , اللهُ اكبرُ وللهِ الحمد , الله أكبر كلما ذكره الذاكرون , والله أكبر كلما لهج باسمه المسبحون , والله اكبر كلما سجع الحمام , وسار الغمام , الله أكبر ترضيه , الله أكبر بها نلاقيه , الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلاالله , الله أكبر ولله الحمد .
اللهم لكَ الحمدُ مثلما نقول , وفوق ما نقول , لك الحمدُ بالإيمان , ولك الحمدُ بالإسلام , ولك الحمدُ بالقرآن , عزَّ جاهُك , وجلَّ ثناؤك , وتقدَّست أسماؤك , ولا إلهَ إلاَّ أنت . من تقرَّبَ إليك قرَّبتـَه , ومن أحببكَ أحببتَـَه , ومن توسلَ إليكَ قبلـتَه , ومن عصاكَ أدَّبتَه , لك الحمدُ حتى ترضى , ولك الحمدُ إذا رضيت , ولك الحمدُ بعدَ الرضا .
في هذا الصباح ، يوم تطلُّ شمسُ العيد ، ويبزغ ُ نورُها ، وترسِـلُ أشعتـَها، في هذا الوقت الباكرِ السافرِ الساحرِ، تتنـزلُ الملائكة ُمن السماء زرافاتٍ ووحدانا ً، تتنـزلُ ملائكة ُ الرحمن ِ في ثوبٍ مهيبٍ ، جميل ٍ بهيج ، تتنزَّلُ الملائكة ُ في صباح ِعيد ِ المسلمين , ومعَها الصحف ، فتقفُ على السكك ِ والمنحنيات ِ والطرقات , ومداخل ِ الشوراع , تسجِّـلُ الذاهبين والآيبين إلى المصلى ، وترسلُ إليهم الهدايا المعنوية ، والجوائزُ الرمزيـَّة التي كلفـَهمُ اللهُ بإعطائِها العباد، فمن آخذٍ جائزتـَه ُ بيمينهِ فمقبولٌ ومدخولٌ ومستأذِن ، ومن مطرودٍ خائبٍ خاسرٍ نادم .
معاشر المسلمين : يومَ العيد , سرٌ من أسرارِ هذه الأمة ، يوم َالعيد , تخرجُ الأمةِ الإسلاميَّة معلنة ً تضامُنـَها وخلودَها وانسجامَها وتكافـُلـَهَا .
يومَ العيد , يكونُ ترنيمُنـَا ونشيدُنـَا الخالـد : الله أكبرُ كبيراً .. اللهُ أكبرُ من كلِّ قوة ، واللهُ أكـبرُ من كلِّ هيئة ، واللهُ أكبرُ من كلِّ كـَيان ، اللهُ أكبرُ لـَهُ البقاء والرفعة ، اللهُ أكبرُ لـَهُ الثناءُ والمجد ، اللهُ أكبرُ لـَه البقاء أبداً سرمداً .
والتكبيرُ يومُ العيدِ سنة ٌ سنـَّها صلى الله عليه وسلم في المناسباتِ وغيرِها ، فكأننا نقولُ للناس : يا من تكبرَ وتجبر! اللهُ أكبرُ منكم ، ويا من عتا واستكبر ! اللهُ أكبرُ منكم ، ويا من غفلَ وسها وتمردَ على الله ! اللهُ أكبرُ منكم .
ويومَ العيد نلبسُ الجديد ؛ ومعناه ُ: أن نظهرَ النعمة َ التي أنعمَ اللهُ بها علينا ، فنقولُ بلسان ِ الحال : يا ربِّ ! هذه نِعَمُكَ علينا ، يا ربِّ ! هذا اللباس ِ الذي ألبستنا . ونقولُ للناس : انظروا لنعم ِ الله علينا ، انظروا لفضل ِ الله علينا , انظروا لكرم ِاللهِ علينا , فعند [COLOR=**********]البيهقي بسندٍ حسن قال صلى الله عليه وسلم : { إنَّ اللهَ يحبُّ أن يرى أثرَ نعمتهِ على عبدِه } وخرجَ صلى الله عليه وسلمَ يومَ العيدِ ليصلي بالأمةِ الإسلامية ، وليقودَ الجماهيرَ لخطبة ٍعاطرة ٍ رضيَّة ؛ فلبـِسَ حُـلـَّة ً من أحسن ِالحلل ؛ لـيـُظهـِرَ جمالَ الإسلام .
ويومَ العيد نتوضأ ولا بد ، ويغتسِـلُ من أرادَ مِنـَّا ، وبعضُ أهل ِالعلم ِ يقولُ الغسلُ سنـَّة ؛ لنَخرُجَ طيبين ونقولُ : يا ربِّ ! طـَهَّرنا الأعضاء ؛ فطهِّرِ المعنويات ، طـَهـَّرنـَا الظاهر؛ فطهِّرِ الباطن ، طهـَّرنا ما كـَشِفَ للناس ؛ فطهِّر ما خـَـفِـيَ عـنهم .
