إخوتي وأخواتي في الله:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
فيما يلي الخواطر القرآنية الخاصة بسورتي: يوسف،والرعد للأستاذ "عمرو خالد" ،جزاه الله خيرا.
وأود أن أؤكِّد أن السطور التالية (وكل ما نقلته سابقاً ) هي ما فهمته من هذه الخواطر …فما جاء بها من صواب فبفضل الله وحده،وما جاء بها من خطأ فمن نفسي…وأرجو أن تسامحوا غفلتي أو جهلي، و يا حبَّذا لو تُقيلوا عَثرتي يكُن لكم الثواب …فما قصدت بكتابتها إلا النفع والفائدة للجميع ابتغاء مرضاة الله…و الحمد لله رب العالمين .
سورة يوسف
هذه هي السورة الوحيدة في القرآن التي تقص قصة كاملة بكل لقطاتها،لذلك قال الله تعالى عنها أنه سيقصُّ على النبي صلى الله عليه وسلم:" أحْسنَ القَصَص" وهي أحسن القصص بالفعل –كما يقول علماء الأدب وخاصة المتخصصين في علم القصة- فكل عناصر القصة الجيدة متوفرة بها من التشويق ، واستخدام الرمز ،والترابط المنطقي … وغير ذلك ،فهي تبدأ بحلم،وتنتهي بتفسير هذا الحلم .
ومن الطريف أن قميص يوسف استُخدم كأداة براءة لإخوته ، فدل على خيانتهم… ثم استُخدم كأداة براءة بعد ذلك ليوسف نفسه،فبرَّأه!!
ونلاحظ أن معاني القصة متجسِّدة وكأنك تراها بالصوت والصورة،وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها ومن أبدع ما تتأثر به..ولكنها لم تجيء في القرآن لمجرد رواية القصص ولكن هدفها هو ما جاء في آخر سطر من القصة وهو:" إنَّهُ مَن يتَّقِ ويَصبر،فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنين"
فالمحور الأساسي للقصة هو: ((ثِق في تدبير الله ،واصبر ولا تيأَس))
والملاحظ أن السورة تمشي بوتيرة عجيبة ، مفادها
أن الشيء الجميل قد تكون نهايته سيئة،والعكس!!!!!
فيوسف أبوه يحبه- وهو شيء جميل- فتكون نتيجة هذا الحب أن يُلقى في البئر!!!
ثم الإلقاء في البئر شيء فظيع ،فتكون نتيجته أن يُكرَم في بيت العزيز!!!
ثم الإكرام في بيت العزيز شيء رائع،فتكون نهايته أن يدخل يوسف السجن!!!
ثم أن دخول السجن شيءٌ بَشِع ، فتكون نتيجته أن يصبح يوسف عزيز مصر!!!!!
والهدف من ذلك أن تنتبه أيها المؤمن إلى أن تسيير الكون شيءٌ فوق مستوى إدراكك فلا تشغل نفسك به، ودعه لخالقه يسيِّره كما يشاء وفق عِلمه و حِكمته …فإذا رأيت أحداثاً تُصيبُ بالإحباط ولم تفهم الحكمة منها،فلا تيأس ولا تتذمَّر،بل ثِق في تدبير الله ،فهو مالك هذا المُلك ،وهو خير مُدبِّر للأمور.
كما يفيد ذلك في أن الإنسان لا يجب أن يفرح بشىء قد يكون ظاهره رحمة،ولكنه يحمل في طياته العذاب!!!!! والعكس.
والعجيب أنك في هذه السورة لا تجد ملامح يوسف النبي ،بل تجدها في سورة "غافر"…أما هنا فقد جاءت ملامح يوسف الإنسان الذي واجه حياة شديدة الصعوبة منذ طفولته ،ولكنه نجح!!!!
ليقول لنا إن يوسف لم يأتِ بمعجزات ،بل كان إنساناً عاديَّاً ولكنه اتَّقى الله ،فنجح!!!!
وهي عِظة لكل شاب مُسلم مُبتَلى، أو عاطل ويبحث عن عمل …وأمل لكل مَن يريد أن ينجح رغم واقعه المرير!!!
فهذه هي أكثر السور التي تحدَّثت عن اليأس،قال تعالى:
" فلمَّا استَيأسوا منهُ خَلَصوا نَجِيَّا"80
"ولا تيأسوا مِن رَوحِ الله إنَّهُ لا ييأسُ مِن رَوحِ الله إلا القومُ الكافِرون"87
"حتى إذا استيأس الرسلُ وظَنُّوا أنََّهُم قد كُذِبوا جاءَهُم نَصرُنا "110
وكأنها تقول لك أيُّها المؤمن:" إن اللهَ قادر…فلِمَ اليأس"؟
إن يوسف –رغم كل ظروفه الصعبة لم ييأس ولم يفقد الأمل …فهي قصة نجاح في الدنيا والآخرة:
في الدنيا: حين استطاع – بفضل الله، ثم بحكمته في التعامل مع الملِك- أن يُصبح عزيز مصر.