ويومَ العيدِ نخرجُ من طريق ٍ ؛ لنقولَ لكلِّ عدو ٍ في الإسلام : ها نحن الأمةِ المسلمة خرجنا تائبين إلى الله ، منيبين إليه ، شاكرين نعماءَه , والأحسنُ أن نأتي مشاة , أن نمشي على الأرض وهو الأفضل ؛ لنعلنَ التواضُعَ لله عـزَّ وجل ، وكأننا نقول بلسان الحال : عليكِ أيتـُها الأرضُ نمشي ، وعلى ظهرِكِ نأكل ونشرب ، وفي باطنِكِ نـُقبر، فنحنُ العبادُ من تراب .
ونعودُ يومَ العيدِ من طريق , ليرانا الذين لم يرونا من الطريق ِ الأولى ، فكأننا حشودٌ منظمة ، أو كتائبُ منسجمة ، أو إطلالٌ من إطلالاتِ الفجر، أو شعاعٌ من شعاع ِ النور. [/COLOR]
أيها الناس :
من أجلِّ سمات ِ العيد ، ومعاني العيد , وأسرَارِ العيد ؛ أن نعودَ إلى الحيِّ القيوم ، فمن لا يعود إلى الله ، ولا يعلن َ العودة إلى الله فليس له عيد .لماذا يفرح وقدِ ابتعدَ عن ِالله ؟! لماذا يفرح ! وقد قطَّع حبالـَهُ بينـَه وبينَ الله ؟! لماذا يفرح وقد أوصدَ أبوابَ التوبةِ بينـَهُ وبينَ مولاه جل في علاه ؟!
فمعنى العيد : أن تعودَ إلى الله ، وتعلن توبتـَك كما يأبـَقَ العبدُ فيعودُ إلى مولاه .
ومن معاني العيد : أن نقفَ صفوفاً في المصلـَّى ، وكأننا نقولُ : يا رب ! إن قبـِلتَ فزدنا قـَبُولاً، وإن غضبتَ فأتنا رضاً ، وإن أذنبنا فتب علينا .
ومن أجلِّ أسرارِ العيد : أن نتعاودَ فيما بينـَنـَا ونتزاور، يأتي القاطعُ الذي قطعَ أرحامَهُ السنواتِ المديدة ، واستوجبَ اللعنة َ العتيدة ، فيمحو لعنة َ اللهِ بزيارةِ أرحامِه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) فحينـَها تأتي يومَ العيد فتزورُ أباكَ وأمَّك ، وأخاك وأختـَك ، وعمَّك وعمتـَك ، وخالك وخالتـَك ، وكلُّ قريبٍ يقربُ منك وَوَصَلـَكَ اللهُ بوصيلةٍ منه : { فإنَّ اللهَ لما خلقَ الرَّحِم تعلقت بالعرش , قال : تكلمي ، قالت : هذا مقامُ العائذِ بكَ من القطيعة ، قال: ألا ترضينَ أن أصِلَ من وصَلـَكِ ، وأقطعُ من قطعـَكِ ؟ قالت : بلى . قال : فذلِكِ لكِ } فأنزل الله الرحم ، فمن وصلها وصلـَه الله ، ومن قطعها قطعَه الله .
فالذي لا يصلُ رَحِمَهُ يومَ العيد , كأنـَّهُ ما فعلَ شيئا ً. فإنَّ من أسرارِ العيد ِالمعاودة ؛ أن تـُدخِـلَ السرورَ على من جعلَ اللهُ بينـَكَ وبينهم وشائجَ قربى ، وأن تـُرِيَهُم نفسَك ، وأن يسمعوا حديثـَكَ وتسمع حديثـَهم ؛ لأن الحياة َ قصيرة فلا تـُقـَطـِّعهـَا بالقطيعة .
ومن أسرارِ العيد : أن تعودَ إلى صفِّ المسلمين , في الجُمَع ِ والجماعات ، في المناسبات ، في الأُعطيات ، في التبرعات ، وأن تقفَ صفاً مَعَهُم واحدا ً، فأنت عضوٌ حساسٌ من أعضائِهم ، وأنت مضغة ٌمن جسمِهـِم ، وأنت ذرة ٌمن هذا الكيان ِ الخالد .
فيا عبادَ الله :
فالمقصِدُ الأسمى من العيد هو غسلُ القلبِ من الأحقاد , والمصالحة مع الناس .
أيها الناس :
إننا اجتمعنا اليوم , على هذا الصعيدِ الطاهر , وهذا من السنَّة ُ التي سنها الحبيبُ عليه الصلاةُ والسلام , أن تصلى العيدُ في المصلـَّى
وهناك أمر يغفل عنه كثير من الناس في العيد وفي غير العيد , إن الله يأمر بالصلة والتزاور والتراحم , ولكن لا يسوغ هذا أن يُتعدى على أحكام الله , كا لدخول على غير المحارم والخلوة المحرمة بقصد التزاور , فالدخولُ على غيرِ المحارم من بنات ِ العم وبنات الخال وزوجات الإخوان وغيرِهن , أجمع العلماء على تحريمه تحريما قطعيا من الكتاب والسنَّة , وهذا عند بعض الناس إلا من رحم الله .
فما بالُ أقوام ٍ يتساهلونَ في المحرَّم , ويقعون فيه بأعذار ٍ واهيه , وهذا دليلُ ضَعفُ الإِيمَان , فمن طلبَ رضاء الناس بسخطِ الله سخط الله عليه وأسخط عليهِ الناس , ومن أرضى الله بسخطِ الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس . فالله الله بالتزام حكم ِ الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(المائدة: من الآية50)
الأمرُ الثاني : التساهل والتهاون في أمرِ المسلسلات والأفلام بل إنَّ من أبناءِ المسلمين الآن من يسمِّي أبناءَه بأسماءِ المطربين أو المغنين و اللاهين , فهذه التربية أنتجت جيلا هشا ً غير واع ٍ , أتظن أن من يسهر الليل مع الأغنية الماجنة أو المسرحيّة اللاغية أو أفلام الكرتون أن يصبح بارا مطيعا لوالديه , أو أن يكونَ لبنة ً صالحة ً في المجتمع , لن يكون كذلك إلا أن يشاء الله !
أمرٌ آخر : الظنونُ السيئة بالناس , والقولُ عليهم بالبهتان , وهذا محرم ٌ شرعا ً)َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)(الحجرات: من الآية12) ما ذا تستفيد من أكل ِ لحم ِ أخيك المسلم , قال صحابيٌ للرسول ِعليه الصلاة والسلام أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول ! قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته , فقد يرفعُ ذلك المظلومُ يدَهُ إلى السماء بدعوة لا ترد فيكون فيها لا قدّر الله إهلاكٌ لك , أو فتنة تصيبك , أو همٌ لا يفارِقـُك , اتقِ الله في أعراض ِ المسلمين . ومن تكلـَّم في عرض ِ مسلم ٍ فإنَّه والله الذي لا إله إلا هو موقوفٌ يوم القيامة بما قال كبيرا أم صغيرا , عظيما أو حقيرا , وتبسط له الصحائف وتشهدُ عليه اللسان , في موقفٍ يحتاجُ فيه إلى شفيع , فلا شفيع إلا العملُ الصالح .
فأعراضُ المسلمين ليست بالهينة , فعلينا أن نصون ألسنتنا وأيدينا عن أذيَّةِ عبادِ الله ولنتب إلى الله
الأمرُ الرابع :
الحقدُ والحسدُ والبغضاءُ لأمور ِالدنيا الفانية , ووالله وتالله ما فرَّقتِ الأسر , وفككتِ الشمل إلا أمورُ الدنيا الفانية , والحطامُ الزائل , لا بارك الله في عقارٍ كان بسببهِ تفكيك أسرة , ولا بارك الله في أرض ٍ كان بها زَرع ُ فـُرقة , ولا بارك الله في مال ٍكان بسببهِ خصومة (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:96)
يكـفـيك من ملـَكَ الدنيـا بأجمعــِها هل راحَ منها بغيرِ القطن ِوالكفن ِ
الأعذارُ تنفعُك في الدنيا , ولكن هيهات أن تنفعُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ٍ , حين يُبعثرُ ما في القُبور ويُحصَّلُ ما في الصُدُور .
إخواني وآبائي أذكِّر نفسي وإياكم بالآية التي غالبا ما نسمعُها , يقولُ الله : (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ويقول : (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى)
إذا أردت أن تنام وأنت قريرَ العين , مطمئنَ البال , مرتاح الفؤاد , استسمِح من الناس (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ودع ما في أيديهم , و تحرَّ في عيشِكَ الحلال , والتمس ِ الطيبِ من الرزق , ولو على شظفِ العيش , ولو على كسرَةِ خُبز ٍ, وهذا يدخلُ في حديثِهِ عليه الصلاة ُوالسلام في حديثِه : أطب مطعمك تكن مستجابَ الدعوة .
المقنعَ الكِندي , جاهليٌ , اسمعوا ما ذا يقولُ وهو في جاهليتهِ الجهلاء , فلنلاحظ الفرق بيننا وبينه ونحن في الإسلام وهو في الجاهلية ثم نقارن بيننا وبينه أينا أحسنُ حال من الآخر :
وإنَّ الــذي بيــنـي وبين بني أبي وبيــن بنـــي عمـّــي لمـختـلفٌ جدا
فإن يأكلوالحمي وفرت لحومَهــموإن يهـدمـوا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظتغيوبهموإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
ولا أحـمِـلُ الحـقد القـديــمَ عـلـيـهمُوليسكريم القوم من يحمل الحـقدا
لهـم جل مالـي إن تتابع لي غـنـىوإن قـــلَّ مــــالـي لم أكــلفهمرفدا
أيها الناس , عبادَ الله :
فلنتسامح ولنتصافى وليزر القريب قريبة والأخ أخاه , والجارُ جاره (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199)
ولنتصافح فإذا التقى المسلم بأخيه وتصافحا تحاتت خطاياهما , فليسلم كل منا على أخيه , وليسامحه , فمتاع الدنيا قليل وما عند الله خير وأبقى , وهذا كله لا لضعف أو خـَوَر , ولكن طلب ما عندَ الله (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ) (آل عمران:198)
أيتها الفاضلات : فوالله إن القلب ليسعد أن يرى الأخت والأم والابنة أمامه في مجامع الخير
وبما أنَّ أهل الباطل يجتمعون في مجالس ينكثون عهد الله ، ويحاربون أولياءَه ، ويحشدون حشودَهم من أجل ِمعاصيه ، فنحنُ اجتمعنا بإذن الله لمرضاةِ الله , واجتمعنا لنرفع لواءَه , فعسى الله أن يتقبَّـل منـَّا ومنكنَّ صالحَ الأعمال .