وفي الآخرة : حين تصدَّى لامرأة العزيز ورفض الفاحشة ، ونجح.
ولقد نزلت هذه السورة بعد عام الحزن حين كان النبي صلى الله عليه وسلم على وشك الهجرة وفراق مكة ..وهنا نلاحظ أشياء مشتركة بين يوسف والنبي صلى الله عليه وسلم:
يوسف ترك بلده فلسطين ، والنبي على وشك ترك مكة أحب البلاد إليه.
ويوسف فارق أهله، والنبي فارق أهله.
ويوسف انتصر….وكأن الله تعالى يريد أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إن يوسف مر بظروف مشابهة لظروفك،ولكنه انتصر….وكذلك أنت ،سوف تنتصر مثله بإذن الله !!!
ولقد كان الرسول وصحابته في أمس الحاجة لهذه المعاني،فقد نزلت السورة وهم في مرحلة معنوية هابطة .
ولعل هذا يذكِّرنا أيضاً بمرحلة الهبوط الشديد الذي تعاني منه الأُمة اليوم…وكأن الله تبارك وتعالى يقول لنا:" لا تيأسوا فالنجاح قادم"!!!
فهذه السورة تعلِّمنا الأمل …ولكن تذكَّر أنه بعد النجاح مطلوب منك التواضع!!!
لأن النجاح فضلٌ من الله …فلا تدع غمرة النجاح ونشوة الانتصار تنسيك التواضع لله ،وليكُن قدوتك في ذلك يوسف عليه السلام حين قال في نهاية القصة في الآية(101)"ربِّ قد آتَيتَني من المُلك وعلَّمتَني من تأويلِ الأحاديث* فاطِرَ السماواتِ والأرضِ* أنت َولِيِّي في الدنيا والآخرة* توفَّني مُسلِماً وألحِقني بالصالحين"… وكأن الصالحين سبقوه وهو يريد اللحاق بهم!!!!!
هذه السورة ،كما قال العلماء: " ما قرأها محزون ٌإلا سُرِّي عنه"!!!
وختاماً: هل تستطيع أيُها الشاب المسلم أن تنجح في الدنيا والآخرة؟؟!!!
إذن تعال وتعلَّّم من سورة يوسف!!!!
***
سورة الرعد
إن هدف هذه السورة واضح وقوي وصريح،إنها تريد أن تقول أن الحق واضح وقوي وراسخ…بينما الباطل زاهِق، وضائع ،وضعيف…مهما ظهر للناس عكس ذلك، ومهما طغا الباطل وساد!!!!
فالناس تنخدع بالباطل وترى له نشوة، وسيطرة، وبريق، فتظن أن الباطل هو الحق..فيختلط الأمر عليهم ، ولكن الله تعالى يقول لنا:" لا تنخدعوا بمظاهر الأشياء ،واعلموا أن الحق راسخ وأن النصر في النهاية للحق"!!!!
والدليل على ذلك أن الرعد صوته مُخيف ومزعج، ولكن هذا الصوت ما هو إلا تسبيح…كما أن في باطن هذا الرعد الرحمة ،وفي طيَّاته الخير: وهو المطر الذي تشربون منه وتقوم عليه كل حياتكم!!!
فاعلموا أن الحق قد يكون ظاهره سيء،فلا تنزعجوا منه !!
ثم لا تنخدعوا حين ترون الباطل مزدهراً فتجرون وراءه كما يفعل ضعفاء القلوب والإيمان .
لذلك نرى أول آية من السورة تقول:" ألمر تِلك آياتُ الكتاب * والذي أُنزِلَ مِن ربِّكَ الحقُّ ولكنَّ أكثر الناسِ لا يُؤمِنون"!!! لماذا لايؤمنون بالحق؟ لأن الباطل له بريق وبهاء ظاهري ينخدع بهما مَن لا يرى الأمور على حقيقتها.
بعد ذلك تتحدث السورة (في الآيات 4،3،2)عن مظاهر قُدرة الله في الكون ،وهي مظاهر الحق في مُلك الله.