فالمرأة هي المربية للأجيال والصانعة للرجال , فلا يستقيم أمر الأمة ولا تصلُحُ أحوالُها إلا إذا صَلـُحتِ المرأة , فلكنَّ الفضل في التنشئة , ولكنَّ الفضل في التربية , ولكنَّ الفضل في إخراجِ الرجالِ إلى المجتمع , والمرأةُ راعية ٌ في بيتِ زوجِها ومسؤلة ٌ عن رعيَّتُها .
الأًُمُّ روضٌ إن تعاهده الحيا بالري إيرقَ أيَّما إيراق ِ
قالَ عليهِ الصلاةُ والسلام لفاطمة في أوِّلِ أيَّام ِالدَّعوة : يا فاطِمة , أنقِذِي نفسَكِ من النَّار , فأنِّي لا أملِكُ لكِ من اللهِ شيئا , وأنا أقولُ هذا اليوم لكلِ امرأة ٍ مسلمة تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر’ أنقَذي نفسَكِ من النار فإننا لا نملِكُ لكِ ولا لأنفسِنا من اللهِ شيئا .
قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الصحيح : عُرِضَتْ عليَّ النار, فرأيتُ أكثرِ أهلِهَا النساء , قالتِ امرأة ٌ يا رسولَ الله , ما بالُ النِّسَاء : قالَ : يكفرنَ , قيل يكفرنَ بالله , قال يكفرنَ العشيـر – يكفرنَ العشير ’ أي ِالزوج , يردُّونَ معروفَ الزوج , ينسُونَ جميلَ الزوج – قال :
ويُكثِرنَ اللعنَ , لو أحسنتَ إلى إحداهُنَّ الدهرَ ثمَّ رأت منكَ شيئا ً, قالت : ما رأيتُ منكَ معروفاً قط أو خيراً قط .
ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : اتقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء , فإنَّ أكثرَ فتنة َبني إسرائيل في النِّساء , حديثٌ صحيح .
ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : أخوفُ ما أخافُ على أُمتي ’ النِّساء . أو كما قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ .
لكن هناك على مرِّ التاريخ , نماذج أوجدها الله , منذ ُأن خلقَ اللهُ آدمَ إلى أن يرثَ الأرض ومن عليها ,هناكَ نساءٌ مُسْلِمَاتٌ مُؤْمِنَاتٌ قَانِتَاتٌ خاشِعاتٌ عَابِدَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ
ومِنهُنَّ سارة زوجة ُ إبراهيم عليهِ السَّلام , كانت عابدةً لله منيبة مُخبِتة , أسلمت قلبَهَا إلى الحيِّ القيّوم , فعَصمَهَا وحماها من الفواحِش , ذهبَ إبراهيمُ عليهِ السَّلام معَ زوجَتِهِ سارة إلى مِصر, وكان على مصر ملِكٌ طاغية من الطُغاة , فاجرٌ من الفجَّار, جبَّارٌ من الجبابِرَة , كان يأخذُ النِّساء غصباً , فأخذ َسَارة من إبراهيم , فلمّا دخلَ عليها توضأت وصلَّت ركعتين , وأسلمت قلبَها إلى الله , وسألتِ الواحدِ الأحد أن يعصِمَهَا من هذا الفاجِر , فأقبلَ منها الملِك فركضت رجلُهُ وخُسِفت في الأرض , فرفعَ عنها , ثم أقبلَ منها , فاستعاذت بالله فانحدرت رِجلُهُ في الأرض , أخذت بِهِ قشعريرة , ثم َّ عادَ عنها ثم رجعَ الثالثةَ فاستعاذت باللهِ منهُ فَخُسِفَت رِجْلـُهُ في الأرض , قال إنَّما قرَّبتم لي شيطانة خذوها , وهو الشيطان , فذهبت فأعطاها جارية فقالت لإبراهيم : كفانا اللهُ الفاجِرَ واخدَمنا جارية . وهذا درسٌ للنِساء أنَّ من اعتصمَت بالله , واتكلَت على الله , والتجأت إلى الله عصَمهَا الله , وحمى الله عِرضَهَا , وأسلمَ قلبَهَا للواحدِ الأحد .
ومنهُنَّ هاجَر, امرأة ُإبراهيم عليهِ السَّلام أيضا ً, أُمُّ إسماعيل , عابدةً موحِدةً منيبةً ً قانتة ً ساجِدة , خرجت مع إبراهيم إلى مكة , وادٍ قاحِل , صحراء , جبالٍ سود , لا شجر , لا حدائق , لا بساتين لا أنهار , أوحى الله إليه أنِ اترِك هاجر وولدَها واذهب إلى الأرض قيل إلى العِراق , وقيلَ إلى فلسطين , فتركَهَا إبراهيم وذهبَ , قالت : إلى من تكِلُنا يا إبراهيم , قال : إلى الله , ومنِ اكتفى باللهِ كفاه , ومنِ احتمى بالله حماه , ومنِ التجأ إلى الله آواه , قالت أآللهُ أمرَكَ بهذا , قال نعم , قالت إذاً لا يُضيُعُنَا الله , تركَ شيءٍ من تمر . لا ماء , لا طعام , ففارقَهُما فلما اختفى من الجبل ’ إبراهيم , إمامُ التَّوحيد , أُستاذُ العقيدة , حامِل لا إلهَ إلا الله في الأرض , ذهب وقد تركَ النور, وترك المعلمة , وترك الزاهدةُ العابدة , ترك زوجته , تركَ شقيقة دعوته , ونبراس حياته , ترك فلذة ُكَبِدِه إسماعيل , فلما اختفى عنِ العُيون تذكَّرهما , فدمعت عيناه وقال : (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (ابراهيم:37)
ما أحسنَ الكلام , أحسن كلام في تاريخِ الإنسان , وبالفعل رزقَهُمُ اللهُ الثمرات , لا يجوع جائع في مكَّة , الحجَّاج لا يموتون من الجوع , يموتون مِنَ الشمس , أمَّا الجوع فلا , ثمراتُ الأرض تاتي إلى مكَّة , وتهوي قلوبُ الملايين ِالمُمَلينة , تهوي إلى مكة , يقولُ ابنُ القيِّم : عجيب , تتقطَّعُ الأحذية في الطُرُق إلى مكَّة , والبِغال , والخُيول والجِمال , وأزيزُ الطائرات , وضجَّة ُ السيَّارات كُلُهَا تهوي إلى مكَّة بالملايين , مسلمو الصين , ومسلمو العِراق , ومسلمو السودان , ومسلمو اليابان , كُلُهَا تقول لبيكَ اللهمَّ لبيك .
ترَكَهَا ونفدَ طعامُها و ضَمئَ ولدُها , فأخذَ يصرُخ , قامت تبحث عنِ الماء , سبعة أشواط وهي تبحث في الوادي , تصعدُ على جبل ِ الصفا علـَّها ترى أحدا أو ترى ماءا أو شيئاً , فتسمعُ صراخ طفلها فتعود , قلبهُا يتقطع , ودمُهَا يعتصر , تذهب ناحية أخرى إلى جبلِ المروة تلتمسُ الماء , فتسمعُ الصراخ , فتعود , ودَّت أن جسمها خبزا تقدِّمهُ لصغيرِها , وودت لو أنَّ ريقَها ماءا تطفئُ بِهِ عطشَ إسماعيل , تخافُ على صغيرِها من الظمأ , تخافُ على حبيبِها , تخافُ على فلذةِ كبدِها , تخافُ على حياتِها ومستقبلِها , فرَكضَ برِجله فخرج الماء , وقيل خرج ملك وضرب الأرض بجناحِهِ فنبعَ الماء , وقال لها : سيأتي إبراهيم وسيبني البيت الحرام مع اسماعيل , فأخذت تحوِّلُ الماء وتقول : زمزم .. زمزم . قال صلى اللهُ عليهِ وسلَّم – رسولُنا , حبيبُنا يعلِّق على القِصَّة : " رَحِمَ اللهُ أمِّ إسماعيل لو تركت زمزم لكانت وادٍ معينٍ , أو نهراً جاريا , لكنَّها حضنتهُ أو حفَّتهُ فأصبَحَ بئرا " عليهم رضوانُ الله .
إمرأة ُعِمران , إمرأةٌ صالحة , منيبة , عابدة , عِمران زوجُها كان من عُبَّاد بني إسرائيل , والعبدُ الصَّالِح يرزقـَهُ اللهُ على نيَّتِه , وعلى اتجاهِه , كانت تقرأ في كلِّ صباح في حديقةٍ بجانبِ بيتِها في أرض ِفلسطينَ المحتلَّة , التي أخذَها اليهود , يومَ أن عجزتِ نساؤنا عن إخراجِ أمثالِ عمر وصلاح الدِّين , يومَ أن أخذها اليهودُ غصبا من أيادي المسلمين , ولا نزالُ على وصمةِ العار , وفي جبينِنَا العارُ وعلينا العارُ والدَّمارُ حتَّى نستعيدَ فلسطين , ونُعيدَ بيتَ المقدس تحتَ لواءِ الإسلام , أي شرف نتشرف والأرضُ في يدِ رابين , في يدِ شارون , في يدِ أبناءِ القِردة والخنازير
كيف أبقيتِ على الذُّلِّ ولم تنفُضي عنكِ غبارَ التُهَمِ
ربَّ وا مُعتصِماهُ انطلقت ملءَ أفواهِ الصبايا اليتَّمِ
لا مست أسماعُهم لكنها لم تلا مس نخوة المعتصمِ
في فلسطين اليوم , طفلٌ يقول واإسلاماه , وعجوزٌ تقول : واإسلاماه , وشيخٌ يقول : واإسلاماه و ومصحَفٌ يقول : واإسلاماه , ومسجِدٌ يقول : واإسلاماه , فأين بليون مسلم , بليون مسلم أين هم ؟ مليون إسرائيلي يهودي مع مائة مليون مسلم , أعجزت أرحامُ نسائِنا عن إنجابِ أمثال ِصلاح ِ الدين والمثنَّى وطارق بن زياد .