مَن هو الحق؟! الله هو الحق ، والقرآن هو الحق ، واتّباع القرآن هو الحق…وكأنَّها تدقُّ على رأسك قائلة:" مَن الملِك؟ مَن المُسيطر؟ مَن المُسَخِّر؟"
تقول الآية (4) في نهايتها:" إن في ذلك لآياتٍ لِقَومٍ يعقِلون"،ثم تعقِّب الآية(5) :" وإن تَعجَب فَعَجَبٌ قَولُهُم أَإذا كُنَّا تُراباً أإنَّا لَفي خَلقٍ جديد؟؟!!!"
فبعد كل ما ذكره الله من آيات كونية تنخدعوا بالباطل حتى تظُنُّوا أنه لا يوجد بعث أو حساب ؟!!!!
ثم بعد ذلك يقول لنا الله سبحانه:" أنظر إلى فعل الحق في الكون"!!! فيعرض المتناقضات الموجودة في الكون التي لا يستطيع أن يجمعها ويؤلِّف بينها إلا الله ،ومنها:
أسرَّ القول ،وجهَرَ به
مُستَخفٍ ، و سارِب
يمحو، ويُثبِت
خَوفاً ، وطَمَعاً
يَبْسُط ،ويَقدِر
الأعمى ، والبصير
ظُلُمات، و نور
حق، و باطل
حتى الرعد نفسه الذي يتكون من شُحنات سالبة ،وموجبة!!!وهذا تناقض في الرعد كظاهرة كونية من الناحية العلمية …ومن ناحية أن ظاهِِرُهُ باطل ،وباطنه حق!!!!!
فإذا لم تُصَدِّقوا الحق،فكفى بالله شهيداً بيني وبينكم!!!!
ثم تأتي الآية (31) لتدل على قوة الحق تقول:"ولَو أنَّ قُرآناً سُيِّرَت به الجِبالُ أو قُطِّعَت بِهِ الأرضُ أو كُلِّمَ بِهِ المَوتَى * بل لِلَّهِ الأمرُ جميعاً "
أي أن هذا القرآن هو أقوى شيءٌ في الوجود !!!
فلو كان هناك في الدنيا قوة تستطيع تحريك الجبال أو تُحيي المَوتى لكان هذا القرآن هو الذي يفعل ذلك…ولعل هذا يذكِّرنا بالقُوى التى تملكها الدول الكُبرى الآن كالقنابل النووية والتقدم العلمي المُذهل الذي وصل بهم إلى غزو الفضاء..وغير ذلك،فلا تنبهر بها،بل ثِق في القرآن!!!!
فمن عظَمة القرآن وقوَّته أنه يستطيع تغيير مجرى السماوات والأرض!!!
كيف؟!!!
حينما تحملونه في قلوبكم و تنفِّذونه بجوارحكم.
والدليل أن الأمة التي كانت ترعى الغنم لم تسود الدنيا وتقود الأرض إلا بعد أن حفظه أفرادها في قلوبهم وعقولهم،وتحرَّكوا به آناء الليل وأطراف النَّهار…. فكانت كل جوارحهم تتحرك بأوامر القرآن .
و لعلنا لنلاحظ أن هذه السورة بأكملها تدور حول:" له ُدعوة الحق" أي لله وحده دعوة التوحيد "لا إله إلا الله" فلا يُعبَدُ ولا يُدعَى إلا هو!!!!
ثم شبَّه الألهة التي تُعبد من دون الله في عدم إجابتها للدعاء كعطشان يبسط يديه إلى الماء من بعيد ليصل إلى فمه ،فلا يصل إليه .
وهكذا حال كل مَن يجري وراء الشهوات، يظل يجري وراءها لتُشبِعُه ،ولكنها أبداً لا تُشبعه ، ولا يرتوي مهما اغترف منها … وكلما نال من الشهوات وجدها سراباً!!!
و هكذا الباطل !!!
فالباطل كالقش ,أو الزَّبَد أو الغُثاء الذي يطفو فوق سطح الماء حين ينزل المطر سيلاً،ولكنه غير نافع…أما الماء الصافي النافع فيجري حتى يستقر في الأودية ،ويمكث في الأرض!!!
وكذلك الذهب حين يُنَقَّى فإن ما يطفو فوق السطح منه هو الخَبَث..وأما ما يستقر في الأرض فهو الذَهب الخالص!!!!
فالباطل قد يطفو ويعلو ويرتفع…ولكن الحق يظل راسخاً ثابتاً في الأعماق !!!
والحق راسخٌ وباقٍ ونافع،حتى ولو لم يظهر لعينيك…أما الباطل فزاهق ،بلا جذور…حتى ولو كان لامعاً يخطف بريقه الأبصار!!!!!!
****
.
ِ