وأُسدُ غابٍ إذا نادى الجهادُ بهم هـبُوا إلى الموت يستجدون رؤياه
فأتتِ إمرأةُ عِمران وقالت يارب ارزقني ولد , فرزقهَا اللهُ فحملت بحمل ,فتمنت أن يكونَ ولدا , ونذرت لله إن أنجبت أن يكونَ خادما لبيتِ المقدس , فوضعت ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(آل عمران: من الآية36) اسمع ما أحسن الكلام ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَن ٍوَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) أتت أمُ مريم وقالت : يا رب ظننتُ أنهُ ولد , ونذرتُ أن يخدَمَ المسجد , لكن أتى بنت , وأنت أعلم , فتقبلها يا رب , فأصبحت خير من ألوف مؤلفة وملايين مُملينة من الرجال , وأصبحت ساجدة وعابدة لله , يأتيها رزقُها صباحَ مساء كرامة ًمن الله ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(آل عمران:37)
وأتت بعيسى ابن ِ مريم من أولي العزم عليهم السلام .
وأمَّا خديجة زوجة ُمحمد عليه الصلاة والسلام , فهي أوَّلُ امرأة في عصرِ تاريخِ الدَّعوة سكبت عرَقها , ودَمَها , ومالَها , ودُموعَها , لنصرةِ هذا الإنسان العظيم , الذي قاد سفينة َ الحياة إلى شاطئِ النَّجاة .
عاش محمد عليه الصلاة والسلام في امَّةٍ جاهلة , وجاءَهُ جبريل فغطـَّهُ وقال : اقرأ , فخافَ وذهب وهو يرتعد , قالت خديجة : لا عليك , كلا والله لا يُخزيك الله ’ إنَّك لتصِلُ الرَّحِم , وتحمِلُ الكلَّ , وتُعينُ على نوائبِ الحق , وتُكسِبُ المعدوم , وتـُقري الضيف .
أمَّا إمراة ٌ شاكية , يأتي جرح , يأتي ألم , تولول , وتجلجل , فتذكر المصائب وتذكرُ الأحداث , وتجمعُ المشاكل , فليست على طراز خديجة رضي الله عنها وأرضاها .
خديجة رضوانُ اللهِ عليها , سلَّم عليها الله من فوق ِسبع ِ سماوات , قال عليه الصلاة والسلام
: ( يا خديجة , إنَّ جبريل أتاني , يـُقـرِئـُكِ من الله السلام , ويبشِرُكِ ببيتٍ في الجنَّة من قصب – من جوهر , من لؤلؤ , يُرى ظاهِرُهُ من باطِنه – لا صخبَ فيهِ ولا نصب – لا صوت ولا صياح ولا مُشكِلة – ) رضي اللهُ عنها وأرضاها , ما أحسنَها في تاريخِ الدَّعوة .
ولها قصة ٌ ثانية في بدايةِ الدَّعوة , يقول صلى الله عليه وسلم لها : يا خديجة أرى رجلا ً يدخُلُ عليَّ البيت , قالت : تعالَ , فجعلتهُ عن يمينِها قالت أتراهُ قالَ : نعم , فجعلتهُ عن يسارِها قالت أتراه قال : نعم , فكشفت شيئا ًعن رأسَها , قالت أتراه قال : لا , قالت هذا ملكٌ وليسَ بشيطان , المَلـَكُ لا ينظرُ إلى المرأة , في تاريخ ِ الدَّعوة كانت من أعقلِ النِّساء , وكانت تاجِرة , دفعت ما لَها لِمُحمَّد عليه الصلاةُ والسلام في سبيلِ الدعوة إلى الله , فضحّت للدعوة إلى الله ولم تكسب منها , وأعطت ولم تأخذ , ويومَ جعلنا من الدعوةِ مغنما , ومن التعليمِ مكسبا , ذهبَتِ البركة ومُسِخت وتلاشت , خديجة قدِّمت مع حبيبِها عليه الصلاةُ والسلام أعظم رسالة في تاريخ ِالإنسان , وتعبُرُ هذهِ الرِّسالة المحيطات , ويكونُ لخديجة أجر هذهِ الدَّعوة , التي جلسنا بإذن الله اليوم على هذهِ الدَّعوة ِالمباركة
لـمَّـا دعى اللهُ داعينا لِطاعَتِهِ بأشـرفِ الرسل ِ صرنا أشـرفَ الأمـم ِ
إذا ً!! كيف تكوني مؤمنة , كيف تكوني ناسكة عابدة , كيف تكوني ممن قال الله فيهِن (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(النساء: من الآية34) .
فعليك أيتها المربية الفاضلة أن تحققي الإيمان , أوصيك ونفسي بذلك . إيمانٌ بالله سبحانَهُ وتعالى , إيمانٌ يُصاحِبُكِ صباحا ومساءا , في الحلِّ والترحال , قائمة ً, وقاعِدة ً تذكرينَ اللهَ في الخلوةِ والجلوة , في السرِّ والعلن , والسراءِ والضراء , لسانـُكِ يلهجُ بالتسبيحات , وطرفـُكِ يتأملُ الآيات , وتكونُ رَقـابَة ُاللهِ أقربُ إليكِ من حبلِ الوريد , واجِبُكِ في البيت عملُ الطاعات والتقرُّبِ إلى الله بالأعمالِ الصالحات , من صلاةٍ وصيام ٍ وزكاةٍ , وذكرٍ واندفاع ٍللخير , تصونين بيتـَكِ , تغسِلينَ ثيابَكِ , تُصلِحين شأنَكِ , تطبُخين طعامَكِ وأنتِ تذكرينَ الواحِدُ الأحد , حدث شيء قولي قدر الله وما شاءَ فعل , حصل مكروه قولي لا حول ولا قوة إلا بالله , حصل ما يغضِبُكِ أو ما يفرحك قولي الحمد لله .
وأيضا : لزومُكِ بيتُكِ وعدمُ خروجِكِ إلا لحاجةٍ ماسَّة , فبيتـُكِ أمانـُك , ومستقبلـُكِ وسترُكِ (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب: من الآية33) فتقلل وتُجَّنِبُ الخروجات التي لا فائدة َ منها ومجالس القيل والقال , وتتجنب مجالس الغيبة والنميمة .
وكذلك : غضُ البصرِ وحفظُ النفسِ وحفظُ الزوجِ والأهل بظهرِ الغيب , يومَ تنامُ العيون إلا عينُ الله , ويومَ تغفـُلُ الرقابات إلا رقابة ُالله , ويومَ لا يعلمُ ما في السرائر ويكشِفُ الضمائر إلا الله , تُصبِّرُ نفسَها , وتخفِضُ طرفـَها , وتصونُ سمعَهَا , فبذلك تكون قد حفظت نفسها وصانت كرامتـَها عن الوقوع ِفي أعراض ِالنَّاس , وبذلك يرضى الرحمنُ عليها ويُدخِلـُهَا جنة ًعرضُهَا السماواتُ والأرض وينجِّيها من نارٍ تلظَّى بإذنهِ سبحانه .
يقول صلى الله عليه وسلم : أُرِيتُ النار فرأيتُ أكثرِ أهلِهَا النِّساء , فالمرأةُ شأنُها عظيم , المرأة إذا فسقت تصبح كالساحرة , تفرِّقُ بين المرءِ وزوجه , وبينَ الأصحاب , وبين الخلان , وبين الجيران , وبين القبائل وبين العشائر’ عبس وذبيان سكبوا دماءَهم وأهلكوا قبائلـَهم لاجل ِالنساء , وحرب داحس والغبراء ما أشعلتها إلا امرأة .
أما اذا اتقتِ الله وصلـُحت كم لها من الأجر , فتصبح كما قال القائل :
ويجب على المرأة المسلمة حِفظ ُسَمعِها عن الغنا والخنا وما في حُكمِه , هذا عصرُ الغناء , هذا عصرُ التمثيليات , هذا عصرُ المسرحيَّات , هذا عصرُ المسلسلات , هذا عصرُ الضياع إن لم يحفظ الله العبد في بيته .
انظر لعبد في بيتِه , يترك بيتـَه ثم يملأهُ بأدوات ِاللهو وأدواتِ الغناء والمسلسلات والفضائيات , ما ذا نقول ؟ ما ذا نقولُ لخالقِنا وقد فرَّطنا في ما استأمننا عليه من بيوتٍ وذريَّة ونساءٍ وأطفال ؟ ما ذا نقولُ إذا بُعثِرَ ما في القبور وحُصِّلَ ما في الصدور؟ ما ذا نقولُ لنبيِّنا ’ يوم يذادُ أقوامٌ عن حوضِه فيقولُ : يا ربِّ أمتي أمتي .. فيقالُ له : ما تدري ما ذا أحدثوا بعدك , والله يرينا الآيات تلو الآيات والعبر تلو العبر فهل من مجيب وهل من متعظ ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)(فاطر: من الآية37) (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)(التوبة:126)
ألا .. إنَّ الله سائلُ كلِّ من استرعاه رعيه سائلـُهُ يومَ القيامة حفظ أم ضيّع , كيف يهتدي البيت ؟ كيف تدخل الملائكة ؟ كيف يأتي رغدُ العيش ؟ أيُّ رَجُل ٍهذا تكفيهِ الصلوات الخمس في المسجد ويضيِّع بيته , وأيُ امرأة تنشغل عن تربية اطفالِها ورعاية بيتِها بأمور تافهة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظ ٌشِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)
عصرُ فتنة , عصرٌ تنقلُ لكَ الشاشة ما يدورُ في باريس , وواشنطن وموسكو , عصرْ تأتيكَ المسرحيَّة بما يدور في الخمَّارات والدعارات والبارات , وأنت في البيت , عصر ترى فيه الأشكال من يهوديَّة وصهيونية عالمية وشيوعية وما سونية وعلمانية وأنت جالس مكانك , إن لم تتحصن بالإيمان , وتقوى الله . (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان ٍأَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(الطور:21) .
وعليكِ احترامُ الزوج , والقيامُ بحقه , والحرصُ على راحتِه , وطاعتِه في طاعةِ الله , الزوجُ أوسطِ أبوابِ الجنة إن حفِظتهُ الزوجة دخلت من هذا الباب إلى الجنَّة , وإن ضيعته ضيعت طريقَ الجنّة , يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام في حديثٍ صحيح : لو أمرتُ أحداً أن يسجُدَ لأحد لأمرتُ الزوجة أن تسجد لزوجِها .
فلا إله إلا الله كم للزوج ِمن حقوق , ولا إلهَ إلا الله كم لهُ من واجبات , ولا إله إلا الله كم ضُيعت حقوقُ الزوج , بعضُ النساءِ اليوم لا ترى لزوجِها عليها فضل , ترفع صوتـَها عليه , تخاصِمُه , تلقاهُ بغضب , تجمّع عليه الخصومات , وهو الذي يكدحُ عليها , وهو الذي حمى عرضَها , وهو الذي اختارها وأخذها من بيتِ أبيها , فعصَمَها بإذن الله من الفاحِشة , وهو الذي رعاها , وهو الذي قدَّم عرَقـَهُ ودُموعَهُ ووقتَه من أجل ِلقمةِ العيش , وهو الذي يقوم بكلِّ شيء من أجل ِهذهِ المرأة .
وأيضا اقتصادُ المرأة في المعيشة , وعدمُ الإسراف في المأكل والملبس والمسكن , فلا بد أن تراجع حسابَها مع الله , أين هي من قولِهِ سبحانه : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(لأعراف: من الآية31)
ومن صفات المرأة المسلمة عدم التـّشبّه بالرجال ( لعنَ اللهُ المتشبهينَ من الرجال ِبالنِساء , و المتشبِّهاتِ من النِّساءِ بالرِجال ) حديثٌ صحيح , عصر انعكست المفاهيم , قال الشيخ العثيمين عليه رحمة ُالله عن ذلك فقال : أرى أن لا ينساق المسلمون وراء هذه الموضة وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر , وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة .
وعلى المرأة ورفيقاتها التناصح دوما , ودعوتـُها أخواتِها , والأمر بالمعروف والنهي عن ِ المنكر , لابد على المرأة أن إذا ذهبت لجاراتِها أو رفيقاتِها , أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عنِ المنكر , إذا دخلت مجلس غيبة ونميمة تنصح وتنهى بالحسنى ولا تشاركهُنَّ , تنصح في الزواجات وفي اللقاءات وفي مواطن ِالفرح ِوالحزن , تعلـِّم , وتحاول أن تُصلِح وأن تكون قدوة في أقوالها وأفعالها , وكلُّ هذهِ الطرُق تحتاجُ مجاهدة ومصابرة ومثابرة , لن تؤتى المرأة تلك الصفات ما لم تضغط على نفسِهَا , وتعوّد نفسها على العمل بما ذكر , تلك هي صفاتُ المرأة المسلمة , وبعضُها مختصرة في هذه المطويَّة التي يتم توزيعها , على المرأة أن تقرأها , وتكررها , وتمعن النظر فيها .
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ .
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: { نعمتان مغبونٌ فيهِمَا كثيرٌ منَ الناس : الصحة ُ والفراغ } وصحَّ عنه عليه الصلاة ُوالسلام أنه قال : { لن تزولا قدما عبدٍ يومَ القيامة ، حتى يسأل عن أربع , وذكرَ عمرُهُ فيما أبلاه } أين صرفتَ عمرك ، لياليك وأيامك , لحظاتك وثوانيك
فارفع لنفسكَ قبلَ موتكَذكرَهافالذكرُللإنسان عمرٌ ثان
أيها الآأيها
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[الحاقة:18].
غداً يظهر العمل ، غداً يظهر الحساب ، ويرجح الميزان قال تعالى :
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ[الأنعام:94]
هذه رسالتـُنا أحببنا أن تصلَ اليكنَّ .
اللهم الف بين قلوبنا , وأصلح ائمتنا وولاة أمورنا , اللهم واختم بالصالحاتِ أعمالِنا , وأصلح لنا جميع أحوالِنا , اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرِنا , وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشَنا , وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادَنا , واجعل الحياة زيادة ًلنا في كلِّ خير , والموت راحة ً لنا من كلِّ شر , اللهم أكرم مآلنا وأصلح بالنا وحسّن حالنا وقوِّ حبالنا , اللهم أصلح ولاة الأمور , وارزقهم البطانة الصادقة الناصحة , اللهم من أرادنا وبلادنا بسؤ فاشغله بنفسه و اجعل كيده في نحره وتدبيره تدميرا عليه , اللهم من دبر لأوليائك المكائد ولعبادك الشدائد فقطع مفاصلة وأصب مقاتله واحبك سلاسله وانسف معاقله , اللهم اطلق المعتقلين من المعتقلات وسرّح المأسورين من الزنزانات , وارحم الأحياء والأموات واغفر للآباء والأمهات ، اللهم بك خاصمنا ، وإليك حاكمنا ، وبدينك رضينا ، وإلى رحمتك رغبنا ، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت , اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .
عباد الله :
وصلوا على البشير النذير والسراج المنير يقول سبحانه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب:56)
اللهم صل على الشفيع وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا , وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن سائر ِ صحابةِ رسول الله , وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين .
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين
منقووووووووول